شارك المقالة:

    قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[1]

   وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )[2] أي: وقاية.

    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ثلاثة حق على الله عونهم:  المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف،  والمجاهد في سبيل الله )[3].

      والحياة الزوجية من أهم الأمور التي لابد من الاهتمام بها، فمن خلالها يُبنى جيل صالح يتفهم الحياة ويتحمل الأعباء والمسئوليات، ولكن لإنشاء بيت صالح لابد من حسن اختيار الزوج والزوجة، فهما الأساس الذى إذا صلح كانت العواقب طيبة، وإذا فسد كانت العواقب وخيمة.

 

أولا : اختيار الزوج :

 

   قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير)[4] .

   وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا  إليهم)[5] .

   وقال بعض السلف الصالح: النكاح رقٌّ، فلينظر أحدكم عند من يرقُّ كريمته.  

   وقال بعضهم: لا تُنْكِحْ إلا الأتقياءَ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها.

 

   فعلى أهل العروس أن يزوِّجوا الذي يرضون دينه وخُلُقَه كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى الحديث الشريف .

ومعنى التدين هو أن يكون الرجل سويا فى عبادته قائما بها، عاملا بمحاب الله ومراضيه، مجتنبا محارمه،  حَسَنَ المعاملة، متجملا بأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

     ولكن كيف نعرف أنه رجل صالح؟.

 

    للإجابة على هذا السؤال نقول: إنه يجب أن نسعى للتعرف على دينه وخُلقه بشتى الوسائل المباحة، بما في ذلك الاستفسار والسؤال عن الشخص المتقدم للخطبة في مكان معيشته وفى عمله، والتدقيق والتأكد من حسن خُلقه؛ فإذا كان رجلا صالحا فإن هذا يبشر بأنه سيكون زوجا صالحا  يحسن معاملة زوجته وأولاده، وينتج عن ذلك أبناء يكونون لبنة صالحة لمجتمع فاضل.

   

   أما إذا اتضح أنه غير مَرْضِيّ الدِّين والخُلُق؛ فلا يجوز أن نقبل تزويجه بها؛ لأنه لا تتكون بهذا الزواج أسرة مستقرة سعيدة، بل تكون أسرة مفككة معرضة للانهيار في أي وقت.

 

   وللزوجة الحق في قبول التزوج بالرجل أو رفضه، فلا يصح أن تُجْبَر على الزواج بمن لا تريد، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (لا تزوج الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن)[6]  

 

ثانيا : اختيار الزوجة:

 

   قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها، ولحسبها وجمالها ، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)  ([7]) وفى  حديث آخر: ( من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها، ومن نكحها لدينها رزقه الله عز وجل مالها وجمالها)([8]) وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: ( لا تَنْكِحوا المرأةَ لجمالها فلعل  جمالها يُرْدِيها، ولا لمالها فلعل مالها يُطْغِيها، وانْكِحُوا المرأةَ لدينها ) ([9]) .

 

   ومن المعلوم أن ذلك ليس تنقيصا في أهمية جمال المرأة أو حسبها أو مالها إن تيسر، لكن المنهي عنه أن يُرَجِّح الرجلُ تلك الصفات منفردة أو مجتمعة على الدين، فنكاح المرأة للدِّين والصلاح طريقٌ من الآخرة.

 

   ولا مانع أن يتحرى الرجل اجتماع الصفات الأربع المذكورة في المرأة، ففي هذا من الخير ما فيه، مع التيقن أنها صاحبة دين، وإلا ففي كونها صاحبة دين كفاية، حتى تعامل الله  في زوجها وتعينه على طاعة ربه، وفي صلاح المرأة بشرى لزوجها ساقها لنا صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (من رزقه الله زوجة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثانى)[الحاكم فى المستدرك].

 

    أما المرأة الغير صالحة فقد تتسبب في أن يخسر الرجل دينه، فيُنزلها الرجلُ بإغوائها له منزلة قد تصل إلى ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (تعس عبد الزوجة)[الغزالى فى الإحياء] ، فأين هذه ممن قال فيها صلى الله عليه وآله وسلم: (خير نسائكم التي إذا نظر إليها الرجل سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسه وماله) ([10]) .

 

   النظر إلى المخطوبة:

    ويستحب للرجل أن ينظر إلى وجهها وكفيها وإلى ما يدعوه إليها قبل التزويج بها، وفى هذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أوقع الله عز وجل فى قلب أحدكم خِطبة امرأة فلينظر إليها ليرى منها ما يدعوه  إليها) ([11])   وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (إن في أعين الأنصار شيئا، فإذا أراد أحدُكم أن يتزوج منهم فلينظر إليهن ولا يغالى فى المهر)[12]  .

المصارحة والاستشارة:

    ويستحب لكل من الرجل والمرأة إذا أرادا الزواج أن يشرح كل منهما حاله ويبين أخلاقه حتى يكون كل منهما على بصيرة من أمره ويقين من حاله، وأن يدخل الرجل على اختيار منها  فذلك من الورع، فقد تزوج رجل على عهد عمر رضى الله عنه وكان يخضب بالسواد [13]، فلما دخل بامرأته نصل خضابه  فظهرت شيبته فاستعدى أهل المرأة وقالوا: نحن حسبناه شابا ، فأوجعه ضربا ، وقال: غررت القوم، وفرق بينهما.

 

   وعلى مَن أراد الزواج أن يستشير أبويه فى بداية الاختيار، وأن يتحفظ من مشورة أصدقائه، لأن أقرب وأحب الناس إلى الآباء هم الأبناء، وحرص الآباء على سعادة الأبناء لا يشك فيه عاقل، مع سابق خبرتهم ودرايتهم بأمور الحياة، ثم الإخوة، فخذوا بنصيحتهم وافعلوا بها.

 

وتذكروا: (كما تدين تدان) ، فكل ما تصنعه - أو تصنعينه - فإن ذلك محفوظ عند الله وسيعود لكما - أوعليكما - في أبنائكما، أو أخواتكما أو أقاربكما.

 

   وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

 

أحمد علاء أبو العزائم

نائب عام الطريقة العزمية

 

[1])) سورة الروم أية ( 21)

[2] رواه البخارى ومسلم

[3] رواه النسائى والترمذى

[5]  رواه ابن ماجة فى سننه

[6] فتح البارى بشرح صحيح البخارى

[7] متفق عليه من حديث أبى هريرة ، وأورده البخارى بلفظ : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " كتاب النكاح باب الأكفاء فى الدين ، ورواه عن أبى هريرة .

[8] هذا الحديث رواه الطبرانى فى الأوسط من حديث أنس ، ورواه ابن حبان فى الضعفاء ، إلا ان رواية الطبرانى تخالف المذكورة هنا لفظا ولكنها تتفق معها فى المعنى .

[9] هذا الحديث أخرجه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو .

[10] أخرج النسائى عن أبى هريرة نحوه بسند صحيح ، وقال : " ولا تخالفه فى نفسها ولا مالها " وعند أحمد : "فى نفسها ومالها " ولأبى داود نحوه عن ابن عباس بسند صحيح ، وقد رواه الغزالى فى الإحياء ج 2 ص39 .

[11] هذا الحديث رواه أبو داود الطياسى والبراز من حديث أنس ، وهذه الزوجة هى أم سلمة ، وله روايات من طرق أخرى .

([12]) رواه مسلم  من حديث أبى هريرة

[13] يغيرون الشعر الأبيض باللون الأسود