هى ما أجمع عليها أئمة الهدى من السلف الصالح من أهل العلم بالله تعالى ، والخشية من جنابه سبحانه وتعالى، وهى أول فرض فرض على المؤمنين، لأن أول واجب أجمع عليه السلف الصالح هو شهادة التوحيد، ووصف فضائلها، وهى شهادة المقربين، وشهادة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
قال الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾[1].
وقال لعباده المؤمنين يأمرهم بمثل ذلك: ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ﴾[2]، ففرض التوحيد هو اعتقاد القلب أن الله واحد، لا من عدد، وأول لا ثانى له، موجود لا شك فيه، وحاضر لا يغيب، وعالم لا يجهل، قادر لا يعجز، حى لا يموت، قيوم لا يغفل، حليم لا يسفه، سميع بصير، ملك لا يزول ملكه، قديم بغير وقت، آخر بغير حد، كائن لم يزل ولا تزال الكينونة صفته، لم يحدثها لنفسه، دائم أبد الأبد، لا نهاية لدوامه، والديمومة وصفه غير محدثها لنفسه، لا بداية لكينونيته، ولا أولية لقدمه، ولا غاية لأبديته، آخر فى أوليته، أول فى آخريته، وأن أسماءه وصفاته وأنواره غير مخلوقة له ولا منفصلة عنه، وأنه أمام كل شئ، ووراء كل شئ، وفوق كل شئ، ومع كل شئ، وأقرب إلى كل شئ من نفس الشىء، وأنه مع ذلك ليس محلا للأشياء، وأن الأشياء ليست محلا له، وأنه على العرش استوى كيف شاء بلا تكييف ولا تشبيه، وأنه بكل شئ عليم، وعلى كل شئ قدير، وبكل شئ محيط، الجو وجه، والفضاء من ورائه، والهواء وجه، والمكان من ورائه، والحول وجه، والبعد من ورائه، وهذه كلها حجب مخلوقات من وراء الأرضين والسموات ، متصلات بالأجرام اللطاف، ومنفصلات عن الأجسام الكثاف - من الكثافة- وهى أماكن لما شاء، داخلة فى قوله: ﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾[3]. وهى داخلة فى قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد)[4].
والله- جل جلاله وعظم شأنه- هو ذات منفرد بنفسه، متوحد بأوصافه، لا يمتزج ولا يزدوج إلى شئ بائن من جميع خلقه، لا يحل الأجسام ولا تحله الأعراض، ليس فى ذاته سواه، ولا فى سواه من ذاته شئ، ليس فى الخلق إلا الخلق، ولا فى الذات إلا الخالق: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾[5].
وأنه تعالى ذو أسماء وصفات وقدرة وعظمة وكلام ومشيئة وأنوار كلها غير مخلوقة ولا محدثة، بل لم يزل قائما موجودا بجميع أسمائه وصفاته وكلامه وأنواره وإرادته، وأنه ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت، له الخلق والأمر والسلطان والقهر، يحكم بأمره فى خلقه وملكه ما شاء كيف شاء، لا معقب لحكمه، ولا مشيئة لعبد دون مشيئته، إن شاء شيئا كان، ولا يكون إلا ما شاء، لا حول لعبد عن معصية إلا برحمته، ولا قوة لعبد على طاعته إلا بمحبته، وهو واحد فى جميع ذلك لا شريك له ولا معين فى شئ من ذلك، ولا يلزمه إثبات الوعيد بل المشيئة إليه فى العفو، ولا يجب عليه فى الأحكام ما أجرى علينا، ولا يختبر بالأفعال ولا يشار بالمقال، حكيم عادل بحكمة وعدل هما صفتاه، لا تشبه حكمته بحكمة خلقه، ولا يقاس عدله بعدل عباده، ولا يلزمه من الأحكام ما ألزمهم، ولا يعود عليه من الأسماء المذمومة كما يعود عليهم، قد جاوز العقول وفات الأفهام والأوهام والمعقول.
هو كما وصف نفسـه ، وفوق ما وصفه خلقه، نصفه بما ثبتت به الرواية وصحت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأنه ليس كمثله شئ فى كل شئ بإثبات الأسماء والصفات، ونفى التمثيل والأدوات، وأنه سبحانه وتعالى لم يزل موجودا بصفاته كلها ولم تزل له، وأن صفاته قائمة به لم تزل كذلك، ولا يزال بلا نهاية ولا غاية ولا تكييف ولا تشبيه ولا تثنية. بل بتوحيد هو متوحد به، وتفريد هو منفرد به، لا يجرى عليه القياس، ولا يمثل بالناس، ولا ينعت بجنس، ولا يلمس بحس، ولا يجنس بشىء، ولا يزدوج إلى شئ، وأن ما سوى أسمائه وأنواره وكلامه من الملك والملكوت محدث كله، ومظهر حدث بعد أن لم يكن، ولم يكن قديما ولا أول بل كان بأوقات محدثة، وأزمان مؤقتة.
والله تعالى هو الأزلى الذى لم يزل، الأبدى الذى لم يحل، القيوم بقيومية هى صفته، الديموم بديمومية هى نعته، أول بلا أول، ولا عن أول، آخر لا إلى آخر بكينونة هى حقيقته، أحد صمد لم يلد، وبمعناها لم يولد، ومعنى ذلك لم يتولد هو من شئ، ولم يتولد منه شئ، ومثل ذلك لم يخلق من ذاته شئ، كما لم تخلق ذاته من شئ، سبحانه وتعالى عما يقول الملحدون من ذلك علوا كبيرا.
هذا ما انطوى عليه القلب من علم كلمة ﴿أشهد أن لا إله إلا الله﴾ الذى فرضه الله على المؤمنين، بنص كتابه كما تقدم فى الآية، ومتى تحقق القلب باليقين بها باشره حق اليقين، فشهد من مشاهد التوحيد، وبدائع حكمة الحكيم، وعجائب تصريف قدرة القادر، وأنوار غيب الواحد الأحد، ما يعجز عنه البيان، ويقصر عن إدراكه العقل، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، ومتى وهب شرح الصدر، وصفى الخيال.
من كتاب "أصول الوصول لمعية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم"
للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم
(1) سورة محمد الآية 19.
(2) سورة هود الآية 14.
(3) سورة الذاريات الآية 49.
(4) الحديث أخرجه الترمذى عن على بن أبى طالب، ورواه مسلم عن أبى عبيدة بن عبد الله.
(5) سورة المؤمنون الآية 14.