لا يكون المؤمن مخلصا في دعائه حقيقة الإخلاص ، ما دام له تدبير وحول وقوة في دفع ما يدعو لكشفه، حتى يتحقق بالعجز عن دفعه بحوله وقوته وماله وأهله والناس أجمعين، مثال ذلك ما يحصل لأهل السفينة ، فإنهم يدعون الله تعالى مع اعتمادهم على الربان ( رئيس النواتية ) وعلى الملاحين ( النواتية ) فإذا علاهم موج كالظلل وجزع الربان والملاحون ودهشوا ، عند ذلك يخلص الكل الدعاء لله، كما قال سبحانه وتعالى: )دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ([العنكبوت: 65] .
وقد يحصل الإخلاص الحقيقي في الدعاء للأفراد الذين كوشفوا بحقيقة التوحيد وتحققوا أن الضار والنافع هو الله، فإنهم لخشيتهم من الله لا يتحققون بنفع الأشياء النافعة ولا بضرر الأشياء الضارة، فهم يدعون الله مخلصين أن يدفع عنهم الضر ويمنحهم النفع، ولا تخلو الأحوال التي تصيب بني آدم في أبدانهم وأموالهم وأهليهم من الحكم الربانية فيفزعون إلى الله تعالى ويسألون العارف أن يدعو الله لهم فيكشف الله عنهم ما ألم بهم، فإن دعاء العارف يتلقنه الجاهل ويهدي النفوس إلى معرفته سبحانه ، فيعلمون عند ذلك - بنظرهم التجاء العقلاء في دعائهم وتضرعهم إلى الله تعالى، ليكشف عنهم ما هم فيه - أن لهم إلها جبارا عالما قادرا يسمع دعاءهم ويعلم ما هم فيه، وهو قادر على نجاتهم، يراهم وإن كانوا لا يرونه، ولا يدرون أين هو.
وعلى هذا القياس كل ما يصيب الناس من الجهد والبلاء ، فيضطرهم ذلك إلى الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ، مثل الغلاء والوباء وآلام الأطفال ومصائب الأخيار وما شاكلها من الأمور السماوية التي لا سبيل لأحد في دفعها عنهم إلا الله تعالى ، فيكون ذلك دلالة لهم على الله عز وجل، وهداية إليه كما قال سبحانه: ) أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ([النمل :62].
كونوا موقنين بالإجابة
إذا دعوتم فكونوا موقنين بالإجابة ، فإن الله تعالى لا يقبل إلا من موقن ومن دعا دعاء بيِّنا من قلبه ، لأن من استعمله الله تعالى بالدعاء له فقد فتح له بابا من العبادة ، وفى الخبر : ( الدعاء نصف الإيمان ) ، وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ما من داع يدعو موقنا بالإجابة فى غير معصية ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله تعالى إحدى ثلاث : إما أن يجيب دعوته فيما سأل ، أو يصرف عنه من السوء مثله ، أو يدَّخر له فى الآخرة ما هو خير له ) ، وروينا عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للرجل الذى قال : أوصنى ، فقال : ( لا تتهم الله تعالى فى شىء قضاه عليك ) ، وفى خبر آخر : أنه نظر إلى السماء وضحك صلى الله عليه وآله وسلم ، فسئل على ذلك فقال : (عجبت لقضاء الله تعالى للمؤمن فى كل قضائه له خير ، إن قضى له بالسراء رضى وكان خيرا له ، وإن قضى عليه بالضراء رضى وكان خيرا له ) .
ومن حسن الظن بالله تعالى التملق له سبحانه ، وهو من قوة الطمع فيه .
من كتاب
إلهى إلهى إلهى
للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم