قال الله تعالى فى محكم تنزيله: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[1]، وقال عز وجل: ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ﴾[2]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾[3]، ففرضها علينا أن نشهد أن محمداً رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، خاتم الأنبياء ، لا نبى بعده، وكتابه خاتم الكتب لا كتاب بعده، وهو مهيمن على كل كتاب، ومصدق لما سلف من الكتب قبله، وأن شريعته ناسخة للشرائع، قاضية عليها، إلا ما أقره كتابه ووافقه، وكتابه شاهد على الكتب، وحاكم عليها وأنه هو الذى بشر به عيسى -عليه السلام- أمته، وهو الذى أخبر به موسى -عليه السلام- أمته، وهو المذكور فى التوراة والإنجيل وسائر كتب الله عز وجل المنزلة، وهـو الذى أخذ ميثاق النبيين أن يؤمنوا به، وينصروه لو أدركوه، فأقروا بذلك وشهد الله تعالى على شهادتهم، وهو الذى أخذت الأنبياء شهادة الأمم على الإيمان به، وأمرتهم بتصديقه، وأخبرتهم بظهوره، وأن موسى وعيسى عليهما السلام لو أدركاه لزمهما الدخول فى شريعته، وأن بقية بنى إسرائيل من اليهود والنصارى كفرة بالله، لجحودهم رسالته، وأن إيمانهم بكتابه مفترض عليهم مأمور به فى كتبهم، وعلى ألسنة رسلهم، وأن طاعته ومحبته فريضة واجبة على الكافة، كطاعة الله تعالى، واتباع أمره، واجتناب نهيه، مفترضان على الأمة إيجابا أوجبه الله تعالى له، وفرضا افترضه على خلقه متصلا بفرائضه.
فضائل النطق واليقين بها:
قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[4]، وقال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- : (لا يـؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين)[5] وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (لو أدركنى موسى بن عمران ما وسعه إلا اتباعى)[6].
وقال الله تعالى فى تحقيق المحبة: ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾. ثم قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[7]. فمن محبة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إيثار سننه على الرأى والمعقول، ونصرته بالمال والنفس والقول، وعلامة محبته اتباعه ظاهرا وباطنا، فمن اتباعه ظاهراً أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والتخلق بأخلاقـه، والتأدب بشمائله وآدابه، والاقتفاء لآثاره، والتحسس عن أخباره، والزهد فى الدنيا والإعراض عن أبنائها، ومجانبة أهل الغفلة والهوى، والترك للتكاثر والتفاخر من الدنيا، والإقبال على أعمال الآخرة، والتقرب من أهلها، والحب للفقراء، والتحبب إليهم، وتقريبهم وكثرة مجالستهم، واعتقاد تفضيلهم على أبناء الدنيا، ثم الحب فى الله للقريب المحب، وهم العلماء والعباد والزهاد، والبغض فى الله للبعيد المبغض، وهم الظلمة المبتدعة والفسقة المجاهرون. ومن اتباع حاله فى الباطن مقامات اليقين، ومشاهدات علوم الإيمان مثل : الخوف والرضا والشكر والحياء والتسليم والتوكل والشوق والمحبة وإفراغ القلب لله، وإفراد الهم بالله، ووجود الطمأنينة بذكر الله، فهذه معاملات الخصوص وبعض معانى باطن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو من اتباعه ظاهرا وباطنا، فمن تحقق بذلك فله من الآية نصيب موفور، أعنى قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[8].
وقد كان سهل يقول: علامة المحبة لله اتباع الرسول، وعلامة اتباع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- الزهد فى الدنيا. وقال أيضا فى تفسير قوله: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم﴾[9]. قال: يطع الله فى فرائضه، والرسول فى الدخول فى سننه، فإذا اجتنب العبد البدع، وتخلق بأخلاق الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقد اتبعه وقد أحب الله تعالى، وكان معه -صلى الله عليه وآله وسلم- غدا مرافقا فى منزلته.
من كتاب "أصول الوصول لمعية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم"
للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم
(1) سورة آل عمران الآية 81.
(2)سورة النساء الآية 80.
(3)سورة الفتح الآية 10.
(4) سورة آل عمران الآية 31.
(5) ذكره الغزالى فى الإحياء، متفق عليه من حديث أنس واللفظ لمسلم.
(6) رواه الإمام أحمد فى مسنده.
(7)سورة الحشر الآية 9.
(8) سورة آل عمران الآية 31.
(9) سورة النساء الآية 69