إذا ألقينا نظرة سريعة على أحوال العالم قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، لأدركنا مدى ما وصل إليه حال الأمم فى شتى الأنحاء ، من تدهور إيمانى ، وضياع أخلاقى ، وبعد حقيقى عن منهج الحق تبارك وتعالى ، الذى ارتضاه للعباد ، والهدف الأساسى الذى من أجله خلق الإنسان ، وأن هذه الأمم لم تكن مؤهلة فى هذه الفترة لحمل رسالة عالمية ، تخرج البشرية من الغى والضلالــــة إلى الهدى والرشاد .
كان يحكم العالم دولتان كبيرتان هما الفرس والروم ، ومن ورائهما اليونان والهند ، وغيرهما من خلق الله فى بلاد متفرقة ، ولم يكن الفرس يدينون بدين صحيح ، وإنما كانوا مجوسا يعبدون النار ، ويعتنقون مبادىء الزرادشتية والمزدكية ، وكلاهمـــا انحرفتا عن طريق الفطرة السليمة ، فالزرادشتية مثلا تفضل زواج الرجل بأمه أو ابنته أو أخته ، والمزدكية من فلسفتها حــــل النساء جميعا وإباحة الأموال ، وجعل الناس شركاء فيها ، كإشتراكهم فى الماء والهواء والنار والكلأ .
أما الروم فلم يكن أمرهم أفضل حالا من الفرس ، فعلى الرغم من كونهم أهل كتاب ، على دين عيسى عليه السلام ، غير أنهـــــم انحرفوا عن عقيدته الصحيحة ، وحرفوا وبدلوا ماجاء من الحق ، وكانت دولتهم غارقة فى الإنحلال ، حيث حياة التبـــــــــذل والإنحطاط ، والظلم الاقتصادى من جراء الضرائب الكثيرة ، إضافة إلى الروح الاستعمارية ، وخلافهم مع نصارى الشــــام ومصر ، واعتمادهم على قوتهم العسكرية .
أما اليونان وشعوب أوربا ، فقد كانت تعيش حياة بربرية ، تعبد الأوثان وتقدس قوى الطبيعة ، فضلا عن كونها غارقة فى الخرافات والأساطير الكلامية ، التى لاتفيد فى دين ولا دنيا ، وانتشرت علوم الفلسفة والسفسطة والجدل ، وحوارات الزندقة وغير ذلك .
أما بقية الشعوب فى الهند والصين واليابان والتبت ، فكانت تدين بالبوذية ، وهى ديانة وثنية تتخذ آلهتها من الأصنــــــام الكثيرة ، فتقيم لها المعابد وتؤمن بتناسخ الأرواح ، وإلى جانب تلك الأمم ، كان هناك بعض اليهود الذين انتشروا فى عــــدة مناطق ، وكانوا مشتتين مابين بلاد الشام والعراق والحجاز ، وقد حرفوا دين موسى عليه السلام ، فجعلوا الله سبحانه وتعالى إلـهـــــا خاصا بهم ، وافتروا الحكايات الكاذبة والمخالفة على أنبيائهم ، مما شوه سمعتهم ، وأحلوا التعامل مع غيرهم بالربا والغــــش والفحش وحرموه بينهم ، فهم أهل إفساد فى الأرض ، كما وصفهم رب العالمين .