قال الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم : " التوبة هى الرجوع عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه ".
الشرح والتوضيح :
التوبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستار الغيوب مبدأ طريق السالكين ورأس مال الفائزين وأول أقدام المريدين، ومفتاح استقامة المائلين ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين ، والتوبة مصدر للفعل " تاب " وهي لغة : الرجوع من شيء إلى شيء .
والتوبة فى اصطلاح السادة الصوفية لها تعاريف كثيرة ، فكل عبّر عنها على حسب مقامه سواء كان من السالكين أو الواصلين أو المتمكنين ، فقد سُئل ذو النون المصرى عن التوبة فقال " توبة العوام من الذنوب ، وتوبة الخواص من الغفلة " ، وقال أيضا : حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت حتى لا يكون لك قرار ثم تضيق عليك نفسك . كما قال تعالى : (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ) "التوبة:118"، وقال ابن عطاء : التوبة توبتان : توبة الإنابة وتوبة الاستجابة. فالأولى: أن يتوب العبد خوفا من عقوبته ، والثانية : أن يتوب حياء من الله تعالى .
وقيل التوبة : الحياء العاصم والبكاء الدائم . وقيل : التوبة : الندم على ما فات وإصلاح ما هو آت . وقيل : التوبة أن يعلم العبد جراءته على الله تعالى ويرى حلم الله تعالى عليه ، حيث لم يأذن للأرض أن تخسف به ، أو النار أن تحرقه بما عمل من المعاصي . وقيل : التوبة خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء .
قال سهل بن عبد الله : "التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة " ولا يتم ذلك إلا فى الخلوة والصمت وأكل الحلال " ، إلى غير ذلك من التعريفات ، وقد جمعها كلها الإمام أبو العزائم فى قوله : " التوبة هي الرجوع عما يكرهه الله إلى ما يحبه " أي: مطلقا .
فالله تعالى يكره الكذب ويحب الصدق ، فالتوبة هي أن ترجع عن الكذب وتستبدله بالصدق ... الله تعالى يكره الخيانة ويحب الأمانة ، فالتوبة هي أن ترجع عن الخيانة وتستبدلها بالأمانة ، الله تعالى يكره أن ترى لنفسك عملا وأن لك حولا وقوة ، ويحب أن تدفن نفسك في أرض الخمول ، وأن لا ترى لنفسك وجودا ، فالتوبة أن ترجع عن شهود نفسك وتستبدله بشهود ربك ، فلا ترى شيئا ولا تعمل شيئا إلا وأنت ترى أنه منه وإليه وبه .. وهكذا كل على حسب مقامه وقربه من ربه سبحانه وتعالى.
وفي تعبير الإمام بالرجوع يفيد أن التوبة ليست مجرد قول: " تبت إلى الله " بل لابد وأن تكون توبة عملية ترجع فيها عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه قولا وعملا واعتقادا ، أما التوبة باللسان مع الإصرار على الذنب وعدم العزم على تركه فليست بتوبة ، ولذلك فقد وضع العلماء للتوبة شروطا وهى : كما ذكرها الإمام في كتابه "الفرقة الناجية":
- الندم على ما عمل من المخالفات.
- ترك الزلة فى الحال.
- العزم على أن لا يعود إلى مثل ما عمل من المعاصي .
فهذه الأركان لابد منها حتى تصح التوبة، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً) "التحريم:8"، فنصوحا من النُصح ، وهي على وزن فعول للمبالغة فى النصح أي خالصة لله تعالى ، أو أنها مشتقة من النصاح وهو الخيط، أي مجردة لا يتعلق بها شيء وهو الاستقامة على الطاعة من غير رجوع إلى معصية .
فالتوبة عند الإمام أبي العزائم لا بد وأن تكون عملية ، فهي رجوع ( بالقول والعمل والاعتقاد ) عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه ، فلا يكتفي فيها بمجرد القول، فمن يكتفي بقوله " تبت إلى الله " دون إقلاع وعزم على عدم العودة إلى المعصية فهو كاذب . قال ذو النون : " الاستغفار من غير إقلاع توبة الكاذبين " وقال بعضهم : توبة الكذابين على أطراف ألسنتهم ، يعني قول : " أستغفر الله " دون عزم على عدم العودة إليه . ولذلك كان بعض الصالحين يقول : أستغفر الله من قولي أي: من قولي أستغفر الله .