إذا انتقلنا لنتعرف على حال الجزيرة العربية على وجه الخصوص فى ذلك الوقت من النواحى الدينية والسياسية والاجتماعية ، لوجدناها فى جاهلية عمياء ، تتخبط خبط عشواء فى كل واد ، فمن الناحية الدينية نرى أن الوثنية كانـــت تسود شبه الجزيرة العربية ، رغم ظهور أفراد من الموحدين عرفوا بالأحناف فى مكة المكرمة ، والوثنية العربيــــة - إن صح التعبير- كانت تؤمن بوجود الله ، لكنها تتخذ آلهة مصنوعة من الحجر والخشب والمعدن وسيلة للتقرب إليـــــــــه ، والإيمان بالله كان من بقايا دين الخليل إبراهيم وإسماعيل عليه السلام ، والديانات السماوية الأخرى ، ولكن عقيدة التوحيد أصابها التحريف، ودخلت فيها الأوهام والتخاريف ، فكان الرجل يصنع إلها من العجوة فإذا جاع أكله.
وكانت هذه الآلهة المزعومة منتشرة بين الناس ، ومنها دخلت جزيرة العرب ، فعبدت اللات والعزى ، ومناة وهبـل وسواع وود ، إلى جانب تقديس الأسلاف والحيوانات ، وعبادة النجوم والشمس والقمر ، والجن والملائكة والنار ، وكانوا ينكرون النبوة والبعث بعد الموت ، وتنتشر بينهم الكهانة والعرافة والسحر ، وتشيع الأساطير والخرافات ، وقد وضعـت هذه الأصنام داخل الكعبة وحولها ، لكى تعبدها القبائل التى كانت تأتى للحج كل عام .
وهناك فى المدينة واليمن واليمامة والعراق والشام ، كانت بعض القبائل تعتنق اليهودية ، وكانوا يتكلمون اللغة العربيـة ، ولكنهم يستخدمون اللغة العبرية أو الأرامية فى أدبهم وديانتهم ، وقد تأثروا بعادات العرب وسموا أنفسهم بأسمائهــــم ، ولهم مدارس خاصة يتدارسون فيها التوراة والتلمود ، مع مزاولتهم للسحر ، ويعطلون العمل يوم السبت ، ويلتزمــــون بالأعياد اليهودية ويصومون عاشوراء ، ومعظمهم أميون كما وصفهم القرآن الكريم .
وقد دخلت النصرانية بلاد العرب ، عن طريق التبشير الذى كان يقوم به الرهبان والتجار النصارى ، والرقيـــــــق المستورد من بلاد نصرانية ، والملاحظ أن الامبراطورية البيزنطية كانت تشجع التبشير لأنه يمهــــد لسلطانها السياسى ، وأهم مراكز النصرانية فى بلاد العرب كانت فى اليمن وخاصة نجران ، وبصورة محدودة فى البحريــــــن وقطر ، وكانت الأرامية هى لغة العلم والدين عند النصارى الشرقيين عامة ، ولكن الإنجيل كتب بالعربية أيضا ، كمــا جاء فى خبر ورقة بن نوفل .
كما انتشرت المجوسية من إيران إلى بعض بلاد العرب كالحيرة ، وذلك بسبب الجوار ، وبعض قبائل اليمـــــــــن وحضرموت ، ومناطق أخرى شرق شبه جزيرة العرب لقربها من إيران ، ولم يكن هذا الانتشار المحدود بدعوة مــن المجوس لأنهم بطبيعتهم لايحرصون على إدخال الغرباء فى ديانتهم ، كما كان للصابئة انتشار محدود فى العـــــــراق وإيران ، وقد انتشرت كلمة " صبأ " بمعنى الخروج من الدين فى مكة والطائف ، حين أطلقها المشركون علـــــــــــى المسلمين لخروجهم من الشرك إلى الإسلام .
أما من الناحية السياسية ، فقد كانت القبائل العربية فى الجزيرة ، مفككة الأوصال تغلب عليها النزعة القبليـــــة ، ولم يكن لهم ملك يدعم استقلالهم ، أو مرجع يلجئون إليه عند الشدائد أو عند الاختلاف ، ومع ذلك كان لهم نوع مـــن الاستقلال يميزهم عن البلاد المتاخمة للدول الكبرى ، الذين كانوا أشبه بالعبيد لديهم ، فقد حكم الفرس العـراق ، وغلبت الروم على الشام ، والأحباش على اليمن ، فكانوا يمارسون عليهم أنواعا من الظلم والاستبعاد والقهر ، لأنهم كانوا يريدون العرب تابعين لهم على الدوام بلا حضارة خاصة بهم .
والأحوال الاجتماعية كانت فى الحضيض الأسفل ، من الجهالة والعمى والتعصب والاعتداء ، يغير بعضهم على بعض ، فيقتلون ويسلبون ويخوضون الحروب الطاحنة لأتفه الأسباب ، وكانوا يئدون البنات خشية العار ، ويقتلـــون الأولاد خشية الفقر ، لايتحاشون الزنا ويشربون الخمر ، ويعاملون المرأة كالسلعة المهينة ، نكاحا وطلاقا ومعاشــرة وإرثا ، وتتحكم فيهم العادات الموروثة ، ويغلب عليهم الجهل والغلظة فى المعاملات والأخلاق .
ولم تكن الحالة الاقتصادية بأحسن حالا ، فقد ساد الفقر والجوع ، وضاقت الأيدى لانعدام الأمن والإيمـــــــان ، فلم يعرفوا أى صناعات أو حرف لغلبة البداوة عليهم ، ولا يوجد إلا القليل من الزراعة فى بعض البلدان ، وكــــــان معظمهم يعيش على الكفاف ، ولم يستند اقتصادهم قليلا إلا على التجارة التى راجت فى الأشهر الحـــــــــرم ، إلا أن الخلافات والحروب كانت تقضى على كل ماتقدم .
لقد ساءت أخلاقهم ، وكان فيهم من الدنايا والرزائل ماينكره العقل السليم ، ولكنهم حافظوا على جملة من الأخلاق تميزوا بها عن سائر الأمم فى عصرهم ، ومنها الوفاء بالعهد وعزة النفس ، والشجاعة والمروءة والكرم ، وقد أقرها الإسلام وزاد عليها الكثير .