الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية

17/06/2021
شارك المقالة:

     إذا انتقلنا لنتعرف على حال الجزيرة العربية على وجه الخصوص فى ذلك الوقت من النواحى الدينية والسياسية والاجتماعية ، لوجدناها فى جاهلية عمياء ، تتخبط خبط عشواء فى كل واد ، فمن الناحية الدينية نرى أن الوثنية كانـــت تسود شبه الجزيرة العربية ، رغم ظهور أفراد من الموحدين عرفوا بالأحناف فى مكة المكرمة ، والوثنية العربيــــة - إن صح التعبير- كانت تؤمن بوجود الله ، لكنها تتخذ آلهة مصنوعة من الحجر والخشب والمعدن وسيلة للتقرب إليـــــــــه ، والإيمان بالله كان من بقايا دين الخليل إبراهيم وإسماعيل عليه السلام ، والديانات السماوية الأخرى ، ولكن عقيدة التوحيد أصابها التحريف،  ودخلت فيها الأوهام والتخاريف ، فكان الرجل يصنع إلها من العجوة فإذا جاع أكله.

     وكانت هذه الآلهة المزعومة منتشرة بين الناس ، ومنها دخلت جزيرة العرب ، فعبدت اللات والعزى ، ومناة وهبـل وسواع وود ، إلى جانب تقديس الأسلاف والحيوانات ، وعبادة النجوم والشمس والقمر ، والجن والملائكة والنار ، وكانوا ينكرون النبوة والبعث بعد الموت ، وتنتشر بينهم الكهانة والعرافة والسحر ، وتشيع الأساطير والخرافات ، وقد وضعـت هذه الأصنام داخل الكعبة وحولها ، لكى تعبدها القبائل التى كانت تأتى للحج كل عام .  

وهناك فى المدينة واليمن واليمامة والعراق والشام ، كانت بعض القبائل تعتنق اليهودية ، وكانوا يتكلمون اللغة العربيـة ، ولكنهم يستخدمون اللغة العبرية أو الأرامية فى أدبهم وديانتهم ، وقد تأثروا بعادات العرب  وسموا أنفسهم بأسمائهــــم ، ولهم مدارس خاصة يتدارسون فيها التوراة والتلمود ، مع مزاولتهم للسحر ، ويعطلون العمل يوم السبت ، ويلتزمــــون بالأعياد اليهودية ويصومون عاشوراء ، ومعظمهم أميون كما وصفهم القرآن الكريم .

     وقد دخلت النصرانية بلاد العرب ، عن طريق التبشير الذى كان يقوم به الرهبان والتجار النصارى ، والرقيـــــــق المستورد من بلاد نصرانية ، والملاحظ أن الامبراطورية البيزنطية كانت تشجع التبشير لأنه يمهــــد لسلطانها السياسى ، وأهم مراكز النصرانية فى بلاد العرب كانت فى اليمن وخاصة نجران ، وبصورة محدودة فى البحريــــــن وقطر ، وكانت الأرامية هى لغة العلم والدين عند النصارى الشرقيين عامة ، ولكن الإنجيل كتب بالعربية أيضا ، كمــا جاء فى خبر ورقة بن نوفل .

     كما انتشرت المجوسية من إيران إلى بعض بلاد العرب كالحيرة ، وذلك بسبب الجوار ، وبعض قبائل اليمـــــــــن وحضرموت ، ومناطق أخرى شرق شبه جزيرة العرب لقربها من إيران ، ولم يكن هذا الانتشار المحدود بدعوة مــن المجوس لأنهم بطبيعتهم لايحرصون على إدخال الغرباء فى ديانتهم ، كما كان للصابئة انتشار محدود فى العـــــــراق وإيران ، وقد انتشرت كلمة " صبأ " بمعنى الخروج من الدين فى مكة والطائف ، حين أطلقها المشركون علـــــــــــى المسلمين لخروجهم من الشرك إلى الإسلام .

     أما من الناحية السياسية ، فقد كانت القبائل العربية فى الجزيرة ،  مفككة الأوصال تغلب عليها النزعة القبليـــــة ، ولم يكن لهم ملك يدعم استقلالهم ، أو مرجع يلجئون إليه عند الشدائد أو عند الاختلاف ، ومع ذلك كان لهم نوع مـــن الاستقلال يميزهم عن البلاد المتاخمة للدول الكبرى ، الذين كانوا أشبه بالعبيد لديهم ، فقد حكم الفرس العـراق ، وغلبت الروم على الشام ، والأحباش على اليمن ، فكانوا يمارسون عليهم أنواعا من الظلم والاستبعاد والقهر ، لأنهم كانوا يريدون العرب تابعين  لهم على الدوام بلا حضارة خاصة بهم .

     والأحوال الاجتماعية كانت فى الحضيض الأسفل ، من الجهالة والعمى والتعصب والاعتداء ، يغير بعضهم على بعض ، فيقتلون ويسلبون ويخوضون الحروب الطاحنة لأتفه الأسباب ، وكانوا يئدون البنات خشية العار ، ويقتلـــون الأولاد خشية الفقر ، لايتحاشون الزنا ويشربون الخمر ، ويعاملون المرأة كالسلعة المهينة ، نكاحا وطلاقا ومعاشــرة وإرثا ، وتتحكم فيهم العادات الموروثة ، ويغلب عليهم الجهل والغلظة فى المعاملات والأخلاق .

     ولم تكن الحالة الاقتصادية بأحسن حالا ، فقد ساد الفقر والجوع ، وضاقت الأيدى لانعدام الأمن والإيمـــــــان ، فلم يعرفوا أى صناعات أو حرف لغلبة البداوة عليهم ، ولا يوجد إلا القليل من الزراعة فى بعض البلدان ، وكــــــان معظمهم يعيش على الكفاف ، ولم يستند اقتصادهم قليلا إلا على التجارة التى راجت فى الأشهر الحـــــــــرم ، إلا أن الخلافات والحروب كانت تقضى على كل ماتقدم .

     لقد ساءت أخلاقهم ، وكان فيهم من الدنايا والرزائل ماينكره العقل السليم ، ولكنهم حافظوا على جملة من الأخلاق تميزوا بها عن سائر الأمم فى عصرهم ، ومنها الوفاء بالعهد وعزة النفس ، والشجاعة والمروءة والكرم ، وقد أقرها الإسلام وزاد عليها الكثير .

كتبت الوطن : 3 وجوه لمؤسس الطريقة العزمية.. المجدد والمجاهد والصوفي

عاش الإمام المؤسس الفترة الأولى من حياته مرتحلاً، حيث انتقل بين السودان ومصر فى مهام وظيفته، كذلك انتقل إلى الشرقية ثم أسوان، والمنيا، عاش فيها عامين قبل أن يستقر به المقام فى القاهرة. وللإمام المؤسس عدة أوجه رئيسية مثلت حياته تشمل «المجدد والمجاهد والصوفى».