بعد أن تأملنا حال الإنسان بصفة عامة قبل الإسلام ، وما وصل إليه من انحراف فى الشخصية ، وضياع للهوية تيقنا أنه كان بالفعل فى أمس الحاجة إلى من يعيده إلى أصل فطرته السوية ، وحقيقته الإنسانية ، وهذه نظرة موجزة على ما وصلت إليه شخصيته فى ذلك الوقت :
(1) ضياع الهوية الإيمانية ، فلا أهل الكتاب كانوا حريصين على ماجاءهم من كتب سماوية ، تدعو إلــــــى توحيد الله تعالى ، وتنزيهه عن الشريك والولد ، ولا أصحاب الديانات الوضعية الأرضية كانوا على أدنــــــــى درجة من المعرفة بالله وعبادته سبحانه ، فكانوا فى أسفل سافلين البعد ، لأن فساد العقيدة ، يؤدى إلى فساد كـل ما بعدها .
(2) لم يكن لدى الإنسان وازع إيمانى ، أو رادع دينى ، يمنعه من ارتكاب المعاصى والمخالفات ، إلا بعض الأعراف والتقاليد ، ولهذا انتشر ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، واغتصاب الحقوق وخراب الذمم وفقدان الأمانة ، وحدثت انتكاسة فى فطرة الخلق السوية ، حتى التشريعات الوضعية لم تطبق إلا على الضعفاء ، وانتشر الفخـر بالأنساب والأحساب ، وامتلأ الناس غرورا وتكبرا فى الأرض ، وانقسم العالم إلى سادة وعبيد ، مما ملأ القلوب بالضغائن ، وكان لابد من تصحيح ما أفسده شياطين الإنس والجن ، فى تركيبة الإنسان القلبية والنفسية .
(3) كان التفرق هو السمة المنشرة بين البشر ، لأسباب متعددة منها : اللون والدين والوطن ، وترتب علـى هذا ضغائن وحروب ، وتمزق للأواصر الإنسانية ، وتعصب كل فرد لقبيلته أو دولته بالحق أو بالباطل ، وتفشى الطمع فيما فى أيدى الغير ، على المستوى الفردى والجماعى ، وضاعت حقوق الضعفاء ، واعتقدت كل جماعة أنها أفضل من غيرها وأحق بالقيادة ، وكان توريث الحكم وزعامة القبيلة أمرا حتميا ، كما يورث المال والعقار والأرض .
(4) انطمس نور العقل الإنسانى وامتلأ بالخرافات والأساطير اليونانية والهندية ، التى كانت تصور لـــه أن القوى الغامضة فى الطبيعة هى التى تتحكم فيه ، لهذا اتخذوها آلهة يقدمون لها القرابين ويطلبون رضاهـــــا ، ووصل العقل البشرى فى هذا الوقت إلى أحط مكانة بين المخلوقات ، باتخاذه لله ولدا أو شريكا من الشمــــــــس والكواكب وغيرها ، معتقدا أنها تحدد أقداره .
(5) كان الإنسان خاملا من الناحية العملية ، وكان ذلك أظهر عند العرب ، فهم يميلون فى غالب الوقت إلى السكون والركون إلى الظل ، لا يفكر الواحد منهم إلا فى يومه وساعته ، وليس له نظرة إلى مستقبل متحضـــــر يتغير فيه حاله إلى الأفضل ، ولهذا لم يكن يميل إلى الصناعة والحرفة وحركتها ، أو إلى العلوم ودورتهــــــــــا وانطلاقها ، وأدى ذلك إلى توقف الفكر ، ونزوح الخيال إلى الأساطير والشعر ، والخصومة والتفاخر بالأجداد ، وكان من نتيجة ذلك التخلف وفقدان الهمة .
وللحديث بقية ......