وقد تخرج الإمام فى كلية دار العلوم عام 1305ﻫ الموافق 1888م وعمره تسعة عشر عامًا ، وعمل فى البداية مدرسًا بمدرسة إدفو الابتدائية لمدة سنة دراسية، ثم انتقل إلى مدرسة الإبراهيمية الأولية، وعمل بها مدة أربع سنوات دراسية، ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة المنيا، وكان فى كل مدرسة يذهب إليها لـه أثـره الواضح ليس على المدرسـة
فقط بل وعلى البلـدة والبـلاد المجاورة، وذلك على النحو التالى:
فى إدفو:
كانت مدارس هذه البلدة خاوية من تلاميذها، حيث عمد أولياء الأمور إلى إخراج أبنائهم منها لاعتقادهم أن المدارس تفسد أخلاق النشئ وتبعدهم كذلك عن الدين، وكذلك الآباء كانوا بعيدين عن حضور الدروس الدينية بالمساجد . فعمل الإمام جاهدًا على جذب أهلها للمسجد للصلاة وحضور دروسه الدينية، وبعد فترة قصيرة إذا بالآباء مواظبون على المساجد، والأبناء فى المدارس، وأقبل التلاميذ على المدرسة الابتدائية حتى امتلأت، مما اضطر ناظر المدرسة فى نصف العام أن يطلب من الوزارة توسعة الفصول لاستيعاب أعداد المتقدمين فى السنة التالية.
فى الإبراهيمية
لما انتقل إلى مدرسة الإبراهيمية الأولية وجد كل ألوان المدنية فى هذه البلدة بما فيها من رغد العيش ومتع الحياة كلها، ومن ناحية أخرى وجد مساجد مهجـورة، وعدم إقبال على الآخرة بما فيها من نعيم مقيم ، فاهتم كثيرًا واغتم، وطلب العون من الله وبدأ الإمام من بيوت الكبراء والعظماء أمثال بيت محمد باشا
أبى ذقن، وبيت محمد باشا علمى، وسكن فى منزل من منازله، وبدأ فى إلقاء دروسه بمسجد عبد العزيز سعد ومسجد محمد أبى ذقن ومسجد حفيظ ومسجد الشيخ صبيحى. وكان يلقى دروسًا دينية يوميًّا بعد صلاة العصر بأكبر مساجد الإبراهيمية ، فالتف حوله أهالى الإبراهيمية والبلاد المجاورة، وكان حال المسجد وكأنه أشبه بصلاة يوم الجمعة من كثرة روَّاده.
وفى تلك الفترة التى عمل فيها الإمام بالإبراهيمية، صاحبه ولازمه محمد بك علمى وشقيقه أمين بك علمى، وكان الإمام يزور البلاد المجاورة فى وسط الأسبوع، فأصبح للإمام تلاميذ كثيرون.
فى المنيا:
لما توجه الإمام إلى المدرسة الابتدائية بمدينة المنيا فى أوائل شهر أكتوبر 1894م الموافق أواخر شهر ربيع الأول لعام 1311ﻫ، ودرس بها مدة عامين دراسيين، وكان عمره وقتذاك لا يتجاوز الخامسة والعشرين . فأعطى فيها الكثير ، تدريسًا فى المدرسة ، ومدارسة وتربية للرجال فى المسجد، شهد بذلك الجميع حتى مخالفوه.
وقد أثنت عليه مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنيا فى نشرتها الدورية لعام1973م وذلك بمناسبة مرور مائة عام على إنشاء مدرسة المنيا الابتدائية الأميرية (1896-1973م) والتى تسرد فيها أخبار المدرسة منذ إنشائها، فأشارت على صفحة 22 تحت عنوان: زوار المدرسة من العظماء ما يأتى:
(ومن أبرز مدرسيها المرحوم السيد محمد ماضى أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية، كان مدرسًا بها سنه 1310ﻫ([i][1])، ويقوم بتدريس اللغة العربية والدين، ونفاه الإنجليز بالسودان([ii][2]) لأسباب سياسة).
وقد لاقت دعوته القبول من عامة الناس والاستجابة من كثير من الأغنياء وذوى الجاه، منهم على باشا شعراوى وحسين باشا سرى ومحمد بك موسى عبيد وغيرهم، واستجاب لهذه الدعوة أيضًا مدرس اللغة الفرنسية بالمدرسة وهو المسيو بلنتونى الذى أقبل هو وزوجته على الإسلام وكان له فيما بعد أثر فى إسلام الكثيرين من بلدته بفرنسا.
وفى سنة 1311هـ بدأ الإمام يدعو إلى الله تعالى ويهدى إلى الصراط المستقيم، ويلقى دروسه بالمساجد ويملى مواجيده بين تلاميذه الذين اجتمعوا حوله للتلقى منه، فأملى عليهم آداب الطريق إلى الله تعالى وأسس السير فيه، وأملى صيغًا فريدة من الصلاة على سيدنا رسول الله (ص)، وجعل يرشد على السلوك الموصل إلى رضوان الله ومحبته بالذكر والعبادة وتطهير القلب وتزكية النفوس ومكارم الأخلاق والحب للناس كافة، فهيمنت علومه على جماهير المسلمين فى المنيا وما حولها، وأطلق على جامعته التربوية الدينية اسم (جماعة آل العزائم).
وأصبح للإمام إخوان كثيرون بالمنيا والبلاد المجاورة يطلبونه لسماع العلم والحكمة.
مكث الإمام عامين بالمنيا التى كانت تمثل بداية دعوته، وكان لها وأهلها مكانة خاصة فى قلبه.
فى الإبراهيمية مرة أخرى:
بعد أن أمضى الإمام عامين بالمنيا جاءه قرار النقل مرة أخرى إلى الإبراهيمية، ولم يمض على نقل الإمام لنفس المدرسة- التى عمل بها من قبل- أكثر من ثلاثة أشهر حتى قررت وزارة المعارف غلقها وتحويل طلبتها إلى المدارس المجاورة وذلك لقلة عدد الطلبة المقيمين بها.
ترك الإمام عائلته بالإبراهيمية وسافر إلى القاهرة، وبعد أن صلى فى مسجد سيدنا الحسين تقابل مع حسين بك رشدى- وقد كان مفتشًا بالمعارف وقتذاك- وذهب به إلى الوزارة وأخبره بخلو وظيفة مدرس لمادة الدين ومادة اللغة العربية بمدرسة سواكن الابتدائية بالسودان ، وأنه هو المرشح الوحيد لتلك الوظيفة لما يعلمه فيه من حب الجمهور له أينما حل وأينما سار، واستلم الإمام قرار التعيين لهذه الوظيفة، ثم توجه هو والشيخ صبيحى إلى السودان حيث وصلاها فى 10 شعبان 1313ﻫ الموافق 6 فبراير 1895م، وكان هذا التاريخ بمثابة الأيام الأخيرة من حكم المهدية بالسودان ليبدأ الإمام مرحلة جديدة من مراحل الجهاد الذى لا يفارقه أبدًا.
الإمام أبو العزائم فى السودان:
كانت سواكن تعتبر من أكبر وأغنى مدن السودان، وكعادة الإمام رضوان الله عليه، فإنه لم يكتف بواجب وظيفته كأستاذ بالمدرسة الأميرية، بل بادر إلى الدعوة لله تعالى فى المساجد والزوايا والمجتمعات العامة والخاصة والمناسبات والاحتفالات الدينية. ففيها قرأ البخارى لعلمائها وقسم العبادات من الموطأ، وصار له تلاميذ يحسنون الاقتداء والفهم فى علوم الحكمة العالية.
وفى عام 1898م خضعت سواكن للاحتلال الإنجليزى. وكان الناس فى شغل عن المدارس والتدريس، فالكل خائف من عدوهم الخارجى ومن الوشايات التى يدبرها أهل البلد فيما بينهم ، فكان وجود الإمام بينهم بعلومه ألفة لقلوبهم فصاروا بنعمة الله إخوانًا، وحببهم فى العلم وفى تلقيه.
وفى المدرسة الأميرية بسواكن أخذ الإمام يلقى على تلاميذه الدروس فى عظمة الجهاد والمجاهدين مبينًا مآثر الأمير عثمان دقنه وماله من فضل فى محاربته الإنجليز وأعوانهم، مما جعل التلاميذ يتأثرون بذلك وتنمو فيهم الروح الوطنية والغيرة على الإسلام ، ومن بينهم المؤرخ السودانى الشهير محمد صالح ضرار الذى كتب فى مقدمة كتابه (تاريخ سواكن والبحر الأحمر) قائلاً: وفى أحد أيام الدراسة ألقى علينا أستاذنا السيد محمد ماضى أبو العزائم محاضرة كلها بطولة وثناء على الأمير عثمان أبو بكر دقنه، فتاقت نفسى منذ ذلك التاريخ للبحث عن حياته.
ومن المساجد التى كان يلقى الإمام فيها دروسه: مسجد تاج السر (نسبة إلى الشيخ تاج السر شيخ الطريقة المرغنية وقتذاك بشرق السودان ، فالتف حوله جمع كثير من أبناء سواكن، منهم فضيلة الشيخ عبد الرحيم الحيدرى السواكنى، الذى كان نائبًا للطريقة المرغنية بمدينة سواكن .
وكان الإمام يرسل إلى المنطقة الجنوبية - التى تنتشر بها الوثنية - بعض أتباعه فى صورة تجار حاملين الملح نظرًا لعدم وجوده عندهم. فإذا أنسوا لهم كانوا يعرضون عليهم مبادىء الإسلام فى صورة سهلة سمحة رغبت فيه الكثير، وهنا تنبه الإنجليز إلى خطر الإمام الذى أوفد أتباعه إلى تلك المنطقة التى تجوبها جيوش المبشرين، فكان ذلك من الأسباب التى أدت إلى نقل الإمام إلى مدينة أسوان.
الانتقال إلى أسوان:
تسلم الإمام عمله الجديد بأسوان- وكان بصحبته عائلته- أواخر شهر جمادى الأولى 1316 الذى وافق 8 أكتوبر 1898، ومكث بها عامًا واحدًا.
وعلى غير ما اعتادت عليه أسوان ، اكتظ الجامع الكبير بأهل البلدة لسماع دروس الإمام، وكان من بين تلاميذه : الشيخ محمود العقاد (والد الكاتب عباس محمود العقاد)، وماهر بك (والد على باشا ماهر وأحمد بك ماهر الذين أحبوا الإمام حبًّا جمًّا)، وقاضى المحكمة الشرعية وفقيهها، وعائلة بشندى، وأحمد أفندى إبراهيم ملاحظ شونة الملح .
سواكن مرة أخرى:
عاد الإمام إلى سواكن واستقر بها عامين جدد فيهما دعوته إلى الله تعالى والتى كان قد بدأها من قبل ، وكانت القبائل تستضيفه فى سباق بينها على المدة التى يقيمها لدى كل منها أثناء زياراته للمناطق الممنوعة فى جنوب السودان، فلم يترك بقعة به إلا زارها وترك فيها أثرًا طيبًا، وكانت مراكز دعوته هناك أكثر من ثلاثين مركزًا يقوم عليها أبناؤه ومريدوه الأوائل وعدد من الشيوخ الذين عاصروه.
الانتقال إلى وادى حلفا:
وفى حلفا التى أصبحت محلاً لعمله، كان الناس مشتغلين بالملاهى عاكفين على ملاذ الدنيا واحتساء الخمر، منصرفين عن المسجد معرضين عن طلب العلم، فاهتم بتعمير مسجدها واستكماله، وحث الناس على المسارعة فى الفضائل والنأى عن الرزائل، فدبت فيه روح اليقظة الإسلامية وتوافدت على المسجد جموعهم لسماع درسه والأخذ بتوجيهه والاستنارة برأيه.
وكان يلتقى بالناس فى مجالسهم ومنتدياتهم ويسلك بهم سبيل الرشاد ، و كان أهل حلفا ودنقلة وشمال السودان يتسابقون إلى حلقات الإمام العلمية حتى ضاق بهم المسجد، وزار بلادًا كثيرة فى شمال السودان بدعوات من مشايخ قبائلها، وجمع الله عليه رجالاً أبرارًا أتقياء تلقوا عنه أوراده وأذكاره وسلكوا طريقه.
الانتقال إلى أم درمان:
جاء الإمام إلى أم درمان وهى مثقلة بالجراحات ، فقد كانت عاصمة وحاضرة الدولة المهدية والتى سقطت بمعركة كررى على مشارف شمال أم درمان أمام الجيش الإنجليزى الغازى.
فحرص الإمام على أن يغذى عقول الطلبة بعلوم مواد السنة الأولى لدار العلوم المصرية من نحو وصرف وبيان وبديع وتفسير وحديث .
وقد كانت له حلقة علم فى مسجدها الجامع حيث قرأ الموطأ وحكم بن عطاء الله، وفى أم درمان اتصل الإمام وتعرف على كثير من الشخصيات الوطنية منهم الشيخ مدثر إبراهيم الحجاز حامل أختام المهدى وهو تجانى الطريقة، والإمام عبد الله التعايشى ، والشيخ قريب الله أبى صالح الطيبى شيخ الطريقة السمانية بأم درمان، والشيخ أحمد السيد مفتى السودان، والشيخ عبد الرحمن محمد أحمد المهدى، والشيخ عبد المجيد الدفارى.
وكان يسعى لجامع أم درمان العام فيدرس به الفقه على مذهب الإمام مالك رضوان الله عليه من بعد صلاة المغرب إلى ما قبل صلاة العشاء، ثم يدرس بعد صلاة العشاء درسًا خاصًا فى الحديث الشريف حتى ينقضى الثلث الأول من الليل، فيعود إلى منزله حيث يجد كثيرًا من العلماء المصريين من أئمة القوة العسكرية قد سبقوه إليه، وكذلك قاضى قضاة السودان الشيخ محمد شاكر، فيتدارسون القرآن ويتجاذبون أطراف الحديث فى غوامض أسرار الصوفية ومآخذ أهل الذوق فى القرآن الكريم إلى منتصف الليل، وبعد انصرافهم لا يبقى معه إلا نفر قليل، فيملى عليهم ما كانوا يحتارون فى فهمه .
وأثناء إقامته بأم درمان أصدر مجلة (السعادة الأبدية) لسان حال الدعوة العزمية فى وادى النيل، والتى استمرت فى الصدور من عام 1903 حتى 1915م.
الانتقال إلى الخرطوم:
انتقل الإمام من مدينة أم درمان إلى الخرطوم أستاذًا للشريعة الإسلامية بكلية غردون (جامعة الخرطوم حاليا) ، وسكن الإمام ببرى لمدة تقارب العشر سنوات. وكان فى الإجازة المدرسية للكلية ينزل إلى مصر .
وكانت له دروس بداره يلقيها بعد صلاة العصر. وفى مسجد الخرطوم الكبير كان له مجالس ذكر وعلم منتظمة امتدت لما يقرب من عشر سنوات كان يدرس فيها تفسيره للقرآن الكريم (أسرار القرآن) والموطأ والبخارى وقسم العبادات من مدونة مالك ابن أنس.
وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م ودخول تركيا الحرب ضد بريطانيا وإعلانها الجهاد الإسلامى، دعا الحاكم البريطانى فى السودان الموظفين والأهالى واستنجد بالعلماء وبعض الزعماء الدينيين للوقوف مع بريطانيا مؤكدا أن البريطانيين أصدقاء الإسلام وحماته، فقاموا بتأييدهم وطمأنة الأهالى وإقناعهم بالوقوف ضد دعوة السلطان العثمانى ، وأرسلوا برقيات التأييد للحاكم العام (ونجت) والتى جمعت ونشرت فى كتاب باسم (سفر الولاء). وعندما انتصرت بريطانيا فى الحرب كان ضمن الوفد السودانى الذى ذهب إلى إنجلترا لتهنئة الملك مجموعة من العلماء والزعماء الدينيين .
فقام الإمام بتوعية المسلمين من شر هؤلاء، مبينًا أنهم يُمَوِّهُونَ على العامة بأنهم الدعاة إلى الله ، ويلفتون المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعًا وعقلاً من العلم والعمل للدنيا، لذا قاموا بالوشاية والكيد له عند الحكام الإنجليز وأوهموهم بأنه يعمل على تحطيم نفوذ الأئمة الدينيين والذين يعتمد عليهم الإنجليز فى قبول حكمهم لدى الأهالى، ، كما جندوا بعض أتباعهم للعمل كجواسيس لدى الإنجليز لينقلوا ما يدور فى مجالس ودروس الإمام ، ولكن الله كان يقيض له من يدافع عنه ويكشف الأمر على حقيقته ، وازداد قدم الإمام رسوخًا وازداد الناس ارتباطاً به، ينهلون من فيض فضل الله تعالى المفاض عليه.
كما كان يبث بين طلبته وتلاميذه ومريديه روح التدين، ويقوى ويعمق الرابطة الإسلامية بين الشعوب الإسلامية على أساس أن الإسلام هو النسب وهو الوطن وهو الدين، ويحذر الجميع من الوقوع فى حبائل الاستعمار، ويبين مكايده وعمله على استنـزاف ثروات وعقول المسلمين.
لذا كان كثيرًا ما يصطدم بإدارة الكلية، فكتب الحاكم العام (ونجت) باشا يقول عام 1915م: (إن المعلمين المصرين فى الكلية أدخلوا بين الطلبة الدعاية الوطنية، ويرى أن أمام الإدارة الوطنية خيارين لمواجهة هذا الموقف: إما بترك الأمور كما هى وما تحمله من خطر انتشار الروح الوطنية التى يعمل البريطانيون للقضاء عليها، وإما نجلزة التعليم أى زيادة عدد المعلمين الإنجليز وتخفيض عدد المصرين). وأخذت الكلية بالخيار الثانى فأعيد تنظيم كلية غردون بدمج الأقسام، كما تم تخفيض ميزانية التعليم ، ثم جاء القرار بنفى الإمام إلى مالطا.
وغادر الإمام السودان فى عام 1915 عائدًا إلى مصر قبل أجازته السنوية بشهر، بعد أن ربى رجالاً بالسودان جاهدوا فى الله حق جهاده.
الإمام بالمطاهرة بالمنيا :
لما وصل الإمام إلى الشلال عائدًا من السودان كان ينتظره هناك الآلاف من تلاميذه، ومحبيه ومريديه من خيرة رجالات مصر، وكان فى الباخرة التى أقلته من حلفا إلى الشلال (ونجت) باشا، وقد تقابل مع (ونجت) تلاميذ الإمام من رجالات مصر على رأسهم محمود سليمان باشا، ومحمود الشندويلى باشا، وأحمد باشا الشريعى، وحمد الباسل باشا، وكثيرون من أعلام الطب والمحاماة والعلماء والأعيان. وقد طلب هؤلاء من الحاكم العام أن يكون نفى الإمام إلى بلدة المطاهرة بالمنيا بدلاً من جزيرة مالطا، فاتصل (ونجت) لاسلكيًّا بإنجلترا، وصوَّرَ لحكومته خطورة نفيه إلى مالطا فوافقوا على نفيه إلى المطاهرة .
وبمجرد وصوله إلى المطاهرة وافاه خطاب وكيل حكومة السودان بعدم سفره مرة أخرى إلى السودان ، ومع أن إقامة الإمام كانت محددة فى منزله بالمطاهرة إلا أنه كان يتجول فى القرى والبلاد المجاورة وذلك عن طريق وساطة محبيه، فقد توسط رئيس الوزراء- وكان محبًا وتلميذًا للإمام- فى تيسير انتشار الإمام فى دائرة أوسع ، وقد تحولت بلدة المطاهرة التى أمضى فيها الفترة ما بين عامى 1915-1917م وما حولها إلى مدارس للإمام خرجت أعلام الوطنيين وأئمة المجاهدين .
وهناك قام بإصدار مجلة الفاتح التى استمرت فى الفترة من عام 1915م حتى 1920م ، وقد طلب الأحباب نقل الإمام للإقامة فى القاهرة عاصمة مصر ، وفعلاً تمت الإقامة الجديدة ، وكان منزله بمصر مقصد وفود الأمم الإسلامية من مختلف الأجناس، ومحط أنظار سفراء الممالك الإسلامية وعظماء مصر ، فكان رضوان الله عليه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أيًا كان.
وكان منزله تحت الرقابة الشديدة من قبل الإنجليز ورجال السلطة المصرية ، وكان الإمام إذا عمل احتفالاً دينيًا لمناسبة معينة تتطلب تجمعات بشرية، فقد كانت القوات البريطانية تقوم بالتفتيش المستمر فى هذا اليوم لجميع أنحاء المنزل بحثًا عن وجود أسلحة أو منشورات أو أشخاص مشتبه فيهم أو خلافه.