الشرح والتعليق :
الوجد هو ما يصادف قلبك ويرد عليك بلا تعمد وتكلف .
وجودي أن أغيب عن الوجود بما يبدو علىّ من الشهود
والإمام رضي الله عنه في هذه الحكمة كأنه يشير إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله " فسيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لما احتار في هذا الحديث .
ما هذا الغبن الذي يرد على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم ويستغفر صلى الله عليه وآله وسلم عنه – يقول : فنمت وأنا في حيرة من هذا الحديث ، وإذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتيه في المنام ويقول له : " غين الأنوار لا غين الأغيار يامبارك " .
وتحقيق ذلك أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يترقى في كل نَفَس درجات ومقامات لا يعلمها إلا رفيع الدرجات ، فكلما ارتقى إلى مقام رأى أن المقام الذي كان فيه كان غواش أو حجاب عن جمال من جمالات الله ، أو عن كمال من كمالات سيده ومولاه ، فيتوب من المقام الذي كان فيه عندما يدخل في هذا المقام الذي يقيمه مولاه فيه .
فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوب من ذنب ولا وزر ، وإنما يتوب ويستغفر عن كشف ووجد وسرٍ من أسرار الله تعالى .
وقد سُئل الإمام الجنيد رضي الله عنه عن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله ، فقال للسائل : قلب من هذا ؟ فقال : قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال الجنيد : والله لو كان قلب غير قلبه صلى الله عليه وآله وسلم لفسرته لك وأما قلبه صلى الله عليه وآله وسلم فلا أدري " لأن قلبه صلى الله عليه وآله وسلم لا قلب مثله . ... ثم قال الجنيد : ليتني أشاهد بعضا مما استغفر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فالتوبة عن الكشف والوجد دليل عناية الله بالعبد .
والحاصل أن الصوفية يرون في التوبة معنى العناية . فالإنسان لا يتوب لعلمه بخطورة ما يرتكبه من الذنوب والآثام . ولكن لأن الله تعالى أكرمه بعنايته ومنّ عليه بالتوبة . فلا يمكن للإنسان أن يتوب عن المعاصي إلا بتأييد من الله تعالى وفضل منه .
فالإنسان مهما حاول فإنه لا يستطيع التخلص من سيطرة شهواته عليه . ولكن عندما يمُن الله تعالى عليه بنعمة الطمأنينة والاستنارة القلبية فسرعان ما يسجد قلبه لله ، فيضيق بالمعصية وينفر منها ويتغلب على أهوائه وشهواته .