التاريخ الإسلامي : حال العرب قبل إسلامهم

29/06/2021
شارك المقالة:

 

     تختلف الشعوب عقليا ونفسيا اختلافا كبيرا ، وذلك تبعا لاختلاف البيئة الطبيعية والاجتماعية ، والظروف التى تحيط بالأمة من كل جانب ، واختلاف الموروثات والمؤثرات الخارجية ، وأفراد الأمة الواحدة وإن اختلفوا فى المدارك والتعليم وغير ذلك ، إلا أننا نرى فيهم جميعا وحدة مشتركة ، وهذه الوحدة تظهر فى الملامح الجسدية والعقلية والفكرية .

     ولنا أن نتساءل : ما الذى كان يميز أمة العرب عن غيرها بصفة عامة قبل دخولهم الإسلام ؟ وما هى أهـــــــم الصفات التى تميزت بها الشخصية العربية عن غيرها بصفة خاصة ؟ وذلك لنعلم مدى التغييرات الجذرية التى أحدثها الإسلام فى هذه الشخصية الإنسانية  .

     يقول البعض أن كل الأمم فى شتى بقاع الأرض ، كان لها ملوك تحميها ، ومدائن تضمها ، وأحكام تدين بهــــا ، وصناعات تتقنها ، إلا العرب ؛ فلم يكن لهم ملك يحميهم ويلم شملهم ، ويقمع ظالمهم وينهى سفيههم ، وما كان لهم قــط نتيجة فى صناعة ، ولا أثر فى فلسفة  إلا ماكان من الشعر ، وقد شاركهم فيه العجم ، لأن الروم كانت لهم أشعــــــار قديمة تقوم على الأوزان والعروض .

 

     ويصور ابن خلدون حالة العرب الاجتماعية والعقلية والنفسية ، بأسلوب يبين مدى ما وصلوا إليه قبل البعثــــــــة المحمدية ، من إنهيار فى الشخصية ، فيرى أن فيهم طبيعة التوحش ، لأنهم أهل انتهاب وعبث ، ينتهبون ما قــــدروا عليه من غير مغالبة أو ركوب خطر ، ويفرون إلى منتجعهم بالقفر ، وإن تغلبوا على بلاد أسرع إليها الخـــــــــراب فينقلون الحجر من المبانى ، ويأخذون من السقف ليعمروا به خيامهم ، ويتخذون منه أوتادا ، وليست لهم عنايـــــــــة بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ، وهم متنافسون فى الرياسة ، ومن النادر أن يترك أحد منهم الأمر لغيره ، ولـــو كان أباه أو أخاه ، أو كبير عشيرته ، إلا فى الأقل ، فيتعدد الحكام فيهم والأمراء ، وتختلف الأيدى على الرعية فـــى الجباية والأحكام .

 

     وهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض ،  للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة فى الرياسة ، فقلما تجتمــــــــــع أهواؤهم ، من أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية ، أو أثر عظيم من الدين على الجملة ، وهم أبعد الناس عن الصنائع ، لأنهم أعرق فى البدو ، وأبعد عن العمران الحضرى ، وما يدعو إليه من الصنائــــــع وغيرها ، ولهذا كانوا دائما ما يجلبون الصناع من بلاد أخرى ، وهم كذلك أبعد الناس عن العلوم ، لأن العلـــــوم ذات ملكات محتاجة إلى التعليم ، فاندرجت فى جملة الصنائع التى هم بعيدون عنها .

     ويرى ابن خلدون أنهم مع ذلك أسرع الناس قبولا للحق والهدى ، لسلامة طباعهم من عوج الملكات ، وبراءتها من ذميم الأخلاق ، إلا ما كان من خلق التوحش القريب من المعاناة ، المتهىء لقبول الخير ، وهم أقرب الناس إلـى الشجاعة لأنهم قائمون بالمدافعة عن أنفسهم ، لا يكلونها إلى سواهم ، ولا يثقون فيها بغيرهم ، وهم لايزالــــــــــــون موسومون بين الأمم بالبيان فى الكلام ، والفصاحة فى النطق ، معروفون بذلك منذ كانوا .

 

     ويؤكد " أوليرى " أن العربى مادى ضيق الخيال ، جامد العواطف شديد الشعور بكرامته وحريته ، ثائر على كل سلطة ، مخلص لتقاليد قبيلته ، في حين يرى " لامانس " أن العربى من ناحية أخرى : مخلص مطيع لتقاليد القبيـــلة التى ينتمى إليها ، كريم يؤدى واجبات الضياقة ، مخلصا فى أدائها حسب ما رسمه العرف .

     ولعل من الحكمة فى اختيار العرب ـ وهم على هذه الحالة من الصفات المتباينةـ أن يكون من بينهم الرســـــول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنهم أقل الأمم فى هذا الوقت حضارة ، وأبعدهم عن المدنية ، ولو كانوا متحضرين كأهل المدنيــات المجاورة مثل الفرس والروم واليونان ، لقيل أنه انتقال حضارى ، وارتقاء مدنى ، بل شاء الله أن يكون ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو فى هذه البيئة المظلمة ، يشع منه نور يغير معالم الحضارة ، ويقيم صرح الحياة فى العالم أجمع ، لتكـون المعجزة أظهر ، والمنزلة أكبر ، فأشرقت شمس الحياة الإيمانية ، والصورة المثالية للإنسان الأكمل ، متمثلة فــــــى شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شمس الحق المشرقة بنور هداه ، لتضىء معالم الكون كله .

 

الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووارث علمه، ووزيره على أمره، وزوج ابنته السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وأحب أهله إليه، وكاتب وحيه، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه، تخلق بأخلاقه، واتسم بصفاته، وفقه عنه الدين.