يرى الإمام أبو العزائم أن كل مسلم على يقين أنه مسافر إلى الدار الآخرة للقاء ربه سبحانه وتعالى ، ولا ريب أن ثمة صعوبات تعترض كل مسافر ، وربما أفسدت عليه سفره ، ولما كان كل مسافر إلى مقصد عظيم وجب عليه أن يستعد لهذا السفر، استعدادا يطمئن به قلبه على نفسه، فيصحب الرفقة التى يأنس بها، ويدفع بها عن نفسه ما لا قبل له به، والزاد الذى يبلغه مقصده حتى يرجع لأهله، والسلاح الذى يستعمله عند لقاء اللصوص أو الوحوش، والمال الذى يدخره للضرورة، والراحلة التى تحمله، والأثاثات التى لابد له منها من البيوت التى تكنه، واللباس الذى يقيه الحر والبرد ، وأهم ما يلزم المسافر هوالخبير الذى يسلك به على الطريق الموصل، فهو العالم بالطريق علما عن تجربة وكثرة مروره به . هذا ما يلزم المسافر فى أموره الدنيوية.
أما المسافر إلى حضرة الملكوت الأعلى، فله لوازم ضرورية لابد منها، وهى من الأهمية بمكان، حتى يمكنه أن يبلغ مقصده الملكوتى، فإذا هم أن يسافر فارا إلى الله تعالى من كون الملكوت، كثرت لوازمه وازدادت حاجاته . كل تلك المعدات يجب أن تكون موفرة للمسافر قبل سفره بزمن طويل، فلا ينبغى له أن يسافر بعد كمالها، فمن أخطأ فى إعداد العدة خاطر بنفسه، فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
وإنما العمر هو المسافة التى بين العبد وربه كما قال تعالى : (إن إلى ربك الرجعى) ، فكلما مضى من عمره نفس انتقل مرحلة إلى ربه ، وفى كل نفس له كمالات يتجمل بها إذا عمر الوقت بواجبه كما قال الإمام على : (آه من وحشة الطريق وقلة الزاد وطول السفر ) فإن أهمل خسر الوقت وخسر الربح ، وطولب بواجبه ، فلابد أن يكون المريد السالك على الطريق على علم بواجب الأوقات وبصحبة من سلك ، وأن يتمكن من معرفة النفوس وعلم أمراضها ودوائها ، يقول الإمام أبو العزائم : (إنى لا أحكم أن المريد معصوم من المعاصى ؛ ولكنى أرى أنه يقع فى صغائر الأمور التى تشتبه عليه لأنها خفية ، كما يحصل من بعض المريدين من المصارعة فى عمل النوافل والتساهل بالواجبات من بر أو جهاد ، فقد يكون واجبا يقتضيه الوقت فيترك ذلك ويقبل على الأوراد أو الصيام والسهر فى القيام ، فتدخل تلك المعاصى على المريد من حيث لا يعلم) فلابد أن يعلم المريد الحقوق الواجبة عليه لنفسه ولربه سبحانه وللناس على حسب مراتبهم ، ويعلم مواقيت تلك الحقوق وشروطها ، فقد يكون الوقت يقتضى الشكر فيصرفه فى الذكر ، أو يقتضى السعى على المعاش فيصرفه فى الصلوات .
ولهذا وضع الإمام أبو العزائم مقدمات وضوابط للمريد إذا لاحظها يسهل عليه معرفة مقتضى الوقت ، ويعلم الأحكام الشرعية التي تجب عليه في نفس الوقت .
ووضح أمورا هامة للسالك ؛ منها احتياجه إلى الطريق ، ومنها ضرورة اقتدائه بمرشد كما قال تعالى : (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ) وهو الخبير بالطريق كما قال الله تعالى : (الرحمن فاسأل به خبيرا) يعاهده على طاعة الله ورسوله ، ويأخذ بيده إلى الطريق الإيمانى والسلوك المثالى ، ومنها تعليمه فقه العبادات والمعاملات ومزج ذلك بالآداب والطهارة الباطنة والخشوع القلبى .
وقد تناول الإمام كل هذه المعانى والمفاهيم فى كتابه "دستور السالكين طريق رب العالمين" لتوضيح اللوائح المنظمة للإنتساب للطريقة العزمية ، حتى يتمكن السالك فى طريق الله من التحلى بأنشودة من الصفاء والإخاء والتخلص من أمراض النفوس والقلوب .
لذا سنبدأ فى توضيح ما وضعه الإمام أبو العزائم من مقدمات وضوابط لمن أراد الإنتساب إلى الطريق ، ثم شرح الدستور والمنهج الذى وضعه لمن انتسب إلى الطريق بمراتبه فكما قال الإمام : (الطريق إلى الله تعالى بدايته العلم ووسطه العمل وآخره معرفة الله تعالى بعد معرفة النفس).