فى الوقت الذى تواجه فيه الأمة الإسلامية الكثير من التحديات نجد أعداء الأمة - والذين يمثلون النصيب الأكبر فى هذه التحديات- قد قاموا جاهدين وبكل الوسائل لتفتيت وتشتيت شمل الأمة لإضعافها ، ويعملون على تغذية نعرات المذهبية والطائفية والاختلاف ما بين شيعة وسنة وصوفية ، ويتخذون لهذا الهدف معاول هدم من داخل الأمة كالسلفية والخوان ، وكأنهم يضعون الوقود على النار ليزداد اشتعالا ، فتمسك كل بفكرته دون التخلى عن أى منها حتى لو جانبت الصواب .
ومن أخطر القضايا التى تثار لدعم الفرقة وتوسيع الفجوة بين السنة والشيعة ، قضية فضل أهل بيت سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه .
فقام بعض أهل السنة وادعوا أن الصحابة رضى الله عنهم لهم كل الفضل ، وأنهم طليعة الأمة وليس لأهل البيت فضل كفضل الصحابة ، وتغالوا فى هذه الفكرة ، وتحدثوا عن أهل البيت بما لا يليق .
وقام بعض الشيعة وادعوا أن أهل البيت عليهم السلام -دون غيرهم- لهم كل الفضل والدور ، وليس للصحابة فضل ، وتغالوا فى ذلك بما لا يليق بأصحاب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
كما قام البعض بتفضيل بعض الصحابة على بعض . والعجب كل العجب ممن يحكم على غيره بالرغم من أنه لا يملك أن يحكم على نفسه ، فكيف به وهو يحكم على أهل البيت والصحابة!!!! .
وبالمطالعة لعلوم الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم نجد أنه قد عالج تلك القضية - بحسم - علاجا شافيا وافيا ، فقال فى كتابه "النجاة فى سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- :
اشتغل بعض الناس بتفضيل بعض الصحابة على بعض، بالوجه الذى لا ينبغى أن يخوض عبابه مسلم يتقى الله ويخشى لقاءه، وإن عارضنى معارض أن ذلك كان فى عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وفى زمن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، أجيبه: بأن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان الرجل منهم يقول أبو بكر فعمر ومرادهم بذلك المنافسة فى أن يجاهدوا أنفسهم ليتشبهوا بهما رضى الله عنهما ، لأن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كانوا يرون أن أبا بكر نال ماله مما وفقه الله وأعانه عليه من بذل النفس والنفيس، ولم يكن التفضيل فى عصر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- للتفرقة بين جماعة المسلمين، ولكن ليتنافس كل مسلم لينال قسطا من كل المواهب العلية، إن لم ييسر له الله تعالى نيلها جميعا، ومكث الناس كذلك فى عصر الصديق وعصر الفاروق رضى الله عنهما حتى دخل فى الإسلام الأعاجم والنصارى، وفتحت لهم الدنيا، كما أخبر -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: إنى لا أخشى عليكم الفقر ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها.
فانتهى زمن التفضيل للمنافسة، وظهر زمن التفضيل للعصبية والمنافسة فى الدنيا، حتى تفرقت الكلمة، وسلت السيوف من المسلمين على بعضهم، لفتنة شيطان مارد، ولمة إبليس رجيم - نعوذ بالله منه - كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : (إن إبليس يئس أن يعبد فى جزيرة العرب ولكن لا يزال بينهم بالتحريش).
عجبا يقوم المسلمون فى وجوه بعضهم بعض، هذا يقول أبو بكر -رضى الله عنه- ويقيم الأدلة، وهذا يقول على بن أبى طالب كرم الله وجهه ويقيم الأدلة، ولو أن سيدنا الصديق الأكبر -رضى الله عنه- قابل من تعصبوا له لعلي رءوسهم بسيفه فقتلهم لتفرقتهم للجماعة ، أو لفسوقهم عملا بقوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)( المائدة: 33). ولو واجههم سيدنا أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه لقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو نفاهم من الأرض عقوبة لهم على جرأتهم على الله ورسوله، وعلى أحباب الله وصفوته من عباده أجمعين.
أيها المسلم ما الذى اعترى قلبك المعمور بنور القرآن حتى حجب أنوار القرآن عنه، وسرك المجمل بحكمة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى ألفت سرك عنها، وبلغ فيك سوء الأدب حتى تحكم حكما لم يحكم الله به ولا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، ولا الأئمة الراشدين والمرشدين، ولم يكن أصلا من أصول دينك طولبت بتحقيقه وعلمه، ولا مرغبا إليه سارعت لعمله، كل مسلم يحب كل مسلم كما يحب نفسه كما هى سنة المسلمين،ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه هذا فى أهل عصره، ممن لم ير من رأى من رأى من رأى من رأى التابعين لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فكيف بمن أحبهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأثنى الله عليهم وعطفهم عليه فى أكمل مقامات العناية بقوله سبحانه وتعالى: (ياأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(الأنفال:64). فقوم عطفهم الله على جنابه المقدس فى مقام الولاية والعناية، وأثنى الله عليهم بقوله: (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)( التوبة: 100).
أليس صغير هؤلاء ممن لم ير رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا مرة واحدة وثبت أنه من الصحابة أحب إلينا من أنفسنا؟ والله لا يكون جواب المسلم إلا : "بلى" ، هل قمنا لهم بما يجب علينا من الواجب لرجال سفكوا دماءهم، وبذلوا أموالهم، وتركوا دينهم وأوطانهم لإعلاء كلمة الله، وإحياء لسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، حتى وصل إلينا هذا النور ونحن على بسط الأمن وفرش الراحة، والله لو أن المسلم حج ألف سنة، وجاهد ألف سنة، وتصدق بقدر أحد وعتق ألف رقبة، ووهب ذلك لأصغر صحابى - أستغفر الله من قولى أصغر - لأن مسلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، يفتخر على عوالم الملكوت لنظره إلى وجه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، لو فعل المسلم كل ذلك شكرا لله على ما أكرمه الله به من الخير على يد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، لكان مقصرا عاجزا عن القيام بما يجب لهم عليه، فكيف يبلغ من الضلال مبلغا يفضل به فلانا على فلان، ويدعوهم العناد إلى الوقوع فى غضب الله بتنقيص من أقامهم الله مقام نفسه، وأنزلهم منازل رسله -صلى الله عليه وآله وسلم- .
أما إقامتهم مقام نفسه سبحانه وتعالى فبقوله جل جلاله لرسوله : (حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(الأنفال:64). أما إقامتهم مقام رسله عليهم الصلاة والسلام فبقوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)(البقرة: 143 ) . والشهداء يوم القيامة هم رسل الله .
استغفر الله أيها الأخ المسلم من لمة الشيطان المارد ، واجعل خشية الله فى قلبك، وعظم من عظم الله ، ودع الحكم لله ، فإنه لم يكل ذلك إليك ، وما الذى ينالك أيها الأخ المسلم من تفضيل فلان على فلان، أذلك من أركان الإسلام أو شئ أوجبه الله عليك ؟!!.
لا والله ولكن تحرش الشيطان بيننا أدى هذا الكلام الصادر عن النفوس الخبيثة، والقلوب النجسة، إلى ذم بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم إلى بغضهم، ثم إلى لعنهم على المنابر .
وسلت السيوف ، وسالت الدماء، أعوذ بالله من الشيطان ومن دسائسه ، ولا يزال فى المسلمين من يلعن بعض الصحابة جهلا بمقامهم -رضوان الله عليهم-، لم يتمكن إبليس الرجيم – لعنه الله – من إفساد الدين لأنه دين الحق المكين، فسعى بخيله ورجله حتى فتح باب التفضيل بين المسلمين ليفسد أحوال من اتبعه، ويشغلهم عن العمل بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أعاذ الله المسلمين من شره وكيده، وحفظ قلوبنا وأعاننا أن نشكره سبحانه وتعالى ، ونشكر من أجرى إلينا النعمة على يديهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ..... أهـ) .
وسوف نعرض - بقدر الاستطاعة - فضائل أهل البيت والصحابة وعلاقة كل منهما بالآخر ، وأعمالهم التى تستضئ بها القلوب، وتستبين بها سبل الله سبحانه، وتلوح بها أنوار سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – ، فى سلسلة "فضائل أهل البيت والصحابة " ، فأعمالهم رضى الله تبارك وتعالى عنهم وأقوالهم هى النور المبين ، والواجب على المسلمين الاقتداء بهم.
نسأل الله تعالى أن يجمع الأمة على كلمة واحدة ، وينزع من بينها الخلاف والشقاق ، ويجعل كيد كل من أراد بها سوءا فى نحورهم ، ويلهمنا الصواب وحسن الاتباع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت وصحابة .