أولا : المقدمة الأولى :
- العلم بالنفس : فالعلم بها هو بداية حصول كل خير ، لأنها تعتبر عقبة فى طريقك إلى الله كما قال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك) ، فإذا عرف الإنسان ما جبلت عليه النفس ومعانى ما هى مفطورة عليه ظهر له جليا أنها لا تقبل مواجيد اليقين إلا بالجهاد الأكبر كما قال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس ) ، ويكون المجاهد عالما بما به يكون جهاده فى ذات الله تعالى أو سبيله وبذلك تزكوا نفسه قال تعالى : (قد أفلح من زكاها 0 وقد خاب من دساها).
- العلم بالله: وهو العلم الذى يهدى القلوب إلى معرفته سبحانه ، والعقول إلى توحيده، والأرواح إلى محبته، والأجسام إلى الفناء فى عبادته والقيام بأمره، فذلك هو العلم المفروض على المؤمنين جميعا، لأنه قوام العقيدة، وروح الإيمان، ومن حرمه أو أهمل فى طلبه فقد حرم السعادة والخير. وقد جاء ذكر العلم بالنفس مقدما على العلم بالله لأن العلم بالله متوقف على العلم بالنفس كما قال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (من عرف نفسه فقد عرف ربه) .
- العلم بأحكامه : وهو علم الفقه ، وهو كل ما يتناول الأحكام الدينية ، وقد ندب الله تعالى إلى تعلمه ونشره بين الناس وذلك بقوله : (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فجعل سبحانه ولاية الإنذار والدعوة للفقهاء ، وهو علم يتناول حياة الفرد والجماعة والدولة ، دينية كانت أم دنيوية ، سواء أكانت من العقائد أم العبادات أم المعالات أم الجنايات أم الأحوال الشخصية بل وما يتعلق بالحرب والسلم والمعاهدات .
- العلم بأيامه : وهى الأيام السبع التى تعد مراحل للإنسان ، وهى يوم الميثاق الأعظم قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ... الآية ) ويوم ألست قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) ، ويوم بطن الأم قال تعالى (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا) ويوم الدنيا قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) ويوم البرزخ قال تعالى : (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ويوم البعث والقيامة قال تعالى : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) ويوم الخلود قال تعالى : (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) وقال تعالى : (وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .
فالعبد لابد أن يذكر كل تلك الأيام حتى تكون له عبرة وتذكرة ، وحتى يتحقق بفضل الله عليه ومنته ، فيقوم بحق الشكر على تلك النعم ، ولذلك أمر سبحانه سيدنا موسى أن يذكر قومه بأيامه قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ).
ثانيا : المقدمة الثانية :
- إخلاص النية عند العمل : قال تعالى : (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقال سبحانه : (فادعوا الله مخلصين له الدين ) وقال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (لا يقبل الله تعالى قولا إلا بعمل ولا قولا وعملا إلا بنية) ، وحقيقة الإخلاص سلامته من وصفين وهما الرياء والهوى .
- تأدية العمل على الوجه الشرعى : بحيث لا يكون فيه خلل .
- الفرح به من حيث أنه لله بتوفيقه : كما قال الإمام أبو العزائم : لا تفرح بالعمل إلا إذا تحققت بالإخلاص فيه ، ولا تفرح بالإخلاص إلا تحققت بإصابة الحق فيه ، ولا تفرح بإصابة الحق إلا إذا تحققت بتوفيق الله فيه ومعونته ، ولا تفرح بالتوفيق والمعونة إلا إذا فرحت بالله الذى أقامك عاملا من عماله .
- الشكر بعده لله على عنايته وإقامة العبد مقام عامل له سبحانه : والشكر هو الإعتراف بالنعمة من الله تعالى ، وهو عمل الجوارح الظاهرة والقوى الباطنية من القلب والنفس والعقل والروح قال تعالى : (اعملوا آل داوود شكرا) فالشكر عمل .
- عدم الاعتماد على العمل : قال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (لا يدخل أحد الجنة بعمله)
- تحققه العجز عن حقوق الشكر بعد العمل : فالعجز عن الشكر شكر
- جعل كل الأعمال لله تعالى ولو كانت من شهواته الحيوانية ، بتصريفها بحسن النية .
- مجاهدة نفسه حتى لا يجد سرورا في نفسه بالعمل أمام الناس أو في الخلوة لصحة توجهه إلى الله تعالى ، فإن نشط أمام الخلق ، وكسل في الخلوة جاهد نفسه ليكون حاضرا مع الله في الحالين ، غائباً عن الخلق في المشهدين ، كما يحصل للعامل إذا عمل عملا نافعا لذاته ، فإن الأمر يستوى عنده في الخلوة والمجتمع .
ثالثا : الضوابط :
- تلبية قلبه فيما يدعوه إليه ، إلا فيما أوقع في ريبة في عين الخلق أو شبهة عنده ، فإنه يحفظ الخلق من الوقوع في محرم بشأنه ، أو من الوقوع في محرم بالاقتداء به.
- غض البصر عن عورات الناس وعيوبهم ومساويهم ليستريح ويريح ، إلا من أمر بمعروف أو نهى عن منكر بشروطه الشرعية .
- المسارعة عند النشاط إلى القربات بعد الفرائض .
- قهر النفس عند الكسل على عمل الواجبات في أوقاتها ولو بالتكلف .
- تسليم ما يجهل من أسرار الحكمة والقدرة للعالم الأكبر سبحانه وتعالى ، حتى يفتح له باب العلم بها بدون بحث بعقل ، ولا تنقيب بفكر ، فإنه ولد جاهلا أولا .
- ترك الجدل مرة واحدة فإنه باب القطيعة ومهاوى البعد، لأنه إذا ترك الظالم أو المبتدع في ضلاله ،فهو خير له من أن يجادله ليرده إلى الحق ، لأن الجدل بدعة مضلة ولا يأتى الخير بالشر: قال تعالى : (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) الزخرف: ٥٨ وقال [صلى الله عليه وآله وسلم] :« إذَا غَضِبَ اٌللهُ علَى قَوْمٍ أُوتُوا الجدَلَ » ([1]).
- يكون مقصوده الرضا من الله تعالى ، وحسن الثناء منه سبحانه ، الأمر الذى يصغر الخلق في عينه فلا يحزنه سخطهم وإدبارهم ، ولا يفرحه إقبالهم ورضاهم إلا من وجهة حب الخير لهم ، وبغض الشر لهم ، ورؤية الفضل من الله عليه في الحالين بالشكر في الإقبال ، والابتهال والتضرع في الإدبار .
(2) ورد هذا الحديث بلفظ :(ماضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) في نور اليقين في تخريج إحياء
علوم الدين للعلامة الشيخ محمد الحافظ التي جانى ج 1 ص 136 .