خصائصه وإسلامه :
وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية ، وأهل مشاورتهم ، ومحبيا فيهم ، وأعلم لمعالمهم ، فلما جاء الإسلام أقره على ما سواه ، ودخل فيه أكمل دخول . وأخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف ابن خربوذ قال : إن أبا بكر الصديق - رضى الله عنه - ، أحد عشرة من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية الإسلامية فكان إليه أمر الديات والغرم فى قريش .
وكان أبو بكر - رضى الله عنه - أعف الناس فى الجاهلية ، أخرج ابن عساكر بسند صحيح عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت : والله ما قال أبو بكر شعرا قط فى الجاهلية ولا إسلام ، ولم يسجد لصنم قط ، ولقد ترك هو وعثمان بن عفان شرب الخمر فى الجاهلية .
أسلم الصديق - رضى الله عنه - وهو ابن سبع وثلاثين وقيل : ثمان ، وعاش فى الإسلام ستا وعشرين سنة ، وهو أول من أسلم من الرجال ، وأسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة : عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبى وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم .
وأخرج الطبرانى فى الكبير ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل فى زوائد الزهد عن الشعبى قال : سألت ابن عباس : أى الناس كان أول إسلاما ؟ قال : أبو بكر الصديق ، ألم تسمع قول حسان بن ثابت :
إذا تذكرت شجوا فى أخى ثقة
|
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
|
وأخرج ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبى وقاص أنه قال لأبيه سعد : أكان أبو بكر أولكم إسلاما ؟ قال : لا ، ولكن أسلم قبله أكثر من خمسة ، ولكنه كان خيرنا إسلاما .
ويقصد بذلك أن السيدة خديجة ، وزيد بن حارثة ، وزوجه أم أيمن ، وسيدنا على ابن أبى طالب ، وورقة بن نوفل أسلموا قبله .
وقد صحب أبو بكر النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - من حين أسلم إلى حين انتقل إلى الرفيق الأعلى ، لم يفارقه سفرا ولا حضرا ، إلا فيما أذن له - صلى الله عليه وآله وسلم - فى الخروج من حج وغزو ، وشهد معه المشاهد كلها، وهاجر معه ، وترك عياله وأولاده رغبة فى الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهو رفيقه فى الغار ، قال تعالى : (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)(التوبة : 40) .
وقام بنصر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فى غير موضع، وله الآثار الجميلة فى المشاهد ، وثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس ، ودفع إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رايته العظمى يوم تبوك ، وأنفق ماله كله على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد أخرج أحمد وابن ماجة والترمذى عن أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :"ما نفعنى مال قط ما نفعنى مال أبى بكر " فبكى أبو بكر وقال :( هل أنا ومالى إلا لك يارسول الله ؟) وكان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم ، فكان يعتق منها ويقوى المسلمين .
وكان - رضى الله عنه - أعلم الناس بأنساب العرب ، ولا سيما قريش ، وكان كذلك غاية فى علم تعبير الرؤيا ، وقد كان يعبر الرؤيا فى زمن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وقد قال محمد بن سيرين – وهو المقدم فى ذلك العلم بالاتفاق - : كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - "أخرجه ابن سعد" .
وهو أول من جمع القرآن ، وأول من قاء تحرجا من الشبهات . وروى مائة حديث واثنين وأربعين حديثا ، جاء منها فى الصحيحين ثمانية عشر حديثا ، اتفقا على ستة ، وانفرد البخارى بأحد عشر ، ومسلم بواحد ، وخرج له جماعة ، روى عنه ابن عباس وأنس وقيس بن أبى حازم .
أولاده :
كان له - رضى الله عنه - من الولد : عبد الله ، وأسماء ذات النطاقين.. وأمهما قتيلة بنت عبد العزى ، وعبد الرحمن وعائشة ... وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر، ومحمد .. وأمه أسماء بنت عميس، وأم كلثوم .. وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد ، وكان الصديق أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على خارجة فتزوج ابنته .
فأما عبد الله : فإنه شهد الطائف . وأما أسماء : فتزوجها الزبير بن العوام فولدت له عدة من الأولاد ثم طلقها ، فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة . وأما عبد الرحمن : فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم . وأما محمد : فكان من نساك قريش ، وقد ولاه سيدنا على بن أبى طالب مصر فقتله صاحب معاوية . وأما أم كلثوم : فتزوجها طلحة بن عبيد الله - رضى الله عنه - . قال البغوى فى تفسيره : اجتمع لأبى بكر إسلام أولاده وأبويه جميعا .
وللحديث بقية