الآداب الواجبة على من انتسب للطريق
لما كانت الآداب إما أن تكون آدابا في عبادات ، أو في معاملات ، أو في تزكية النفوس وتطهيرها ، أو في طريق الدعوة إلى الله وإرشاد عباده بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو آداب تعليم العلم وتلقيه ، وغير ذلك من الآداب .
ونود أن نبين الآداب التي ينبغى أن يكون عليها المسلم لأخيه المسلم ، والمتعلم للمعلم ، وآداب الدعوة إلى الله ، وما ينبغى أن يكون عليه العلماء في حال إقامة الحجة لله ، ودفع الشبهة عن سنة رسول الله ، ومحو البدع .
الآداب الواجبة على كل مسلم لأخيه :
معلوم أن الآداب الواجبة لابد وأن تكون أوجبها الله تعالى أو أوجبها رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وهى أربع عشرة خصلة هى :
- أن يسلم عليه إذا لقيه .
- ويجيبه إذا دعاه .
- ويشمته إذا عطس .
- ويعوده إذا مرض .
- ويشهد جنازته إذا مات .
- ويبر قسمه إذا أقسم عليه .
- وينصح له إذا استنصحه .
- ويحفظه في غيبته إذا غاب عنه .
- ويحب له ما يحب لنفسه .
- ويكره له ما يكره لنفسه .
وعن أنس قال : قال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]: ( أرْبَعٌ مِنْ حَق الْمُسْلِمِ ، أن تُعِينَ مُحْسِنَهُمْ ، وَأن تَسْتَغْفَرِ لِمُذْنِبهِمِ ، وَأن تَدْعُو لمُدبِرِهِمْ ، وَأن تُحِبَّ تَائبَهُمْ ) .
فهذه الخصال المذكورة جامعة مختصرة لا عذر لأحد في تركها إلا من عذرته السنة ، وأكمل المؤمنين إيمانا أقومهم بها ، وأسرعهم إليها . وفى الخبر عن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] : « منْ أعْطِىَ حظَّهُ مِنَ اٌلرَّفْقِ ِفقد أعطِىَ حظَّهُ من خير اٌلدُّنْيا والآخرةِ وَمَن حُرمَ حظَّه مِنَ اٌلرَّفْقِ فقد حُرِم حَظُه مِنَ خَيرِ اٌلدُّنْياَ والآخرةِ » ([1]) .
صحبة للمرشد :
الأدب عند أهل الطريق هو رعاية الحق جل جلاله ، باستحضار عظمته وكبريائه وعزته . حتى كأن الأديب يراه أو يراقب أنه جل جلاله يراه ، فيحفظ السالك أنفاسه من أن يصرف نفسا منها في غير مراضية ومحابه .
والسالك مهاجر من حسه ونفسه وهواه مسارعة إلى نيل رضا مولاه ، وفار من الدنيا الفانية وزخرفها إلى الدار الآخرة ونعيمها ، ولما كانت دواعى فطر النفس المهملة حاجبة عن الحق ، وكانت وساوس الشيطان الملازمة داعية إلى الهلاك الأكبر والقطيعة عن الخير لزم للسالك رفيق يصطفيه لنفسه ، ويتعين أن يكون أشبه الناس برسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] خلقا وأدباً ، وأعلم الناس بهديه وسنته أدباً ومعاملة.
وقد بين الله تعالى لنا صفاته [صلى الله عليه وآله وسلم]، في القرآن، قال الله تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) البقرة: ١٥١ فبين لنا سبحانه أن المرشد يجب أن نختاره بعد العلم اليقينى بأنه أقرب الناس شبها)قولا وعملا وحالا) برسول الله ﴿rوآله﴾، وبعد طول البحث والاختبار والتجربة حتى تطمئن القلوب ، ولديها يجب أن نسلم له ونقتدى به ، ونخالف الحظ والهوى مسارعة للإقتداء به.
آداب صحبة المرشد :
1 – أن نقيمه مقام الوالد الرءوف الرحيم ، ونقوم له بما يقوم به الولد البار الكريم ، وقد أدب الله من اجتباهم في صحبة الأئمة حتى بلغوا أرقى مقامات المحبة والقرب.
وكلما تفضل الله عليهم بعواطفه عرفانا ، وإحسانه وإقباله ، وفضله علما ، ومننه شهوداً ، قاموا لله شكرا لنعمته عليهم بتعظيم الوسيلة ، وسارعوا لشكر من أجرى الله النعمة لهم على يديه ، فزادهم الله يقينا ، وقربهم لديه زلفى ، حتى بلغوا مقامات الشهداء والصديقين وهم على ما هم عليه من الأدب ، كما قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الأحزاب: ٢٣.
وذلك ما دام المرشد متحدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنهم صحبوه على بصيرة من أمرهم ، لأنهم أحبوا الحق وأحبوا المرشد للحق ، وما دام على الحق فهو حبيبهم ووالدهم وسيدهم ، وإن خالف الحق خالفوه وهم صفوة الله من عباده .
2- أن السالك مهما أكرمه الله تعالى لا يخطر على قلبه أنه أشبه المرشد، أو ساواه ، أو استغنى عنه ، فإن ذلك دليل القطيعة عن الله تعالى ، وإن كان الرجال لا يحظرون على فضل الله تعالى ، ولكن الطريق لا يسلم فيه إلا أهل الأدب ، وفى سوء الأدب عطب ، والعطية من الله تعالى توجب على العبد مزيد الشكر ، ومن كانت العطية له سببا في الكفر أو موجبة للفخر فهى بلية ، أعاذنا الله وإخواننا منها.
وكثير من السالكين يهبهم الله تعالى لسان بيان ويقبل سبحانه بالوجوه عليهم فيظنون لجهالتهم أن هذا هو الوصول ، فيلتفتون عن المرشد فيفتنون ، والله تعالى يقول : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) القصص: ٧٧. وكل من استعان بنعم الله على معاصيه بطرا وفخرا فهو هالك .
يقول الإمام أبو العزائم : (وقد صحبنى في بلاد مصر ناس منحهم الله البيان ، وأقبل بالوجوه عليهم ، فمالوا إلى حظوظهم ، فمنهم من التفت ظانا أنه استغنى عن المرشد فتخطفه الشيطان ، ومنهم من استدرجه الله تعالى وطرده من الخير الحقيقى ، فأصبح ذاما بعد المدح ، منكرا بعد التسليم ، فرحا بما يفرح به اليهود ، معتقدا أن المال في الدنيا هو الخير الذى يمن الله به على أولياءه ، ونسى أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم عاشوا فقراء، وأنه عجل لأعدائه ما يحبونه استدراجا منه لهم ، ولو علم ما أوقعه فيه الشيطان لأوقع نفسه من شاهق جبل) .
وقد صحب رجلٌ الجنيد([2]) رضى الله عنه فنال بصحبته شهرة بين الناس ، فاعتقد مساواته للجنيد وتفوقه عليه فاعتزله ، وكان يشهد مشاهد ظنها معارج ، ولكن الله تداركه بلطفه فتوجه له الجنيد وقال له : ( قل : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فقالها، فتبين أنه على ضلال .
فالسعادة في الطريقة هي الأدب مع المرشد حتى يفارق الدنيا ، وحفظه بعد موته ، فإن سوء الأدب مع المرشد في حياته يدل على أن السالك يحرم من معية رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وإنما يفوز بها أهل الأدب مع المرشد .
أسأل الله تعالى أن يرزقنى وإخوانى الأدب لله ولرسوله ، ولكتاب الله وسنة رسوله، فإن مسىء الأدب لم يدخل الطريق ولم يخرج منه، لأنه دخل في حظه فظن الناس أنه في الطريق ، وكشف الله الستر عنه وارتد أمام الخلق إلى حظه ، فهو بعيد أولا وآخرا ، وهو كما قال الله تعالى : (يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً . مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء) النساء: ١٤٢ - ١٤٣. ومن وضع قدما واحدا في الطريق لزم أعتاب الرفيق ، والله يتولى الصالحين .
و للحديث بقية ان شاء الله تعالي
(2) كشف الخفاء ومزيل الإلباس للشيخ إبراهيم الأفلونى ج 11 ص 268 .
([2]) هو أبو القاسم الجنيد مولده ومنشأه ببغداد وهو أول من تكلمفي علم التوحيد ببغداد ويعد شخ مذهب التصوف، توفى سنة 297هـ.