شهد الصديق - صلى الله عليه وآله وسلم - جميع المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما تخلف عن مشهد واحد , وكان دائما بجوار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يدفع عنه , وكان - رضى الله عنه - من أشجع الصحابة وأثبتهم فى دين الله ففى(معالم التتريل) : لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وانتشر خبر وفاته, ارتد عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين, ومنع بعضهم الزكاة, فهم أبو بكر بقتالهم, فكره ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -, وقال عمر: كيف نقاتل الناس وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - : " أمرتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله, فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم " فقال له أبو بكر: ( أليس قد قال: " إلا بحقها ؟" ومن حقها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة, والله لو منعونى عقالا - وفى رواية: عناقا - كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لقاتلتهم على منعه, ولو خذلنى الناس ) فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال, فعرفت أنه الحق, قال عمر بن الخطاب: والله لقد رجح إيمان أبى بكر بإيمان هذه الأمة جميعها فى قتال أهل الردة.
ولما ولى الخلافة خطب الناس , فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ( أما بعد, أيها الناس: قد وليت أمركم, ولست بخير منكم, وإن أقواكم عندى الضعيف حتى آخذ له الحق, وإن أضعفكم عند القوى, حتى آخذ منه الحق. أيها الناس: إنما أنا متبعٌ ولست بمبتَدِع, فإن أحسنتُ فأعينونى, وإن زغتُ فقومونى).
وكان يقول رضى الله عنه : (إن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله, ولا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة, وأملككم لنفسه).
وفى مدة خلافته اليسيرة فتح فتوحات كثيرة, فأول ما بدأ به بعد خلافته أنه أنفذ جيش أسامة, وكان قد استصغر قوم من الصحابة أسامة, وقالوا لعمر بن الخطاب: قل لأبى بكر يرجع بالمسلمين, فإن أبى ألا يفعل فليول علينا رجلا أقدم سنا من أسامة, فجاء عمر بن الخطاب إلى أبى بكر وذكر له ذلك, فقال أبو بكر: (لو خطفتنى الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ). فرجع عمر إلى الأنصار وذكر لهم مقالة أبى بكر فقالوا له: لابد أن تراجع أبا بكر فى ذلك, فراجعه عمر, فقام أبو بكر, وأخذ بلحية عمر, وقال: ( ثكلتك أمك يا ابن الخطاب, استعملَ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أسامة وأمَّره, وتأمرنى أن أنزعه؟) فعند ذلك رجع عمر إلى الناس وأخبرهم فتجهزوا وخرجوا, وخرج أبو بكر فشيعهم وهو ماش وأسامة راكب, وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبى بكر, فقال أسامة لأبى بكر: يا خليفة رسول الله, لتركبن أو لأنزلن, فقال أبو بكر: (والله لا أركب ولا تنزل, وما ضرنى أن أغبر قدمى ساعة فى سبيل الله). وعاد أبو بكر وسافر أسامة بالجيش إلى الروم, فلما وصل أسامة إلى بنى كحيل شن عليهم الغارة, وسبى حريمهم وحرق منازلهم وأصاب الغنائم. وفتح أبو بكر اليمامة, وقتل مسيلمة الكذاب, وقاتل جموع أهل الردة إلى أن رجعوا إلى دين الله وفتح أطراف العراق وبعض الشام.
وكان يقول رضى الله عنه فى محاضراته: (أين القضاة الحسنة وجوههم, المعجبون بشأنهم ؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان ؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة فى مواطن الحرب, وقد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا فى ظلمات القبور ؟ ! الوحا الوحا النجاء النجاء ).
وكان يقول: ( يا معشر المسلمين: استحيوا من الله, فو الذى نفسى بيده إنى لا أظل حين أذهب إلى الغائط فى الفضاء مقنعاً, استحياء من ربى عز وجل ) وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: ( هذا الذى أوردنى الموارد ) وكان إذا سقط خطام ناقته ينيخها ويأخذه, فيقال له: هلا أمرتنا ؟فيقول: ( إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمرنى ألا أسأل الناس شيئاً ).
وكان إذا مُدحَ رضوان الله عليه قال: ( اللهم أنت أعلم بى من نفسى , وأنا أعلم بنفسى منهم, اللهم اجعلنى خيراً مما يحسبون, واغفر لى ما لا يعلمون ).
وفـاتـه :
يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبى السفر قال : مرض أبو بكر - رضى الله عنه - فعادوه , فقالوا : ألا ندعو لك الطبيب ؟ قال : قد رآنى . قالوا : فأى شىء قال لك ؟ قال : قال ( إنى فعال لما أريد ) .
ويقول عبد الله بن عمر : كان سبب موت أبى بكر وفاة رسول الله , كمد فما زال جسده يجرى (ينقص ) حتى مات .
وقيل : كان بدء مرضه أنه اغتسل فى يوم بارد فحم خمسة عشر يوما , وقيل : أنه مات مسموما .
وعندما حضرته الوفاة - رضى الله عنه - أرسل إلى عمر بن الخطاب فقال: ( إنى أوصيك بوصية إن أنت قبلتها عنى: إن لله عز وجل حقا بالليل لا يقبله بالنهار, وإن لله لحقا بالنهار لا يقبله بالليل, والله عز وجل لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة, واعلم أن الله عز وجل ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم, فيقول القائل: أين يقع عملى فى عمل هؤلاء ؟ وذلك أن الله عز وجل تجاوز عن سئ أعمالهم, واعلم أن الله عز وجل ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم, ويقول قائل : أنا خير من هؤلاء عملا, وذلك أن الله عز وجل رد عليهم أحسن أعمالهم فلم يقبله, ألم تر ؟ إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه فى الآخرة باتباعهم الحق فى الدنيا وثقل ذلك عليهم, وحق لميزان لا يوضع فيه إلا حق أن يثقل. ألم تر؟ إنما خفت موازين من خفت موازينه فى الآخرة باتباعهم الباطل فى الدنيا وخف ذلك عليهم, وحق لميزان لا يوضع فيه إلا باطل أن يخف. ألم تر أن الله عز وجل أنزل آية الرخاء عند آية الشدة ؟ وآية الشدة عند آية الرخاء ؟ لكى يكون العبد راغبا راهباً لا يلقى بيده إلى التهلكة, ولا يتمنى على الله غير الحق. فإن أنت حفظت وصيتى فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت, ولا بد لك منه, وإن أنت ضيعت وصيتى هذه فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت, ولن تعجزه).
وقالت السيدة عائشة رضى الله عنها : لما ثقل أبو بكر قال : أى يوم هذا ؟ قلنا : يوم الاثنين . قال : فإنى أرجو ما بينى وبين الليل , قالت : وكان عليه ثوب عليه درع من مشق ( نوع من الأصباغ ) فقال : إذا أن مت فاغسلوا ثوبى هذا وضموا عليه ثوبين جديدين وكفنونى فى ثلاثة أثواب , فقلنا : أفلا نجعلها جددا كلها ؟ قال : لا . ( أخرجه البخارى ) .
وطلبه - رضى الله عنه - أن ينتقل يوم الاثنين لأنه اليوم الذى انتقل فيه النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الرفيق الأعلى .
فتوفى يوم الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليالى بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة, وهو ابن ثلاث وستين , وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته , وأن يدفن إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وأن يخلفه عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - , وأن يصلى عليه عمر بين الروضة الشريفة والمنبر , ونزل فى روضته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله - رضى الله عنهم - أجمعين .
من انجازات الطريقة العزمية في عهد السيد محمد علاءالدين ماضي أبوالعزائم