آداب في الإقتداء:
ورد في الإقتداء عشرة آداب فاحتفظ بها :
1 - إذا رأيت رجلا يدعى حالا مع الله يخرجه عن أمر الشرع ، فلا تقربن منه ولا ترج فلاحه .
2 - إذا رأيت رجلا يسكن إلى الرياضة والتعظيم ، فلا تقربن منه واقطع بعدم فلاحه أبدا .
3 - إذا رأيت فقيرا عاد إلى الدنيا ، فلو مت جوعا فلا تقربن منه ولا تركنن مرافقته ، فإن رافقته قسا قلبك أربعين صباحا .
4- إذا رأيت رجلا يستغنى بعلمه فلا تأمنن جهله .
5- إذا رأيت رجلا يرضى عن نفسه ويسكن إلى وقته ، فاتهمه في دينه واحذره أشد الحذر .
6- إذا رأيت رجلا مريدا يسمع الملاهى ، ويميل إلى الراحة ، فلا ترج فلاحه .
7- إذا رأيت فقيرا لا يحضر عند السماع بل يعقل ويشتهى ، فاعلم أنه قد حرم بركات ذلك بتشويش باطنه وتبديد فهمه .
8- قالوا : ليس الرجل الكامل من حيى في نفسه ، إنما الرجل الكامل من حيى به غيره .
9 - قالوا : كل شيخ لم تصل إليك الفوائد منه من وراء حجاب فليس بشيخ .
10 - قالوا : من دعا الله بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو بدعى .
ما ينبغى للمنتسب أن يتشبه فيه بمرشده :
التشبه يكون في الزى والخلق والعمل ، لكن بشرط اجتناب الكبائر وصغار الخسة.
وقالوا : أربعة آداب إذا خلا منها الاخ المنتسب فلا تعبأ به وإن كان أعلم البرية: مجانبة الظلمة وإيثار أهل الآخرة ومواساة أهل الفاقة ومواظبة الجماعة .
مالا ينبغى للمريد أن يقلد فيه المرشد :
للمرشد أحوال خاصة به ينبغى أن لا يقلَّد فيها إلا بعد الإذن منه بعملها للأخ في الله :
مثل الصولة عند الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . ومثل اشتغاله بالعلم والمذاكرة عن بعض النوافل . ومثل مداراته للخلق وتأليفه لأهل المنازل والشرف.
ومثل تركه للذكر باللسان واشتغاله بذكر القلب . وبذل جميع ما في يده غير خائف من الفقر . ومثل تكليف بعض الإخوان بما يناسبهم من الأعمال البدنية والصدقات أو الرياضات . ومثل أن يسأله النساء عن أحكام الدين فيجيبهن . ومثل أن يعمل أعمالا لا يقتضيها الوقت هي سنة بالنسبة له تخفى على غيره حكمتها . ومثل سكوته على أمور يلزم المبادرة بمحوها مما هو مكروه أو مخالف للسنة ، فإن الرجل إنما يسعى ليزيل المرض المنتج للآلام لا ليسكن الآلام، فقد يسكت عن المكروه أو المخالف حتى يعلم حقيقة المرض فيعالجه بالعلاج الشرعى ، والشافى هو الله . وربما كان سكوته على المكروه سدا لباب من أبواب الفتنة والتفرقة .
فالمريد لا يقلد المرشد في كل تلك الخصوصيات حتى يظهر له سر حكمتها ، وعلى المريد أن يسلم له ، ويعلم أنه لم يؤت من العلم إلا القليل ، وليتشوق إلى فضل الله والمزيد من العلم ، فالمريد الذى يقلد المرشد في خصوصياته ليس بمريد ، لكنه مقلد أعمى .
تسليم السالك للمرشد :
للتسليم مقدار مخصوص إذا تجاوزه السالك وجب عليه أن لا يتبع أستاذاً ، وهذا المقدار هو التسليم لرسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ، فإن خالف المرشد ما كان عليه رسول الله وقف عن الإقتداء به حتى يستبين له الحق فيه ، أو يسأله عن مأخذه من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ، قال الله تعالى : (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) القيامة: ١٤ .
والعاقل لا يقلد إلا من بعثه الله بالحق بشيراً ونذيراً ، مبينًا لنا محاب الله ومراضيه . والمرشد يبين لنا ما خفى من بيان رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ، وما كان عليه الأئمة الهداة من الصحابة والتابعين .
وقد يبين الإمام أن المريد لا ينظروا إلى المرشد بعين العصمة ، ولكن ينظر إليه بعين البصيرة ، فإن كان على ما كان عليه رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فليصحبه ، وإن خالف رسولَ الله فليقوَّمه" . وهذا أساس الطريق ، فإن الحق فوق الخلق . فاقبل الحق ؛ ولو من الغريب البعيد البغيض ، ولا تقبل الباطل ؛ ولو من الولى العالم الورع الزاهد.
وأهل السلوك يعرفون الرجال بالحق ، ولا يعرفون الحق بالرجال . وما أفسد العقائد وأذهب الأنوار والأسرار إلا معرفة الحق بالرجال ، فيقال : قال سيدى فلان ، وقال سيدى فلان متى كان شهيرا . والحقيقة أن نعرف الرجال بالحق مهما كانت درجتهم ، وبذلك تكون أهلا للحق ومحلا له ، وتكون صادقا إذا قلت : إنى في معية رسول الله ، فإن الله تعالى أخبر أن أهل المعية رجال اتصفوا بصفات ذكرها في آخر الفتح ، ولم يذكر أشخاصا ،فقال سبحانه : (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) فوسع لنا وهو الواسع العليم . ومن اتصف بتلك الصفات كان من أهل معية رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ولو كان في زماننا هذا أو بعده .
إن بعض من لا بصيرة لهم في الدين ولم يسبق لهم تحصيل العلم، يقتدون ببعض أدعياء الطريق ، فيدخلون في قلوبهم أن التسليم للشيخ مهما كان وعلى أى حال كان خير ، ولا يصل السالك إلى الله إلا بالتسليم للشيخ ، ثم يعملون أمام المريدين صريح الحرام ، أو يقولون صريح الكفر ، ويأمرون بترك الفرض والسنة ، وينهون عن الأعمال الشرعية ، فيسلم لهم أهل الجهالة تسليم الأعمى لاعتقاد أنهم أهل الحقيقة وأنهم ارتقوا عن الشريعة ، ويضربون مثلا يدل على كمال جهالتهم فيقولون : « إن كان شيخك حمار امسك ذيله » مبالغة في التسليم الأعمى ، وكم من فئة من الناس استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله!! .
وقد أضل إبليس بهذا كثيرا من الخلق . ومن نظر إلى الفرق المشهورة في اليهود والنصارى وأسباب تفرقهم ؛ لعلم أن الشيطان لعنه الله تعالى هو الذى أفسد العقائد والآراء ليضل عباد الله . وقد أصبح المسلمون شيعا وفرقا لأن أكثرهم جهل طريق معرفة الرجال ، فعرف الحق بالخلق ، فكان الخلق أمامه هم الحجة على الحق، بعد أن كان الحق هو الحجة على الخلق ، وأعنى بالحق : هو كتاب الله وسنة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] .
وقد يكون لأهل السلوك الصادقين أحوالا تدعوهم إلى ما لا يقبله العقل ، ولا يتحمله الشرع المعلوم للأمة ، منها ما يدعو إلى ترك الأسباب والفرار من العمران وخرق العادة من طبع السالك ومخالفة المألوفات واعتزال الخلق والأنس بالحق والصولة بالحق على أهل الباطل مهما كانت مقاماتهم والصمت مرة واحدة والقبض المستمر مع سلطان الرجاء .
وهذه أحوال الصادقين التي كان عليها أصحاب رسول الله ومن تبعهم بإحسان . ولكن تلك الأحوال لا تروق في أعين أهل السوء ، فليس للسالك أن يسلم بها مقلدا صاحبها وإن كانت هي خالص روح الشريعة خوفا عليه من الرجوع بعد الإقدام، لأن تلك الأحوال العلية لا يقوى عليها إلا أهل التمكين ممن جذبتهم العناية ، والتسليم لصاحبها شىء وتقليده شىء آخر .
أما الأحوال الشيطانية التي منها ترك الأعمال الشرعية ، والتعرض لأماكن الشبه ، والتزيى بأزياء النساء ، وعمل الحيل لجمع أموال الناس ، والظهور أمامهم بما يجعلهم يعتقدون فيه ويعظمونه ، مع ما يخالف كتاب الله وسنة رسول الله ، لأنه اشتهر بين العامة أن أولياء الله تعالى كانت لهم أحوال لم ينالوها إلا بترك الكتاب والسنة ، وهذا محض الكذب عليهم رضى الله عنهم ، لأنهم سلكوا طريق الله تعالى على أيدى الأئمة المرشدين العلماء الربانين ، حتى بلغوا من التمكين مبلغا جعلهم لا يتنفسون نفسا إلا ويقومون بمقتضى الوقت فيه شكرا، ورضاء وصبرا ، قولا وحالا ، ومن أحب أن يعلم ذلك فليقرأ تراجمهم في مواضعها . ولجهل العامة بسير أولياء الله تعالى سمعوا من أخبارهم التي كان يكرمهم الله بها ، وجهلوا سيرهم في بدايتهم ، وسلوكهم في نهايتهم .
وكيف يسلم السالك طالب النجاه من هول يوم القيامة بصحبة من يهلكه بمخالفة سنة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ! وهذا ليس بتسليم ، وإنما هو جهل بالحق ، وحظ جلىَ لا خفىَ ومن سبقت له الحسنى حفظه الله من بدايته لنهايته مما يخالف رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ، وأيقظ قلبه للتوبة عند حصول الزلل ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) الأعراف: ٢٠١ .
ومسلم يقلد تسليم الأعمى ، لغير رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ولغير العلماء أهل الخشية من الله ؛ لا يكون مسلما ، بل ولا إنسانا . والله يحفظ أمة سيدنا محمد [صلى الله عليه وآله وسلم] من دعاة الجهالة الناسين يوم الحساب آمين.
و للحديث بقية ان شاء الله تعالي