تقوى الآباء تصل إلى الأبناء:
إن تربية الأولاد وصلاحهم تتعلق فى حقيقة الأمر بصلاح الآباء، فصلاح الآباء يصل إلى الأبناء، قال تعالى عن الغلامين اللذين بنى لهما موسى والخضر الجدار: )وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً( (الكهف: 82)، فإذا حفظ الرجل لسانه من يمين الفسق، وبطنه من الحرام، والمرأة إذا حفظت فرجها رزقهما الله بأولاد بررة يكونون لهما كعينيهما ويديهما ورجليهما، فالولد العاق إما أن يكون من حرام عملاً أو غذاء أو قولاً، لأن الولد زهرة الشجرة التي هي الوالد والوالدة . والوالد والوالدة هما مظهر الشفقة والرحمة والحنان والبر والإمداد والإيجاد الإلهي، ولذلك فقد أوجب الله الشكر لهما، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجنة تحت أقدام الأمهات وجعل الوالد علي باب الجنة، وقد يحفظ الله تعالى الولد حتى لو تربى فى حجر عاص كما فعل الله تعالى مع موسى فقد احتضنه فرعون من طفولته، وقد يخرج الله فاسدًا من صالح كولد سيدنا نوح الذى عصاه وكان عملاً غير صالح، ومع كل ذلك إلا أنه يجب على الوالدين أن يقوما بما ينشئ الطفل سويًّا عملاً بالأسباب، فعن ابن عباس (رضى الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم) [ابن ماجة]. وهذا مع طلب التوفيق من مسبب الأسباب I كما قال سيدنا زكريا: )رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء( (آل عمران: 38).
ومما لاشك فيه أن الأسرة المفككة عامل رئيس في انحراف الأحداث، وهذا التفكك الأسرى بدايته الصراع المستمر بين الوالدين، هذا الصراع يجعل الطفل يعيش في جو من القلق وانعدام الأمن.
سن ما قبل المدرسة :
إن هذه الفترة تعتبر بداية تشكيل شخصية الطفل وضبط انفعالاته، فأى فعل ينشأ من الطفل قد يكون من غريزة فطرية لديه أو طبع مكتسب ممن حوله، وتعد الأسرة المحضن الأساسى الذي يبدأ فيه تشكيل الفرد وتكوين اتجاهاته وسلوكه بشكل عام، فالأسرة تعد أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الإنسان، وذلك لأنها تستقبل الوليد أولاً, ثم تحافظ عليه خلال أهم فترة من فترات حياته وهى فترة الطفولة, وهى الفترة الحرجة في بناء شخصية الإنسان، وذلك لأنها فترة بناء وتأسيس، وإلى هذا أشار سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) [رواه البخاري].
ومن أهم الأخطاء التى تفسد الأبناء؛ القسوة فى العقاب، والتراخي والإسراف في التدليل، والتذبذب في معاملة الأطفال، كأن نمدح الطفل على شيء اليوم ونعاقبه عليه غدًا، وكذلك التلهف والقلق المفرط على الأطفال، كل ذلك يسهم في إيجاد شخصية قلقة منطوية غير اجتماعية، بل سقيمة لعدم ترك الطفل على الطبيعة يؤثر ويتأثر، ويكتسب المناعة الطبيعية ضد الأمراض الجسمية، والاجتماعية، والنفسية.
ومن الطباع التى تبدوا على الأطفال فى ذلك السن الصغير ما يلى :
1 - الخجل :
إن ظاهرة الخجل من طبيعة الأطفال، ولعل أماراته تبدأ في سن الأربعة أشهر، وأما بعد كمال السنة فيصبح الخجل واضحًا في الطفل، إذ يدير وجهه أو يغمض عينيه أو يغطي وجهه بكفيه إن تحدث شخص غريب إليه، وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة، فقد يجلس هادئًا في حجر أمه، أو إلى جانبها طوال الوقت .
وقد ينشأ الخجل من مشاعر النقص نتيجة نواقص جسمية أو عاهات بارزة، أو ضعف النظر وصعوبة السمع أو الثأثأة واللجلجة في الكلام، أوالتدليل الشديد، أو معاملته بقسوة .
فيجب على الوالدين معالجة الخجل فى الابن بأن يشعراه بحبهما وقبولهما له وتهيئة الجو الآمن والطمأنينة، وعدم تكليفه بأمور يعجز عن القيام بها فيزداد خجله، ويجب تدريبه على الأخذ والعطاء حتى يثق بنفسه ويزول خجله، ومراعاة عدم التدليل الشديد للابن حتى لا ينشأ منطويًا على نفسه .
ولكن علينا أن نميز بين الحياء والخجل. فالخجل: هو انكماش الولد وانطواؤه عن ملاقاة الآخرين. أما الحياء: فهو التزام الولد مناهج الفضيلة وآداب الإسلام وهو المرغوب كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الحَياءُ لاَ يَأتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ).
2 - العدوانية :
من الأطفال من تتولد عنده قوة عدوانية فى ذلك السن المتقدم لإثبات الذات والسيطرة، وقد تكون نتيجة الغيرة من أقرانه أو الشعور بالنقص أو نتيجة ما يشاهده فى التليفزيون من أفلام العنف، ويظهر ذلك فى اعتدائه على من هو أصغر منه سنًّا ، وقد يصل الأمر إلى محاولته أن يضرب من يكبره سنًّا فيجب الحذر من هذا، مع محاولة تبديل هذه الصفة العدوانية بأسلوب يليق بِسِنِّهِ بأن تجعله يقبِّل من يعتدى عليه أو يحنو عليه ويرعاه، مع مراقبته فى كل ذلك حتى تزول عنه تلك الصفة، ويجب مراقبة ما يشاهده فى التليفزيون ومنعه من كل ما ينمى عنده العدوانية .
ويجب العلم بأن هذه الصفة قد ينميها الوالدان عند الطفل بأن يقولا للطفل : اضرب فلانًا أو سِبّ فلانًا وهذا خطأ ومناف للأخلاق الإسلامية .
وقد تكون هذه القوة العدوانية ناتجة عن مرض نفسى يولد به الطفل، وهذا بلا شك يحتاج إلى عرضه على الطبيب النفسى .
ويجب مراعاة الحالة الصحية للطفل فقد يكون الدافع إلى التشاجر راجع لاختلال في إفرازات الغدة الدرقية، أو لزيادة الطاقة الجسمية، أو سوء التغذية .
3 - عيوب النطق :
إن من العادات الخاطئة التى يقوم بها أفراد الأسرة نحو طفلهم أن يخاطبوه بكلمات وحروف غير صحيحة بهدف تدليله ومداعبته، وهذا إن زاد عن حده فإنه يحدث خللاً فى النطق عند الأطفال، فعلى الوالدين مراعاة النطق السليم مع طفلهم وهذا لا يحول دون مداعبتهم لطفلهم، ويجب تمرين الطفل على النطق السليم فى الحروف التى ينطقونها خطأ مثل نطق الشين سينًا، واللام ياءً، والراء لامًا أو ياءً، حتى لا يكبر سنه وتلك الأخطاء باقية فى لسانه فيعاب بين أصدقائه، مما قد يؤدى إلى الشعور بالخجل أو الانطوائية أو حالة نفسية سيئة .
4 - الكذب :
الطفل فى هذا السن الصغير لا يعرف صدقًا ولا كذبًا، فهو إن أخبر عن شىء فإما أن يكون هذا الشىء حقيقى وقد يكون غير حقيقى، وقد يتعمد أو يجبر على ذكر الشىء على غير حقيقته، فالكذب عند الأطفال له أنواع، منها :
- الكذب الخيالى : وهو نوع من التسلية واللعب، وقد ينشأ عن الأفكار والأحلام التى تدور فى ذهن الطفل، أو القصص التى تروى عليه فتلتبس عليه الحقيقة بالخيال، فالطفل يمتلك فى ذلك السن خيالاً واسعًا.
- الكذب الادعائى : وهو ينشأ نتيجة شعور الطفل بالنقص، فيحاول أن يبالغ فى حديثه لإكمال ذلك النقص، أو يكون بغرض الاستحواذ على الأشياء التى يرغب فيها كالألعاب أو الحلوى أو ما إلى ذلك .
- الكذب للانتقام والكراهية : وهو ينشأ نتيجة الغيرة من الآخرين أو حب الذات أو الكراهية أو غير ذلك، ويتمثل فى إلقاء اللوم على الآخرين وشكواهم لمن يكبرونهم سنًّا بأمور غير حقيقية، وهو من أكثر أنواع الكذب خطرًا على الصحة النفسية .
- الكذب بسبب الخوف من العقاب : ويتمثل فى الخوف الشديد من عقاب الوالدين، مما يضطره للكذب حتى ينجو من العقاب، وهذا ينشأ فى الأسرة التى يسود فيها القسوة والنظام الصارم والعقوبة الشديدة .
- الكذب تقليدًا للوالدين : فقد يلجأ الآباء إلى الكذب فى بعض الأمور، فيقوم الابن بتقليدهم فى نفس السلوك .
- الكذب المزمن : وهو حالة مرضية حيث يكذب الطفل لا شعوريًّا، ويكون الطفل عادة غير ناجح فى حياته .
ومن هنا يجب على الوالدين مراقبة سلوكيات طفلهم، وتوضيح كلاً من الخيال والواقع له، حتى يستطيع أن يفرق بينهما، وإشباع رغبات الطفل بقدر المستطاع حتى لا ينظر إلى ما فى يد غيره وتدريبه على ذلك، ويجب معالجة حدة الغيرة والكراهية واستبدالهما بالحب والأخوة وغرسهما فى الطفل مع عدم سماع شكوى الطفل من الآخرين إلا بقدر الضرورة فقط حتى لا يتمادى، وعدم معاقبة أحدٍ بناءً على كلام الطفل- خاصة أمام الطفل نفسه- حتى لا تكون الشكوى أقرب وسيلة له لنيل مراده، ويجب عدم معاملة الابن بقسوة تخيفه من والديه، ولكن معاملته بما يولد عنده الحب والهيبة معًا لوالديه، ويجب أن يتحرى الوالدان الصدق فى كل أمورهما خاصة أمام ابنهم، ويجب معالجة الكذب المزمن بشتى الوسائل، لأن الكذب يهدم شخصية الإنسان، بالإضافة إلى أنه يكتب عند الله كذابًا، ويكون ساقط العدالة بين الناس، ويجب على الوالدين أن يحدثا الطفل عن الصدق وأهميته والكذب وعواقبه حتى يحب الصدق والصادقين ويبغض الكذب والكذابين، ولا جدوى من علاج الكذب بالعقاب والتهديد والتشهير والسخرية ، ويجب التقليل قدر الإمكان من النصح والوعظ كأسلوب علاجي، ولكن يكون ذلك عمليًّا لأن العملى له تأثير أكبر من الكلام النظرى عند الأطفال بل والكبار أيضًا.
نسأل الله تعالى أن يجعل أولادنا قرة أعين لنا، وأن يوفقنا وإياهم إلى ما يحب ويرضى.
وإلى اللقاء فى العدد القادم إن شاء الله.
أحمد علاء الدين ماضى أبو العزائم