أنس آل العزائم :
أنس السالكين والواصلين والمتمكنين في طريقنا هذا هو القرآن المجيد ، فالسالك يفهم ، والواصل يفهم ويتذوق ، والمتمكن يشهد غيوبه في تلاوته . يقول الإمام أبو العزائم : (القرآن المجيد مورد آل العزائم الروى ، وروضهم الجنى وحوضهم المورود ، وكوثرهم المشهود ، وميزان أحوالهم ، ومرجع مقاماتهم ، يسألونه قبل العمل ، فإن أذن سارعوا ، وإن منع تركوا واستغفروا ، فهو الإمام الناطق وإن صمت ، لأنهم يسمعونه عن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فتسمعه آذان قلوبهم حضورا ووجودا ، وإن كان التالى له إنسانا آخر . وقفت بهم همتهم العلية على القرآن فأحلوا حلاله وحرموا حرامه ) وكل رجل من آل العزائم يحب مجالسة الله تعالى ، وتالى القرآن جليس الله تعالى وبقدر المحبة يكون الشوق للمجالسة فأنس يا أخى كل يوم بتلاوة القرآن متى صفا قلبك ، واستراح جسمك من عمل الدنيا والآخرة والدين ، لتأنس بالله رب العالمين ، ولو بتلاوة جزء أو أكثر أو أقل في كل يوم إن أمكن ، وكل تلك الرواتب المتقدمة دون بر الوالدين عند المقتضيات ، ومن ظن لجهله أن تلك الرواتب والوظائف في الطريق تساوى بر الوالدين فقد جهل ، فإن بر الوالدين وصلة الرحم عبادة.
المواظبة على الأذكار والأوراد والصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم:
الورد باعتباره وسيلة القرب إلى الله سبحانه يكون دعاء ، وباعتباره من روح العبادة يكون ذكراً، وباعتباره خضوعاً لله تعالى يكون تسبيحاً، وباعتباره طلب رحمة من الله يكون استغفاراً. فالورد دعاء حث عليه الإسلام لغرس روح الفضيلة فى العديد من الآيات القرآنية . قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾([1]) وقوله تعالى : ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴾ ([2]) وقوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾([3]) وقوله تعالى: ﴿ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ ([4]) وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا﴾([5]) وقوله تعالى: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾([6]). والورد تسبيح سمو نفس وطهارة ضمير أمرنا به المولى سبحانه وتعالى فى قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾(13) وقوله تعالى: ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾(14) وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ﴾(15) وقوله تعالى: ﴿ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾(16) ، والورد استغفار فى كل موطن إذا أقبلت على طاعة أو دفعت فى معصية .قال تعالى: ﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ ﴾(17) وقوله تعالى: " فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ "(18) وقوله تعالى: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (19) وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾(20). والورد ذكر به تطمئن القلوب قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ، والذكر هو أفضل العبادات، قال الله تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾([7]) وقال جل ثناؤه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾([8]) وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾([9]) وقوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾(12). وفي الحديث: » مَنْ ذَكرنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، ومَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُ «([10]) و قال [صلى الله عليه وآله وسلم]: » سبق الْمُفْرِدُونَ، قيل: وما الْمفُرِدُونَ يا رسول الله؟ قال: الذَّاكرُون الله كثيرا والذَّاكراتُ «([11]) رواه الترمذي. والمفردون هم الذين تفرَّدوا بذكر الله تعالى، أو أفردوا الله تعالى بالذكر. والذكر عند المحققين طرد الغفلة، فإذا ارتفعت الغفلة حصل الذكر، واللسان ترجمان عن ذلك.
والذكر يكون باللسان ويكون بالقلب، فذكر اللسان به يصل العبد إلى استدامة ذكر القلب، وذكر القلب عليه المعول. فإذا كان العبد ذاكراً بلسانه وقلبه فهو الكامل في وصفه حال سلوكه.
ومن خصائص الذكر أنه غير مؤقت، بل هو مطلوب في عموم الأوقات وجميع الأحوال، إما على جهة الفريضة وإما على جهة النفلية، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾([12]) . فينبغى على من انتسب إلى الطريق أن يكون له ورد يومى يذكر فيه الله تعالى بلسانه وقلبه .
أما الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقد حث الله عليها فى كتابه العزيز، منوهاً بقدر نبيه عنده مؤكداً، حيث ابتدأ بذاته العلية وثنى بملائكته الكرام، منادياً عباده المؤمنين آمراً لهم أمراً مطلقاً فى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ([13]) كما حثت الأحاديث النبوية عليها فى قوله [صلى الله عليه وآله وسلم] " كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "([14]) وقال [صلى الله عليه وآله وسلم] : " إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِى يوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً "([15]) وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: " مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ "([16])وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: " أَكْثِرُوا مِنَ ٱلصَّلاَةِ عَلَىَّ فِى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَإِنَّ صَلاَةَ أُمَّتِى تُعْرَضُ عَلَىَّ فِى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً كُانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّى مَنْزِلَةً "([17]) وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: " مِنْ صَلَّى عَلَىَّ عِنْدَ قَبْرِى سَمِعْتُهُ، وَمَنْ صَلَّى عَلَىَّ نَائِياً وُكِّلَ بِهَا مَلَكٌ يُبَلِّغُنِى وَكُفِىَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَكُنْتُ لَهُ شَهِيداً أَوْ شَفِيعاً "([18]).
وللإمام أبى العزائم فى هذا المجال مؤلفات ثرية بالأدعية والأوراد منها كتاب "ادعونى أستجب لكم" ، وكتاب "إلهى إلهى إلهى" وكتاب "الفتوحات الربانية" وكتاب "نيل الخيرات بملازمة الصلوات"
و للحديث بقية ان شاء الله تعالي
(1) آية 77 سورة الفرقان. (11) آية 8 سورة المزمل.
(2) آية 10 سورة القمر. (12) آية 103 سورة النساء.
(3) آية 186 سورة البقرة. (13) آية 75 سورة الزمر.
(4) آية 62 سورة النمل. (14) آية 42 سورة الأحزاب.
(5) آية 49 سورة الزمر. (15) آية 130 سورة طه.
(6) آية 60 سورة غافر. (16) آية 41 سورة النور.
([7]) من الآية 45 من سورة العنكبوت .
([8]) الآية 41 من سورة الأحزاب .
([9])من الآية 152 من سورة البقرة .
([10])رواه أحمد بن حنبل عن أنس وهو حديث صحيح انظر الجامع الصغير جـ2 ص 204 رقم 6064 .
([11])أورد صاحب الكنز الثمين هذا الحديث بلفظ: » سبق المفردون الذاكرون الله كثيرا « وقال رواه مسلم عن أبي هريرة .
([12]) من الآية 191 من سورة آل عمران .
(1) آية 56 سورة الأحزاب.
(2) رواه الديلمى فى مسند الفردوس عن أنس رضى الله عنه، ورواه البيهقى عن على رضى الله عنه موقوفاً.
(3) رواه النسائى وابن حبان عن ابن مسعود رضى الله عنه.
(4) رواه أحمد والنسائى والحاكم عن أنس رضى الله عنه.
(5) رواه البيهقى عن أبى أمامة رضى الله عنه (كنز).
(6) رواه البيهقى والخطيب عن أبى هريرة رضى الله عنه (كنز).