ذكر خصائص سيدنا عيسى عليه السلام والمعجزات التى ظهرت علي يديه بعد مبعثه الى أن رُفع صلوات الله وسلامه عليه – الجزء الأول
أورد الثعلبى : منها تأييد الله إياه بروح القدس . قال عز من قائل: ( وأيدناه بروح القدس ) ونظيرها فى سورة المائدة ( اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلي والدتك إذ أيدتك بروح القدس ) .
واختلفوا فيه: فقال الربيع بن أنس هو الروح الذى نفخ فيه الروح ، أضافه سبحانه إلي نفسه تكريما وتخصيصا نحو بيت الله وناقة الله ، والقدس هو الله تعالى يدل عليه قوله : ( وروح منه ) . ( فنفخنا فيه من روحنا ) وقال آخرون : أراد بالقدس الطهارة أى الروح الطاهرة وسمى عيسى عليه السلام روحا لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحول ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث إنما كان أمرا من الله تعالى . قال السدى وكعب : روح القدس جبريل ، وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام هو أنه كان قرينه ورفيقه يعينه ويسير معه حيثما سار إلي أن صعد به السماء . وقال سعيد بن جبير وعبيد بن عمير: هو اسم الله الأعظم وبه كان يحيي الموتى ويرى الناس تلك العجائب.
ومنها : تعليم الله إياه الإنجيل والتوراة وكان يقرأهما من حفظه كما قال الله تعالى : (وإذ علمتك الكتاب) أى الخط ، قيل الخط عشرة أجزاء فتسعة منها لعيسى ( والحكمة والتوراة والإنجيل ).
ومنها: خلقه الطير من الطين كما قال الله تعالى مخبرا عنه : ( أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ) وقال تعالى ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى ) فكان يصور من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، ولم يخلق غير الخفاش ، وإنما خص بالخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فيكون أبلغ فى القدرة لأن له ثديا وأسنانا ويلد ويحيض ويطير .
قال وهب : كان يطير مادام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عنهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق عن فعل الله تعالى ، وليعلم أن الكمال لله عز وجل .
ومنها : إبراء الأكمه والأبرص كما قال الله تعالى : ( وتبرئ الأكمه والأبرص بإذنى) والأبرص الذى به وضح ، والأكمه الذى ولد أعمى ولم ير ضوءا قط ، ولم يكن فى الإسلام أكمه غير قتادة وإنما خص هذين لأنهما أعييا الأطباء ، وكان الغالب علي زمان عيسى الطب فأراهم المعجزة من جنس ذلك .
ويروى أن عيسى عليه السلام مر بدير فيه عميان . فقال ما هؤلاء؟ فقيل هؤلاء قوم طلبوا للقضاء فطمسوا أعينهم بأيديهم فقال لهم : ما دعاكم إلي هذا ؟ قالوا : خفنا عاقبة القضاء فصنعنا بأنفسنا ما ترى. فقال أنتم العلماء والحكماء والأحبار والأفاضل امسحوا أعينكم بأيديكم وقولوا بسم الله ، ففعلوا ذلك فإذا هم جميعا قيام ينظرون.
ومنها : إحياؤه الموتى بإذن الله تعالى ( وإذ تخرج الموتى بإذنى ) وأحيا منهم أمواتا، منهم العاذر ، وكان صديقا له فأرسلت أخته إلى عيسى أن أخاك العاذر يموت فأته ، وكان بينه وبين أخيه مسيرة ثلاثة أيام ، فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيام فقالوا لأخته : انطلقى بنا الي قبره فانطلقت معهم إلي قبره وهو فى صخرة مطبقة. فقال عيسى : اللهم رب السموات السبع والأرضين السبع إنك أرسلتنى إلي بنى اسرائيل أدعوهم إلي دينك وأخبرتهم أنى أحيي الموتى بإذنك فأحي العاذر، فقام العاذر وخرج من قبره وبقى وولد له .
ومنها ابن العجوز ، وكانت القصة فيه أن عيسى مر فى سياحته ومعه الحواريون بمدينة فقال: إن فى هذه المدينة كنزا فمن يذهب يستخرجه لنا ؟ فقالوا : ياروح الله لا يدخل هذه القرية أحد غريب إلا قتلوه ، فقال لهم عيسى مكانكم حتى أعود إليكم ، فمضى حتى دخل المدينة ، فوقف على باب ، فقال السلام عليكم يا أهل الدار غريب أطعموه ، فقالت له امرأة عجوز أما ترضى ان أدعك ، لا أذهب بك إلي الوالى حتى تقول أطعمونى فبينما عيسى بالباب إذ أقبل الفتى ابن العجوز، فقال له عيسى أضفنى ليلتك هذه ، فقال له الفتى مثل مقالة العجوز ، فقال له عيسى أما إنك لو فعلت ذلك زوجتك بنت الملك ، فقال له الفتى : إما أن تكون مجنونا وإما أن تكون عيسى بن مريم ؟ قال أنا عيسى فأضافه وبات عنده فلما أصبح قال له : اغد وادخل علي الملك وقل له جئت أخطب ابنتك فإنه سيأمر بضربك وإخراجك، فمضى الفتى حتى دخل على الملك فقال له : جئت إليك أخطب ابنتك فأمر بضربه فضرب وأخرج فرجع الفتى إلي عيسى فأخبره الخبر ، فقال إذا كان غد فاذهب اليه واخطب ابنته فإنه ينالك بدون ذلك ، ففعل الفتى ما أمره عيسى فضربه دون ذلك الضرب الأول ، فرجع إلي عيسى فأخبره فقال ارجع إليه فإنه سوف يقول لك أنا أزوجك إياها علي حكمى ، وحكمى قصر من ذهب وفضة وما فيه من ذهب وفضة وزبرجد ، فقل له أفعل ذلك ، فإذا بعث معك أحدا فاخرج به فإنك سوف تجده فلا تحدث فيه شيئا ، ثم إنه دخل علي الملك فخطب فقال تصدقها بحكمى . فقال وما حكمك ؟ فحكم بالذى سماه عيسى . فقال نعم رضيت : ابعث من يقبض ذلك ، فبعث معه رجالا فسلم إليهم ما سأله الملك فتعجب الناس من ذلك فسلم إليه الملك ابنته فتعجب الفتى من ذلك ، وقال : يا روح الله تقدر علي مثل هذا وأنت علي مثل هذه الحالة ، فقال له عيسى : إنى آثرت ما بقى علي ما يفنى ، فقال الفتى أنا أيضا أدعه وأصحبك ، فتخلى عن الدنيا واتبع عيسى ، فأخذ عيسى بيده وأتى به أصحابه وقال لهم : هذا الكنز الذى قلت لكم فكان معه ابن العجوز إلي أن مات ومر به وهو ميت على سريره . فدعا الله عيسى فجلس علي سريره، ونزل من علي أعناق الرجال ولبس الثياب وحمل السرير علي عنقه ورجع إلي أهله فبقى وولد له .
ومنها : ابنة العشار ، رجل كان يأخذ العشر ، قيل له أتحييها وقد ماتت بالأمس ، فدعا الله عز وجل فعاشت وبقيت وولد لها .
ومنها : سام بن نوح قال له الحواريون وهو يصف لهم سفينة نوح ، لو بعثت لنا من شهد السفينة فينعت لنا ذلك ، فقام وأتى تلا فضرب بيده وأخذ قبضة من تراب ، وقال : هذا قبر سام بن نوح ، إن شئتم أحييته لكم، قالوا نعم ، فدعا الله باسمه الأعظم وضرب التل بعصاه وقال أحيي بإذن الله فخرج سام بن نوح من قبره وقد شاب نصف رأسه ، فقال : قد أقامت القيامة ؟ قال لا ، ولكنى قد دعوتك باسم الله الأعظم . قال ولم يكونوا يشيبونى فى ذلك الزمان ، وكان سام قد عاش خمسمائة سنة وهو شاب ، ثم أخبرهم بخبر السفينة ، فقال له عيسى مت ، قال بشرط أن يعيذنى الله من سكرات الموت ، فدعا الله عيسى عليه السلام ففعل ذلك.
ومنها : عزير عليه السلام ، قالوا لعيسى عليه السلام أحيه وإلا أحرقناك بالنار ، وجمعوا له حطبا كثيرا من حطب الكرم ، وكانوا فى ذلك الوقت يدفنون موتاهم فى صناديق من حجارة مطبقة ، فوجدوا قبر عزير مكتوبا علي ظهره اسمه ، فعالجوه ليفتحوه فلم يقدروا أن يخرجوه من قبره ، فرجعوا إلي عيسى فأخبروه ، فناولهم إناء فيه ماء وقال لهم : انضحوا قبره بهذا الماء ، ففعلوا فانفتح الطبق ، فأتوا به عيسى وهو فى أكفانه والأرض لا تأكل اجساد الأنبياء ثم إنه نزع ثيابه عنه ، ثم جعل ينضح علي جسده الماء ولحمه وشعره ينبت ، ثم قال أحيي ياعزير بإذن الله تعالى فإذا هو جالس وكل ذلك تراه أعينهم ، فقالوا : ياعزير ما تشهد لهذا الرجل ؟ يعنون عيسى ، فقال : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فقالوا يا عيسى ادع لنا ربك يبقيه لنا ليكون بين أظهرنا حيا ، فقال عيسى : ردوه إلي قبره فردوه إلي قبره فعاد ميتا، فآمن بعيسى بن مريم من آمن وعاند من عاند . قال الكلبى: كان عيسى يحيي الموتى بياحى ياقيوم.
و للحديث بقية بإذن الله تعالي