ذكر خصائص سيدنا عيسى عليه السلام والمعجزات التى ظهرت علي يديه بعد مبعثه الى أن رُفع صلوات الله وسلامه عليه – الجزء الثاني
ومنها : إخباره عليه السلام عن الغيوب. قال الله عز وجل إخبارا عنه ( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم ) قال الكلبى لما أبرأ عيسى الأكمه والأبرص وأحيا الموتى ، قالوا : هذا ساحر ، ولكن أخبرنا بما نأكل وبما ندخر ، فكان يخبر الرجل بما يأكل فى غدائه وبما يأكل فى عشائه.
ومنها : مشيه عليه السلام علي الماء ، يروى أنه خرج فى بعض سياحته ومعه رجل من أصحابه قصير وكان كثير اللزوم لعيسى ، فلما انتهى عيسى إلي البحر قال : بسم الله بصحة ويقين ، فمشى علي وجه الماء فداخله العجب ، فقال هذا عيسى روح الله يمشى علي الماء ، وأنا أمشى علي الماء قال : فانغمس فى الماء فاستغاث بعيسى فتناوله عيسى من الماء وأخرجه وقال له : ما قلت ياقصير فأخبره بما خامر خاطره فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك فى غير الموضع الذى وضعك الله فيه فمقتك الله علي ما قلت فتب إلى الله مما قلت ، فتاب الرجل وعاد إلي مرتبته التى وضعه الله فيها .
قال وهب : خرج عيسى عليه السلام يسبح فى الأرض فصحبه يهودى وكان مع ذلك اليهودى رغيفان ومع عيسى رغيف ، فقال له عيسى تشاركنى فى طعامك ، قال اليهودى نعم، فلما رأى أنه ليس مع عيسى إلا رغيف واحد ندم ، فقام عيسى إلي الصلاة فذهب صاحبه وأكل رغيفا ، فلما قضى عيسى صلاته قدما طعامهما فقال لصاحبه أين الرغيف الآخر؟ فقال ما كان إلا رغيف واحد فأكل عيسى رغيفا وصاحبه رغيفا ثم انطلقا فجاءا إلي شجرة فقال عيسى لصاحبه: لو أنا بتنا تحت هذه الشجرة حتى نصبح ، فقال أفعل ، فباتا ثم أصبحا منطلقين فلقيا أعمى فقال له أرأيت إن أنا عالجتك حتى يرد الله عليك بصرك فهل تشكره؟ قال نعم ، فمس عيسى بصره ودعا الله له فإذا هو صحيح ، فقال عيسى لليهودى : بالذى أراك الأعمى بصيرا كم كان معك من رغيف؟ فقال: والله ما كان إلا رغيف واحد فسكت عيسى عنه ومرا فإذا هما بمقعد فقال له عيسى: أرأيت ان عالجتك فعافاك الله فهل تشكره ؟ قال نعم . قال : فدعا الله تعالى عيسى فإذا هو صحيح قائم علي رجليه ، فقال صاحب عيسى ما رأيت مثل هذا قط ، فقال له عيسى بالذى أراك الأعمى بصيرا والمقعد صحيحا من صاحب الرغيف الثالث ؟ فحلف له ما كان معه الا رغيف واحد فسكت عيسى عنه فانطلقا حتى انتهيا إلي نهر عجاج ، فقال عيسى : لا أرى جسرا ولا سفينة فخذ بحجزتى من ورائي وضع قدمك موضع قدمى ففعل فمشيا علي الماء ، فقال له عيسى بالذي أراك أمر الأعمى والمقعد وسخر لك الماء ، من صاحب الرغيف الثالث؟ فقال والله ما كان إلا رغيف واحد فسكت عيسى ، ثم انطلقا فإذا هما بظباء ترعي فدعا عيسى بظبى فذبحه وشوى منه بعضا وأكلاه ، ثم ضرب عيسى بقية الظبى بعصاه وقال: قم بإذن الله عز وجل فإذا الظبى يعدو، فقال الرجل : سبحان الله، فقال عيسى : بالذي أراك هذه الآية من صاحب الرغيف الآخر ؟ فقال ما كان إلا رغيف واحد ، فمرا بصاحب بقر فنادى عيسى ياصاحب البقر اجزر لنا من بقرك هذه عجلا ، فقال ابعث صاحبك اليهودى يأخذه فانطلق اليهودى فجاء به وذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر إليه، فقال عيسى كل ولا تكسر عظما ، فلما فرغوا قذف بعظامه فى جلده ، ثم ضربه بعصاه وقال له قم بإذن الله فقام العجل وله خوار ، فقال له عيسى ياصاحب البقر خذ عجلك قال: ويحك من أنت؟ قال : أنا عيسى بن مريم ، قال : عيسى السحار ؟ ثم فر منه، فقال عيسى لصاحبه: بالذى أحيا العجل كم كان معك من رغيف ؟ فقال: ما كان معى إلا رغيف واحد فسكت ومضيا حتى دخلا قرية فنزل عيسى فى أسفلها واليهودى فى أعلاها فأخذ اليهودى عصا عيسى وقال أنا الآن أبرئ المرضى وأحيي الموتى ، قال : وكان ملك تلك القرية مريضا مدنفا فانطلق اليهودى ونادى من يبتغي طبيبا حتى أتى باب الملك فأخبر بوجعه فقال : أدخلونى عليه فأنا أبرئه ، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه ، فقيل له إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك ، وليس من طبيب يداويه ولا يشفيه إلا صلبه ، فقال أدخلونى عليه ، فضرب الملك بعصاه فمات ، فجعل يضرب الملك بالعصا وهو ميت ويقول : قم بإذن الله فلم يقم فأخذ ليصلب فبلغ ذلك عيسى فأقبل عليه ، وقد رفع علي الخشبة فقال لهم عيسى أرأيتم لو أحييت لكم الملك هل تتركون لى صاحبى؟ قالوا نعم ، فدعا الله عز وجل فأحياه وقام فأنزل اليهودى من الخشبة ، فقال ياعيسى أنت أعظم الناس منة ، والله لا أفارقك أبدا ، فقال له عيسى أنشدك الله الذى أحيا الظبى والعجل بعد ما أكلناهما وأحيا هذا بعد ما مات وأنزلك من علي الجذع بعد ما صلبك كم كان معك من رغيف ؟ قال فحلف بهذا كله وقال والله ما كان معى الا رغيف واحد ، فقال عيسى لا بأس فانطلقا حتى أتيا قرية عظيمة خربة فيها كنز، ثلاث لبنات من ذهب قد حفرتها السباع والداوب فقال الرجل لعيسى هذا المال لك، فقال عيسى: أجل واحدة لى وواحدة لك وواحدة للذى أكل الرغيف الثالث فقال اليهودى لعيسى أنا صاحب الرغيف الثالث أكلته وأنت تصلي ، فقال عيسى هى لك كلها فانطلق عيسى وتركه ينظر وهو لا يستطيع أن يحمل منهن واحدة لثقلها عليه ، فقال له عيسى دعه فإن له أهلا يهلكون عليه ، فجعلت نفس اليهودى تتطلع إلي المال، ويكره أن يعصى عيسى ويعجزه حمل المال ، فانطلق مع عيسى فبينما هو كذلك إذ مر بالمال ثلاثة نفر فأتوا عليه فقال : اثنان منهما لصاحبهما الثالث انطلق إلي بعض هذه القري فأتنا بطعام وشراب ودواب نحمل عليها هذا المال فلما ذهب صاحبهما قال أحدهما للآخر: هل لك أن نقتله إذا رجع ونقتسم المال بيننا قال نعم ، وقال الذي ذهب فى نفسه أنا أجعل فى الطعام سما فإذا أكلاه ماتا ويصير المال كله لى ، ففعل ذلك ، فلما رجع إليهما ووصل قتلاه ثم أكلا الطعام الذى جاء به إليهما فماتا ، وإن عيسى عليه السلام مر به وهم حوله مقتولون ، فقال لا إله إلا الله هكذا تصنع الدنيا بأهلها ، ثم إن عيسى أحياهم بإذن الله فاعتبروا ومروا ولم يأخذوا من المال شيئا فتطلعت نفس اليهودى صاحب عيسى إلي المال فقال: أعطنى المال فقال عيسى : خذه لك فهو حظك فى الدنيا والآخرة فلما ذهب ليحمله خسف به الأرض فانطلق عيسى عليه السلام.
و للحديث بقية بإذن الله تعالى