قصة الرسل الثلاثة الذين بعثهم سيدنا عيسى عليه السلام الي أنطاكية وذلك فى أيام ملوك الطوائف
قال الله تعالى : (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون) يعنى رسل عيسى عليه السلام ( إذ أرسلنا إليهم اثنين ) واختلفوا فى اسميهما فقال بن اسحق: فاروض وروماض ، وقال وهب : يحيي ويونس ، وقال مقاتل : يومان ومالوس ، وقال كعب : صادق ومصدوق: (فكذبوهما فعززنا بثالث) اى فقوينا برسول ثالث وهو شمعون الصفار رأس الحواريين فى قول أكثر المفسرين ، وقال كعب اسمه شلوم، وقال مقاتل سمعان
قالت العلماء بأخبار الأنبياء : بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلي مدينة أنطاكية ، فلما قربا من المدينة أتيا شيخا يرعي غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب يس فسلما عليه فقال من أنتما ؟ قالا رسولا عيسى عليه السلام يدعوكم من عبادة الأوثان إلي عبادة الرحمن . قال أمعكما آية ؟ قالا نعم نحن نبرئ المريض ونشفى الأكمه والأبرص بإذن الله ، فقال الشيخ إن لى ابنا مريضا صاحب فراش منذ سنين ، قالا فانطلق بنا الي منزلك فنطلع علي حاله فأتى بهما إلي منزله، فلما نظروا إلي ولد الشيخ وهو فى تلك الحالة قربا اليه ودعوا له ومسحاه بيديهما ، فقام فى الوقت بإذن الله صحيحا ، ففشا الخبر فى المدينة وشفى الله علي يديهما كثيرا من المرضى وكان فى مدينة أنطاكية فرعون من الفراعنة يعبد الأصنام يقال له سلاحين.
وقال وهب : اسمه أبطيحيس وكان من ملوك الروم قالوا فانتهى الخبر الي الملك فدعاهما اليه ، وقال لهما من أنتما ؟ قالا رسولا عيسى . قال : وما آيتكما ؟ قالا نبرئ الأكمه والأبرص ونشفى المرضى بإذن الله تعالى. قال وفيم جئتما؟ قالا جئناك ندعوك من عبادة مالا يسمع ولا يبصر الي عبادة من يسمع ويبصر ، قال الملك أولنا إله سوى آلهتنا ؟ قالا نعم . قال من؟ قالا من أوجدك بعد عدمك وآلهتك ، قال قوما حتى أنظر فى أمركما ، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما فى السوق .
وقال وهب : بعث عيسى بهذين الرسولين الي أنطاكية فأتاها فلم يصلا الي ملكها وطالت مدة مقامهما ، فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله تعالى ، فغضب الملك فأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، قالوا : فلما كذب الرسولان وضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفار علي أثرهما لينصرهما ، فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به ، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه ورضى عشرته وأنس به وأكرمه ، ثم قال له ذات يوم : أيها الملك إنه بلغنى أنك حبست رجلين فى السجن وضربتهما حين دعواك إلي غير دينك ، فهل كلمتهما وسمعت قولهما ؟ فقال : حال الغضب بينى وبين ذلك . قال فإن رأي الملك دعاهما حتى نطلع علي ما عندهما ، فدعاهما الملك فلما حضرا بين يديه ، قال لشمعون استخبرهما ، فقال شمعون لهم من أرسلكما إلى ههنا ؟ قالا الذى خلق كل شئ ، فقال لهما شمعون فصفاه وأوجزا فقالا إنه يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد . قال شمعون وما آيتكما ؟ قالا ما تتمناه ، نبرئ الأكمه والأبرص ونشفى المرضى والزمنى بإذن الله . قال فأمر الملك فجئ بغلام مطموس العينين موضع عينيه كالجبهة ، فما زالا يدعوان الله تعالى حتى انشق موضع البصر فأخذا ببندقتين من الطين ، فوضعاهما فى حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فعجب الملك فقال شمعون للملك إن أنت سألت إلهك حتى يصنع لك صنيعا مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك ، فقال الملك ليس لى عنك سر إعلم أن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ، وكان شمعون إذا دخل الملك علي الصنم يدخل لدخوله ويصلي كثيرا ويتضرع حتى ظنوا أنه علي ملتهم ، فقال الملك للرسولين إن إلهكما الذى تعبدانه يقدر علي إحياء الميت ؟ قالا إلهنا يقدر علي كل شئ فقال الملك : إن ههنا ميتا قد مات منذ سبعة أيام وهو ابن الدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان أبوه غائبا ، فجاءوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وجعل شمعون يدعوا سرا فقام الميت وقال لهم إنى قد مت منذ سبعة أيام مشركا فأدخلت فى سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله ، ثم قال إن أبواب السماء فتحت لى فرأيت شابا حسن الوجه يتشفع لهؤلاء الثلاثة ، فقال الملك : ومن الثلاثة فقال : شمعون وهذان وأشار إلي صاحبيه فتعجب الملك ، فلما علم شمعون أن قولهم أثر فى الملك أخبر بالحال ودعاه فآمن قوم وكان الملك ممن آمن وكفر آخرون.
وقال كعب ووهب : بل كفر الملك وأجمع هو وقومه علي قتل الرسل ، فبلغ ذلك حبيب بن مرى صاحب يس .
وقال بن عباس ومقاتل : اسمه حبيب بن اسرائيل النجار ، قال وهب : وكان سقيما قد أثر فيه الجذام ، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب مدينة أنطاكية ، وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمضى فيقسمه نصفين يطعم عياله نصفا ويتصدق بالنصف الآخر ، فلما بلغه أن قومه قد قصدوا قتل الرسل جاءهم وكان قبل ذلك يكتم إيمانه ويعبد ربه فى غار ، فلما أتاه خبر الرسل أظهر دينه وذكر قومه ودعاهم إلي طاعة المرسلين كما أخبر الله تعالى فى كتابه وذلك قوله تعالى : ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى – إلى قوله : مهتدون ) فقال له قومه أو أنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم ؟ فقال : ( ومالى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون – الي قوله : إنى آمنت بربكم فاسمعون ) فلما قال لهم ذلك وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يكن أحد يدفع عنه ، وقال عبد الله بن مسعود وطئوا بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره ، وقال السدى : كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول : اللهم اهد قومى حتى قطعوه وقتلوه.
وقال الحسن: خرقوا خرقا فى حلقه وعلقوه فى سور المدينة ودفنوه فى سوق أنطاكية فأوجب الله له الجنة فذلك قوله تعالى : ( قيل ادخل الجنة ) فلما أفضى إلي جنة الله وكرامته ( قال ياليت قومى يعلمون * بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين ) قالوا: فلما قتل حبيب غضب الله عليهم وعجل لهم النقمة وأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم فذلك قوله تعالى : ( وما أنزلنا علي قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) علي غيرهم من كفار الأمم ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) أى ميتون.
أخبرنا أبو بكر الخمشاوى بإسناده عن ابن أبى ليلي عن أبيه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين ، حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار مؤمن أل يس وعلي ابن أبى طالب كرم الله وجهه وهو أفضلهم) .
و للحديث بقية بإذن الله تعالى