قصة سيدنا عيسى عليه السلام (الحلقة الحادية عشر)

03/09/2021
شارك المقالة:

 

وإليك ما أورده الإمام أبو العزائم بيانا لحقيقة النصرانية ودعاتها فى كتابه (وسائل إظهار الحق):

أصول الأديان السماوية :

معلوم أن لكل دين أربعة أصول : العقيدة التى يدين بها لربه ، والعبادة التى يشكر بها ربه ، والأحكام الشرعية التى هى القوانين المبينة لكيفية الأخلاق ، والمعاملات الفاضلة التى بها يحسن نظام العمران ، ويعيش الإنسان آنسا بالإنسان مساعدا عاملا فى سنة ربانية . فكان أسس الدين عقيدة فعباده فأخلاق فمعاملة ، وبدون ذلك لا يكون دينا ، بل يكون كرجل علم بأصل من أصول الدين فقام يعلمه الناس كالعلماء بالتوحيد ، والعلماء بالفقه الذى هو القوانين ، وعلماء النفس الذين يعلمون الأخلاق ، وعلماء العبادة الذين يعلمون الناس الصلاة والصيام والزكاة والحج . فلو أن المجتمع الإنسانى لم يتكمل بتلك الأصول الأربعة لخرب العمران وهلك العالم .

عقيدة الدين النصرانى وبيان فسادها :

هذا كتاب المسيح عليه السلام  الذى هو الإنجيل ، ما هى العقيدة التى قررها فيه تقريرا يقبله العقل كما هو الشأن فى تقرير العقائد ؟ لم يقرر فيه عقيدة ولكنه كتاب كأقاصيص ، تاريخه ووصاياه المفيدة فى الأخلاق وأعماله الخارقة للعادة التى ربما لا يصدقها من لم يرها بعيني رأسه . هذا ما فى الإنجيل ، اللهم إلا ما جعلوه عقيدة من كلمة الافتتاح وهى : (باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد ) . هذه الكلمة لم تقرر عقيدة ولم تبينها ، وإنما هو يستعين بمعان على عمل ما من الأعمال كما يقول المسلم عند دخوله فى عمل شاق : بسم الله الرحمن الرحيم ، فهل بسم الله الرحمن الرحيم عقيدة قبلها العقل وسجد لها ؟ لا والله ، لم يسجد العقل لبسم الله الرحمن الرحيم إلا بعد أن قرر له القرآن البراهين الساطعة على توحيد الله ، والأدلة الناصعة على تنزيه ذاته عن الولد والوالد والنظير والمثيل ، ثم قال أستعين باسم أو أتبرك باسم هو الله الرحمن الرحيم . ما أجملها وأحلاها امام بصيرة العقل ، وما أخفها على اللسان وأرقها على الآذان ، أن يتبرك باسم هو الله الرحمن الرحيم ، وما أثقل على الأذان وعلى اللسان ، بل وعلى العقل أن يقبل الاستعانة باسم هو ثلاثة أشخاص كل شخص مستقل ، لأنه مقول بالإضافة . أب وابن وروح . ثم يقول للعقل : اقبل قهرا لا بحجة ، وغصبا لا ببرهان أن الثلاثة إله واحد . هذه ليست عقيدة مقررة للعقل ، هذه إما أن تكون أساسا من أسس التثليث الذى كان عليه الفراعنة وكثير من الأمم القديمة لأنهم كانوا يزعمون أن الآلهة ثلاثة وأنهم واحد : الآب والابن والروح . فيقولون : أوزيس الأب ، وآمون راع الابن ، وأوزيريس الروح . ويجعلون ذلك كناية عن الشمس الاب ، والماء الإبن ، والأرض أو الهواء الروح أو الأم ، وهى عناصر الحياة . وإما أن تكون مأخوذة من أصل عبرانى لم يفقهوا معناه المجازى ، فترجموه إلى اللغات الأخرى بمدلوله الحسى ، فإن فى الكتب السماوية ألفاظا يجب تأويلها إلى غير ما وضعت له لفظا إذا كان ذلك مؤديا إلى نقص فى الجناب المقدس . وليس الأمر ببعيد عنا ، فإنا لو نظرنا إلى تراجم القرآن واللغات الأجنبية نرى كثيرا من الألفاظ الأجنبية التى وضعت لتدل على لازمها أو على ما تتضمنه ، لا لتدل دلالة مطابقية فترجموها بما يدل عليها مطابقة فأدى ذلك إلى فهمهم فى القرآن فهما لا يفهمه الآعجمى البعيد عن فهم بلاغة اللغة العربية وبديع أساليبها .

و كذلك لما أن ترجم الإنجيل من العبرانية أفسدوا معانيه العالية وأساليبه البديعة وساعد على ذلك أن كل عبرانى كان يبغض المسيح لأنه عندهم ابن زنا ، ويكره أن يقرأ تاريخه فكيف يرضى أن يصحح ترجمة كتابة الذى يكون دينا يتدين به الناس وهذا أصعب عليه من الحرق بالنار؟ ولم نسمع أن جماعة من الذين يدعون أنهم نصارى فتحوا مدرسة لتعليم اللغة العبرانية حتى يتعلموها ويتفننوا فيها ليمكنهم أن يفهموا سر باسم الآب والابن والروح القدس ، التى نظلم جوهرة العقل اللطيف إذا تصورها خوفا من أن ينسجن فى ظلمة الحظ والهوى . ولو أننا كشفنا عن العقول الإنسانية فى الأجسام الحية المعتقدة تلك العقائد الباطلة ، لرأينا العقل فى سجن ظلمة من الحظ والهوى والعصبية الجاهلية ضئيلا منكمشا يبرأ إلى الله تعالى الذى جعله ميزانا للحقائق من تلك النفوس الخبيثة التى هى فى الهياكل الإنسانية ، هذه هى التى يقولون إنها عقيدة .

البحث عن تلك العقيدة

هذه الكلمة التى يسمونها عقيدة هى افتتاح الإنجيل الذى ينسبونه إلى يوحنا المعمدان كما يدعون .

من هو يوحنا المعمدان ؟ هو يحيى بن زكريا عليهما السلام المذكور فى التوارة باسم ( ملاخى ) وهو رسول كريم على الله تعالى جاء بمعجزة فى حمله ووضعه لا تقل عن معجزة المسيح فى حمله ووضعه ، لأن زكريا عليه السلام  كانت عنده امرأة عاقر كما هو صريح التوارة وطال عمره حتى بلغ سن اليأس من أن يكون له ولد . ذلك لأن امرأته عاقر ، وأنه حرم القوة التى بها نيل هذا الأمر حتى إن الله بشره على لسان جبريل عليه السلام  فعجب من بشارة الله له ، لأن حاله هو وزوجته لا يقبل العقل أن يكون لهما ولد .

و لكن الله تعالى قادر أن يوجد الشىء من لا شىء ، فكيف لا يوجد ولدا من امرأة عاقر ؟ ورجل يائس بلغ به ارتخاء مفاصله ويبس المادة الغريزية مبلغا جعله كالميت وامرأته كأنه ميتة لأنها عجوزا بلغت سن اليأس ؟ .

منـزلة يحيى من المسيح عليهما السلام

إن المعجزة التى ظهرت لعيسى ظهرت بأجلى مظهرها فى يحيى ( يوحنا ) ، لم يكن عيسى أولى من يوحنا فى هذا المجد ، لأن يحيى رسول الله وعيسى رسول الله عليهما  السلام ، والله أعطى يحيى الرسالة صبيا ، وبلغ من الثقة به عند قومه أن جعلوه رئيس المعمودية وهى وظيفة كمل الرسل عليهم الصلاة والسلام . وأجمع كل شعب إسرائيل على أن المعجزة التى أظهرها الله ليحيى من أكمل المعجزات ، لأن حمل بنت شابة ليس بعجيب كحمل امرأة عاقر يئست من الحيض من رجل ارتخت مفاصله ويبست مادته ، وأكله الهرم حتى صار بالنسبة لهذا كالميت ، أقول : لم يكن المسيح عليه السلام  أولى من يوحنا ( يحيى ) فى هذا المجد ، لأن يحيى عمد المسيح عليهما السلام ، فكان ذلك برهانا على منـزلة يحيى من المسيح .

 

                                                      وللحديث بقية بإذن الله تعالى

الإنسانُ خليفةُ اللهِ في الأرض [1] مقدمة

أحببت أن أشرح عجائب قدرة الله فى الإنسان، وما سخره الله له من الكائنات، وسبيل نجاته وسعادته، ومهاوى هلاكه وضلاله، وما فصله الإمام المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم عن حقيقة الإنسان، والحكمة من إيجاد الخلق، وبدء الحقيقة الإنسانية، وإرسال الرسل، وتأثير الإسلام على الإنسان، ونجاة الإنسان بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وما ادعاه أهل الجهالة في خلق الإنسان ورد الإمام أبي العزائم عليهم؛ حتى يتبين للسالك حقيقة خلافة الإنسان عن ربه، ليسلك سبيل السعادة والنجاة، ويتعلق بالإنسان الكامل الذي خلق اللهُ لأجله كلَّ الموجودات صلى الله عليه وآله وسلم.