النظام الداخلى للسالكين
الأدب الأول :
تعلمون إخوانى أيدنا الله وإياكم بروح منه أن العصمة لرسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وأن المؤمن بأخيه المؤمن أولى، وأننا على يقين من أن كل واحد منا إذا مرض منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ، فينتهك الجسد متألماً لمرض العضو حتى تعود له الصحة ، ومرض الأبدان ناتج من عدم رعاية الصحة ، وكذلك مرض النفوس والعقول ناتج من مخالفة الشريعة ، ولا يكون ذلك إلا من وسوسة شيطان الجن أو الإنس . فالإخوان إذا رأوا أخاً خالف أدباً من آداب الطريق بأن تساهل في الرواتب ، أو أنكر على أخ ، أو بخل بعافيته أو ماله في عمل القربات ، نعتقد أن ذلك من الشيطان فنجتهد جميعاً أن نقتل هذا الشيطان بالحكمة والموعظة الحسنة ، قال تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت: ٣٤ الآية.
الأدب الثانى :
يلزم عند قتل شيطان الأخ أن نترك الكلام لنائب الطريق ، أو لمن يقوم مقامه عند غيابه ، إلا أن، يأذن لواحد من الإخوان لثقته بحسن أسلوبه ، ولكن الواجب على الإخوان أن يتجملوا أمام الأخ المريض بما يشرح صدره .
الأدب الثالث :
إذا شفا الله الأخ مما ألم به من وسوسة شيطان الجن أو الأنس ، وجب على النائب أو من يقوم مقامه أن يكلفه بصيام أيام لا تتجاوز ثلاثة أيام ، أو بالخدمة فى مجالسهم أياما كذلك ، أو يلقنه التوبة بصيغتها المعلومة ، والأوْلى أن يكون بهذا اللفظ : (اللَّهمَّ أنتَ رَبَّى لا إلهَ إلا أنتََ ، خَلَقْتَنى وأنَا عَبْدُكَ وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدك مَا اسْتَطَعْتُ ، أعُوذ ُبِكَ مِنْ شَرَّ ما صَنَعْتُ ، أبُوءُ لَكَ بِنَعْمَتِكَ عَلىَّ وَأبُوءُ بذَنْبِى فَاغْفرْ لى فَإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذنوب إلا أنتَ).
الأدب الرابع:
إذا قوى شيطان الأخ عليه فلم تؤثر فيه تلك الآداب ، فالواجب هجره ، وغض النظر عنه أياما من غير أن يعرض به أحد من الإخوان ، ولا يتكلم معه إلا لضرورة فادحة إهمالا له بنية قتل شيطانه ، وإعادة الصحة الروحانية إليه .
الأدب الخامس:
إذا لم تعد له الصحة الروحانية كما كانت ، فالواجب على نائب الطريق أن يخلو به ويعظه موعظة حاسمة من نوع هذا الأسلوب، لأن السالكين إنما اجتمعوا ليمثلوا ما كان عليه الصحابة والتابعون ، عملا بقوله [صلى الله عليه وآله وسلم] في الحديث القدسى عن الله تعالى ، يقول سبحانه )الْمتَحابُون في وَالْمتَزَاورونَ في وَالْمتَجَالسون في وَالمتَبَاذلون في عَلَى مَنَابرَ مِن نُور يَوْمَ اْلِقيَامة قَدَّامَ عَرْش الرَّحْمن يَغْبِطهم الْملائِكة وَالأنبياَء وَالشَُهدَاء لقُّرْبِهِم مِنَ اٌلله ) ([1]) الحديث .
وإنى أحب أن نستعيذ بالله من فتح باب الخلاف بين المتحابين في الله ، وما أشبه ذلك ، فإن أكرمه الله وقبل كلفه بما يقيم الحجة على صفائه وقبوله ، وإن أبى تلطف معه وطلب منه أن يمتنع عن مجلسهم سبعة أيام ، فإن أراد الله به الخير أرجعه محفوظا من الشيطان ، أو حفظ الله الإخوان منه ، إلا أنى أحب من الإخوان أن يبدأوه بالسلام ، وإذا تكلم معهم أن يتلطفوا في الإجابة نجاة لأخيهم .
وقد ختم الإمام كتابه دستور السالكين ببيان أمراض النفوس وعلاجها بكلام منظوم قال فيه :
وبهذا نكون قد ناقشنا دستور السالكين طريق رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
وللحديث بقية بإذن الله تعالى
(1) رواه ابن حبان في صحيحه .