من عبارات أهل العلم بالله فى التوحيد :
أوردها الإمام أبو العزائم فى هذا المختصر ، ليعلم السالك أن طريق آل العزائم عمل بما كان عليه السلف الصالح وتجديد لعلومهم وأحوالهم وأسرارهم رضى الله عنهم ، قال الله تعالى : ﴿ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَك﴾([1]) ونحن نرشف من رحيق عبارات علماء السلف ، ما به تطمئن قلوبنا بأنا – و الحمد لله – اقتبسنا من المشكاة المحمدية التى اقتبسوا منها .
قال الشاشى الأندلسى – أعاد الله لنا وبنا أنوار الأندلس فى الأندلس ، وفى جميع الأمم الإسلامية ، وأهلك الأسبان وكل الأمم الظالمة ، الذين أفسدوا البلاد وأضلوا العباد بطغيانهم إنه مجيب الدعاء – قال : إن الأولياء يتمندلون أى " يتروحون " بأسماء الله الحسنى ، ما عرفه من كيفه ، وما وحده من مثله ، ولا عبده من شبهه . المشبه أعشى ، والمعطل أعمى ، والمشبه متلوث بفرث التجسيم ، والمعطل نجس بدم الجحود ، ونصيب المحق لبن خالص ، وهو التنزيه ، انزل من علو التشبيه ولا تعل, قلل أباطيل التعطيل ، فالوادى المقدس بين الجبلين ([2]) .
قال أبو المعالى رحمه الله : من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه ، ومن سكن إلى النفى المحض فهو معطل ، ومن قطع بموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد ، جل رب الأعراض والأجسام عن صفات الأعراض والأجسام ، جل ربى عن كل ما اكتنفته لحظات الأفكار والأوهام .
وقال الدقاق رحمه الله : المريد صاحب وَلَه ، لأن المراد بلا شبه ، وقيل : مثله الأعلى ليس كمثله شىء .
وقال الجنيد رحمه الله : أشرف كلمة فى التوحيد قول الصديق : الحمد لله الذى لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته . قال القشيرى رحمة الله عليه : يعنى أن العارف عاجز عن معرفته والمعرفة موجودة فيه .
ولغيره : ما عرف الله سوى الله (لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) .
كل ما ترتقى إليه بوهم من جلال وقدرة وثناء
فالذى أبدع البرية أعلى منه سبحان مبدع الأشياء
سأل المريسى الإمام الشافعى رضى الله عنه عن التوحيد بحضرة الرشيد ، فقال : أن لا تتوهمه ولا تتهمه ، فأبهت .
وقال الشبلى رحمه الله : من توهم أنه واصل فليس له حاصل ، ومن رأى أنه قريب فهو بعيد ، ومن تواجد فهو فاقد ، ومن أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو غافل ، ومن سكت عنه فهو جاهل ، ما أرادت همة سالك أن تقف عند ما كشف لها ، إلا نادته هواتف الحقيقة : ( الذى تطلب أمامك ) وما تبرجت ظواهر المكونات إلا نادتك حقائقها : ( إنما نحن فتنة فلا تكفر) .
ما ينتهى نظرى منهم إلى رتب فى الحسن إلا ولاحت فوقها رتب
وقال الجريري : ليس العلم التوحيد إلا لسان التوحيد . وقال الحسن رحمه الله : العجز عن درك الإدراك إدراك
تبارك الله وارت غيبه حجب فليس يعرف إلا الله ما الله
دعا نبى إلى الله عز وجل بحقيقة التوحيد ، فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد ، فعجب من ذلك ، فأوحى الله عز و جل إليه : " تريد أن تستجيب لك العقول ؟ قال : نعم ، قال : احجبنى عنها ، قال : كيف أحجبك وأنا أدعو إليك ؟ قال : تكلم فى الأسباب وفى أسباب الأسباب " فدعا الخلق من هذا الطريق فاستجاب له الجم الغفير .
ومن عجز عن أقرب الأشياء نسبةً منه فكيف يقدر على أبعد الأمور حقيقة منه ؟ من عرف نفسه عرف ربه .
ومنه : دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره .
ولما احتضر الوليد بن إبان رحمه الله تعالى ، قال لبنيه : هل تعلمون أحدا هو أعلم بالكلام منى ؟ قالوا : لا ، قال : فإنى أوصيكم بما عليه أهل الحديث ، فإننى رأيت الحق معهم . وعن أبى المعالى نحوه .
ومنهم من هجر أحمد المحاسبي لما صنف فى علم الكلام ، فقال : إنما قصدت إلى نصر السنة ، فقال : ألست تذكر البدعة والشبهة ؟ قلت : من تحقق كلام فخر الدين الرزاى ، وجده فى تقرير الشبه أشد منه فى الانفصال عنها ، وفى هذا ما لا يخفى .
ومنه : من آمن بالنظر إلى ظاهر الثعبان ، كفر بالاستماع إلى خوار العجل ، ومن شاهد مجاوزة القدرة الإلهية لمنتهى وسعة القوة البشرية ، لم يكترث بوعيد الدنيا ، ولم يؤثر الهوى على الهدى والتقوى .
ومنه : قال على بن الحسين عليه السلام : من عرف الله بالأخبار ، دون شواهد الاستبصار والاعتبار ، اعتمد على ما تلحقه التهم .
ومنه : قيل لطبيب : بم عرفت ربك ؟ قال : بالأهليج يجفف الحلق ، ويلين .
وقيل لأديب بما عرفت ربك ؟ قال : بنحلة ، فى أحد طرفيها عسل ، وفى الآخر لسع ، والعسل مقلوب اللسع .
وسأل الدهرية الإمام الشافعي عن دليل الصانع فقال : ورقة الفرصاد تأكلها دودة القز فيخرج منها الإبرسيم ، والنحل فيكون منها العسل ، والظباء فينعقد فى نوافجها المسك ، والشاة فيكون منها البعر ، فآمنوا كلهم وكانوا سبعة عشر .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى