قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) "الروم:21"، وقال تعالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) " النحل: 72".
إن من تمام رحمة الله تعالى ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم مودة ورحمة.
وقد خص الله المودة والرحمة بالذكر لما لهذين اللفظين من معاني سامية تصف العلاقة الزوجية السعيدة، فالمودة هى المحبة، والرحمة هي الرأفة، ومن رحمته إياها ألا يصيبها بسوء، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمته بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما، وقيل: إن المودة هى الجماع والرحمة هى الولد، إلى غير ذلك من المعاني.
فالمرأة حجة على أن الرجل عَبْدُ الله, والرجل حجة على أن المرأة أمَةُ الله, لما لكل نوع من الحاجة إلى الآخر, الدالة على الذل والاحتياج, فهى محل أنسه وهو محل أنسها، وهى سكنه الذى يسكن إليه؛ والذى إذا فقده ساءت العلاقة الزوجية وانعدمت المودة والرحمة بين الزوجين.
ومن أهم الأسباب التى تعكر صفو الحياة الزوجية سوءُ المعاشرة الجنسية، والتى قد ينظر البعض إليها على أنها أمر ثانوى، ولكنها فى الحقيقة شىء أساسى، فالرجل يحب أن يشبع رغبته، وكذلك المرأة تحب أن تشبع غريزتها، ولذلك أوصى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجين بهذا الشأن، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشِه فأبَتْ فلم تأتِه فباتَ غضبانَ عليها لعنَتْها الملائكةُ حتى تُصبح(، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا جامع أحدُكم امرأتَه فلا يتنحى حتى تقضي حاجتَها كما يحبُّ أن يقضي حاجتَه).
وحالة الرجل قد يعتريها الضعف أو البرود الجنسى، وكذلك المرأة قد يعتريها الخوف أو البرود الجنسى مما يشكل خطرا على العلاقة الزوجية، وبالتالى على بيت الزوجية.
من أسباب الضعف الجنسى عند الرجال
أولا: أسباب نفسية
1 – القلق، والشعور بالنقص، وإعطاء الموضوع أكبر من حجمه الحقيقي، فغالباً ما يشعر الزوج في بداية ممارسته الجنسية بصعوبة مهمته التي تحتم عليه أن يظهر لزوجته رجولته وفحولته وقدرته على إشباعها.
2- إصابة الشخص بالاكتئاب النفسي لأي سبب من الأسباب، والذى يؤدى إلى فقدان الشهية وعدم التركيز والإحساس بالحزن؛ وبالتالي إلى الضعف العام.
3- الهم والانزعاج، فإن الرجل يكاد يكون صحيح البدن ولكن إذا طرأت عليه بعض الهموم مثل الحاجة إلى المال أو تراكم المشاكل أو غير ذلك؛ قد يفقد الرجل قدرته الجنسية وقتا ما.
4 – الخوف، فالخوف يولد الهم والقلق، ومن شدته يذهب النوم عن العيون، وقد يؤدى إلى الزهد فى شهوات الجسم.
5 - الخلافات بين الزوجين، فالخلاف يذهب شوق كل من الزوجين للآخر، خاصة إذا استمرت هذه الخلافات لمدة طويلة.
فعلى الزوج أن يعالج ما يلم به من قلق واكتئاب وخوف، وأن يعمل جاهدا ألا ينعكس ذلك على علاقته مع زوجته، فإنها لا ذنب لها فيما يتملكه من حالات نفسية سيئة، كما أن عليهما معًا تفادي أسباب الخلافات الزوجية، ومعالجة أمرها أولا بأول.
ثانيا: أسباب عضوية:
وهى تنشأ عن خلل فى المخ أو العمود الفقرى أو الأعصاب أو العضو الذكرى نفسه, أو كنتيجة لاختلال توازن الهرمونات ذات العلاقة بهذا الأمر، أو غير ذلك، ومنها:
1 - الضعف العام:
إن الضعف الجسماني يؤدي إلى إضعاف الجهاز الجنسي أو إلى عدم اكتمال قوته، وينشأ الضعف العام من الإجهاد في العمل، أو سوء التغذية، أو الإقلال من ساعات النوم، والسهر إلى ساعات متأخرة من الليل، وقد يكون لأسباب مرضية
2- مرض السكرى:
فبارتفاع نسبة السكر في الدم لفترات طويلة تبدأ الشكوى من مضاعفات هذا المرض، وينتج مرض السكري بسبب توقف هرمون الإنسولين عن أداء وظيفته مما يؤدى إلي تراكم السكر في الأعصاب الموصلة للعضو الذكري، أو في الغشاء المبطن للحويصلات الدموية الموجودة في العضو الذكري، أو غير ذلك من الأسباب التى تُعوِّق مرور الدم إلى العضو الذكرى، وبالتالى تؤدى إلي الضعف الجنسى.
3 - تصلب الشرايين:
هو تراكم الدهون تحت الخلايا المُبَطِّنة للجدار الداخلي للأوعية الدموية، مما يؤدي إلي ضيقها ثم انسدادها، وحيث أن الانتصاب يعتمد علي تدفق الدم من خلال الشرايين ليملأ العضو الذكري، فإن ضيق أو انسداد الشرايين الخاصة بالعضو الذكري نتيجة تصلب الشرايين يؤدي إلي ضعف أو انعدام الانتصاب؛ أى: إلى العجزالجنسى.
ويساعد علي حدوث تصلب الشرايين: الإصابة بمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الكوليسترول في الدم، والتدخين، وزيادة الوزن.
4 - التهاب البروستاتا:
قد يكون التهاب البروستاتا مصحوبا بألم أثناء مرور السائل المنوي أو ألم في منطقة الخصية، مما يجعل المريض يتجنب المعاشرة الجنسية حتى يتجنب حدوث هذه الآلام.
5 - كبر السن:
وهذا حسب قوة الجسد، وحسب نوع التغذية التي كان يتلقاها الشخص.
ثالثا: أسباب خارجية ومنها:
1- تعاطي أدوية لعلاج بعض الأمراض، مثل أدوية ضغط الدم المرتفع والتي يؤدي معظمها إلى ضعف القدرة على الانتصاب، حيث أنه من المعلوم بأن الانتصاب أساساً لا يتم إلا عن طريق ضخ الدم في العضو الذكري، وهذه الأدوية تسبب بعض الهدوء في ضخ الدم بسبب أنها تخفض ضغط الدم بصفة عامة في الجسم، وأحيانا يكون حل هذه المشكلة بتغيير نوع الدواء إلى نوع آخر لتفادي التأثير على القدرة الجنسية.
2 - إدمان الخمور أو المخدرات أوالتدخين بأنواعه.
3 – عدم اهتمام الزوجة بالنظافة الشخصية مما يجعل الزوج ينفر منها.
وإذا كان السبب فى الضعف الجنسى سببا عضويا فعليك أن تستشير الطبيب المختص لإيجاد حل لتلك المشكلة، فما مِن داءٍ إلا وجعل اللهُ له دواءً، عرَفه من عرَفه وجهِله من جهِله، فلعل الله تعالى أن يوفق طبيبك فى معرفة علاجك.
وعلى الزوج الإقلاع عن كل ما يضر الصحة ويُضعف البدن، فإن هذا الجسم ليس ملكا لك، ولكنه أمانة وهبها الله لك يجب أن تحافظ عليها، وإن كان لابد من تناول بعض العقاقير فيجب أن يكون ذلك تحت إشراف الطبيب المختص.
من أهم أسباب البرود الجنسى عند المرأة
أولا: أسباب نفسية
- الخوف، ومن أسبابه: التحذيرات الخاطئة للزوجة قبل زواجها مما سيحدث لها من ألم عند الجماع، أو الخشية من الحمل.
- الشعور بالخجل الذى يدفعها أن تتصور أن هذه العلاقة الجنسية أمر معيب، وهذا نتيجة الجهل وعدم التوعية.
- إحساس الزوجة بكراهية زوجها، نتيجة الفتور العاطفي تجاهها، أو قسوته عليها، أو بخله ماديا وعاطفيا ونفسيا عليها.
- إثارة الزوج غيرتها، أو تفاخره بعلاقته الجنسية مع غيرها، وأنانيته دون مراعاة لإشباع شهوتها، أوممارسته الجنسية السريعة تاركا إياها كإناء أفرغ فيه شهوته ثم ينصرف عنها بسرعة أو يوليها ظهره، مما قد يلجئها للبرودة الجنسية كوسيلة عقابية شعورية ضده.
- المشاكل النفسية مثل القلق والتوتر العصبي والاكتئاب والإحباط والملل والضيق والعصبية.
- العلاقة العائلية المضطربة وهذا يعكر الصفو.
ثانيا: أسباب عضوية
وتنشأ عن إصابة الأعضاء الجنسية للمرأة، أو شعورها بألم أثناء الجماع، أو الضعف العام.
ثالثا: أسباب خارجية
- عدم اهتمام الزوج بالنظافة الجسدية أو نظافة الفم والأسنان والملابس، أو انبعاث رائحة كريهة منه من أثر التدخين، مما يؤدى إلى نفورها منه.
- تعاطي بعض العقاقير الكيميائية مثل المهدئات، والمنومات، ومضادات الاكتئاب، والأدوية الهرمونية.
- عدم قيام الزوج بالمداعبة الكافية لإثارة زوجته قبل عملية الجماع.
فعلى الزوجة أن تتخلص مما ألم بها من خوف وخجل حتى تشبع رغبة زوجها، فإن له عليها حقًّا، والواجب على والديها - خاصة أمها - تبصرتها وتثقيفها بتلك الأمور بحكمة وتوسط دون تفريط أو إفراط.
وعلى الزوجة أن تقاوم حالات القلق والاكتئاب والملل والإحباط حتى تظهر لزوجها بصورة حسنة، فإن الوجه البشوش يذهب هم الزوج ويولد الشوق بينهما.
أما ما قد يقوم به الزوج من إثارة غيرتك فعليك أن تعالجى الأمور بحكمة وروية، وغالبا ما يكون الصمت علاجا مناسبا، مع إشعار الزوج بعدم الرضا بما يقال من سىء القول، وإشعاره باللامبالاة لما يثير حفيظتها به.
وعلى الزوجة أن تهتم بمعالجة ما يلم بها من أمراض، لتحفظ جسدها، وتستمتع بزوجها، وتلبي رغبتَه، وتُشبع بما أحل الله حاجتَه.
وعلى الزوجين الاهتمام بالنظافة الشخصية حتى لا يرى ولا يشم أحدهما من الآخر إلا ما يحبه.
وعلى الزوجين أن يعين كل منهما الآخر على تجديد الرغبة الجنسية بينهما بحسب حالهما، والحرص على أن يحقق كل منهما للآخر الإشباع الجنسي، فإن ذلك من أهم عوامل السعادة الزوجية والاستقرار الأسري.
وفي فترات العزوف عن اللقاءات الجنسية بين الزوجين يجب أن تقوى بينهما أواصر المودة والرحمة والألفة والعناية والملاطفة الحانية واللمسات الرقيقة، إلى أن يعود إليهما الشوق من جديد إلى ما أحل الله لهما من المعاشرة.
هذا مع العمل على معالجة ما يعترض حياتهما من مشاكل بحكمة وروية وتفاهم وحسن مناقشة وتبادل الآراء بينهما بهدوء، ولا مانع من أن يقدم أحدهما أو كلاهما تنازلات لحل المشكلات، فتقديم التنازلات ليس عيبا؛ ولكنه يعلى شأن المتنازِل عند الآخَر ويزداد في عينه قدرا، وتقوى أواصر الصلة الوثيقة بينهما.
وعلى الزوجين أن يهتما بالتغذية السليمة، والنوم المنظم، وأن يجتنبا المحرمات، وأن يجتهدا في الطاعات قدر الاستطاعة، مع التحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها، وبالله التوفيق.
نسأل الله تعالى أن يسعد كلَّ زوجين، وأن يستقر البيت الإسلامى ليثمر الثمرة المرجوة، فتسعد الأمة الإسلامية خاصة، والمجتمع الإنساني عامة، اللهم صلِّ علي سيدِنا محمدٍ وآلِه وسلِّم، وأعطنا الخير، وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا يا رب العالمين.
وللحديث بقية بإذن الله تعالى