شارك المقالة:

 

بين الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم الأصول التى يكون بها الوصول للعبد فرارا من الكون إلى المكون فى كتابه دستور آداب السلوك إلى ملك الملوك وهى :

1 - اتباعه صلى الله عليه وآله وسلم : ويتمثل فى تصديق رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] وامتثال أوامر الله تعالى .

2 - المجاهدة .

3 - التأدب للوارد .

4 - الصحبة فى الله .

ثانيا : المجاهدة :

المجاهدة واجبة على كل مسلم ، ليحصل التوازن بين الجسم والروح ، حتى يتجمل بحقيقة العبادة الجامعة للروح والجسم ،  ومن أهمل نفسه من المجاهدة ، تسلطت عليها فطرها ، وقادها الحظ والهوى ، وقهرها إبليس ، فجعل عبادتها عادة وشهوة ، وجعل محبتها أطماعا وآمالا . ومؤمن يعبد الله ليدخل الجنة عبد غير الله ، فكيف بمن يعبد الله ويسهر ويصوم لينال الدنيا أو ليأخذ من الناس العوائد والهدايا ؟ ! وسأشرح لك شيئا من المجاهدة بعد هذا الدرس إن شاء الله تعالى مفتتحا بقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ([1]) .

معرفة النفس :

المبتدىء فى طريق آل العزائم ، يغذى بلبان العلم فى طفوليته ، حتى تنكشف له حقيقة نفسه الحيوانية ، فيعلم أنه من طين أو ماء مهين ، والماء لوالده ، وما زاد عليه من لحم ودم فلأمه بقدرة الله وحسن تدبيره وقوته وكمال تقديره ، وما زاد على ذلك من حياة وسمع وبصر وشم وذوق ولمس وعقل وقوة قابلة للعلم والتعلم فهو من الله بفضله ، ثم ينظر فى الكون المحيط به فيرى بعين اليقين أن الله تعالى انفرد بإيجاده  بعد العدم ، وانفرد جل جلاله بإمداده بكل شيء فى نفسه ، وبكل شىء حوله ، فيتحقق عدمه لولا الله تعالى ، ويتعين اضطراره إلى الله فى كل نفس ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فى يوم الخندق وهو يحمل التراب على كتفه الشريف :

والمريد فى طريق آل العزائم إنما يتعلم ليعمل بعلمه ، فإذا علم مبدأه تغذى نهايته ، فتصور البداية والنهاية فى كل أنفاسه بعد تحققه بأن إيجاده وإمداده من الله وبالله ، وأن الله تعالى إنما خلق الإنسان ليعبده سبحانه ، فيذوق انفراد الله تعالى بالوحدانية فى ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو الله الخلاق الرزاق المحيى المميت الفاعل المختار ، ويميز بهذا العلم ما يشبه إلى نفسه من العمل ، وما يشاهد أنه من الله جل جلاله ، كما قال سبحانه : ﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾([1]) .

عجائب القدرة :

إن الله تعالى انفرد بإيجادك من العدم ، وإمدادك بالفضل ، ونسب إليك ما لا يحدث إلا بك فى قوله تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ  تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ .

فنسب لك الإمناء ، وأثبت له سبحانه الخلق ، لأنه جل جلاله هو الخلاق .
 ثم قال سبحانه : ﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ ([1]) فأثبت لك الحراثة ، لأنها تحتاج إلى محراث وأيد تعمل ، وأثبت له سبحانه وتعالى الزرع لأنه محتاج إلى قدرة الله وحكمته ، لتعلم ما لك وما له سبحانه .  

ثم قال تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ  مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ﴾ ([2]) أثبت وجود الماء - سبحانه - ، وأثبت لنا الشرب منه ، ثم أثبت لنفسه سبحانه إنزاله من الكون ، وأنه بقدرته جل جلاله ، جعله ماء حلوا عذبا سائغا للشاربين ولم يجعله ملحا أجاجا .

ثم قال سبحانه : ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ  شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ﴾ ([3]) أثبت سبحانه وجود النار ، وأثبت أننا نوقدها للانتفاع بها ، ثم أثبت لنفسه سبحانه إنشاء شجرتها .

فبين سبحانه تلك الحقائق التى هى حراثة الأرض والماء والشجر والنار وهى أصل كل الخيرات التى لا غنى للإنسان عنها ، فبالنار أيها الإنسان أمكنك أن تصنع طعامك وكل ما تحتاج إليه لبقاء حياتك ، ثم ولدت بها الكهرباء ، واخترعت بها ما به طرت فى السماء ، وغصت فى البحار ، وما دفعت به أعداءك من الأسلحة وغيرها .

كل ذلك بسبب النار ، وقبل معرفة النار كان الإنسان مع الآثار فى حروب مهلكة ،وكم مضى على الإنسان من قرون فى بدايته ، كان فى حرب فادح فيما بينه وبين الآثار الجوية ، ثم بينه وبين الوحوش والحيوانات المفترسة ، حتى أظهر الله النار التى خزنها له من حرارة الشمس .

هذا نظر من ذى فكر فيما حولك ، مما هو جلى ، وهو الإمناء والزرع والماء والنار ، وكل حقيقة من تلك الحقائق لو فك رمزها عن كنوزه الإلهية ، لارتد البصر خاسئا حسيرا عن فهم ما فيها من الأسرار ، فضلا عن أن يدرك حقائقها من الأنوار ، وهى المحسوسة الملموسة التى لا تفارق الإنسان نفسا ، فكيف لو كشف للإنسان غيوب النفس التى هى نفخة القدس ، وكيف يذوق حلاوة كونها فى الهيكل الإنسانى ، وأنها باتصالها به سجدت له الملائكة ، وسخر له ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه ، وأقامه ربه مقام الخليفة عنه ، متصرفا فى عوالم ملكه وملكوته بإذنه سبحانه وتعالى ، ثم يكرمه بعد ذلك فى مقام الأنس على بساط منادمته فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، متنعما بشهود جمال ربه ، مبتهجا بجوار الأطهار من المصطفين الأخيار من المجتبين ، أو يقيمه مقام السخط والبعد فى جحيم الحسرة والندامة ، ولهيب الخيبة محروما مما أعده الله له لو أنه سمع وأطاع وقام لله بما استطاع .

وإنما ذكر الله تلك الحقائق الأربعة التى هى الإمناء والزرع والماء والنار ، لنعلم أن كل شىء فى الوجود ، خلقه سبحانه لننتفع به ، لأننا عبيد محتاجون إلى فضله العظيم ، وإحسانه العميم ، ومتى تحققنا بتلك الحقائق عرفنا أنفسنا ، لأن أصلنا الماء المهين وهو للوالد ، والذى خلقه وصوره فى الأرحام هو الله تعالى ، كما أنه سبحانه هو الذى خلق لنا كل شىء ، فالواجب علينا أن نشهد عجائب قدرته ، وغرائب حكمته فى كل شىء ، حتى لا نرى شيئا من الأشياء ، ولا نسمع صوتا ولا نشم رائحة ، ولا نذوق ذواقا ، ولا نحس محسوسا ، إلا ونشاهد فيها علي آياته ، وجلي حججه ، ونعلم أنه الذى خلق كل شىء لنا لننتفع بما أبدعه فى الأشياء مما لابد لنا منه فنذكره  ولا ننساه ، ونطيعه ولا نعصاه ، ونشكره و لا نكفره ، جل جلاله وتقدست صفاته وأسماؤه .

عليك بالمجاهدة :

إذا فهمت ذلك يا أخى ، فالنفس هى اللطيفة النورانية ، بل الجوهرة الربانية ، بل هى الحقيقة التى هى أمانة الله المشرقة أنوارها فى هيكل الإنسان ، يعرفها من عرف نشأته الأولى ، وتحقق أن أسفل سافلين مفارق لأعلى عليين ، وكيف جمع الله بين أعلى عليين وأسفل سافلين بقهر واقتدار ، وجعل أسفل سافلين يرتقى حتى يخدم بالملائكة المقربين فى جوار رب العالمين .

أسجد أيها العقل موقنا بقوله تعالى : ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن  بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ ([1]) وجاهد أيها الجسم حتى  تحرق زبد العناصر ، وأوقد نار المجاهدة على ما يمكث فى الأرض ليتجرد الجوهر النفيس من كدرات الجسم الكثيف ، وتحصلا المجانسة التقريبية ، لأن النفس جوهرة ربانية صافية نورانية ، فإذا صفا الجسم حصل له بالنفس تشبه ، فاتصل بها واتحد ، وعرف نعمة الله عليه واعتقد ، فعجز عن شكره حيث جعله مشكاة مثالية ، وكونه من أركان الوجود السفليه والعلوية ، فكان – و هو الجسم الصغير – العالم الكبير ، مراد الله بدءا ، وجاره فى مقعد صدق ختما .

ثالثا : التأدب للوارد

قف عند الوارد فيما غاب عنك ، وتأدب للوارد فى الشهادة ، والوارد : ما ورد عن الله تعالى ورسوله وأئمة  الهدى .

والغيب غيبان : غيب محجوب بالحظوظ والأهواء ، وغيب رفع عن الإدراك بالعقول والأبصار ، عظمة وعلوا وقدرا . ومن الغيب المحجوب بالحظ و الهوى ( القدر ) الذى هو سر من أسرار القدرة ، ومن أيام الله تعالى وآياته الجلية فى مكوناته ، ومنه الحقائق التى وعد بها المؤمنين

والتى توعد بها الكافرين .

أما الغيب الذى رفع عظمة ومجدا " فالقدر " ، لأن القدر غيب ، ولكنه يشهد لمن جعل الله له نورا. كما أن القدرة تشهد بمراتبها ، فقد تشهد بالآيات فى الكائنات ، وقد تشهد بالأنوار فى التجليات ، وقد تشهد فى مقامات القرب . قال تعالى : ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ  غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ ([1]) .

وقد أشهد الله تعالى الأرواح جماله العلى بدءا ، ثم حجبهم عنه عظمة وعلوا وقدرا ، لا جفاء وصدا . فكان شهودهم إياه فى مقام التجريد ، داعيا إلى احتراق قلوبهم شوقا إلى الحميد المجيد ، وكان احتجابهم لطوله وعظمته ورفعته ، موجبا لتحققهم بجمال العبيد ، ليرفعهم إليه قدرا فحجبهم عنه لعلوه ، وفصلهم عنه ليرفعهم بحبه لهم وحبهم له ، بما جملهم به من الصفات المحبوبة له سبحانه ، فهم العبيد المحبوبون للعلى العظيم الحميد المجيد ، يحبهم وينظر إليهم ، فهم أقرب إليه منهم إلى أنفسهم , يحبونه سبحانه ، ويشتاقون إليه ، وهو معهم وعندهم حنانا وعطفا ، وبعيد عنهم عظمة وعلوا .

هذه مراتب الغيب .. والقائم فيها محصن بالوارد لا يتعداه ، لأن العلم بالله أحرق القلوب بنار الخشية منه سبحانه .

الأدب الوارد فى الشهود :

قدمنا أن الوارد كتاب الله تعالى و سنة رسول الله ، ومن كشف الله عنه غطاءه فى الدنيا شهد ، ولكن ما الذى شهد ؟ شهد بدائع إبداع أسرار القدرة ، وسواطع أنوار غيوب الحكمة ، فشهد أسرار حكيم قادر ، فلم تستر أنوار شمس القدرة أضواء الحكمة فيتيه السالك ، قال تعالى : ﴿ وَكَانَ بَيْنَ  ذَلِكَ قَوَامًا﴾ ([1]) وإن كان هذا المقام فيه ارتشاف خمر الحيرة ، وقوى بواعث المحبة ، إلا أن الله سبحانه وتعالى يمنح السالك برزخا يحفظه به من التيه فى أرض الطبع ، أو من تجاوز الأدب بصولة القدرة مع الشرع ، قال تعالى : ﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ  لا يَبْغِيَانِ ﴾ ([2]) .

والبرزخ لأهل التمكين هو الوارد ، والوارد عرفتك به أنه كتاب الله وسنة رسول الله ، وعند أهل التلوين هو الممد بروح الإلهام من مرشد كامل ، أو وارث عامل ، قال سبحانه : ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا ﴾ بالتسليم للحق والخضوع لسلطان الشرع  ﴿ فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ حياة القبول ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا ﴾ وهو إلهام فى مقام التمكين ، وفقه فى مقام التلوين وسماع بالتسليم من المرشد أو العالم العامل ﴿ يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾ محفوظا بعناية الله من الغفلة أو اليأس ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ جمع الظلمات لكثرة أنواعها من ظلمة الحس ، وظلمة الجسم ، وظلمة النفس الأمارة بالسوء ، وظلمة الحظ والهوى والشح وغيرها ، التى اقتضتها الحقائق التى كون الإنسان منها ، وقوله سبحانه و تعالى : ﴿ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ ([3]) لأن الحقائق التى فى الإنسان تستحق الدرك الأسفل من النار بنفسها ، إلا إذا سبقت للإنسان الحسنى من الله تعالى فإنه يهديه ويواليه ، ويخرجه من الظلمات إلى النور .

 

الزم الوارد وإن شهدت كل المشاهد :

أنت عاجز عن تحصيل ما منحت القدرة على تحصيله إلا بمعونة من الله وعناية . فكيف تحصل الغيب المصون بجهادك واجتهادك ؟ فالزم حصون الشريعة متأدبا لها ، وإن قربك ربك وناجاك ، وصرفك فى الملك والملكوت ووالاك ، فإن إحسانه عليك يقتضى شكرك إياه ، ليمنحك المزيد من فضله وجدواه ، وقد صورك بيديه وكنت طينا أو ماء مهينا ، ونفخ فيك من روحه فضلا منه وإحسانا ، وأسجد لك الملائكة تكرمه لك وبك حنانا ، ولم تكن شيئا مذكورا فالزم أعتاب العبودية ، يمنحك خير العطية ، واعتبر بإبليس الرجيم ، وكان مقربا عليما ، فاغتر بعنصره فارتد مدحورا ولعن مقهورا ، واعلم أن الورود بالوارد ، والوصول بالمحافظة على الأصول . و الله يتولانى وإياك ولاية الحبيب لحبيبه ، بجاه حبيبه ومصطفاه (صلى الله عليه وآله وسلم)آمين .

الوارد من أهل الصفا :

الوارد نوعان : وارد من الله سبحانه عليك ، ووارد منك بعناية الله تعالى له سبحانه .وقد بينت لك الوارد من الله تعالى .والوارد من أهل الصفا هو الوارد الذى يشرح الله صدورهم للقيام به ، من التقرب بالنوافل والمسارعة إلى الفرائض والمندوبات ، وأحب ما يقوم به أهل المقامات إلى الله تعالى عمل الفرائض فى أوقاتها ، والفرائض إما أعمال قلبية كعقود التوحيد ، ومراقبة الله تعالى فى السر والعلن ، وتصريف النوايا والقصود ، والإخلاص فى العمل ، والصدق فى المعاملة ، والخشوع والخوف والخشية والرهبة ، وحسن الظن بالله تعالى ، وسوء الظن بالنفس ، وأعمال الجسم كالصلاة والصيام والزكاة والحج ، والخلاق الجميلة كالبر والصلة ، وحسن المعاشرة والمعاملة ، والوفاء بالوعود .وكل ما أوجبه الشرع الشريف أو اقتضاه الوقت أو الحال والشأن صار واجبا ، كمجاهدة الأعداء ، ومجاهدة النفس ،
 قال (صلى الله عليه وآله وسلم)فى الحديث القدسى : " من آذى لى وليا آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدى بشىء أحب إلى من أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ، ولسانه الذى يتكلم به ، ويده التى يبطش به .. " إلى آخر الحديث .

رابعا : الصحبة فى الله

الصحبة لغة : الملازمة ، فمن لازم شيئا فهو مصاحبة ، والصحبة تتحقق ولو بالرؤية ، أو المجالسة بشروطها عند الأصوليين .  

والصحبة عند الصوفية : هى طلب الرفيق المعين على الطريق ، المؤنس فى الغربة ، المعين فى الكربة ، ومن لا صاحب له فهو تائه فى أودية الغواية ، وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)المنفرد شيطانا.

الصحبة بالأدب :

السالك يلتمس صاحبا له ليتأدب بآدابه ، وإنما دوام الصحبة بالأدب ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أدبنى ربى فأحسن تأديبى " .والأدب عند الصوفية التشبه بالكمال الروحانى ، بفادح مجاهدة النفس حتى تخرج النفس من عوائدها الحيوانية ، ورذائلها الإبليسية ، فتكون أشبه بعالم الملكوت بعد تجردها .

ومعلوم أن السعادة فى الدنيا والآخرة للإنسان متوقفه على الأدب الذى به يجمل حاله وآماله مع الحق والخلق ، والأدب عند الناس هو تكلف النفس الأخذ بالمروءة فيما بينهم ، ليكون ذو المروءة سيدا مطاعا فى قومه ، أما الأدب فى الدين فهو كمال التمسك بالسنة تمسكا يجعل الإنسان يراعى أنفاسه ، والأدب عند أهل المحبة حضور القلب مع المحبوب ، والمسارعة إلى مراد المحبوب ، وتلك المراتب متصلة ببعضها ، فمن لا مروءة له لا يعمل بالسنة ، ومن لم يحافظ على السنة لا يتجمل بالمحبة فلا يراقبها ، والمتأدب عظم مقصده ، ومقصد الرجال فضل الله و رضوانه الأكبر ، وطالب رضوان الله الأكبر يكاد قلبه يذوب إذا وقع فى هفوة ، لأنه مشاهد لمولاه جل جلاله ، أو موقن أن الله يراه لأنه موقن أن الله معه ، ومن يرى الله معه كيف يخالف أمره ؟ .

آداب الرجال :

آداب الرجال فى الخلوة والمجتمع وفى الأكل والشرب والنوم ، وفى الحل والسفر ، ومع الوالدين والأهل والولد ، وفى المعاملة جميعها ، ورعاية أن الله مطلع على الإنسان ، وحاضر معه حيث كان ، فيجتهد مريد الحق سبحانه أن يعمل مع كل إنسان ما يرضى به المطلع عليه الحاضر معه ، فيخاف الله فى خلقه ولا يخاف الخلق فى الله ، وهو أكمل الأدب .

آداب الجلوس مع الإخوان :

السالك فى طريق آل العزائم ، أحرص الناس على أنفاسه أن تنفق إلا فى تحصيل الخير لنفسه ، مسارعا لنيل قصده ، لا يلتفت إلى غيره فى سلوكه وسيره .

فإذا جلس مع إخوانه جلس محصلا لا موصلا ، ومكتسبا لا منفقا ، وطالبا لا مطلوبا ، ومجاهدا لأعدائه فيه لا مغرورا مخدوعا ،ومريضا يستشفى لا طبيبا يعالج .

فإذا صال عليه الحق بصولة البيان ، وقهره الحال ، وجب عليه أن يفقد وجوده بوجود شهوده ، حتى إذا ارتفعت صولة الحق ، ورجع إلى الخلق ، حفظ مكانته ، ولزم الأدب مع الله بلزوم شريعته ، ولاحظ حضرة الإطلاق ، وخاف على نفسه خوفا ممزوجا بالرجاء .

فإذا شهد وجوده وظهرت له خصوصيته ، وجب عليه أن يلزم الأعتاب ، ويتجمل بالآداب ، فإن مراد السالك القبول ، والغيبة عن الخلق بالحضور مع الله تعالى ، فمن غيبه علمه وحاله وبيانه عن الحضور مع الحق ، فعاند أو جادل ، أو اصطفى لنفسه إخوانا ، أو ظن أنه كمل فقام ليكمل غيره ، خلع حلل السلوك ، وحرم السير إلى ملك الملوك ، وهذا هو المرض الإبليسى.

ومن لم يتدارك نفسه فى هذا التيه ، بتعاطى الأدوية المرة من يد المرشد أو النصوح المخلص من إخوانه ، رد عن الجناب إلى الأعتاب ، أو إلى رعى الدواب ، نسأل الله السلامة .

أداب السالك مع نفسه :

والسالك فى طريق آل العزائم أشد الناس عناية بنفسه ، وأسرعهم طلبا للشفاء ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " من تطبب فقتل فهو ضامن " وسالك ينسى خير نفسه ويصرف أنفاسه فى مخاصمة أخيه ، جرد من معاليه ، ورجع إلى الحظ والهوى ، فابدأ بنفسك أيها السالك وأدم رعايتها ، فإنها أعدى عدوك ، قال الله تعالى : ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ ([1]) أسأل الله سبحانه أن يزكى نفوسنا .

وللحديث بقية بإذن الله تعالى

 

([1]) سورة الواقعة آية 58 – 59 .

[2])) سورة الواقعة آية 63 – 64 .

[3])) سورة الواقعة آية 68 – 69 .

[4])) سورة الواقعة آية 71 – 73 .

([5])  سورة النحل آية 78 .

[6])) سورة ق آية 22

[7])) سورة الفرقان آية 67 .

([8]) سورة الرحمن آية 20 .

([9])  سورة الأنعام آية 122 .

([10])  سورة الشمس آية 7 – 10 .

 

دراسة: ارتفاع عدد المسلمين بشكل ملحوظ في ألمانيا

كشفت دراسة للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا عن ارتفاع عدد المسلمين بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية. وقال المكتب إن مدى تأثير الدين على الاندماج غالباً ما يكون مبالغاً فيه، مشيرا إلى عوامل أخرى مؤثرة.