دستور الأدب العام لآل العزائم :
السالك فى طريق آل العزائم ، آخذ بالعزيمة ما استطاع ، فإن الرخصة عند مقتضاها تكون عزيمة ، كالتيمم لصلاة ، وقصر الصلاة للمسافر ، وكعمل ما تبيحه الضرورات شرعا .
والسالك فى طريق آل العزائم يجب أن يخرج من عوائده ومألوفاته التى لا تدعو إليها الضرورة الإنسانية ، من الأعمال التى ينوى بها رفع قدره بين الناس ، بنظره إليهم نظرا يحجبه عن الحق ، وبالتزين بالرياش والزخارف ، والحرص على شهي الطعام والشراب إلا ما دعت إليه الضرورة ، لحفظ الصحة أو إعادة العافية ، وترك أهل الغفلة ممن شربوا خمرة الدنيا والحظ والهوى فأسكرتهم ، وبترك الجدل ومماراة الناس ومولاة غير الأتقياء ، ولكن يدارى الناس ما استطاع .
والسالك فى طريق آل العزائم يجب أن يكون أحرص الناس على صحته الروحانية ، فيبخل بنفس واحد يصرفه فى غفلة أو أمل الدنيا ، أو حظ نفسانى ، فيعمل فى الدنيا لتكون وسيلة للآخرة ، ويجالس الناس لينتفع منهم ، أو ينفعهم نفعا يدوم أثره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والسالك فى طريق آل العزائم أحرص الناس محافظة على القيام بما فرض الله تعالى ، لأنه يفوز فى صلاته وصيامه وزكاته وحجة بأعظم قصوده ، من مواجهة محبوبة سبحانه ، والأنس على بساط كرامته ، لأن السالك فى طريقنا إذا جمله الله تعالى بأعلى الأحوال وأسماها ، وأطلق لسانه بالحكمة وفصل الخطاب ، ومنحه التصريف المطلق ، لا يخرج عن أدب العبودية لأنه يعتقد أن سجدة واحدة من صلاته يحضر فيها قلبه مع ربه قربا وشهودا خير من خير المقامات ، فكيف يرضى بحال يحجبه عن مقام يحبه الله تعالى ؟ خصوصا وأن تلك الأحوال إنما هى نتائج الإخلاص فى الأعمال .
وعمل يخالف شريعة الله يسلب الاستقامة والتوفيق - أعاذنى الله وإخوانى – فكيف بمن خالف أمر الله فيما فرضه ؟ .و الله إنما يعطى ما عنده لمن أطاعه سبحانه .
وحال تنتجه المعاصى استدراج للهلاك – حفظنا الله وإخواننا – قال تعالى : ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾([1]).
والسالك فى طريق آل العزائم ، يحصل العلوم النافعة للعمل بها ، قال رسول الله ﴿rوآله﴾ : (فضل العلم أحب إلي من فضل العمل) .
علامة العارفين من آل العزائم :
1 – صغر نفسه فى نظره وإن عظمها الله بين الخلق ، لأنه بالمعرفة عرف نفسه بدءا ونهاية ، فلا يجهل أنه من طين أو ماء مهين ، ولا يشك فى أن مرجعه إلى الله تعالى ، وأنه يجهل ما سبق له فى القدر ، فهو يخاف من تقدير السوء أولا ، وخاتمة السوء آخرا ، أعاذنى الله وإخوانى .
2 – أن يستر شهود وجوده بوجود شهوده ، والمشهود إما آيات الله أو نوره سبحانه فى السموات والأرض ، أو جماله الجلى فى نفسه ، أو مكانة السالك التى بها هو عبد الله تعالى .
3 – أن ينظر إلى الناس بعين الرحمة وإلى نفسه بعين الخشية ، فيرى الناس جميعا خيرا منه – و إن كانوا عصاة – لأنه لا يدرى بما يختم لهم .
4 – احتقاره لأعماله – وإن عظمت – لأن مراد آل العزائم القبول لا الإقبال والقبول مجهول ، وكم من مقبل رد قبل الوصول ، ومن مُجٍّد حُرم القبول ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
أخلاق آل العزائم :
هم أشبه الناس بالسلف الصالح ، وأساس أخلاقهم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (المسلمون متكافئون يسعى بذمتهم أدناهم على أعلاهم وهم يد على من سواهم ) . فمن رأى نفسه أولى من أخيه بفضيلة أو بمنحة أو بخصوصية وجب عليه التوبة ، وسد منفذ الغرور ، والاعتذار لإخوانه قولا وعملا ، بأن يرى نفسه أنه ليس أهلا لمكانته ، فينزل إلى خدمة الزواية ، أو يترك التكلم عليهم والتقدم والقيام بما خصص له من افتتاح الذكر أو المذاكرة أو المبايعة ، حتى يقيمه إخوانه برضاء منهم وصفاء .
والسالك فى دعوة آل العزائم ، إذا بلغه شر عن أخيه زجر المبلغ ، وبين له أن هذا من عمل الشيطان المفرق ، لأن أخى ليس معصوما ، ولم أصحبه على أنه ملك أو نبى وإنى أعتقد أنه خير منى ، قال(صلى الله عليه وآله وسلم): " دعونى أخرج لأصحابى سليم الصدر " ومعنى ذلك : لا تبلغونى عن أصحابى شرا ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " المجالس بالأمانات " والسالك إذا سمع شرا فى الغائب اجتهد فى محو الجفا وتجديد الصفا بين الإخوان ، وفى الحكمة : من نقل لك نقل عنك ، وما أوقع فى المكروه إلا من نقل .
والسالكون فى طريق آل العزائم كلهم أطباء رحماء ، يعالجون الأمراض الأخلاقية بالحكمة والموعظة الحسنة ، فمن نفر أخا من أخ فليس من طريقنا ، والأخ النافر من أخيه مريض ، لأن السكر فى فم المريض مر ، والمر حلو ، فكذلك الأخ النافر يكون خير الإخوان أمامه شرهم ، وشرهم ممن ينقلون له خيرهم ، والسالك مفارق للفطر المهملة ، والعوائد المهلكة ، والأخلاق القاطعة .
والسالك فى طريق آل العزائم ، بين حضور مع الله بالمراقبة ، أو تحصيل علم ممن هو أعلم منه ، أو عمل صالح يتقرب به إلى الله تعالى ، أو عمل لتحصيل قوته الضرورى ، وقوت من أوجب الله عليه نفقتهم أو راحة لنفسه من أكل أو شرب أو نوم ، وكل عمل غير هذه الأعمال فهو وبال على السالك .
والسالك فى طريق آل العزائم ، يحب الله ورسوله ، ويحب من أحبهم الله ، ومن أحبوا الله ورسوله ، ويكره أعداء الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)ومن والاهم وسارع فيهم ، ويمقت أهل المعاصى ، ويجتهد فى رجوعهم إلى الحق بالتى هى أحسن ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار " .
والسالكون فى طريق آل العزائم تحابوا فى الله ، وتزاورا فى الله ، وتجالسوا فى الله ، وتباذلوا فى الله ، وهم المبشرون بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ٱلمتحابون فى ٱلله ... إلى أن قال : على منابر من نور قدام عرش ٱلرحمن يغبطهم ٱلملائكة وٱلأنبياء لقربهم من ٱلله تعالى " .
والسالكون فى طريق آل العزائم هم المعنيون بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)مخبرا عن الأمة بقوله : "أولها خير وآخرها خير وبينهما كدر" وهم الذين اشتاق إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فى حديث الموطأ فى قوله : "و اشوقاه إلى إخوانى ٱلذين لما يأتوا بعد " .
وهذه المقامات العلية يجب أن تعطى لمن أحيا الله بهم مناهج السلف الصالح من التابعين ، وجدد بهم أخلاق الصديقين ، وأقام بهم حجج الله ، وبين بهم ما اختلف فيه الناس من الحق .
والسالكون فى طريق آل العزائم هم أنجم الهدى المحافظون على سنة رسول الله ، الممنوحون محبة الله ، المجملون بأحوال الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهم أولياء الله الذين تولاهم الله فى هذا الزمان ، فألهمهم الحكمة وفصل الخطاب ، وأقامهم أبدالا للصديقين من أحبابه .
آل العزائم و ما أدرك ما آل العزائم ؟ :
ضرب الإمام أبو العزائم مثلا قال فيه :
قيل : إنه كان حكيم فى الزمان الماضى ، أطلعه الله على خواص الأشياء جميعها ، فركب دواء من عقاقير كثيرة يشفى به كل الأمراض ، وجعل له الحكيم مقدارا مخصوصا ، وزمانا منصوصا ، ونشره بين الناس رحمة بهم ورأفة عليهم لأن الحكيم رءوف رحيم ، وحافظ أصحابه على وصاياه فانتفع العالم أجمع بهذا الدواء ، وشفاهم الله تعالى من كل الأمراض ، وحافظ أصحاب أصحابه على وصايا الحكيم وتقديره ، ثم خلف من بعدهم خلف ، فتحت عليهم أبواب الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلهم ، فأطاعوا الشح واتبعوا الهوى ، وأعجب كل واحد منهم برأيه ، فزادوا على تركيب الحكيم الأول أجزاء أخرى بتأويلهم ، فجددت الأمراض حتى تناسوا الدواء الذى ركبه الحكيم الأول ، فتفرقوا واشتغل كل فريق بالآخر ، فمكنوا أعداء الحكيم وخصماء دوائه منهم بسوء عملهم ، حتى ظن أهل الجهالة بالدواء سوءا .
ولكن الله سبحانه الذى علم الحكيم الأول صنع الدواء ، ألهم عبدا من عبيده المخلصين له أسرارا هذا الدواء ، ومقاديره التى تستعمل ، فقام فأعاده إلى أصله وجرده مما زاده عليه الجاهلون ، فظهر نوره وعم الآفاق ، وعاد كما بدأه الحكيم الأول .
والحكيم الأول هو رسول الله ، وأصحابه وأصحاب أصحابه من بعده صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، كما قال عليه الصلاة و السلام : "خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم " الحديث .
وقد قدر الله تعالى أن يحفظ دينه ، ويقيم فى كل قرن من يجدد للمسلمين أمر دينهم ، ونحن الآن فى أشد الحاجة إلى أن يمنح الله المسلمين من يجدد لهم أمر دينهم ويعيد لهم صحتهم الورحانية .
وقال رضى الله عنه :
وقال رضى الله عنه :
وللحديث بقية بإذن الله تعالى
[1]) ) سورة القلم آية 44 - 45 .