لقد تعالت الأصوات فى هذه الأيام بدعاوى الجهاد من بعض من يدعون أنهم مشايخ ودعاة ، فيبثون الفتاوى الباطلة بجهل متأصل فيهم ، لينشروا جهلهم بين المسلمين ، فيتحدثون عن الجهاد على أنه ركن من أركان الإسلام دون وضع أى شروط ولا قوانين للجهاد ولا توضيح لمفهومه ، حتى وصل الأمر إلى دفع المسلم أن يقتل أخاه المسلم بدعوى أنه أفسد أو خرب أو خالف فى العقيدة ، مع استغلال عواطف الناس وميلهم إلى كل ما يمت للدين بصلة ، وخالفوا بذلك صريح القرآن فى قول الله تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات:9] فدعى سبحانه إلى إصلاح ذات البين بين المسلمين ، وهم يدعون إلى قتل المسلم أخاه المسلم ، ويستعينون بأعداء الأمة -كحلف الناتوا والأمم المتحدة وما هى إلا أمم متحدة على المسلمين فقط - لقهر إخوانهم على الانصياع لمخططهم الخبيث ، بل ويشجعون على التدخل الأجنبى الصهيونى فى بلاد المسلمين ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، بالرغم من أنهم فى الحقيقة بهذه الفتاوى يحاربون الإسلام ويضربونه فى مقتل بما يصورنه للعالم من مظهر مشوه بعيد كل البعد عن مبادىء السماحة والعدالة والحرية للإسلام ، وهذه هى عقيدتهم وفكرهم العقيم الذى لابد أن ينكشف للقاصى والدانى حتى توضع كل النقط على الحروف .
ولذلك آثرنا أن نقدم مفهوم الجهاد وأركانه ومعانيه وشروطه وفقهه وأحكامه عند الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم والذى أفرد له كتابا أسماه "الجهاد" والذى يصحح من خلاله المفاهيم الباطلة التى يبثها دعاة الجهالة والضلالة ليعرف الشعب المصرى خاصة والعالم الإسلامى عامة ماهية هؤلاء الخوارج الذين ينخرون فى عصب الجسد الإسلامى وليقوم كل مسلم بواجبه نحو وطنه ودينه بلا إفراط ولا تفريط.
نكبة الشعوب الإسلامية :
لقد توالت النكبات وانهمرت الأرزاء على الأمة الإسلامية فى كل أرجاء العالم وتحالف على المسلمين أعداؤهم فى الشرق والغرب وأحاطوا بهم إحاطة الجزار بالذبيحة .
إن نكبة الدول الإسلامية والعربية قد أدخلت على كل بيت من بيوت المسلمين فى ديارهم حزنا وغما وحسرة وأسى، ولكن الدموع لا تنقذ شعوب هذه البلاد، ولا تبدِّل حالها المفجع من سيئ إلى حسن ، ولم يسبق لأمة من الأمم أن استطاعت أن تحوِّل الهزيمة إلى نصر بالبكاء وحده .
لقد أصاب الأمة العربية من العدوان الإسرائيلى ما فاق الخيال فى حرب يونيو 1967. وهذه الهزيمة التى منيت بها الأمة العربية ما هى إلا سحابة صيف لا تلبث أن تنقشع إذا عولجت أسبابها على ضوء أصول الإسلام ، وإذا أدرك المسلمون السر الكامن وراءها وهو انحصار العمل بما أوحى إلى سيد الخلق . فإن الهزائم ما هى إلا هزة عنيفة لتوقظنا وتدفع بنا إلى الأمام بعد أن نكل أمورنا دائماً إلى الله :
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾([1]).
لقد كان انتصار المسلمين فى أيام الرسول [صلى الله عليه وآله وسلم] وفى أيام الفتح الإسلامى العظيم انتصار عقيدة لا مراء . ولذلك كان عمر بن الخطاب يوصى المجاهدين وقادتهم بقوله : " إنكم تعرفون بماذا انتصرنا ...، بالإسلام ... فتمسكوا به "، وكان يقول لهم : " أَخْوَفُ ما أخاف عليكم ذنوبكم " .
والتاريخ يحدثنا أن رايات المسلمين لم تهزم حتى غلوا أو غل قسم من رجالهم فهزمهم الله. بدلوا ما بأنفسهم فبدل الله نصرهم هزيمة، وصدق الله العظيم: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَابِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ .
فمتى يؤدى المسلم فريضة الجهاد إذا لم يؤدِّها اليوم ؟ ! وهل الجهاد فريضة أم لا ؟
دينه يقتحمه الأمريكان والروس مع الصهيونية، ووطنه تتفجر على جوانبه الدواهى من الاستعمار الشرقى والغربى، وإخوته المسلمون أخرجتهم دول الاستعمار من ديارهم وصادرت أموالهم .
والمسلمون يجأرون بالشكوى ويصرخون من الظلم، فلا ينالون من الضمير العالمى إلا ما تناله الريح من الصخر الأصم . لأن علة ما أصابهم من الاستعباد والاستعمار إنما هى اعتمادهم على الحق دون القوة ، وعلى القول دون العمل .
والجواب : أن المسلم المؤمن لا يزال يعتقد أن دينه قرآن وسنة ، وتاريخه فتح وحضارة ، وشريعته دنيا وأخرى ، وحربه جهاد أكبر وجهاد أصغر ، وحكومته خلافة إسلامية . فهو مجاهد مرابط على ثغور الإسلام . فإذا لم يجاهد عدوه جاهد نفسه ، وإذا لم يراقب ثغوره راقب ضميره .
وليس العدو المحارب هو من نطق بالشهادتين وخالفنا فى فكر أو معتقد ولا من هو على غير الملة وآثر السلامة فعاش بين المسلمين مسالما كما قال تعالى : (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة :8-9]، ولكن العدو الذى وجب جهاده إنما هو من لم يشهد شهادة الإسلام واعتدى على الأمة الإسلامية كما قال سبحانه : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 194] . فهذا هو الذى وجب على المسلمين جهاده بكل ما آتاهم الله من قوة وعزيمة .
إنه نداء مأساة ، وهى ليست مأساة فرد ، ولا مأساة جماعة، وإنما هى مأساة شعوب إسلامية بأسرها لم يراع فيها طواغيت الاستعمار الصليبى والشيوعى والصهيونى إلاًّ ولا ذمة .
مأساة شعوب إسلامية ذبح طواغيت البوذية والهندوكية أبناءهم واستحيوا نساءهم واغتالوا شبابهم .
مأساة شعوب إسلامية ديست كرامتهم، وَانْتُهِبَتْ أموالهم، وأُخرجوا من ديارهم، وانتُزِعوا من أبنائهم ظلماً وعدواناً، لا لذنب فعلوه، ولا لجريمة ارتكبوها إلا أن يقولوا ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ وصدق الله العظيم : ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ .
نرفع هذا النداء إلى كل مسلم - أينما كان وكيفما كان - تلبية لصراخ أطفال المسلمين الأيتام الذين فقدوا آباءهم، وعويل الأيامى اللواتى اغتال المجرمون فلذات أكبادهن.
فوجب على المسلمين أن يهبوا للجهاد للدفاع عن أنفسهم : عن كيانهم عن دينهم، ﴿ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾ .
دروع الجهاد :
وللجهاد دروع بها نهزم الأعداء ، وبها تعقد ألوية النصر إن شاء الله . ومن هذه الدروع:
- أن يكون الجهاد بعزم وإصرار على أن نخلع من لباس الماضى كل تميع أو انحلال. قال تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال:39]
- وأن تصح العزائم على أن نقرُب من الله ونعاهده على أن يجد منا ما يجده من المؤمنين فى قولهم وعملهم. قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[الأحزاب :23]
- وأن نغير ما بأنفسنا ليغير الله ما بنا. قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد :11]
- وأن نَصْدُقَ جميعا ولا نكذب. قال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (المؤمن لا يكذب)
- وأن نؤتمن ولا نخون. فتلك من صفات المنافقين فقد قال [صلى الله عليه وآله وسلم] عن النافق : (وإذا اؤتمن خان)
- ونعمل ولا نكسل . قال تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[التوبة:105]
- وأن نحرص على الموت لتوهب لنا الحياة . قال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجلٌ من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه ومعنا أبو أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية ، إنما نزلت فينا ، صحبنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وشهدنا معه المشاهد ونصرناه ، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار نجيًّا فقلنا : قد أكرمنا الله بصحبة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم- ونصره ، حتى فشا الإسلام وكثر أهله ، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد ، وقد وضعت الحرب أوزارها ، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما ، فنزل فينا {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة : 195] فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد".
- وأن نقلع جميعا عن الغش فى القول والبيع والمعاملة. قال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (من غش فليس منا)
- وأن نتورع عن النفاق والمداهنة . قال تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)[النساء:145]
- وأن نصل حاضرنا بماضينا المسلم المشرق.
- وأن نمضى إلى العزة قدما لا نعبأ بوعيد، ولا نلقى إلى الشائعات بالا.
- وأن نمضى فى طريق الرسول [صلى الله عليه وآله وسلم] وصحابته.
- وأن نرعى الأمجاد والمكاسب.
- وأن نحمى أعراضنا من الريب ونصون نساءنا من التبذل.
- وأن نجعل القرآن وحديث الرسول نغمنا الحلو ونشيدنا العذب وهتافنا العلوى .
- وأن نصل شبابنا بسيرة النبى [صلى الله عليه وآله وسلم] وبطولته. روى الخطيب البغدادي عن زين العابدين بن علي: أنه قال: "كنا نتعلّم مغازي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- كما نتعلّم السورة مِن القرآن الكريم".
- وأن نصل ما بيننا وبين دستور الله .
- وأن نأخذ بالتربية والتوجيه والحزم فلذات أكبادنا من أن يشغلهم التميع فيرجِّلوا الشعر ويطيلوا الأظافر ويتقلدوا السلاسل. وأن نحوِّل الأغانى المبتذلة والألحان المنكرة إلى نغم إسلامى جاد .
فلابد من تربية الأنفس أولا وهذا هو الجهاد الأكبر ثم يأتى من بعد تزكية النفس الجهاد الأصغر كما قال سيدنا رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر : جهاد النفس) وكونه [صلى الله عليه وآله وسلم] يقول "رجعنا" ، أى أن المسلمين كانوا متلبسين بالجهاد الأكبر قبل المعركة ثم ذهبوا إلى المعركة ليتلبسوا بالجهاد الأصغر ثم عادوا مرة أخرى إلى الجهاد الأكبر بعد الغزوة .
واجب الوقت فى الجهاد :
يجب ألا يكون موقفنا بالنسبة للاعتداء على أى بقعة إسلامية من أعداء الأمة بكاء أطلال ، ونعى ضحايا وترحما على شهداء ، وتوعدا بثأر ، فذلك عجز ويأس ، إنما يجب أن يكون موقفنا إيمانا بأن الإسلام دين ، وأن الإسلام نسب، وأن الإسلام وطن، وأن تكون الوسيلة إلى ذلك :
أولاً : تصفية الجو الإسلامى من سحب الخلافات وضباب المنازعات، فيتناسى الملوك والرؤساء زهو الملك والرياسات ، ونشوة السلطان وأُبَّهة العرش وبريق التيجان ، ولا يذكرون إلا أمرا واحدا هو الأمانة التى حملوا عن الأمة الإسلامية تبعاتها . فيجب ألا نقول عند الهزيمة : إن فلاناً أخطأ وفلاناً أصاب، وإنما نقول : قدر الله وما شاء فعل، ونشرع مسرعين فى العمل الجاد لإعادة البناء على أسس مستقيمة وسد الثغرة ورتقِِ الفتق، كل ذلك بعد الإيمان بالله وبأن النصر من عند الله : ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([2]).
ثانياً : أن تقيم الدول الإسلامية علاقاتها الدولية باسم الإِسلام فقط بعد أن كشفت المعركة السياسية فى الأمم المتحدة من زاوية نشاط مصر السياسى فى المنظمة الأفريقية والأفروأسيوية ودول الحياد الإيجابى تنكر هذه المنظمات لها ، لتكشف الحكومات الإِسلامية عن أعينها الغطاءأو المنظار الملون،لترى الناس على حقيقتهم ولا تنخدع بمظاهرهم،وأنه لا يصح أن نخدع حتى نجامل على حساب كياننا، وكيان إخواننا المسلمين فى فلسطين وأفغانستان و... و ... و ...
لم نعد بعد الذى حدث فى فلسطين وأفغانستان، نقبل التغاضى عما قدمته أو تقدمه بعض الدول لأعدائنا من عون مادى أو معنوى ، ليزداد شراسة علينا ويثبت أقدامه فى أرضنا، ويتمادى فى العبث بمستقبلنا .
ثالثاً : إن العرب لا يلم شملهم إلا الإِسلام، ولا يسحق خصومهم إلا الإِسلام، ولا يوحد كلمتهم إلا الإِسلام . إن الخلافات بين العرب الآن حقيقة لا يستطاع إخفاؤها، ومع أن حماهم قد استبيح ، والأزمات المادية والأدبية قد سودت وجوههم ، إلا أنهم ما زالوا متفرِّقى القلوب وممزقى الصفوف .
ولن يزال العرب كذلك حتى يغسل الإسلام قلوبهم، ويجمع صفوفهم، ويعيد بناءهم، وَيَصُفُّهُمْ فى ميدان القتال مجاهدين . وكفى أن العروبة الآن تواجه تجمعا دينيا تحت علم اليهودية، وهذا التجمع الحقيقى آخى بين اليهود النازحين من اليمن، واليهود القادمين من أمريكا، ومحى الفروق القومية واللغوية، وجمع بين المتباعدين على أساس من التوراة والتلمود واللغة العبرية، وشحن القلوب بحماس العقيدة، والقداسة المزعومة للقضية التى يستحب الفناء تحت علمها، فإذا كان الدين سلاحاً روحيا وماديا فى الجبهة التى يقابلها العرب، فكيف يُطْلَبُ من العرب أن يتجردوا من دينهم فى مثل هذا اللقاء؟؟!!
رابعاً : يجب أن تختار الكليات العسكرية اللائقين بدنيا وعقليا ودينيا، فاللياقة البدنية تطلب على أساس السلامة فى البدن، ولكن يجب مراعاة الكفايات العقلية، لتكون عدتنا ثقافة حربية، لأن الحروب الآن تحتاج إلى عقل مدبر متفكر أكثر من حاجتها إلى جسم رياضى. كما يجب أن يتلقى الجندى دراسات دينية لحروب النبى [صلى الله عليه وآله وسلم]، ومقام القواد والجنود فى الإسلام، والروح التى يقاتلون بها، والهمة التى يصولون بها على أعدائهم، حتى تتربى فينا روح الجندية المؤمنة المباركة، ويكون من بيننا قواد عظام، ليس بالشعار يضعونه على أكتافهم، إنما بالدين والخلق والثقافة، والتفنن والدراسة المستمرة، والتخصص والاستفادة من التجارب، والصبر فى الكفاح والاعتماد على الله إنه نعم المولى ونعم النصير .
عندئذ نكون قد أهلنا أنفسنا بالإيمان والعمل إلى نصر الله فإن الله لا ينصر إلا من ينصره، ولا يدافع إلا عن الذين آمنوا والذين اتقوا والذين هم محسنون .
إسرائيل أداة الاستعمار وركيزته :
لعل الكثير قد تساءلوا لماذا يقف الغرب هذا الموقف منا ويسخِّر كل قواه ضدنا ويدلل هذه الفئة الأفاكة الأفَّاقة ويمد لها فى الشر والفساد ويقدم لها ما تشاء من مال وعتاد ؟!.
لماذا تتناسى دول المسيحية قول السيد المسيح عليه السلام لذلك اليهودى الذى منعه ظل جدار وهو مجهود " ستظل تائها فى الأرض حتى أعود " ؟ ! .
فهل عاد المسيح عليه السلام فى ثوب بلفور أو جنسون أو نيكسون أو كارتر أو ريجان أو بوش ؟ أم كذبت نبوءة السيد المسيح ؟؟ .
إن محاولة إسكان اليهود فى فلسطين تكذيب لكلمة المسيح وتزوير لقانون الطبيعة.
وللإجابة على هذا التساؤل يجب أن نعلم أن الأحقاد القديمة على المسلمين ممثلة فى جحافل الغرب منذ قرون والتى هاجمتنا فى بلادنا لتنزعها من أيدينا وتقتل فى واقعة القدس وحدها سبعين ألفا من المسلمين، حتى قيض الله للأمة الإِسلامية القائد صلاح الدين ورجاله العظماء، فطهروا أرضنا منهم وردوهم مدحورين إلى ديارهم .
ربما نسينا هذا حتى ذكرنا به أحد القواد الإنجليز حين دخل مدينة القدس فى الحرب العالمية الأولى، ونزعها من أيدى العثمانيين، ووقف شامخاً - وهو يتذكر ما حل بأجداده من هزيمة فى هذه الأرض وما ضاع منه من أمل - فيقول : " اليوم انتهت الحروب الصليبية ".
ويدخل قائد آخر فرنسى وسليل المنهزمين أمام البطل صلاح الدين، يدخل هذا القائد مدينة دمشق ويمشى إلى قبر صلاح الدين فيقول فى نذالة الجبان الحاقد: <<ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين >> .
بالعودة إلى الإسلام سننتصر :
لقد كان لنا مع دولة العصابات الصهيونية جولات وجولات، تعلمنا خلالها أن عدونا لدود، وأنه يصدر فى اعتدائه علينا وتصديه لنا عن عقيدة ملأت نفسه وملكت عليه جوارحه، بغض النظر عن صلاح هذه العقيدة أو فسادها، وقد أفلحت الصهيونية العالمية فى حمل يهود العالم علىأن يضعوا تحت تصرفها كل مايملكون فى سبيل أن تقيم لهم" دولة" على أرض الميعاد كمايزعمون ويفترون التى تمتد من النيل إلى الفرات،وأن تعيد بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى .
المحارب اليهودى يقاتل إذن فى سبيل عقيدة، يهاجر من أجلها من أطراف الدنيا لينتصر بهاأو يموت،وهذا النوع من المحاربين لايستطيع الصمود له إلا<<جنود عقيدة>> لا يحارب الواحد منهم فقط لنصرة جاره أو صديقه أو إزالة قاعدة من قواعد الاستعمار وما إلى ذلك، وإنما يحارب للدفاع عن مقدسات تنتهك حرماتها، وعن حق شعب مؤمن تربطه بهم وشيجة العقيدة فى أن يعيش على أرضه عزيزاً كريماً . وهنا إذا ما قضى الجندى نحبه فى المعركة فإنما يقضى نحبه شهيدا ينتظره مقام الشهداء ولن يعرف الخذلان إلى نفسه سبيلا .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى
([1]) سورة آل عمران آية 160
([2]) سورة الحج آية 40