شارك المقالة:

لقد أسرى الله بنبيه ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى فى جزء من ليلة واحدة ، فسبحان من لا يعجزه شىء وهو بكل شىء عليم وعلى كل شىء قدير .

وقد أراد الكثير من السادة العلماء أن يضعوا تبريرا لآية الإسراء والمعراج على حد فهمهم فقالوا : إن الرسول ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ تعرض فى العام العاشر من البعثة لمحن كثيرة منها : وفاة زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها ، ومنها وفاة عمه أبى طالب الذين كانا عونا له وحماية بمالهما وجاههما ، فأراد المولى سبحانه وتعالى أن يسرى عنه بهذه الرحلة . ولكن الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبى العزائم يعطى لهذه الآية تبريرا أعلى وأسمى فيقول رضى الله عنه : إن معجزة الإسراء والمعراج كانت تأكيدا لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: ١٠٧] فشمول رحمته يقتضى أن يكون لعمار السموات نصيب من هذه الرحمة بمشاهدته ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وذلك عن طريق المعراج .

وما كان استفتاح جبريل له ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ لكل سماء إلا ليحظى عمار كل سماء بشهود أنوار المجلى فى هيكله المحمدى ، كما أخذ عمار الأرض نصيبهم من هذه الرحمة .

وفى هذا المعنى يقول الإمام أبو العزائم :

وما كان رب العرش فوق سمائه      تنـزه عن كيف وعن برهانِ

ولكن إسـراء الحبيب إغـاثة       لعالمـه الأعلى برحمة حنـان

 

منكرى الإسراء والمعراج :

      اختلف الناس جميعًا في معجزة الإسراء والمعراج ، ففريق أنكر هذه المعجزة كلية وعارض في صحة وقوعها وشَهَّرَ برسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ عندما أخبر الناس بها ، وهؤلاء هم المشركون في عهد رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ وليس ذلك بدعا منهم فنشأتهم المكابرة وديدنهم الحقد والإثرة ، يحبون ألا يفضلهم أحد وما يعنينا من أمرهم شيء فتلك سنة الله فيهم .

وفريق آخر صدق المعجزة وآمن بوقوعها ولكنهم اختلفوا في تصور حقيقتها، والحال التي وقع فيها .

فمنهم من يرى أن الإسراء والمعراج كانا بروح رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ لا بجسمه فهي عندهم رؤيا منامية .

ومنهم من يرى أن الإسراء كان بالروح والجسد معا وان المعراج كان بالروح فقط.

ومنهم من يرى أن الإسراء والمعراج كانا بالجسم والروح معا يقظة لا مناما .

وعليه فإننا نرى في الإسراء والمعراج أنهما معجزة لا تخضع لنواميس الطبيعة ولا تجري عليها قوانين الأحداث الجارية بين الناس من أسباب ومسببات، وليس في مقدور بشر الإتيان بمثلها بل هي نسيج قدرة الله وإرادته، فقدرة الله وإرادته لا يحدان بحد ولا يقيدان بقيد، (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)[النحل: ٤٠] وعلى ذلك فالخلاف في أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد أو الروح دون الجسد فهو أتفه من أن يؤبه له أو يثار اللغط حوله فإن مشيئة الله وقدرته فوق الشك والتردد .

الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج تعظيم لشعائر الله:

جرت السيرة المطَّردة منذ صدر الإسلام على الاحتفال برأس السنة الهجرية ومولد النبي ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ وأهل بيته وأولياء الله الصالحين، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغزوة بدر الكبرى، وليلة القدر ، حتى ظهر ابن تيمية الحراني

فجاء مستهترا يهذي ولا يبالي فأنكر زيارة النبي ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ وأنكر الاحتفال بمولده الشريف وكافة المناسبات الإسلامية الحميدة، فأفتى بحرمة شد الرحال لزيارة النبي ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ وعد السفر لأجل ذلك معصية لا تقصر فيه الصلاة فخالف أعلام عصره ورجالات قومه الذين ردوا عليه في مؤلفاتهم راجع كتاب "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" للإمام تقي الدين السبكي ، «والمقالة المرضية» لقاضي قضاة المالكية أبي عبد الله الإخنائي ،« ونجم المهتدى ورجم المقتدى »  للفخر بن المعلم القرشى ، « ودفع الشبهة » لتقي الدين بن الحصني ،« والتحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة » لتاج الدين الفكهانى المتوفى سنة 834 هجرية .

      ثم جاء بعده . البدعي النجدي بن عبد الوهاب فسار على نهجه وشدد النكير على زيارة النبي ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ وإحياء مولده وموالد أهل البيت وأولياء الله الصالحين والاحتفال برأس السنة الهجرية وليلة النصف من شعبان بلسان بعيد عن أدب العلم وأدب الكتابة . فرد عليه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في كتابه «الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية » وابن حجر في كتابه « الفتاوى الحديثة » و القسطلاني في كتابه « المواهب اللدنية » والزرقاني في كتابه « شرح المواهب ».

      وفى هذه الأيام يسوء أهل التكفير والتشريك والتحقير اجتماع الناس لإحياء ليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب ويرون ذلك منكرا عظيما يجب إزالته ، وحجتهم في كونه منكرا عظيما كحجتهم في عمل مولده الشريف ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ عدم فعل السلف له ، وعدم فعل السلف ليس بدليل . إنما عدم دليل، ويستقيم الدليل على كونه ممنوعا أو منكرا لو وجد نهي عنه في الكتاب والسنة ، والثابت أنه لا نص لا في الكتاب ولا في السنة عن النهي في الاحتفال بمولد النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ولا موالد أهل البيت وأولياء الله الصالحين والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان .

      بل إن الاجتماع للاحتفال بهذه المناسبات الإسلامية تعظيما لقدرها وإظهارا للفرح والاستبشار بما يؤيده كتاب الله في قوله : (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ   فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)[ الحج: ٣٠ ]  وقوله تعالى : (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: ٣٢ ]

      أما ما تؤيده السنة مما هو ثابت في الصحيحين من أن النبي قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجا موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فقال ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾: نحن أحق بموسى بن عمران منهم . فإن الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، وتذكير الناس في مثل هذا اليوم من كل عام حسن ، والشكر يحصل بالصيام والصدقة وتلاوة القرآن الكريم وقراءة الأخبار الواردة عن شمائل هذه المناسبات .

      وعلى هذا فيجب أن يتحرى اليوم بعينه للاحتفال بهذه المناسبات نفاذا أو تطبيقا لقصة موسى عليه السلام في يوم عاشوراء .

      وهذا في رأيي سند الاحتفال بهذه المناسبات ونسقا على ما تقدم فقد أقيم في يوم 21 ربيع الثاني 1400 هجرية إحتفالا كبيرا بالرياض لمولد ابن عبد الوهاب استمر أسبوعا كاملا كما هو الشأن في الاحتفال بالموالد عند الصوفية تحت رعاية الشيخ عبد الله بن باز ، وقد شد الرحال لحضور هذا المولد كثير من أهل التكفير والتشريك والتحقير من أنحاء العالم الإسلامي ، وقد نشر ذلك الاحتفال بمجلة الدعوة في عددها الصادر عن شهر جمادى الآخرة 1400هـ بالصفحة رقم 14 فعلام تنكرون ؟!!

      الحقيقة في كون الاحتفال  بليلة الإسراء والمعراج عند أهل التكفير والتشريك والتحقير  منكرا هو تعظيمه ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ بما أكرمه الله تعالى به وشرفه من مخاطبته تعالى له بلا واسطة وما رآه من الآيات الكبرى والخوارق العظيمة .

      وتعظيمه ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ بما ذكر بدعة تنافى التوحيد على حد زعمهم وتستقيم حجتهم على زعمهم هذا لو نهى الله في كتابه العزيز عن تعظيم نبيه ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ بما ذكر, أو نهى هو ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ في سنته الأمة عن تعظيمه بما ذكر ولما بينه عنه فيها ، فحجتهم داحضة وزعمهم فاسد .

      وقد خصَّ علماء الإسلام قصة الإسراء والمعراج بتآليف كثيرة كما خصوا قصة مولده ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ بذلك ، وبعد هذا فما يقول أهل الإيمان في أهل التكفير والتشريك والتحقير الذين يكرهون سماع سيرة النبي ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وشمائله الكريمة في المولد وفى الإسراء والمعراج أشد كراهة وينكلون بمن يقرؤها ويسمعها أهم محبون له ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ أم كارهون؟ وقد قال ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾: « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالديه والناس أجمعين ». فهل قصة مولده والإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان إلا جزء من سيرته ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾؟ وهل سيرته إلا جزء من سنته ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾؟ وهل الصلاة عليه وسماع سيرته ومدحه إلا من محبته والإيمان به ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾؟ .

     نعوذ بالله من زلات اللسان وفساد الجنان .

لماذا الطريقة العزمية (22)

لما كان السالك فى طريق الله تعالى ربما تحدث له عثرة أو ذلة فى سلوكه إلى الله ، كان لابد أن يقوم الإمام المجدد فيصلح ما أُفسد ، ويعالج من حل به مرض قلبى ، والذكرى تنفع المؤمنين، وقد وجد الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم أن بعض المريدين من أبناء الطريق قد ساءت حياتهم الروحانية وابتعدوا عن جادة الطريق وعن المنهج الذى جعله دستورا للسالكين طريق رب العالمين ، والذى يضبط فيه العلاقة بين العبد وربه ، وبين المريد وشيخه ، وبين الأخ وأخيه ، بل وبين كل مسلم وأخيه ، وبين المرأ ونفسه ، فأرسل إليهم رسالة أسماها "رسالة الشفاء"  لإعادة صحتهم الروحانية قال فيها ...