كان العرب يعظمون رجباً تعظيما ، حتى كان الرجل منهم يلقى قاتل أبيه وقاتل ابنه ؛ فيخشى أن ينظر إليه نظرة غضب فيهتك حرمة الشهر ، وكانوا يسمونه رجباً الأصمَّ لأنه كان لا يُسمعُ فيه قعقعة السلاح ، ويسمون شعبان العازل لأنه كان بعد رجب مباشرة ، وفيه كانت العرب تعود إلى ما كانت عليه من جاهليتها . ولكن الله جل جلاله جعل رجباً شهرا حراما وجعل شعبان بين رجب ورمضان ، الذى عظمه الله بما لا يخفى على مسلم بصريح القرآن فكان شعبان بين شهرين عظيمين .
فضائل شهر شعبان:
1 تقرب رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ فيه :
كان ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ يتقرب إلى الله بما لا يتقرب فى غيره من الشهور ، حتى ورد أنه صامه إلا أقله . عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أنه قال :" قلت يا رسول الله لم أرك تصوم فى شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : " ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم"([1])
وورد عن السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها قالت :" كان رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان ، وما رأيته أكثر صياما منه فى شعبان"([2]) .
2- تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة:
بين سبحانه حكمة تقلب وجهه ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ فى السماء أنها لتعيين القبلة التى يحبها وهى الكعبة المكرمة وذلك لأنه ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ كان يرى بنور قلبه أن قبلته الدائمة هى الكعبة وأن الله تعالى ما أمره بأن يولى وجه شطر بيت المقدس إلا لحكمة ، فكان وهو بمكة إذا صلى ، صلى للكعبة مواجها بيت المقدس ، فتكون الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، حتى هاجر إلى المدينة فلم يتمكن لأنه بينهما فتضرع إلى الله فى أن يجعل قبلته الكعبة فلباه تعالى بقوله ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ ([3]).
وقد أنكر اليهود استقبال رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وأصحابه الكعبة المطهرة فى صلاتهم بعد بيت المقدس بفتح أبواب الفتن على أهل الحق فقهرهم الله تعالى وأذلهم بقوله سبحانه : قل يا محمد : ﴿لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ ([4]) يعنى أن الجهات الستة لله تعالى ومتى كانت كل الجهات لله كان الحكم له سبحانه فى اختصاص أى جهة منها لتكون قبلة للصلاة لأن الخلاق العظيم هو الملك المتصرف فيما أبدع وخلق ، وليس لمخلوق مقهور أن ينكر عليه شيئا من حكمه .
وقد بين سبحانه الحكمة فى تحويل القبلة بآية تقتضى قصر الصفة على الموصوف وهى قوله تعالى : ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنكَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ ﴾ ([5]) أى ما حولناك عن القبلة التى كنت عليها وهى بيت المقدس إلا للاختبار والامتحان ليطمئن قلبك بمن اتبعك من المؤمنين وتثق بهم أن يكونوا أنصاراً لك على القيام بمهام الرسالة فإن الله تعالى يقول: ﴿وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾
3 إنشقاق القمر له ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ :
وفى شهر شعبان أكرم الله رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ بشق القمر عندما طلب منه طغاة قريش أن يشقه لهم ليؤمنوا به فشق له ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ فلما انشق فلقتين نادى طغاة قريش: شيبتنا يا محمد بسحرك وما ازدادوا إلا كفرا وإنكارا .
عن ابن عباس ([6]) قال : انتهى أهل مكة إلى النبى ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ فقالوا : هل من آية نعرف بها أنك رسول ؟؟ فهبط جبريل عليه السلام فقال : يا محمد قل لأهل مكة أن يجتمعوا هذه الليلة ليروا آية ، فأخبرهم رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ بما قاله جبريل عليه السلام ، فخرجوا ليلة أربع عشرة ، فانشق القمر نصفين : نصفا على الصفا ونصفا على المروة ، فنظروا ثم قاموا بأبصارهم فمسحوها ثم أعادوا النظر فنظروا ، ثم مسحوا أعينهم ثم نظروا فقالوا : ما هذا إلا سحر !! فأنزل الله تعالى ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ (2)
شُقَّ بَدْرُ ٱلسَّمَاءِ فِي شَعْبَانَ |
|
حُجَّةُ ٱللَّهِ فَٱقْرَإِ ٱلْقُرْآنَ |
(1) أخرجه النسائى وأبو داود وابن خزيمة .
(2) رواه البخارى .
(3) سورة البقرة آية144 .
(1) سورة البقرة آية 142 . (2) سورة البقرة آية 143.
(3) سورة ص آية 24 .
(1)أخرجه أبو نعيم عن طريق عطار (2) سورة القمر آية 1