الصيام هو الفريضة التى هى ترك فى الحقيقة وهو العمل الروحانى الذى يصير الإنسان فيه كالملائكة الروحانيين، لأن الإنسان يترك فيه ضروريات الحياة الجسمانية ولوازم النفس الحيوانية.
والصوم رمز يشير إلى أن الإنسان (حيوان وملك) فهو بقوته الحيوانية يعمل أعمال البهائم. وبقوته الملكية يعرف الله ويعبده، ويتشبه بسكان ملكوته الأعلى، فيترك لوازم قواه الحيوانية بالصوم ليتذكر قوته الملكية وليطهر نفسه من كثافة التوسع فى الأعمال الحيوانية، فإن النفس يقوى طمعها وميلها إلى الحرص والأمل والحماقة والخيانة وبغض بنى قومه كلما توسعت فى كل ما يقوى الجانب الحيوانى منها، ويكون بذلك عن رتبة الإنسان، قريبا من الأنعام لتشبهه بها فإذا قلل من ضروريات حياته الحيوانية وتشبه بحياته الملكية من الصوم والتفقه كان أشبه بالملائكة منه بالحيوان، وكان الصيام تزكية لنفسه وشفاءا لها، من أمراضها وصفاءاً لجوهرها، حتى تتكمل بكمالها الحقيقى، الذى تكون به فى مقعد صدق عند مليك مقتدر تخدمها الملائكة.
فالصوم عبادة من حيث أنه فرض فرضه الله، وشفاء من حيث أنه يرد للنفس صحتها، وتزكية من حيث أنه جلاء للنفس من التطرف عن الحالة الوسطى التى هى الفضيلة، وبه تتجمل النفس بالرحمة والصلة والبر والإحسان والتواضع، فيكون الصائم عبدا عاملا لله بتركه ما نهاه الله عنه من الأكل والشرب وملامسة النساء، مما أباحه الله له فى غير رمضان، وبذلك يكون متجملا بجمال الروحانيين، ومتخلقا بأخلاق الله من الرحمة والعطف والإحسان والود والشفقة ويكون مجاهدا نفسه فى ذات الله لحبسها عن شهواتها فيكون له- بإطاعة الأمر- النعيم المقيم ويحظى بالتشبه بالروحانيين فى مشاهدة ملكوت الله، وبالتخلق بأخلاق الله- بنعيم النظر إلى وجهه الكريم سبحانه.
فما أيسر ما ترك، وما أعظم ما نال!!