الصيام لغة : مصدر صام وهو الترك، والصيام شرعا : هو الإمساك، ومن تدبر الصوم فعلم أن الله تعالى حرم علينا فى الفطر من صغيرة وكبيرة. فقول الفقهاء : - الإمساك عن شهوتى البطن والفرج - يقتضى حبس جميع الجوارح عن الاستطالة فيما أباحه الله تعالى من الضروريات، فلا يسمع ما يكره سماعه شرعا، ولا يتكلم ولا يشم ولا يمس إلا بقدر الضرورة، مع مراقبة أنفاس الصوم واستحضار أنه صائم. ومن أمسك عن شهوتى البطن والفرج وتوسع بالجوارح فيما أباحه الله أو تعدى حدود الله تعالى فقد أنتهك حرمة الصوم. وفاته من أجر الصيام بقدر ما أفرط به من جوارحه وهذا هو الصيام شرعا.
أعذار ورخص للإفطار :
يبين الله لنا فى قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) أن المريض الذى لا يقوى على الصيام خوفا من تأخير برء أو زيادة مرض، فالحكم أنه يفطر ويقضى عدة الأيام التى أفطرها بعد شفائه، وأن المسافر الذى لا يقوى على مشقة السفر يفطر ويقضى عدد الأيام التى أفطرها، ملاحظا حرمة الشهر فى بقية الجوارح، حتى يكون من أهل التقوى الصائمين بكل الجوارح إلا البطن.
وقال تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) رفع الله تعالى عن المريض وعن المسافر مشقة الصوم رحمة بهما، وخفف عمن امتحنهم بفرض الصيام فرخص لهم فى الفدية عن الصيام حتى نسخ هذا الحكم بالآية التالية. وجائز أن يكون طاق يطيق قام به بسهولة، وأطاق يطيق كعسر عليه أو صعب كالشيخ الهرم وكالمرأة الحامل والمرضع، إن طال حملها ورضاعها وظهر ضعفها، أو كمن لا يجد محلة يأوى إليها عند فطره وسحوره حتى يجد، فإن وجد صام بقية الشهر وقضى عدد الأيام التى أفطرها، ويكون حكم هذه الآية لم ينسخ بالنسبة لمن ذكرناهم.
والفدية هى ما يفديه المفطر، بدلا من صومه للمسكين طاعة لحكم الله تعالى، والفدية هى صاع من بر أو شعير أو طعام، ولفظة فدية مرفوعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى فحكمة فدية أو مبتدأ لخبر محذوف تقديره فعليه فدية.
(فمن تطوع خيرا فهو خير له) والتطوع هو نوافل البر والمعنى أن الله يرغبنا فى عمل الخير فى رمضان، بأن من أطعم مسكينين عن اليوم أو أكثر كان ذلك تطوعا منه مقبولا. وقد بشر المتطوعين أن التطوع خير لهم عند الله ووعد الله العبد بخير لا تعلم نفس قدره.
قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) يبين الله تعالى لنا العمل الأفضل لديه بعد أن رخص للمريض والمسافر فى الفطر وكلفهما بالقضاء، لأن القضاء يسقط العقوبة، ثم رغبنا فى الأفضل فقال، وصيام المريض والمسافر خير له، لينال فضل صيام رمضان فى رمضان (إن كنتم تعلمون) أى تعلمون خير الخيرين فتسارعون إليه وهو الصيام.
ما يفطر وما لا يفطر:
الذى يفطر معلوم، أما الذى لا يفطر : القىء قهرا وقبلة الرجل امرأته أو نومه معها فى فراش واحد، إذا كان متمكنا لا يخشى على نفسه حصول ما يفطر، أما إذا كان شابا أو عاجزا عن ملك نفسه، فالأولى ترك ذلك. قال صلى الله عليه وآله سلم : (من ذرعه القىء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدا فليقض) وقال صلى الله عليه وآله سلم: (ثلاثة لا يفطرن الصائم، الحجامة والقىء والاحتلام) وإنما كرهت الحجامة للصائم خوفا عليه من الضعف.
ما ورد فى فضائل الصوم عن الأئمة :
قال الإمام أبو طالب المكى رضى الله عنه فى كتابه (قوت القلوب) فى ذكر فضائل الصوم ووصف الصائمين:
-(صوم الخصوص حفظ الجوارح الست : غض البصر عن الاتساع فى النظر، وصون السمع عن الإصغاء إلى محرم ، أو الوزر أو القعود مع أهل الباطل، وحفظ اللسان عن الخوض فيما لا يعنى جملة ، مما إن كتب عنه كان عليه، وإن حفظ له لم يكن له ومراعاة القلب ، فعكوف الهم عليه ، وقطع الخواطر والأفكار التى كف عن فعلها، وترك التمنى الذى لا يجدى ، وكف اليد عن البطش إلى محرم من مكسب أو فاحشة ، وحبس الرجل عن السعى فيما لم يؤمر به ولم يندب إليه من غير أعمال البر.
فمن صام تطوعا بهذه الجوارح الست وأفطر بجارحتى الأكل والشرب والجماع، فهو عند الله من الصائمين فى الفضل لأنه من الموقنين الحافظين للحدود، ومن أفطر بهذه الست أو ببعضها وصام بجارحتى البطن والفرج فما ضيع أكثر مما حفظ، فهذا مفطر عند العلماء، صائم عند نفسه).
وقد قال أبو الدرداء : يا حبذا نوم الأكياس ؛ كيف يعيبون قيام الحمقى وصومهم، ولذرة من تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين، ومثل من صام عن الأكل وأفطر بمخالفة الأمر مثل من مسح كل عضو، فصلاته مردودة عليه لجهله، ومثل من أفطر بالأكل والجماع وصام بجوارحه عن النهى مثل من غسل كل عضو مرة واحدة وصلى، فهو تارك للفضل فى العدد إلا أنه مكمل للفرض بحسن العمل، فصلاته متقبلة لإحكامه للأصل وهو مفطر للسعة، صائم فى الفضل، ومثل من صام عن الأكل والجماع وصام بجوارحه الست عن الآثام، كمثل من غسل كل عضو ثلاثا ثلاثا فقد جمع الفرض وأكمل الأمر والندب، فهو من المحسنين وعند العلماء من الصائمين ، وهذا صوم الممدوحين فى الكتاب الموصوفين بالذكرى من أولى الألباب.
ومن فضائل الصوم أن يجتنب حظوظ الجوارح والشبهات من الأشياء ، ويفضل الحلال ويرفض الشهوات الداعية إلى العادت، ولا يفطر إلا على حلال متقللا منه، فبذلك يزكو الصيام ولا يقبل امرأته فى صومه ولا يباشرها بظاهر جسمه، فإن ذلك إن لم يبطل صومه فإنه ينقصه وتركه أفضل إلا لقوى متمكن مالك لأربه، وليقل نومه بالنهار ليعقل صومه بعمارة الأذكار، وليجد إحساس جوعه وعطشه، وقد كانوا يتسحرون بالتمرتين والثلاث، وبالحبات من الزبيب والجرعة من الماء، ومنهم من كان يقضم من شعير دابته التماسا لبركة السحور، وليكثر ذكر الله تعالى ، وليقلل ذكر الخلق بلسانه، ويسقط الاهتمام بهم عن قلبه، فذلك أزكى لصومه ، ولا يجادل ولا يخاصم، وإن شتم أو ضرب، لم يكافىء على ذلك لأجل حرمة الصوم ولا يهتم لعشائه قبل محل وقته، يُقال أن الصائم إذا اهتم بعشائه قبل محل وقته أو من أول النهار كتبت عليه خطيئة ، وليرض باليسير مما قسم له أن يفطر عليه، ويشكر الله تعالى كثيرا عليه.
ومن فضائل الصوم التقلل من الطعام والشراب ، وتعجيل الفطور وتأخير السحور، ويفطر على رطب إن كان، وإلا على تمر إن وجد فإنه بركة أو على شربة من ماء فإنه طهور.
هكذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنه كان يفطر على جرعة ماء أو مذقة من لبن أو تمرات قبل أن يصلى) وفى الخبر: (كم من صائم حظه من صيامه الجوع والعطش). قيل : هو الذى يجوع بالنهار ويفطر على حرام، وقيل : هو الذى يصوم عن الحلال من الطعام، ويفطر بالغيبة من لحوم الناس، وقيل : هو الذى لا يغض بصره، ولا يحفظ لسانه عن الآثام، ويقال : أن العبد إذا كذب أو اغتاب أو سعى فى معصية فى ساعة من صومه خرق صومه . وفى الحديث : (الصوم جنة ما لم يخرقها بكذب أو بغيبة). وكانوا يقولون الغيبة تفطر الصائم ، وكانوا يتوضأون من أذى المسلم ، وروى عن بشر بن الحرث عن سفيان : (من اغتاب فسد صومه).
وروينا عن ليث عن مجاهد : (خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب). وروى عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خمس يفطرن الصائم، الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذب والنظر بشهوة).
ويُقال : أن من الناس من يكمل له صوم رمضان واحد فى عشر رمضانات أو فى عشرين مثل سائر الفرائض من الصلاة والزكاة التى يحاسب عليها العبد ، فإن وجدت كاملة وإلا تممت من سائر تطوعه.
وفى الخبر: (من اغتاب خرق صومه فليرقعه بالاستغفار). والمراد من الصيام : مجانبة الآثام لا الجوع والعطش، كما أن المراد من الأمر بالصلاة الانتهاء عن الفحشاء والمنكر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من لم يترك قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يترك طعامه).