أرْكانُ الحجِّ الرَّكنُ الأوّلُ ـ الإحرامُ
ميقات الإحرام المكاني:
ميقات الحج والعمرة المكانى للمدينة وما والاها (ذو الحليفة)([1]) وللشام وما والاها (الجحفة)([2]).
ومن سافر بالبحر من مصر وما والاها فميقاته (رابغ)([3]).
ميقات اليمن وما والاها (يلملم)([4]) وميقات العراق وما والاها (ذات عرق)([5])وميقات نجد وما والاها (قرن)([6]) .
ميقات الإحرام الزمانى:
الإحرام كناية عن أن يحرم من وجد فى حرم الله من المقبلين على بيته ، مالا يليق بأدب من أقبل على الله فى حرمه قال سبحانه وتعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾([7]) وهى شوال ذ القعدة وثلاثة عشر من ذى الحجة على أرجح الأقوال فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الْحَجِّ ﴾([8]) .
والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفجر من الكلام ومغازلة النساء ومداعبتهن ، والتحدث فى شأن الجماع.
والفسوق جمع فسق وهو اسم جامع لكل خروج من طاعة ، ولكل تعدى حد من حدود الله تعالى.
والجدال وصف مبالغ للخصومة والمراء فيما يورث الضغائن وفيما لا نفع فيه.
تعريف الإحرام:
الإحرام هو تحريم الحاج عمل ما لا يباح له شرعا، بمجرد دخوله فى ميقات الإحرام، فإنه عاهد الله تعالى أن لا يرفث ولا يفسق ولا يجادل ولا يصطاد، وأن يتجرد من المحيط والمخيط، وأن يحضر بقلبه حتى يصغى إلى دعاء الله تعالى فيلبيه، فلا يغفل عن ذكر الله ولا ينساه سبحانه.
والإحرام كتكبيرة الإحرام التى يحرم بها على المصلى ما يبطل الصلاة أو ينقصها تعظيما لله تعالى ولشعائره.
تفصيل مجمل الإحرام:
الفرض فى الإحرام هو النية التى يعين بها المقصد ، ويسمى فى اصطلاح الفقهاء بالإهلال ، ولا يلزم النطق بها لأن محلها القلب،ومن ترك النية فلا حج له، والغسل للإحرام سنة، وصلاة الركعتين سنة، والتجرد من المحيط والمخيط واجب ، وكشف الرأس واجب، والتلبية واجبة، وتجديد التلبية للمقتضيات سنة: كاليقظة من النوم، والصعود والهبوط، وعند ملاقاة الرفاق، وبعد السلام من الصلاة. فمن تركها زمنا طويلا فعليه دم.
إحرام الصبى والمجنون:
يحرم عنهما الولى أبا أو وصيا ويجردهما قرب الحرم، والأولى أن يكون فى التنعيم عند مساجد عائشة.
لباس المحرم:
لا يلبس المحرم قميصا ولا عمامة ولا سراويل، ويحرم عليه ما فوق ذلك من قفطان وجبة، ولباسه إزار يستر به من السرة إلى أسفل الركبة، وكساء يستر به من كتفه إلى أسفل الإزار ، ويكشف رأسه، والرأس تبتدىء من الشعر النال منها على الصدغين إلى منتهى منابت الشعر من العنق ومن منابت الشعر من مقدم الرأس إلى منتهى الرأس من الخلف، فلو ستر وجهه بعد ذلك لا شيء عليه.
وأكمل الألوان الأبيض،والمكروه اللون الزعفرانى والورس، وترك غسل ثياب الإحرام أولى خوفا من قتل الحيوانات بها، ولا بأس بتغييرها عند الضرورة، وكلما كان المحرم تفث الثياب والجسم كلما كان أجمل عند الله تعالى، والتفث الأوساخ. قال الله تعالى:﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ (الحج آية ٢٩) وقضاء التفث تقليم الظفر وتقصير الشعر ونتف الإبط وإزالة الأوساخ البدنية، لأن المحرم مقبل على الله تعالى متجمل بحلة المسكنة والخشية والفقر والاضطرار أمام ربه، ليكون مقبولا لديه سبحانه، فالأجمل به عدم العناية بالنظافة والترف والخيلاء، ويلبس نعلين من نعال أهل البادية، فإن لم يجدهما لبس نعلين من النعال التى يلبسها المصريون على فرشهم (الشباشب).
آداب الإحرام:
- والمحرم يبتدئ بالغسل، وصلاة ركعتين ، والنية ، وهى تعيين حج أو عمرة أو جمع بين الحج والعمرة وهى النية.
- ثم يتجرد من المحيط والمخيط، بعد تقليم ظفره ونتف إبطه، وحلق عانته وحلق الرأس إن كان ممن اعتاده ولم يضره، وإن لم يكن معتادا لبد شعر رأسه بما اعتاده الناس إن خاف ضررا.
- ثم يهل ملبيا عقب الصلاة المفروضة، أو عقبل ركعتين ، وإن أخر إحرامه للعصر عدا التلبية عقب صلاة العصر، خشية من أن يؤخر الإحرام فيقع فى كراهية صلاة الركعتين التى يكون الإهلال بعدهما، ويلبى بتلبية رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ولفظها: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
- ولا يجاوز الحل داخلا فى الحرم إلا محرما، ملاحظا أنه دخل فى حرم الله الذى ميقاته لمصر وما والاها(رابغ) فى البحر، فيتجرد جسما وروحا إعظاما وإجلالا لله تعالى ولحرمه الشريف ، واقتداء بعمل الحبيب المحبوب ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ حتى يكون حاجا حقا عزما وصدقا، ويديم التلبية عقب الصلوات وعند تغيير الشئون من صعود أو نزول، بصوت متوسط لا يحصل له منه الضرر ، لا خافتا ولا جاهرا به جهرا يؤلم.
تجدد التلبية:
يديم التلبية كما قررنا حتى يدخل الحرم، فيشتغل بالطواف ويترك التلبية حتى يتم الطواف والسعى ثم يعود للتلبية بعد زوال يوم عرفة، فإن وصل عرفة قبل الزوال لبى حتى يصلى الظهر، وإن زالت عليه الشمس قبل وصوله لبى حتى يصلى وترك التلبية اشتغالا بالدعاء والتضرع والابتهال. والمهل بالعمرة يلبى إلى الحرم ثم يتركها.
دخول مكة:
يتعين الإحرام على الداخل مكة من الآفاقيين إذا دخلها لنسك من حج أو عمرة ، ويحرم من دخلها لحاجة غير النسك ما لم يكن ممن يترددون عليها لبيع الخضر والحطب وغيره من البلاد القريبة منها الطائف وجدة وقديد فإنهم لا يطالبون بالإحرام، ومن خرج من مكة لبلد أخرى فلم يتمكن من الوصول إليها ورجع إليها يدخل حلالا كما فعل سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما. والأولى أن يدخل الإنسان مكة من (كداء) خصوصا إذا قدم من طريق المدينة، وله أن يدخل مكة من أى باب شاء.
ولما كان الحاج فى الحقيقة إنما يقصد الله تعالى ليزوره فى بيته وكان البيت مقام الخليل الجسمانى ، والخلة مقامه الروحانى ، فمن قصد الله تعالى حجا ورغب أن يدخل مقام الخليل جسما وروحا، لزمه لدخول المقام الجسمانى أن يحرم بالزهد فى لذته وشهواته، وأن يتجرد من محيط الثياب ومخيطها، كما يتجرد الميت للغسل ، ويلبس ثياب الإحرام المشيرة إلى كفن الميت ، ويمتنع عن الصيد ، ويجاهد جميع جوارحه حتى تخضع لسلطان الشريعة، فيحرم على نفسه فى الحج ما أباحته الشريعة له فى غيره، ويتم الحج حتى يؤهل كما بينت فى هذه الرسالة للدخول فى مقامه الجسماني.
وللدخول فى مقامه الروحانى يحرم بتوديع حظه وهواه، وبزهده فى الاجتماعات على غير الله تعالى ، وتفريده الله تعالى بالقصد دون سواه، ويتم الحج كما يأتى حتى يسعد بالدخول فى مقامه الروحاني، ومن قصد الله تعالى حجا يحرم بالتبرئة من حوله وقوته، ومن الغرض والمرض والعلة، ومن قصد الله من الأفراد المحبوبين يفرده الله تعالى، ومن أفرده الله جمله بجمال العبودة الخالصة لوجه الجميل سبحانه، وأشهده فى بيته جماله العلي، وبهاءه وضياءه ونوره، ولديها يرى البيت وربه، وهو الحج الأكبر، قال سيدنا عبد الله بن عمر: (كنا نتراءى ربنا ليلة عرفة) ومن نظر إلى جمال الملكوت ، أو إلى جمال الملك فى الإحرام، الذى يحج الله تعالى فيه قصدا فتن.
والإحرام بينا مكانه فيما سبق، إلا أن مكانه لِمَكَّى ولمقيم بها بالحج للحج بيته والأولى الحرم، وللعمرة الحل، ولمن أحرم بحج وعمرة الأولى له أن يحرم من الحل وتقدم ميقات الحج والعمرة للآفاقيين.
دخول الحائض مكة:
تدخل الحائض مكة ولكن لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وإن كانت الطهارة ليست شرطا فى السعي، ولكن السعى متوقف على الطواف والطواف متوقف على الطهارة، والمرأة إذا حاضت بمكة قبل العمرة أو حاضت قبل دخول مكة لها أن تنقض رأسها وتمتشط وتهل بالحج.
بسند مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت خرجنا مع رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة ثم قال ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾: من كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا. قالت: فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ، فقال : انقضى رأسك أو تمشطى وأهلى بالحج ودعى العمرة. قالت: ففعلت ، فلما قضيت الحج أرسلنى رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ مع عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق إلى التنعيم)(صحيح مسلم) وظاهر ذلك استبدال الحج بالعمرة ولم يكن ذلك معهودا .
وقد تأوله الإمام الشافعى رضى الله عنه بأن مراد رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ أن تردف الحج على العمرة، ثم تعتمر بعد الحج بدليل خروها مع أخيها - رضى الله عنهما - إلى التنعيم للإحرام بالعمرة،والمعهود استبدال الحج بالعمرة كما حصل فى حجة الوداع لكثير من الصحابة رضى الله عنهم وعنا بهم آمين .
أَحُجُّ بِٱلرُّوحِ لِلْمَجْلَىٰ وَأَشْوَاقِي |
|
تَنْمُو إِلَى ٱلْبَيْتِ فِى حَيْطَاتِ آفَاقِي |
([1]) شمال مكة بـ 450 كيلو مترا.
([2]) شمال غرب مكة بـ 187 كيلو مترا.
([3]) بينها وبين مكة 204 كيلو مترا.
([4]) جنوب مكة بـ 54كيلو مترا.
([5]) شمال شرقى مكة بت 94 كيلو مترا.
([6]) شرق مكة بـ 94 كيلو مترا.
([7]) ، (8) سورة البقرة آية 197.