مقدمة :
لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود مما خلقه في الأرض والسماء وما فيهما، خلقه الله ليعمر به ملكه وملكوته، وجعله خليفة عنه في أرضه، والخليفة في الأرض هو سيد مَن في الأرض ومَن في السماء، وجعل له ملك الأرض مقرًّا للإقامة ومستقرًّا له بعد موته، ثم ينشئه النشأة الثانية، فيمنحه الملك الكبير.
لذلك ابتلاه الله تعالى بأن سخر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وصرَّفه تصريف الربوبية في المُلْك، فكل ما في المُلْك والمَلَكُوت مسخَّر له بإذنه تعالى.
فإن ذَكَر اللهَ وأطاعه من غير أن يعصيه وشَكَره فلم يكفره ووحَّده فلم يجحده؛ تفضل عليه بالملك الكبير، قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا ومُلَكًا كَبِيرًا﴾ "الإنسان:20"، وهذا الملك الكبير هو للإنسان الذي اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق الاتباع.
وللعقول أن تحتار في الإنسان!، فبينا تراه وروحه الطاهرة سائحة في ملكوت الله الأعلى، مشرفة على قدس العزة والجبروت؛ وإذا بك تراه في أسفل سافلين، أضل من الأنعام وشرًّا من الشياطين، وفوق الأرواح العالية، بل فوق عالين، قال تعالى: ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ "محمد:35".
لذلك أحببت أن أشرح عجائب قدرة الله فى الإنسان، وما سخره الله له من الكائنات، وسبيل نجاته وسعادته، ومهاوى هلاكه وضلاله، وما فصله الإمام المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم عن حقيقة الإنسان، والحكمة من إيجاد الخلق، وبدء الحقيقة الإنسانية، وإرسال الرسل، وتأثير الإسلام على الإنسان، ونجاة الإنسان بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وما ادعاه أهل الجهالة في خلق الإنسان ورد الإمام أبي العزائم عليهم؛ حتى يتبين للسالك حقيقة خلافة الإنسان عن ربه، ليسلك سبيل السعادة والنجاة، ويتعلق بالإنسان الكامل الذي خلق اللهُ لأجله كلَّ الموجودات صلى الله عليه وآله وسلم.
حكمة إيجاد الخلق:
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)"الذاريات:56"، وقد فسَّر بعض العلماء العبادة أنها هي المعرفة والعمل بمقتضاها، فمن معاني قوله تعالى: (لِيَعْبُدُونِ) أي: ليعرفون، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى: (كنتُ كنزًا مخفيًّا فأحببتُ أن أُعرَف فخلقتُ الخلقَ لأُعرَف)، وبلفظ السخاوي: (كنتُ كنزًا لا أُعرَف فخلقتُ خلقًا فعرَّفتُهم بي فعَرَفُوني) .
قال السيد محيى الدين قُدِّس سِرُّه: "لو لم يكن في العالم مَن هو على صورة الحق ما حصل المقصود من العلم بالحق...".
وقد فصَّل الإمامُ المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم قُدِّس سِرُّه ذلك بأن الله تعالى قديم بغير وقت، آخر بغير حد، كائن لم يزل ولا تزال الكينونة صفته، لم يحدثها لنفسه، دائم أبد الأبد، لا نهاية لدوامه، والديمومة وصفه غير محدثها لنفسه، لا بداية لكينونيته، ولا أولية لقدمه، ولا غاية لأبديته، آخر في أوليته، أول في آخريته، وأن أسماءه وصفاته وأنواره غير مخلوقة له ولا منفصلة عنه.
وقد اقتضت إرادة الله تعالى أن يتجلى سبحانه ظاهرا بالتنزيه بظهور معاني صفاته سبحانه، فخلق الإنسان مؤهلا لظهور معاني صفاته، وأعده لنيل الكمالات الرُّوحانية، أو ارتكاب النقائص الشيطانية، قال الله تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ "البلد10".
ولما كان مِن الإنسان مَن يبلغ أن يكون من الأعلين وهم الرسل والصديقون، ومنهم من يكون في الدرك الأسفل من النار وهم الكفار والمنافقون، خلق سبحانه وتعالى فردًا واحدًا مرادًا لحضرته هو حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهو المظهر الأكمل لظهور معاني أسمائه وصفاته سبحانه، فصاغ سبحانه حقيقته المصطفوية من نور أسمائه وصفاته، وكانت جوهرة الحضرة الأحمدية مخصوصة بالأزلية ينظر الله نظر تفريد لتلك الدرة النورانية ولم يكن ثم زمان ولا مكان، ولا أفلاك ولا أكوان.
ثم خلق الزمان والمكان والأكوان وسخرها جميعا لبني الإنسان، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ ٱللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنِّي خَلَقْتُ مُحَمَّدًا لِذَاتِي، وَخَلَقْتُ آدَمَ لِمُحَمَّدٍ، وَخَلَقْتُ كُلَّ شَيءٍ لِبَنِي آدَمَ، فَمَنْ شَغَلَهُ مَا خَلَقْتُ لَهُ أَبْعَدْتُهُ عَنِّي﴾).
وفي هذا إشارة إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم مراد الرحمن، ولأجله خلق سيدنا آدم، وخلق الكون عاليه ودانيه لخدمة الإنسان وسخره له كما قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) "الجاثية:13".
وضَعَ اللهُ في حقائق الإنسان العلمَ الضروريّ لكل حقيقة:
خلق الله آدم عليه السلام وأبناءه من حقائق مختلفة لكل حقيقة منها مادة تغذوها، ولوازم تنتفع بها في ضرورياتها، وتتنعم بها في كمالياتها، وخلق لبني آدم كل ما لا بد لهم منه في حالتي الضروري والكمالي.
فلا مانع من أن الله تعالى وضع في كل حقيقة كوّن الإنسان منها علمًا ضروريًّا بكل الأشياء اللازمة لتلك الحقيقة، فما من كائن في الوجود إلا والإنسان محتاج إليه، لا فرق بين الجمادات والمعادن والنباتات والحيوانات، وما في الأجواء من الهواء، وما في الأرجاء من المكونات، بل وما في السموات من أفلاك وأملاك، بل وما فوق ذلك من جمال الملكوت، وما في الجنان من النعيم المقيم والملك الكبير.
كل تلك الحقائق مُبْدَعة للإنسان يتمتع بها في الدنيا، فإذا حصلها من الوجوه الشرعية وشكر عليها يتنعم بما هو خير منها يوم القيامة.
فخلق سبحانه الأرض لإقامة الإنسان على ظهرها إلى الأجل الذي قدّره سبحانه، وخلق السموات إمدادا للعالم الأرضي، وخلق له في الأرض جميع مطالبه من معادن تستعمل لنفع الغذاء ولإعادة الصحة بعد فقدها، ومن حيوانات ومن نباتات وغيرها، وجعل اتصالا بين ما في السموات وما في الأرض لنفع الإنسان.
فما من كوكب يُرى أو لا يُرى إلا وله خصوصية عجيبة جدا جعلها الله تعالى لخير العالم الأرضي، فمنها الشمس التي تخزن حرارتها في أجسام الأشجار فينتفع بها الناس فى إيقاد النار، ومنها كواكب تكسب النباتات ألوانا، ومنها ما يخزن الزيوت فيها، ومنها ما يجعله الله تعالى لوضع الألوان والطعوم والروائح، فلا ترى معدنا ولانباتًا ولاحيوانًا على الأرض إلا ولكل كوكب في السماء خصوصية تكون بها منفعة.
فللقمر منفعة أودعها الله فيه لنفع النباتات التي لا ساق لها، ولمد البحار وجزرها عند تمها، ولبقاء صحة العيون للطافة نوره، ولإصلاح الألوان فيما لا لون له كالنباتات في بدئها، ولإفساد الألوان لما له لون، كإفساد ألوان الملابس الموضوعة تحت نوره من غير حائل.
خَلَقك ليَظْهَرَ هو لا لِتَظْهَر أنت:
فما خلق ربُّنا هذا الكون عبثًا ولا لعبًا، ولا سخره لبني الإنسان ليظهروا هم ويستروه سبحانه عن عقولهم وأنفسهم، بل ليَظهر هو ربًّا قادرًا فاعلًا مختارًا، وإذا ظهروا هم ظهروا عبيدًا مضطرين محتاجين إلى فضله.
ومن حجبته تلك الكائنات عما أودعه الله فيها من أسرار حكمته وبدائع قدرته، ووقف عند الانتفاع بخواصها، أو بيان أسرارها التي لا تُنال إلا بعد إتقان الصناعات وعلوم الرياضيات؛ أهلك نفسه وغيره، وفاز بأجره بما يناله من شهرة ومال وجاه في تلك الدار الدنيا، ولم يظفر من جهوده إلا بشيء قليل مما في السموات والأرض من الأسرار والحكم.
من الحقائق التي رُكِّب منها الإنسان:
معلوم أن الإنسان مركب من حقائق عدة، منها الرُّوح والنفس والعقل والجسم الذي هو هيكله وشبحه، فخلق اللهُ أولًا نور سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نور العزة، من نور أسمائه وصفاته كما قال صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله الأنصاري جوابا على سؤاله المتواتر عن أول ما خلق الله: (خَلَقَ نُورَ نَبِيِّكَ مِن نُورِهِ يَا جَابِر، خَلَقَه وخَلَقَ مِنهُ كُلَّ خَيْر)"رواه عبد الرزاق بسنده".
ثم خلق من نور حبيبه كل خير، فآدم وذريته جمع الله فيهم كل الحقائق، فأرواحهم من نور سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي خلقه الله من الرحمة، وعقولهم من نور الحكمة المقتبس من مشكاة أنواره صلى الله عليه وآله وسلم، ونفوسهم من نار القوة والجلال، وأشباحهم من أنواع جواهر الأرض وعناصرها التي لاكها سبحانه بالماء وجفَّفَها بالهواء.
في هيكل الإنسان أضداد الوجود بأسرها:
فأما هيكله فقد بدأ الله خلقه من أركان الوجود، وهي: التراب والماء والنار والهواء ليكون طينا ثم صلصالا وهو سيدنا آدم عليه السلام، ثم جعل نسله من سلالة ماء مهين، ثم كانت نشأته الكونية التي هي النطفة الجارية في مجرى البول مرتين، ثم صوره جل جلاله في الرحم من نطفة، إلى علقة، إلى مضغة لحم، إلى عظام، ثم كسا العظام لحمًا، ثم أنشأه خلقًا آخر مجردًا من كل إدراك وشعور وعلم، كأنه نبات يأكل ويشرب من لبان أمه، وينمو ويتحرك من غير إرادة وشعور.
قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) "المؤمنون:12–14".
يقول الإمام أبو العزائم قُدِّس سِرُّه: أنا أنا من نطفة من طين |
من نورك العالي لدى التعيين |
الإنسان مخلوق باليدين:
وقد شرَّف اللهُ تعالى الإنسانَ فخَلَقَه بيديه في أحسن تقويم، وخَلْقُه باليدين ميزة ميزه الله بها، إذ خلق الملك بيد واحدة والملكوت بيد واحدة وخلق الإنسان باليدين؛ قال تعالى: ﴿فَسُبحَانَ الَّذى بِيَدِهِ مَلكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ "يس:83"، وقال: ﴿تَبَاركَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ "الملك:1"، وقال تعالى لإبليس عند امتناعه عن السجود لآدم: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِمَا خَلَقتُ بِيَدَيَّ﴾ "ص:75".
معنى الخَلْق باليدين:
وقد تأول بعض العلماء اليد بالقدرة، لكن الإمام أبا العزائم بين أن الأمر ليس كذلك فقال: إن القدرة واحدة وقد ثنَّى اللهُ اليدَ وجمَعَها فقال: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِماَ خَلَقتُ بِيَدَيَّ﴾ "ص:75"، وقال: ﴿مِمَّا عَمِلَت أَيدِينَا﴾ "يس:71"، والقدرة لا تُثَنَّى ولا تُجمع، والواجب علينا أن نسلم تسليما كما سلم سلفنا الصالح فنقول: له يَدٌ لا كالأيدى، واليَدُ معلومة والكيف مجهول.
وقد كشف الإمام من أسرار القرآن في معنى اليد فقال: لما كان المُلْك والملكوت مخلوقان باليدين، يد خلق بها الشهوات ويد خلق بها العقول، وقد جمع اليدين فخلق بهما آدم وأبناءه، فجمع للإنسان قوة الشهوة وقوة العقل، وخلق العالم الأعلى بيد العقل، وخلق العالم الأدنى الذي هو دون الإنسان بيد الشهوة، وكل العالم الأعلى عقل، وكل العالم الأدنى شهوة.
والإنسان جمع الله فيه الشهوة والعقل، فإذا قهرته الشهوة انحط إلى أسفل سافلين فكان أضل من الأنعام، وإذا أمده الله ومنحه المزيد من فضله رفعه إلى الأعلى فوق عالين وعليين؛ لما أودع فيه من قوة الشهوة فجاهدها فوق جهاد الحديد والنار.
فيداه سبحانه مسبوطتان، يمد أهل محبته بما يجعلهم يسارعون به إلى محابه ومراضيه، ويمد أهل البعد عنه بما يجعلهم يخلدون إلى الأرض ويستعينون بنعم الله على معاصيه، فيعطيهم الله العافية فيقتلون بها ويسرقون، ويعطيهم اللسان فيسبون به ويعصون به، ويعطيهم المال فينفقونه في مغاضبه تعالى.
وتلك النعم نفسها مع أحباب الله يستعينون بها على مراضيه ومحابه، قال صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللهُمَّ مَا أعطيتَني مِمَّا أحبُّ اجْعَلْهُ مُعِينًا لِي عَلَى ما تُحبُّ، وَمَا زويتَ عني مِمَّا أُحبُّ اجْعَلْهُ فراغًا لِقَلْبِي فِيمَا تُحِبُّ).
معنى النفخة:
سخر الله للإنسان ما في السموات والأرض جميعا منه، وزاده ما هو فوق السموات والأرض ملكا وملكوتا فنفخ فيه من رُوحه بدليل قوله تعالى: ﴿فَإذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ "الحجر:29"، ومعنى النفخة أنه خلقه سبحانه على صورته بمعاني صفاته سبحانه سميعًا بصيرًا مريدًا، لأن الله تنزه وتعالى ليس له شفتان وحلقوم ينفخ منهما.
حياتان قبل نفخ الروح:
وقد جاء في تفسير: "أسرار القرآن" للإمام أبي العزائم أن الله يبدأ خلق الإنسان بحياتين قبل أن ينفخ فيه الرُّوح، وتسمى الحياة الأولى: الحياة الكامنة، وتسمى الحياة الثانية: الحياة النامية، وقد بيَّنهما الله جل جلاله بقوله: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ( "المؤمنون:12"؛ هذه الحياة الأولى، وقوله: )ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا( "المؤمنون:13-14"؛ وهذه هي الحياة الثانية.
والمتأمل في كلام الجليل يعلم منه بالدليل أن الله بدأ خلق الإنسان من الطين وهو يعلم بكيفية وجوده في الطين كما قال جل شأنه: )هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ( "النجم:32"؛ تمهيدًا واستعدادا لقبول الحياة الثانية التي هي حياة النماء من النطفة إلى أن يكسوه لحما، ثم تأتى بعد هاتين الحياتين: الحياة المتحركة بنفخ الرُّوح فيه.
وعِلم الله بالإنسان حين أنشأه من الأرض وكذلك وهو في بطن أمه دليل على وجوده، لأن الله نفى عن علمه غير الموجود وهو الولد والشريك فقال عز وجل: )قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ( "يونس:18"؛ لأنه لا وجود لولد له ولا شريك لله سبحانه تعالى، ومن تأمل قول الله تبارك وتعالى: )مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا( "نوح:13-14" يعلم منه الإشارة إلى هاتين الحياتين السابقتين على نفخ الرُّوح فى الجنين. "أسرار القرآن جـ5 ص116".
فطرة الإنسان على الاضطرار سِرُّها فتح كنوز الخيرات والبركات:
كما فطر الله الإنسان محتاجا، وأحاطه سبحانه بالمكونات والكنوز، وجعل مفاتيحها العمل والفكر، لا لحاجة الله لذلك العمل، بل ليظهر للإنسان سر استخلافه ويشاهد معاني تنزلات الأسماء والصفات، ويترقى حتى يتحقق بالعجز عن إدراك كمالات الذات، والعمل كدح وذكر وفكر، ففطرة الإنسان على الاضطرار والحاجة؛ وسرها: فتح كنوز الخيرات والبركات له حسا ومعنى.
يقول الإمام أبو العزائم قُدِّس سِرُّه:
على أحسن التقويم صُغْتَ حقيقتي |
وأبدَعْتَني مثلا بسر الحكمة |