لما كانت السنة الرابعة من الهجرة آن أوان إشراق شمس جديد من شموس أهل البيت عليهم السلام ، وذلك بعدما ولد الإمام الحسن عليه السلام بسنة ، فلما أوشك حمل السيدة الزهراء عليها السلام أن تكتمل أيامه ، بدأ بيت الإمام على عليه السلام يستعد لاستقبال مولود جديد آخر ، وفى شهر شعبان بدأ المخاض وجلس الإمام على وفى حجره ابنه الإمام الحسن فى انتظار الصارخ ، ولا زال كذلك حتى سمع صوت الوليد المبارك فبشروه بمولود ذكر ، وجال فى خاطره أن يسميه حربا ليكون حربا على الكافرين ، لكنه لم يجزم بذلك ، بل فوض الأمر إلى رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ، وذهب البشير إلى المصطفى [صلى الله عليه وآله وسلم] ليزف إليه البشرى ، فهرول [صلى الله عليه وآله وسلم] إلى دار ابنته يفيض وجهه بشرا ويمتلىء قلبه شوقا للنظر إليه ، فقال [صلى الله عليه وآله وسلم] : أرونى ابنى ، فاحتمله بين يديه وأذن فى أذنيه ، فكان أول ما قرع سمعه صوت النبى [صلى الله عليه وآله وسلم] ، وحنكه بريقه ، وسأل رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] : "ما سميتموه ؟ ، فذكر له الإمام على ما كان يجول بخاطره من تسميته حربا ، فقال له المصطفى [صلى الله عليه وآله وسلم] : بل هو حسين"[مسند أحمد] .
وعن الإمام على عليه السلام قال : عق رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] عن الحسين بشاة فقال : (زني شعرَ الحُسَيْنِ وتصدَّقي بوزنِهِ فضَّةً وأعطي القابلةَ رِجلَ العقيقةِ)[الشوكانى فى نيل الأوطار] .
وقد ابتهجت مدينة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] بمقدم الإمام الحسين عليه السلام كما ابتهجت من قبل بمقدم أخيه الحسن عليه السلام .
بل سرَت البشرى فى السماء بمولده عليه السلام ، فقد روى العلامة الشيخ ابراهيم الحمويني باسناده عن مجاهد قال : قال ابن عباس سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : لما ولد الحسين بن علي ، وكان مولدهُ عشية الخميس ليلة الجمعة، أوحى الله عزّ وجلّ إلى مالك خازن النار : أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود وُلد لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى رضوان خازن الجنان : طيّبها لكرامة مولود وُلِد لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى حور العين أن تزينوا وتزاوروا لكرامة مولود وُلِد لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى الله إلى الملائكة : أن قوموا صفُوفاً بالتسبيح والتحميد والتكبير لكرامة مولودُ وُلِدَ لمحمد في دار الدنيا ، وأوحى الله عَزّ وجَلّ لجبرائيل : أن اهبط إلى النبي محمد في ألف قبيل[1] أن هنّؤا محمداً بمولوده ، وأخبره يا جبريل أني قد سميته الحسين ، فهَنّئهُ وعزّهِ ، وقل له: يا محمد تقتلهُ شر أمّتك على شرّ الدواب ، فويل للقاتل وويلٌ للسائق وويل للقائد ، وقاتل الحسين أنا منه بريء وهو مني بريء ، لأنه لا يأتي يوم القيامة أحد إلا وقاتل الحسين أعظم جرماً ، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر ، وللنار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة .
قال : فبينا جبرائيل (عليه السلام) يهبطُ من السماء إلى الدنيا إذ مرّ بدردائيل ، فقال له دردائيل : يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء ، هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟
قال : لا ، ولكن وُلِدَ لمحمد (صلى الله عليه وآله) مولودٌ في دار الدنيا ، وقد بعثني الله عزّ وجلّ إليه لأهَنِّيه بمولود .
فقال له الملك: يا جبرائيل بالذي خلقني وخلقك إذا هبطت إلى محمد فاقرأه مني السلام وقل له : بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت ربَّك أن يرضى عني ويرد علي أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة .
فهبط جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فهنأه كما أمره الله عزّ وجل وعزاه. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) : تقتلهُ أمتي ؟ فقال له : نعم يا محمد. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ما هؤلاء بأمتي أنا بريء منهم والله بريء منهم ، قال جبريل : وأنا بريء منهم يا محمد ، فدخل النبي على السيدة فاطمة (عليها السلام) فهنأها وعزّاها ، فبكت ثم قالت : يا ليتني لم ألده ، قاتل الحسين في النار .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : وأنا أشهدُ بذلك يا فاطمة ، ولكنه لا يُقتل حتى يكون منه إمام يكون من الأئمة الهادية ، فسكنت السيدة فاطمة من البكاء.
ثم أخبر جبرائيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله) بقصة الملك وما أصيب به ، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) الحسين (عليه السلام) وهو ملفوف في خرقة من صوف فأشار به إلى السماء ، ثم قال : اللهُم بحقِ هذا المولود عليك ، لا بل بحقكَ عليه وعلى جدّهِ محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، إن كان للحسين بن علي بن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل ورُدّ عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة ، فردَّ الله تعالى أجنحته ومقامه ، فالملك ليس يعرف في الجنة إلا بأن يقال : هذا مولى الحسين بن علي وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) )[ فرائد السمطين للحمويني]
سلام على سيدى أبى عبد الله الحسين وعلى جده ووالديه وإخوته وذريته إلى قيام الساعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- القبيل ألف ألف من الملائكة على خيول مُلجمة عليها قباب الدُرّ والياقوت ، ومعهم ملائكة يقال لها الروحانيون بأيديهم حراب من نور.