و فى حلفا التى أصبحت محلاً لعمله، كان الناس مشتغلين بالملاهى عاكفين على ملاذ الدنيا واحتساء الخمر، منصرفين عن المسجد معرضين عن طلب العلم، فاهتم بتعمير مسجدها واستكماله، و حث الناس على المسارعة فى الفضائل والنأى عن الرذائل، فدبت فيه روح اليقظة الإسلامية و توافدت على المسجد جموعهم لسماع درسه و الأخذ بتوجيهه و الاستنارة برأيه.
و كان يلتقى بالناس فى مجالسهم و منتدياتهم التى كانوا يرتعون فيها ليقيمهم من عثرتهم ويسلك بهم سبيل الرشاد. و من ذلك أنه دخل الحانة ذات يوم و اتجه إلى منضدة كان يجلس عليها كامل أفندى مدير عام السكة الحديد فى السودان فى ذلك الوقت و جلس معه، و اندهش الحاضرون، و ارتبك كامل أفندى الذى طلب للإمام فنجاناً من القهوة لكن الإمام طلب كأساً من الخمر وطبقاً من الكبد الطرى و أصر على طلبه فأحضروه له، وصب بعض الخمر على الكبد الطرى فظهرت حالة التليف و اضحة على أنسجة قطعة الكبد و انكمشت وأصبحت قطعة ضامرة و مال لونها إلى السواد، ثم توجه الإمام إلى كامل أفندى قائلاً: هذا ما يفعله الخمر بكبدك و أنت لا تشعر.
و أخذ يشرح للحاضرين تأثير الخمر على كبد الإنسان، وعلى عقله و هو الجوهرة التى ميز الله تعالى بها الإنسان عن غيره، ثم خرج وخرجوا وراءه مستبدلين خمرة الشيطان بخمرة الرحمن و هو نور الإيمان والإستقامة، و تبعه كامل أفندى الذى أصبح من خاصة تلاميذه ومريديه.
و كان أهل حلفا و دنقلة وشمال السودان يتسابقون إلى حلقات الإمام العلمية حتى ضاق بهم المسجد، وزار بلاداً كثيرة فى شمال السودان بدعوات من مشايخ قبائلها، وجمع الله عليه رجالاً أبراراً أتقياء تلقوا عنه أوراده و أذكاره و سلكوا طريقه.