عندما وجد الإمام أن الوقت قد حان لإعلان طريقته العزمية، أرسل إلى السيد عبد الحميد البكرى شيخ مشايخ الطرق الصوفية فى ذلك الوقت خطاباً يطلعه فيه على استكماله لشروط شيخ الطريقة واستكمال الشروط الأخرى التى تتيح له إنشاء طريقة صوفية جديدة.. قائلاً
صاحب السماحة الحسيب النسيب شيخ المشيخة المنيفة والنقابة الشريفة السيد عبد الحميد البكرى.. جدد الله بسماحته معالم الطريق وأيد بسيادته رجال العلم والدين.. آمين.
مولاى.. رافعه لسيادتكم العبد المسكين محمد ماضى أبو العزائم.
يشرفنى يا مولاى بعد أن تلقيت علوم الشريعة الغراء بالأزهر الشريف، وتلقيت علوم الحكمة والأخلاق وتربية النفوس على أيدى أئمة من أهل الفرقان والولاية، وأبواب التوحيد والأخلاق من كتاب إحياء علوم الدين، وتلقيت كتاب قوت القلوب فى علوم أسرار الطريق، وبيان أحوال الرجال من أستاذى ومرشدى الغريب محمد السائح الخوقندى بسنده المتصل إلى سيدى عبد القادر الجيلانى، وتلقيت منه أسرار الطريق وأذننى بتلقين ما تلقيته عنه، وتلقيت الرسالة القشرية وحكم ابن عطاء الله السكندرى على أستاذى المرشد السيد حسنين الحصافى بسنده المتصل إلى الإمام ابى الحسن الشاذلى رضى الله عنه، وتلقيت علوم أحوال الرجال ومواجيدهم على سيدى العز محمد نزيل مكة المكرمة.. بعد خدمة الطريق وعلم مآخذها.
وقد من الله على بأن أرشدت كثيرين، وألفت كتباً طبع منه تسعة كتب فى علوم الشريعة المطهرة والأخلاق وأسرار السادة الصوفية.
وبما أن الله منّ علىّ بإرشاد كثيرين يزيدون عن العشرة آلاف فى أنحاء مصر، وهم ملتمسون من سماحة مولانا تعيينى شيخاً لهم أسوة بمشايخ الطرق.
وبما أن طريقة السادة الشاذلية متفرعة إلى فروع كثيرة.. فألتمس من سماحتكم انضمامى بمشيخة السادة الصوفية أنا وأولادى وأهل طريقنا (بالعزمية الشاذلية).
وخطاب آخر كتبه الإمام إلى السيد عبد الحميد البكرى أيضاً، هذا جزء منه:
الحمد لله الذى أنزل على حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) [1]، والصلاة والسلام على من بعثه الله بالحق بشيراً ونذيراً..
وبعد.
فمن محمد ماضى أبى العزائم إلى حضرة صاحب السماحة الحسيب النسيب السيد عبد الحميد البكرى.. جدد الله به مناهج السلف الصالح:
تعلمون أنى بعد أن حصلت العلوم الشرعية بالأزهر الشريف رغبت فى تحصيل علوم السلف الصالح التى تتلقى بمعرفة النفس وعلوم القلوب وفهم الحكمة وفقه كلام الله تعالى بطرقها المشروعة بالتلقى من أهل القلوب والسماع من أهل الأسرار، حتى أجازنى فى علوم السنة والكتاب بالسند المتصل أفراد هذا العصر الذين هاجرت إليهم من بلاد مصر إلى بلادهم لتحصيل تلك العلوم، فمكثت نيفاً وثلاثين سنة وأنا أواصل الهجرة حيث مكان هذا العلم.
ولما أذنت بالبيان بعد جهاد نفسى بينت لإخوانى المؤمنين من منحهم الله القابل لهذا الفيض النورانى، فبينت لأهل الخصوصية ما لا يباح به إلا لمن حصل علوم الشريعة وذاق حلاوة المعرفة وميز بين التنزيه والتشبيه، وألقيت دروساً فى كل بلاد هاجرت إليها بينت لهم فيها أحكام الشريعة وآدابها حتى من الله على بأوراد وأدعية وصلوات على النبى صلى الله عليه وسلم كاشفة لمقاماته الأحمدية ومراتبه المحمدية. ثم تحققت أن صوتى لا يسمع إلا من حولى، فكتبت كتباً كثيرة بالعلم بالله والعلم بآياته سبحانه وكتباً فى العلم بأحكامه ورسائل فى العلم بحكمة أحكامه، ثم وجدت واجب الوقت يدعونى لأن أقف موقفاً أدفع به أهل البدع المضلة والآراء الفاسدة من الشاطحين الغافلين والنحرفين والذين قدموا على مصر بعلوم أوروبا الفلسفية الباطلة، فكتبت فى ذلك رسائل، ونشرت مقالات فى الجرائد السيارة، وفى كل تلك الأطوار لم أكن ألفت نظرى إلى التشرف بانتظامى فى عقد من يتشرفون برياستكم لاستغراق أنفاسى فيما أنا مول بوجهى غليه حتى ألجأتنى الضرورة للإقامة فى بلاد مصر فى 1333هـ لأحداث ليس هذا موضع بيانها (............) [2].
وإنى يا سماحة السيد قد اشتدت رغبتى فى أن تقرروا طريقى هذا وأن أكون شيخاً له، لأن ذلك حق صوفى نهج عليه الصوفيون من أيام الحسن البصرى، فإن الأمة رضيته شيخاً لها، وكان مولى رضى الله عنه فلم يمنعه الرق من أن يسود أهل عصره علماً وورعاً.
وإنى ألفت نظر سماحتكم إلى أن لفظة (أبو العزائم) هى كنيتى خاصة ولم يسبق لأفراد أسرتى أن يكون واحد منهم مكنى بهذه الكنية إلا أنا، وإنى أحتفظ بها فلا أبيح لأحد أن يكنى بها إلا أولادى [3] ، ولا أرضى أن يكون اسم من معنى الكنية لغير طريقى هذا الذى استنبطه مشايخنا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح وكنونى به خصوصاً فى هذا العصر الذى كثرت فيه البدع وانتشرت فيه الفتن واندرست فيه معالم الكتاب والسنة، وأحتفظ بكامل حقوقى أمام سماحتكم، والله أسأل أن يزيل بكم البدع المضلة ويحى بكم السنن التى درست، ويساعدكم على نصرة الدين وإعطاء كل ذى حق حقة إنه مجيب الدعاء
خديم الفقراء: محمد ماضى أبو العزائم
[1] سورة آل عمران آية 31.
[2] صفحة من الخطاب مفقودة.
[3] أولاده من صلبه.