بر الإمام بوالديه ووصله للرحم
إن الأرحام هم أقرب طريق إلى الجنة بل إن الله عز وجل يغلق أبواب الرحمة أمام قاطع الرحم.
جلس سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه يحكى للصحابة عن الأحاديث التى سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الجالسون أكبرالصحابة والتابعين وكثير من شبابهم، فالتفت وقال: ليخرج من جلستنا قاطع الرحم، فقام شاب وقال كيف عرفت ذلك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنزل الرحمة فى مجلس فيه قاطع) [1] قال الشاب: صدق رسول الله، والله لقد أغضبت أمى اليوم، فذهب فصالح أمه ثم عاد للمجلس فجاء الفيض من عند الله عز وجل.
ولقد كان الإمام باراً بوالديه إلى أن لقيا ربهما ولم ينقطع ذلك بعد وفاتهما. ولما توفى والد الإمام أرضى زوجة أبيه بكافة الطرق، وترك لها كل شىء بل منحها الزيادة، بل ولم يأخذ من بيت أبيه إلا مكتبته الخاصة وبعد أن استأذنها فرضيت وكذلك لما مات أخوه فإنه آثر مصلحة أولاد أخية وتزوج أمهم براً بأخيه وأولاده ليقوم بتربيتهم ويكونوا تحت رعايته.
وبعد أن عاد الإمام من السودان كان يتوجه رضى الله عنه لزيارة بلدته محلة أبو على مرة كل عام لزيارة روضة والديه، ولزيارة أهله وأقاربه وأصحابه ويتودد إليهم ويغدق عليهم مما أتاه الله من فضله كل بحسب حاله، وكان يصحبونه لزيارة روضة والديه حيث يجلس هناك فيتمثل حاله وهو فى المهد صبياً مع والدته وحالها معه من الحنو والعطف والرحمة والشفقة وكذا الوالد، فيترجم لسانه من شهوده، وإليك بعض ما قاله رضى الله عنه عند زيارته لهما:
أعِنّـى أبر والـدى يـاربـى فإنهما أصلاى مذ كنت فى الغيب
بررتـهما حيّيْن هب لى عناية أبرهما فـى القبر بـالجسم والقلب
أيا رب وأجعلنـى لكل قرابتى وصولاً بإخلاص لوجهك فى جذب
ومواجيد الإمام فى زيارته لروضة والديه كثيرة، فهو يترجم مُظهراً مدى إحساسه بفضلهما عليه فى حياتهما وبعد انتقالهما، فيقول رضى الله عنه:
لدى روض عبد الله محجوب والدى وأمنـه مهديـة كنـز تالـدى
وقفت بقلب خاشعاً أرتجـى الرضا ونظرة ود تصفوا منها مواردى
وقفت ولـى قلـب يذوب ولوعـة تذكرنى عهد الصبـا والتواجد
أنادى عطـوفاً منعمـاً متفضـلاً سوابـغ نعماه وإحسان ماجـد
ألاَ رحمة يا واسع الفضل والعطـا وواسع رضوان وخير مشاهـد
وقفت وقد واجهت بالروح مشهداً شهدت بها الفردوس نزلاً لوالدى
ووالدتـى واجهتهـا بعواطـف بها صح إقبالى وصح تواجـدى
وجـدت قـد كنت الغريب لفرقتى فصرت ببشرى الفضل فى صفو واجد
وأحمد جـدى قد شهدت مواجهاً يـبشرنـى منه بنيل الفـوائـد
كأنى فـى الملـكوت أسبح رافلاً أشـاهد فضل الله خير التـوادد
شكـرت إلهـى حامـدًا متبتـلاً أعنى على شكر العطا والمحامـد
سلام مـن الرحمن يتلى عليكمو ومنى تحيات لأمـى ووالـدى
أمرغ خدى فوق ذا التراب رحمة حنانًا لأستجدى جميـع العوائـدى
أفوز برضوان وأحظـى بـنظرة بها أحظ بالزلفى وأهنى المـوارد
وصل علـى غوث الوجود محمد صلاة بـها نحظى بخير المشاهـد
وعندما كان الإمام بالفيوم أخبروه أن أبنة أخته [2] قد وضعت، فسر سروراً كبيراً وتلقى التهانى وسماه نصر، وخرج الإمام فى طريقه للقاهرة، ولما وصل لمشارف الجيزة قال لصهيب سائقه الخاص: إرجع للفيوم فإنى قد نسيت شيئاً مهماً فعرض عليه صهيب أنه سيحضر له ما نسى إحضاره، فقال له: لا أستطيع ان أتخلى عنه يا صهيب، ولا تستطيع أن تعمله بدلاً منى وفوجىء أهل بيته بدخوله وهو مستند على من معه من فرط إعياء السفر، وكان عمره أنذاك اثنين وستون عاماً، ولما سألوه عن سبب العودة، قال: إننى لم أسلم على أبنة أخى رحمى بعد أن ولدت ولم أهنئها بعد فرجعت إليها لأدخل على قلبها الفرحة والسرور.
أخلاقه جذبت أهل القلوب له لين وبشر وعطف عم بالكرم
ومن الأحداث التى تؤكد رسوخ قدمه رضى الله عنه أنه لم يستغل حب أولاده ومريديه له لما كانوا يقدمونه على حب أبائهم وأمهاتهم، بل كان يأمرهم دائماً بمحبة والديهم وطاعتهم، وزيارتهم كثيراً، وكان بعض خاصة الإخوان يأتى من بلدة، قريبة كانت أم بعيدة، ويمكث شهراً أو أكثر، فكان الإمام يقول له: سافر لوالديك فإن لهم عليك حقاً، مذكراً إياه بالواجب عليه لهما.
ولقد انطبعت صورة بره بأبويه فى أبنائه، خاصة أبنه الأكبرالسيد أحمد ماضى أبو العزائم رضى الله عنه حيث جلس الإمام ذات مرة يلقى درسه وهو يعانى من المرض والضعف، فوقعت عينه على أبنه ألأكبر السيد احمد، وجاشت فى قلبه عاطفة الأبوة واشتد تأثره بها، لكنه كره أن يستحوذ أحد على قلبه إلا ربه وبعد أن انتهى من إلقاء درسه وجد أن ابنه السيد أحمد واقفاً بجوار الباب فى انتظار خروج سيده وأستاذه ووالده، فما كان من الإمام إلا أن ضربه على كتفه على غير عادته ضربه شديدة وعلى مرأى من الجميع، فاتجهت الأنظار إلى السيد أحمد لمطالعة ما يحدث، فإذا به يخرج مسرعاً، ويغيب قليلاً، ويعود فرحاً مسروراً متهلل الوجه وهو يحمل ثلاثة صناديق مياه غازية، وأعطى منها والده والحاضرين جميعاً. ولما سئل عما حدى به إلى فعل ذلك بعد أن ضربه أبوه، فإذا به يقول: لقد كنت حزيناً لما رأيت من اعتلال صحة أبى، لكنه لما ضربنى وأوجعنى أدركت أن صحته على ما يرام وقد عافاه الله مما ألم به من مرض، فسارعت بعمل ما ترون شكراً لله تعالى أن منّ على أبى بالشفاء.
وكان دائماً ما يوجه الإخوان إلى البر بالوالدين، فقد توجه أحد الإخوان إلى مصيف الإمام ببرج البرلس، وكان الإمام يلقى درساً. وبعد انتهاء الدرس قام جميع الحاضرين لمصافحة الإمام قبل الإنصراف، ولما جاء دور هذا الأخ للمصافحة إذ بالإمام يشد على يده بقوة شعر الأخ عندها رغم فتوته وشبابه أن يده تكاد تتقطع .
وكان هذا الأخ قد طلب من أمه أن تصنع له شبكة ليصطاد بها السمك، ولما ذهب للصيد وجد أن فتحات وثقوب هذه الشبكة يتسرب منها السمك بعد صيده وما كان منه عند عودته إلى المنزل إلا أن قذف بها فى وجه أمه وسبها، ولما جاء دوره فى السلام على الإمام كما سبق وذكرنا إذ بالإمام يقول له: إذا كنت تكفر بمن قامت بتربيتك وتنشأتك وسهرت على خدمتك ورعايتك حتى صرت شيئاً مذكوراً فتسبها، فكيف تؤمن بالغيب المصون يا بنى؟ ! إذهب واطلب منها الصفح والمغفرة فإذا سامحتك فلتأتى إلىّ، وقبل يديها قبل أن تقبل يدى.
من وصايا الإمام فى صلة الأرحام من كتاب (الإسلام نسب) :
يا أبنائى: صلة الأرحام تطيل الأعمار وترضى الرحمن وتكثر الأنصار وتجعل الرجل سيداً عظيماً فى عشيرته، وهى من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلة الرحم صلة للرحيم [3].
هذا فضلاً عما يشعر به المرء المسلم من الشفقة والرحمة والعاطفة على أقاربه، ولو لم تكن صلة الرحم شرعاً وعقلاً لكانت فطرة وسجية، وقاطع الرحم كأنه يقول: أنا لست إنساناً ولكن وحش، لأن الإنسان ولو ابن زنا يعطف على أبناء أمه وأقاربها ويتعصب لها.
إحفظوا يا أبنائى أرحامكم وصلوهم وإن قطعوكم، وأحسنوا إليهم وإن أساءو إليكم، فإن الصلة واجبة عليكم بحكم الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أرحامكم لا لأنهم أحسنوا إليكم، فهم وإن أساءو لا تسقط حقوقهم عندكم [4]، لأنكم ياأبنائى لو أنكم قطعتم أرحامكم بسبب إساءتهم إليكم تكونون قد حكمتم بغير ما أنزل الله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) [5]. صلوا أرحامكم صلة لله ورسوله، فإن الذى لا يصل من أرحامه إلا من أحسن إليه فليس بواصل ولكنه مكافىء، وإنما الواصل لرحمه بل والقائم بما فرضه الله عليه من وصل أرحامه لله تعالى ولو قطعوه، وأحسن إليهم وإن أساءوا إليه غير ناظر إلى عملهم فإن نظر إلى عملهم وحكم عليهم بما حكموا به عليهم كان من الأخسرين أعمالاً.
يا أبنائى إن الرجل تكون له الزوجة، والزوجة تبغض أقارب الرجل لأنهم يشاركونها فى نعمته، وهم يبغضونها لأنها استقلت بنعمة قريبهم وتصرفت فى ماله إلا من حفظ الله، والمرأة ألصق بقلب الرجل،فقد تخلو بهم وترميهم بالبهتان فيقوم الرجل بقطع أرحامه ويحارب أقاربه ويؤذى من أمره الله بالإحسان إليهم،فتكون المرأة فى مثل هذا أشر من الشيطان وأضر من النار، وإذا قدم الرجل لشهوته البهيمية المرأة الأجنبيه على أرحام له أمر الله بصلتهم، فإنه يكون كالبهيم بل أقل.
أبنائى: إياكم أن يحب أحدكم نفسه فيطمع فى قليل يفنى ويحرم كثيراً يدوم فإن أحدكم
، إذا أحب نفسه فطمع فى الدنيا ونافس فيها أخوته فقد فتح على نفسه أبواب شر :
الأول: بغض أقاربه الذين هم أولى الناس به ومتى كره أقاربه قرّب أهل الجهالة من شياطين الإنس الذين يعينون على قطيعة الأرحام وأحبهم واستعملهم فى إساءة اقارب،فينفق ماله فى غضب الله على شياطين الإنس وفى إساءة اقاربه.
الثانى :يبغضه عقلاء الناس لأنهم بمعاداته لأقاربه يعتقدون فيه الجهالة ومخالفة السنة ومعصية الله، ويسيئون منه لأنه يصير عندهم لا خير فيه.
الثالث: يفرق الجماعة، فإن كل واحد من أقاربه له شيعة يشايعونه وأحباب ينصرونه فإذا أحب الرجل نفسه ابتلى بعداوة تلك الشيع المختلفة فكثر همه وقلت راحته، واشتغل عن الله واشتدت الخصومة عليه،فبذل ما فى يده من المال فى خلاص نفسه وأذية أقاربه، فكان حبه لنفسه سبب فى زوال النعمة وفقدان اللذة وحرمان الراحة.
وفى مقام بر الوالدين والآداب لهما يقول الإمام رضى الله عنه:
لست فى مقام تقرير حقيقة خفية، ولكنها ثابته شرعاً وعقلاً وجلية، وتؤثر على القلوب والحواس تأثيراً يؤدى إلى الإنفعال النفسانى والجسمانى بالعواطف والاعتقاد والانقياد، وبالغيرة والحمية، مالى وللتكلم فى واجب فطرت على مراعاته النفوس الكريمة!! وجبلت على القيام بالعقول السليمة؟!حتى سارت من المقرر عقلاً وعادة، أن الولد إذا لم يقم لوالديه فيما من شأنه أن يقوم به أهل العواطف ظلم أمه.
والوالد والوالدة هما مظهر الشفقة والرحمة والحنان والبر والإمداد والإيجاد الإلهى،لذلك فقد أوجب الله الشكر لهما، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل الوالد على باب الجنة. قال الله سبحانه وتعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) [6]وقال الله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) [7] وقال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدو إلا إياه وبالوالدين إحساناً) [8]وقال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير) [9].وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: (قال رجل يارسول الله من أحق بحسن صحابتى أو صحبتى. قال: أمك ثم أمك ثم امك ثم أبوك) [10]، وقال صلى الله عليه وسلم : (رغم أنفه رغم أنفه. قيل من يا رسول الله؟. قال: من ادرك والديه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) [11].وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما أنها قالت: (قدمت علىّ أمى وهى مشركة فى عهد قريش فقلت: يا رسول الله إن أمى قدمت على وهى راغبة أفأصلها؟ قال: صليها) [12].
وفى الحديث الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رضا الرب فى رضا الوالد وسخط الرب فى سخط الوالد) [13]. وعن ابى الدرداء رضى الله عنه أنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيع [14] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح مرضياً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ومن امسى فمثل ذلك وإن كان واحداً فواحد وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما، ومن أصبح مسخطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن امسى فمثل ذلك وإن كان واحداً فواحد وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما) [15] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم)[16]. هذه الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد بينت لنا حقوق الوالدين وشرحت لنا مقدار السعادة التى ينالها الولد ببرهما، والشقاء الذى يناله العاق.
ومن الآداب للوالدين:
أن تبذل مالك وتحفظ مالهما، وتأكل بعد أكلها، وتنام بعد نومها، وتلبس بعد لبسهما، وتجتهد أن تعمل ما يسرهما ولو كانا كافرين، وعليك ان لا تخالفهما إلا إن جاهداك على أن تشرك ما ليس لك به علم فالواجب عليك أن لا تطيعهما كما قال الله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بى ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلىّ) [17]. وإياك ان يدفعك الطمع فتوفر مالك وتنفق من مالهما، أو تأخذ من مالهما شيئا ًتدخره لنفسك أو أولادك، أو تجمل امرأتك بشىء لم تجمل به والدتك فإن ذلك عقوق تعذب به يوم القيامة وتعاقب به فى الدنيا بعقوق أولادك لك. وكن على يقين أن برك لوالديك سعادة لك فى الدنيا بالعافية فى بدنك والنسيئة فى عمرك والسعة فى زرقك ونجابة أولادك وسرورك بهم ولو تحققت ذلك يا أخى لبذلت النفس والنفيس فى إدخال السرور على والديك فإنك لا تدرى متى يفارقانك.
وأكمل الآداب أن الصغير لا يطلب من والديه شيئاً إلا إذا احتاج إليه وعجز عن نيله بنفسه، فإن أعطى له ما طلب شكر وفرح، وإن أعطى له دون ما طلب قَبِل بدون أن يظهر ما لا يرضى من علامات الحزن أو الكلام. وعليه ان يسارع فى بذل ما فى يده لأخوته ليرضى والديه وأن يحفظ لأخوته ما معهم. وعليه أن يسارع إلى طاعة الوالدين وخدمتهما وتنفيذ أوامرهما والعمل بواصاياهما، ويجتهد ألا ياكا إلا بعد اكلهما، ولا ينام إلا بعد نومهما، وبستيقظ قبل قيامهما ليتولى خدمتهما، ويمشى أمامهما ليلاً ليقيهما، وورائهم نهارا ًتواضعاً وأن يعادى عدوهما ويواصل حبيبهما ما لم يكن أثماً ويجعل أوقات فراغه كلها فى مراقبتهما حتى ينال بذلك صالح الدعاء منهما بالحب الخالص ليكون ذلك راقياً له عند الله وفوزاً وسعادة. ومن الآداب ألا يكون سبباً فى تكدير صفو والديه بعمل ما يكرهانه فى المنزل وخارجه وإن كان الوالد له زوجة أخرى فإن حقه لا يسقط عن الولد بزواجه غير أمه فيجب عليه ألا يدعوه غضبه لأمه ان يسقط الحق الواجب عليه لوالده، فإن رضاء الوالدة فى غضب والده مما يوجب مقت الله تعالى، بل يلاحظ حقوق والدته وزوال ما فى نفسها من الحزن ويقوم لوالده بحقوقه مختفياً عن والدته حتى لايغير قلب واحد منهما عليه، وهذه من الكمالات النفسية.
إذا قصر الوالد فى القيام بشئون والده فمن الأدب أن يرجع الولد باللوم على نفسه وأن يتجمل لوالده بما يعيد له الرحمة الأولى، فإن رحمة الوالدين لا تنكر ولا يسلبها من القلب إلا عمل قبيح يحصل من الولد ربما لجهله يراه حسنا ًمنه.
قد يكون الوالد سخياً وصّالاً لأقاربه فيكره ابنه ذلك ويظاهره فتنزع رحمة الوالد من قلبه، وقد يكون الوالد ميالاً للزواج فيكره الولد منه ذلك لجهالته، والأدب يقتضى على الولد أن يتجمل لولده بكل أنواع الجمال ويطيعه إلا إذا امره بإثم فإنه يعتذر إليه.
أيها الولد الذى جعل الرحمة تنزع من قلب والده وتبدل بقسوة وجفوة لابد أن يكون من عملك فى ذات والدك أو سوء معاملة زوجته او من يحب. أنا أعتقد أن النساء يبغضن اولاد الرجال ويسعين لكيدهن، ولكن الحكيم العاقل البار يتجمل بأنواع الجمالات لولده ولزوجة والده ولأحباب والده من التواضع والخدمة والمسارعة إلى عمل ما يسر وإظهار الإخلاص وذكر ما قل من أعمال البر ونسيان ماعظم من أعمال الشر. ولا أشك أن من تخلق بتلك الأخلاق ألفته الوحوش فضلاً عن الوالد وزوجته.
يابنى: لا خلاص لك من شرور الدنيا وعذاب الآخرة إلا بتحمل أصعب الصعوبات وأشد الشدائد فى نيل رضاء والديك والتأدب لهما بما يليق بهما. وإن نفساً واحداً ترى نفسك لا تتحمل تلك الشدائد فتعادى والديك يكون من فعل ذلك سجل على نفسه الشقاء.
لو تصورت يا أخى كيف كانا يفرحان بك صغيراً ويبذلان نفائس أموالهما لسرورك وكيف تحملت والدتك فى حملك ورضاعك وفى تمريضك وما تحمله والدك فى تربيتك.. لبذلت وسعك لتسرهما وتكرمهما ليموتا راضيان عنك داعيين لك وتعيش بعدهما مطمئن القلب بأنك ستنال الخير ببركة دعائهما والذرية الصالحة البارة ببركة رضاهما مع ما يحصل لك من البهجة والسرور عندما تتذكر أنك أحسنت إلى والديك وأن الله سبحانه وتعالى سيدخلك الجنة مع الأبرار البارين، تلك البهجة يا أخى خيراً من الدنيا وما فيها.
وأظنك تقول يا أخى: أبنائى وزوجتى. أنت مسكين لا تعلم أرزقت بهم ليكونوا لك خيرا ًفى الدنيا والآخرة أو شقاء لولديهما فى الدنيا والآخرة؟ فكيف يا أخى تترك الأمر الجلى البينة سعادته، وهوبر والديك الذين أحسنا إليك؟. وأوجب الله عليك أن تقوم لهما بالإحسان وتجتهد فى الأمر المشكوك فيه الذى لا تعلم عاقبته وهوأن تدخر لأبنائك وتهمل الحقوق الواجبة لوالديك أعاذنا الله وإياك يا أخى مما يوجب المقت والسخط. ولو أنك ادخرت لأبنائك نفسا ًعالية ترفعهم عن سفاسف الأمور وعقلاً ذكياً يعقلهم عن مهاوى المقت، وخلقاً جميلاً حسناً تحسن به معاشرتهم لأرحامهم وأقاربهم وكنزا ًمن الدين يمنحهم الله به من السعادة فى الدنيا والآخرة لكان خيراً من نفائس الأموال وكنوز الذهب والفضة
*ومن بر الوالدين بعد موتهما:
الإستغفار لهما، والصلاة عليهما، وصلة الأرحام التى تدلى إليهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما. قال مالك ابن ربيعة: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة فقال: يا رسول الله هل بقى علىّ من بر أبوىّ شىء أبرّهما به بعد وفاتهما؟ قال: (نعم.. الصلاة عليهما والإستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما) [18]ومن إكرامهما فى حياتهما أن تبر يمينهما، فترى الفاسق الغوى إذا مات والداه أو أحدهما دعاه الطمع الأشعبى والغرور بالدنيا ونسيان يوم الحساب أن يقوم فيحارب إخوته وأخواته ويعتقد أنه لا عدو له فى الأرض إلا أبناء والديه ما ذلك إلا لأن الجهل أنزل المال عنده منزلة الإله المعبود الذى يأمره فيطيعه، ومن الضلال من يسلك الناس على إخوته الأشقاء أو أبناء العلات ليستريح من منافستهم له فى هذا العرض الزائل. ولعمرى إن هذا العمل لا يعمله رجل من أهل الجنة ولا من ذاق حلاوة الإيمان.
كن يا أخى على يقين إنك إن بررت والديك بعد موتهما بصلة أرحامهما أن الله تعالى يبارك لك بركة تدوم لك حتى تكون فى الفردوس الأعلى. ومن أعتز بمال يفنى. وملك يزول، ورياسة تتحول، ورياش يبلى، والإستعانة بأهل الزور والبهتان، فقطع أرحامه ليكثر ماله فرحاً بالمال والسيادة والرياسة: كان كمن عرض نفسه لشقاء الدنيا، فإن قطيعة الرحم تعجل عقوبتها فى الدنيا وأن قطيعة الرحم عقوق للوالدين وعقوق الوالدين موجب لسوء الخاتمة والعياذ بالله.
والأرحام فى الأصل كل من لك به قرابة توصلها بك أمك نسبة للرحم، ولكن العرف الشرعى أطلق اللفظ وجعلها عامة لكل من لك به قرابة تدلى إلى أمك وأبيك.
وجعل قرابة الأم أولى بحسن العاطفة وإن كان للعصبة تأثير على النعرة بالنسب والحمية للقرابة. فبدأ أيها الأخ أيدك الله بالتوفيق بصلة أرحامك معتقداً أن ذلك سعادة لك فى الدنيا والآخرة، وليكن ذلك بقدر استطاعتك، وأبدأ بنفسك ثم بمن تعول.
ومن يدفعه الأمل إلى الطمع فيقصر فى حقوق الصلة فيحتال لسلب ما فى أيديهم فيكون قد ارتكب جريمتين جريمة التلصص وجريمة قطيعة الرحم، واللص الذى يتلصص على الأجنبى أقل وزراً منه. كيف يكون سرورك أيها الأخ إذا أنت أكرمت اخوتك وأقاربك وتحققت أن الله تعالى يكرمك فى الدنيا بأن يجعل فى قلوب أبنائك الرحمةوالعاطفة بعضهم لبعض وشهدت ذلك فى حياتك، وانتقلت إلى الدار الأخرة شاكراً ربك على ما وهب لك من التعاطف والتواصل والتآلف والمساعدة والمسارعة إلى جلب الخير لبعضهم ودفع الضر عن بعضهم، وانتقلت إلى البرزخ فوجدت قبرك روضة من رياض الجنة فكمل سرورك وتمت بهجتك؟ ثم انظر يا أخى للعاق لوالديه القاطع لرحمه كيف تصب عليه البلايا فى الدنيا صباً بكثرة القضايا والخصومات، ثم جعل الله له أبناء فجرة يبددون ما جمع فى حياته وينغصون عيشته بما يقع بينهم من الخصومات والعداوة وما يناله من قبيح أعمالهم من الناس حتى يتمنى أنه لم يكن تزوج. وأنه يوجد فى الدنيا فيعيش طول عمره فى شقاء وكبائر حتى يفارق الدنيا فينتقل من آلام بدنية فكرية إلى حفرة من حفر النار- نعوذ بالله من قطيعة الأرحام- ولا يصبر أبناؤه حتى يواروه التراب بل تقع بينهم المنازعات والمخاصمات، وربما تلاكموا وتضاربوا بالعصى وتزاحموا على تفتيش الحجرة التى هو فيها وربما وطئوه بالنعال وهو ملقى بينهم وهم الذين كان يسهر ليجمع لهم ويخاصم أقاربه ليجدد لهم.. انظر أخى بعينك عاقبة هذا الأمل ونتائج هذا الطمع.
صل رحمك يا أخى ليرحمك الرحمن، وأكرم أقاربك ليقربك القريب، وبر والديك ليبرك البر الودود. قال تعالى: (وبالوالدين إحساناً وبذى القربى) [19] وقال سبحانه: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم) [20] وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى عمره فليصل رحمه) [21].
ومن الآداب الواجبة عليك لوالديك أن تبر أهل ود أبيك ممن كان يودهم ويحبهم. ولا تتشبه يا أخى بمن أبعدهم الله عن أعمال الخير الذين إن تمكنوا أساءوا أهل الود والديهم، لأنه قد يكون للرجل ولد سىء الأدب ويكون والده متزوجاً امرأة غير أمه وتكون محظية عنده محبوبة لديه ولم ترزق من أبيه بأولاد، فإذا مات أبوه قام فجعلها أعدى أعدائه وشر ألدائه ويرع حقوق والده. وقد يكون للولد عامل مخلص فى عمله محافظ على أمواله، ويكون الولد مسرفاً فيشدد عليه العامل وهو صادق أمين، فإذا تمكن المسرف من المال أو الميراث حارب العامل الصدوق الأمين وطرده من عمله ولم يراع حقوق والده.
وقد ورد عن سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان راكباً على جمل فمر به (أعرابى فنزل عن الجمل وقابله وحيّاه، ثم أخذ بزمام الجمل وأعطاه إياه وانصرف، فقيل له ما هذا؟ قال: هذا الرجل كان يُضحك والدى كما رآه، فأحببت أن أبر والدى بإكرام من كان يضحك والدى لرؤيته.. وهكذا فليكن البر، ومن هذا الإمام يؤخذ. فقم يا أخى بإكرام أهل ود أبيك لتكون باراً، وكن على يقين أنك تفوز بالمسرات فى الدنيا والسعادة فى الآخرة، والله يمنحنى وإياك التوفيق لما يحب ويرضى.
نصيحة للأبناء:
يا بنى لا تجهل من أنت، وما لا يجب عليك، وما لا يجب لك. لعلك يا بنى تظن أنك تجده من عواطف أمك وأبيك ومن حرصهما على سرورك وخيرك، ومن بذل نفائس أموالهما فيما فيه راحة بدنك وزيادة صحتك، أن ذلك واجب عليهما أو حق لازم عليهما لك، فتجهل قدرك وتنسى قدر النعمة عليك من ربك، فتقوم مطالباً بحقوق توهمتها لم يوجبها الشرع ولم يستحسنها العقل، فتكلف والدتك بخدمتك أو تغضب عليها إن تهاونت بشأنك أو تأبى أن تلبس او تأكل ما قدم لك أو تستقل ما أكرماك به، فتكون كالفراش الذى يطوف حول النار لا يرضى بضوئها وحرارتها حتى يسقط فى لهيبها.
أسرع بأن تعلم منزلتك وأنب إلى ربك تائباً وإلى والديك متزللاً متملاقاً. لم يبذلا لك ما بذلا من المال والنفس لواجب عليهما، بل لأنك شجرتهما ومرآة حقيقتهما. فإن نظرت بنظر الإبن للوالدين نظر تعظيم وإطاعة لأمرهما وحب لهما ورغبة فى نيل رضاهما من الله عليك بأن جعلك عاطفتهما عليك فى مزيد، وجعلك لهما ظهيراً ونصيراً بعد كبرك، فتكون لهما والداً شفيقاً ويكونا لك كوالدين رحمين، وتكون قد قمت بالواجب عليك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللوالدين.
إذا منّ الله عليك بأن جعلك غنياً عن شرار خلقه عالماً، فكن رجلاً خارج المنزل، فإذا دخلت على والديك فكن طفلاً كما كنت أولاً، عبداً كما كنت سابقاً تملك ولا تملك، واجعلهما يدبران لك شأن داخليتك وإن اخطئا، وحسن شأن خارجيتك، فإنك لا تدرى متى يأتيهما الموت.
لعلك ياأخى إذا تزوجت صارت زوجتك أحب إليك من أبيك وأمك وإخوتك، وهى إنما رضيت بك لأنك قوى غنى سوى، ولو ذهبت صفة من تلك الصفات ذهبت معها وكانت حرباً على زوجها. فاصحب زوجتك على حذر منها، وكن عبد الله مطيعاً لوالديك.
يابنى: بعض الضالين الذين حرموا الكمالات الإنسانية يتهاون بشأن والديه ويعتنى بشأن زوجته- أعوذ بالله أن أكون منهم أو تكون منهم- فإنهم عبيد لشهواتهم، وعباد الدراهم والدنانير أقرب للبهيمة منهم إلى الإنسانية. أنظر إلى والديك تراك غصن شجرتهما وصورة حقيقتهما وخلاصة حياتهما فلا تعبد يا بنى شهوتك وتكفر بربك سبحانه وتعق والديك، واجعل والديك فى أعلى المراتب من قلبك، وقم لزوجتك بما فرض الله تعالى عليك وبما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تنسى الفضل بينك وبينها، ولا تجعلها سبباً فى عقوق والديك وقطيعة رحمك، فإن الإنسان لا يدرى لعله يجمع المال ويحرم منه أرحامه ثم تحوزه الزوجة وتنفقه على زوج أجنبى.
أجتهد يا بنى إن كان ورثك والدك مجداً وشرفاً أن تحافظ على ميراث والدك وأن تجتهد فى أن تزيده وتنميه ليحيا والدك. واعلم يابنى أن بعض أهل الغواية الأنذال المفسدين الذين هم مرض فى جسم الأسر يتمنى الخبيث منهم أن يموت والده ليرث ماله، فإذا مات والده قام ببذل المال فى شهواته وحظوظه حتى إذا لم يبق فى يده ما يستعين به ندم- ولات حين مندم- فتمنى إن والده عاش له بعد ان أحوجته الضرورة إلى خدمة من كان خادماً عنده أو أرتكب ما به يحشر إلى السجون.
وهلى هذا اقول لك أيها الولد البار: اجتهد فى صحبة العلماء العاملين، ودوام على مجالسة الأتقياء الصالحين، وتعلم منهم وتشبه بهم، والله يتولانى وإياك.. إنه ولى المؤمنين [22] .
رحمته
لقد وصف ربنا نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله عز وجل: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [23].
الرحمه مفاضة من الرحيم، والرؤوف الرحيم هو رب العالمين وقد وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) [24]، وورثها أهل الخشية منه صلى الله عليه وسلم.
إن اقتربت من الإمام وكنت مريضاً وجدت طبيباً، وإن كنت جاهلاً وجدت عالماً، وإن كنت تشكوا من سيطرة الشيطان والنفس والهوى وجدت طبيباً معالجاً يستل العلة من قلب العبد بحكمة.
كان من رحمته أن يأتيه الأخ المريض ليدعوا له ويتبرك به، فيسأله الإمام عن سبب شكواه، ولما كام الإمام له معرفة كبيرة بعلوم الطب فكان يسأل عن سبب الشكوى، ويوجه المريض إلى الطبيب المختص. وكان الإمام دائماً لا يترك الأخذ بأسباب العلاج عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الداء وخلق الدواء، فتداووا يا عباد الله) [25].
وقد سأل الإمام يوماً من معه فقال: (أتدرون ماذا يدعوا رجال الغيب؟؟ يقولون ما من هم أوغم أو مرض او ألم أردت به أمة محمد فخصنا به ونجّ أمة محمد واجعلنا فداء لهم) .
ومن رحمته رضى الله عنه أنه كان بالبيت رجل يخدم أسمه مصطفى، وكان فظاً، وقد خرج ليأتى بإفطار أهل المنزل وتأخر كثيراً، فعاتبته زوجة الإمام، فرمى عليها إناء الطعام الساخن قائلاً: أنا مش عبد أبوكم، فدخلت تبكى للإمام وقصت عليه ما حدث، فطيب خاطرها وقال لها: والله لقد صدق فهو ليس عبداً لى.
لقد تحمل الإمام الكثير والكثير من أعداء الدعوة، وتحمل أيضاً الكثير من أصحاب السلطان وقتذاك، ومن الإنجليز- المندوب السامى البريطانى- ومن القصر، ومن الرئاسات الفاسدة، ومن أصحاب الضمائر الخربه، وقد جند هؤلاء بعض الكتبة ليكتبوا ضد الإمام على صفحات الجرائد والمجلات مقالات شديدة اللهجة ويغدقون عليهم الأموال ومن بينهم بعض العلماء، وكان من تلاميذ الإمام صحفى مشهور أراد أن يتصدى لهؤلاء ولكن الإمام منعه، لكنه ظل يلح فى ذلك إلى أن قال له الإمام اكتب عنى فقط بيت شعر واحد، يقول لكم أبو العزائم:
كل شىء منكم عليكم دليل وضح الحق واستبان الدليل
وكان أحد المشايخ الذين يهاجمونه حقداً عليه قد استيقظ ضميره، فذهب إلى الإمام فى داره وقدم نفسه إليه أنه محام شرعى اسمه عباس طه وكان المعروف عنه من مقالاته أنه متمكن جدأً فى اللغة والبيان والحجة والإقناع وفى نفس الوقت كان سليط اللسان بذىء الألفاظ – واعتذر للإمام عما فعله، وأخبره أنه رجل فقير وفى شدة الإحتياج لما يدفعونه له من مال، ومن رحمة الإمام أنه قال له: استمر فى سبك لى وهجومك علىّ طالما أن هذا هو رزق لك، فما كان من هذا الرجل أمام هذا الصفح والعفو وهذه السماحة والرحمة إلا أن كان يكتب مقالاته الهجومية التى يقبض عليها أجرة، وهو هو نفسه يكتب مقالة بعدها مباشرة دفاعاً عن الإمام ومفنداً كل ما هاجمه به تحت اسم آخر.
وكان رحيماً جداً بإخوانه فإذا أحس منهم الإرهاق وهم فى مجلسه فى الساعات المتأخرة من الليل طلب منهم ان ينصرفوا ليناموا ومرة قال لهم:
ألا رحمة بالجسم يا عشاق فالروح دوما ًللعلا تشـتـاق
إن عاينت وجه الجميل تفر من تلك القيود وطبعها الإشـفـاق
فالروح عالمها العلوى ودائماً تخشى يكون بذى القيود فراق
رفقاً على تلك الجسوم لأنها مرآة نور الحق والإشـتراق
سيروا على قدر الجسوم فإنها تجلى بها الأنوار والإطـلاق
أخشى تطير الروح عند شهودها فتفارق الأجسام وهو شـقاق
رفقا ًعلى تلك الجسوم ورحمة فالرفق أوصانا بـه الخلاق
ولكن يعز عليهم أن يقوموا للنوم ويتركوا مجلس الإمام بما فيه من جمالات، فيغادر الإمام مجلسه ويدخل حجرته، وبعد فترة يخرج ليتفقد أحوالهم، حتى إذا اطمئن عليهم عاد لخلوته.
وفى آنات أخرى كان يحث إخوانه على السهر والجد والإجتهاد فى ذكر الله.. أطال الإمام السهر ليلة ومعه تلاميذه حتى داعب النوم أجفانهم، لكنه نهض وأمرهم بمتابعته، وساروا فى الطريق إلى مسجد سيدنا الحسين، وفى الطريق مروا بنادٍ للهو والخلاعة، فنظر الإمام إلى إخوانه قائلاً: ما أنشط هؤلاء وهم فيما تعلمون، وما أبطأكم عن المسارعة لنيل ما تحبون، كيف ينام طالب الجنة ويسهر الملقى بنفسه فى الهاوية؟؟ فقال أحد الإخوان: إنا نحب أن ينام سيدنا شفقة عليه من هذا العناء، فقال الإمام: اسمع وافهم
أنام وداعى المجد يجذبنى قهراً فيسلب نومى قائلاً كن فتًى حراً
ونفسك أيقظها وإن نام جسمها فللجسم نوم قد يحل به قسراً
وكيف تنام النفس جهلاً وغفلة ويسهر جسمى عاملاً عملاً نكراً
لعمرك إن المجد سهل على الفتى إذا هم للعلياء مدرعاً صبرا
وما هى إلى جولة الفكر ساعة تحرك أهل العقل ترفعهم قدرا
يسود بها الداعى إلى الخير والهدى يراه جميع المسلمون لهم ذخرا
ومن كان ذا عمر قصير ومطلب عظيم ينام الليل أو يأمن الدهرا؟
ينام نعم جسمى إضطراراً بطبعه ونفسى بملكوت السما تلحظ السرا
ومن يك ذا نفس تنام عن الهدى يرد إلى النيران مرتدياً خسرا
وكل فتى قد جاهد النفس مخلصاً ليطعمها ذكراً ويلبسها شكراً
يفر من العمل القبيح وفعله إلى الرشد فى الدنيا إلى المجد فى الأخرى
وفى احتفال من إحتفالات ذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان العدد كبيراً يفوق الحد، مر الإمام ليتفقد الإخوان اثناء نومهم لعل أحدا ًمنهم يريد شيئاً، فوجد البعض نائماً بدون غطاء لعدم توفره، فأيقظ خدم المنزل وأمرهم بإحضار جميع الأغطية بالمنزل ثم غطى هؤلاء الأخوة بيديه الكريمتين قائلاً: هؤلاء ضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم نقدمهم على العيال.
وكان رضى الله عنه يعطف عطفاً كبيراً على أهل المعصية ويستميل قلوبهم إلى ساحة الطاعة بتنويع إسلوب بيانه، وكان من رحمته ان يحرص على زيارة المرضى من المسلمين فى المستشفيات، وكان يخص بالزيارة من لا يجد حول سريره زائراً فيجلس على سريره بجواره يعطف عليه ويصله ويدعوا له ثم ينتقل منه إلى غيره وغيره، فهذا كان حاله مع مرضى الأبدان، وكان هذا هو نفس الحال أيضاً مع مرضى القلوب والأفئدة والنفوس، فإن أكثر الناس يعتبرهم محتقرين ممقوتين.. لكن الإمام يقول:
محمد ماضى أبو العزائم لا يرى مسلماً مرتكباً كبيره إلا نظر له بعين الشريعة رحمة له، ويعظه بالحسنى نيابة عن صاحب الشريعة، ونظر إليه بعين الحق فأول حاله قائلاً: لعله من أهل الخصوصية الإلهية وستره الله تعالى بفضله، فإنى أعتقد أن القضاء لايمنع الإعطاء من فضل الله تعالى، فأعظّمهم فى قلبى وأخافهم فى نفسى تعظيماً لسر الله الذى ورد على قلبى، لأن الله تعالى لا يعطى فضله لعلة عمل، ونصحته بلسانى حباً له وتعظيماً للشرع، فأكون معظماً لله تعالى فى الحالتين.
إخوانى: اتقوا الله فى عباده، وعليكم أنفسكم، واجلوا مرآة قلوبكم بعمل القلوب، واشتغلوا بذنوبكم فإنكم محاسبون عليها لا على ذنوب غيركم، وارحموا عباد الله تعالى، ذكروهم بالحسنى، عظوهم باللين، اعينوهم بفضل أموالكم، وجميل كلامكم ، وأحبوا لهم ما أحببتم لأنفسكم، والله ولى المؤمنين، وصلى الله على سيدنا محمد الرؤوف الرحيم وعلى آله وصحبه وسلم.
صفحــــــــه
كانت الإساءة على الإمام تأتيه من القريب ومن البعيد، فلا يقابلها إلا بالصفح، بل وربما قابلها بالبر والإحسان.
واثناء عمل الإمام بالخرطوم حقد عليه بعض العلماء لما وجدو الإقبال المتزايد من الناس واتباعهم له ومدى حبهم والتزامهم بمجلسه لقراءة صلواته على الرسول صلى الله عليه وسلم أزمع الحاقدون على قتله وأوكلوا هذا الأمر إلى أحد اتباعهم بعد ان أوغروا صدره وأوعزوا له أن الإمام ما جاء إلا ليشوش على شيخه فقرر قتله[26].
وبينما كان الإمام يتهجد فى حديقة منزله تسور الرجل سور الحديقة، وبعد ان فرغ الإمام من صلاته قال له الرجل، يا أبا العزائم لقد تعديت على أسيادك اتريد أن تعمل شيخاً وأسيادك هم شيوخ البلاد؟ فقال له الإمام:
ولم يحدث ذلك ولكننى أدعوا إلى الله ونحن جميعاص إخوان فى الله، لم يصدق الرجل، واستل سيفه واندفع ليضربه به، ولكن الإمام ظل يراوغه إلى أن تعب وتمكن منه الرجل ووضع السيف على رقبته.
وفى نفس الوقت هب الحاكم المصرى للسودان من نومه منزعجاً- وكان محباً للإمام ومن عشاق علمه- وطفق يجرى ميمماً وجهه شطر بيت الإمام والحرس من وراءة يتبعونه حتى وصل إلى منزل الإمام، وأبصر الرجل ينكب على الإمام وقد تمكن منه بسيفه فصاح فيه قائلاً: قم يا كلب، فرمى السيف ووقف مرتعدأً، وقبضوا عليه.
عن ذلك قال الإمام للحاكم: دعه، قال:لماذا؟ قال الإمام: لقد امرتنا الشريعه ان نتعلم السباحه والرمايه وركوب الخيل وفنون القتال [27]، لقد كان يعلمنى كيف يستطيع الإنسان أن يقهر عدوه ويتفادى خطر خصمه، فأطلق الحاكم سراحه، فاعترف الرجل بحقبقة أمره واعترف بذنبه وأعلن توبته إلى الله وأحب الإمام، إنها سابقة حسنى،قال
الإمام رضى الله عنه لمن شاهدوا هذه الحادثه:لا تقصوا هذه القصه الأبعد أن أموت [28].
*اعتاد أحد خدم البيت على سرقة ما استطاعة أن تصل اليه يده:ولم يستثنى من ذلك رواد البيت وضيوفه حيث كان يتحين الفرص لاٌتناص ما بحوذتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، إلى أن وصل به الأمر ان سرق كيس النقود الخاص بالإمام وبه عدد كبير من الجنيهات الذهبية كان قد تركه على كرسى الدرس وأعطى السارق النقود لأحد التجار ليتجارا معاً فيها، لكن الأمر إنكشف لتلاميذ الإمام فنهال البعض عليه ضرباً لكن الإمام كفهم عنه.
ويشاء المقدر سبحانه أن يصاب التاجر بالشلل، وتوجه ذوه إلى الإمام وأعادو إليه حافظة نقوده بما فيها، ثم يأمر الإمام بإخراج المسروقات التى خبئها السارق فى مكان بالمنزل غير مطروق، وأمر بإعادتها إلى أصحابها محدداً إياهم، وأحضر السارق بين يدى الإمام وصفح عنه، ولما هم أن يغادر المنزل استبقاه الإمام قائلاً له: إنك أمين جداً ولكن شيطانك هو اللص، وبقى بالمنزل يزاول عمله فيه.
ولما تساءل بعض الإخوان عن أمره عرفهم الإمام أنه كان يحاول إصلاحه ما استطاع، وحاول أن يستره مع علمه بما يقوم به من سرقات غلى أن كشفه الله تعالى ليقى الناس من شره [29] .
* فى يوم سرقت حافظة الإمام، واكتشف أن أحد الخدم هو الذى سرقها، وشاع ذلك الأمر بين أتباعه، فجمعهم واشتشارهم فى أمر السارق.
ثال أحدهم: نقوده غلى الشرطة. وقال آخر: نحبسه عقاباً له.
وقال غيرة: نضربه ونبعده عنا ولا يدخا دارنا.
وقال غيره: لا قول لى مع ما تراه فانظر ماذا ترى؟.
قال الإمام: لقد عفوت عنه إبتغاء وجه الله، إبحثوا عنه وأعيدوه إلى عمله.
فقال أحدهم: إنه لص تعدى عليك يا سيدى وسرق مالك.
فرد الإمام بقوله: إن تركته فعل هذه مع غيرى ممن لا يرضى به ولا يتحمله كما أتحمله، وأعيد الخادم إلى عمله وقال له الإمام: لقد عفوت عنك وسامحتك، فندم وبكى وتاب إلى الله واستقام وتغير حاله فصار من خير الناس.
كرمــــــــــــه
لقد شهد القاصى والدانى مدى كرم الإمام رضى الله عنه لضيوفه ومريديه، وظهر ذلك فى حسن استقباله لهم بالبشر والترحاب وإكرام وفادتهم والسهر على راحتهم وقضاء حوائجهم ومساعدتهم، وكم أقيمت فى بيته العامر مآدب الكرم وبسطت أكف العطاء لكل طالب تقام بكل رضا وحب وفرح وسرور لضيوف الله وإذا بسطت المائدة للزائرين، فإن الإمام يرغّبهم فى الطعام، وكان من حبه للبر بالإطعام والتزاور أن يأمر بذلك أصحابه.
* ويحكى أنه رضى الله عنه كان عائداً من جامعة الخرطوم إلى منزله راكباً دابته، وكان ذلك أول الشهر وقد تقاضى راتبه ووضعه فى سرة، فاستوقفه محتاج وقال له: مادام قد أرسلك إلىّ فالمال كله له سبحانه.
ولم يكن بالبيت ما يقوم بحاجة أهله وزواره وضيوفه، فما كانت إلا ساعات وأتت عربات تحمل المواد الغذائيه بأنواعها المختلفة وكذلك المواد التخزينية قادمة للإمام من أحد محبيه بدون سابق طلب أو عادة منه على فعل ذلك من قبل، فقال الإمام لأهل بيته : لقد أحضر الله لكم كل ما تحتاجونه بغير نصَب ولا تعب وكأنه يعاملكم معاملة أهل الجنة [30] .
* ويأتى للإمام وفد من الفيوم مشياً على الأقدام لزيارته ورؤيته وتأثر الإمام تأثراًُ بالغاً لما علم أنهم أتوا إليه مشاة، فأحسن رضى الله عنه ضيافتهم وأكرم وفادتهم، وعند سفرهم زودهم بزادهم ونفقة سفرهم وزاد فى العطاء [31] .
* وكان رضى الله عنه أثناء عمله بالسودان يوفر من معاشه حتى يكون عائد كبير يرضى به المحتاجين عند نزوله مصر فى إجازته السنوية، وكذلك ليصل بها رحمه حتى أخواته بالرغم من أنهن متزوجات وكان أزواجهم أغنياء.
* وكان الإمام رضى الله عنه يلقى دروسه بالجامع الكبير الذى يتوسط مدينة الخرطوم، وتقع على جانبه الأسواق، ومن حوله محطات المواصلات العامة، ولذلك فإن المارة والباعة الجائلين يتجمعون حوله من كل مكان، وكذلك ذوو الحاجات، ويتجمع حوله وإلى يومنا هذا الفقراء والمساكين وذو العاهات ممن أقعدهم المرض، وهم يسكنون حول سور المسجد الكبير لا يكادون يفارقونه، وكان الإمام رضى الله عنه يحنوا عليهم ويجلهم أيّما إجلال ويواسيهم بماله وجهده وينبه المسلمين بمكانتهم من الله تعالى، وقد تواتر عنه أنه كان يأمر أهل بيته بتجهيز الولائم وإعداد الطعام الشهى لأنه سوف يدعوا بعض علية القوم من ذوى المكانة لتناول الطعام معه، وعند عودته رضى الله عنه إذا بصحبته جمع غفير من هؤلاء الفقراء وذوى العاهات فى ثيابهم الرثة وهيئتهم التى تنفر منها النفوس، ويرحب بهم الإمام ويعد لهم موائد الطعام الشهى ويبالغ فى إكرامهم، وعندما كان يتعجب أهل بيته ويقولون: هل هؤلاء هم الوجهاء ذو المكانة؟ يقول لهم: إن هؤلاء هم الأمراء وأصحاب الجاه والمكانة يوم القيامة ولهم الدولة هناك، يقول سيدى أبو مدين رضى الله عنه فى ذلك:
ما لذة العيش إلا صحبة الفُقرا هم السلاطين والسادات والأمرا
* وكان من الإخوان من يود دعوة الإمام فى بيته ولكنه لا يستطيع لضيق ذات اليد، وكان من حرص الإمام على إدخال السرور فى قلوب هؤلاء الأحباب الذين تفيض أعينهم من الدمع لعدم الإستطاعة، يعطى بعض خواصه مبلغاً من المال لشراء ما يحتاجه الأخ لضيافة الإمام وإخوانه.
ومن وصايا الإمام لأبنائه يقول:
يا أبنائى: أكرموا جيرانكم يدُم لكم الصفاء والهناء وتزد نعمكم، لأن إكرام الجاريرضى الله تعالى ويرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل لك جارك خادماً لك يطيعك، يلبيك إن ناديته ويسرك إن قابلته، فإن أنت لم تكرمه كان كالهم الملازم والغريم المطالب ولا غنى لك عنه ، والعاقل لا يجعل له سبعاً وحشاً مفترساً مطلقاً من القيود قريباً من بابه ولإن عجزت عن إكرامه وتأليفه فتب إلى الله واسأله المعونه، وافرض أن جارك بعيد عنك فلا تذكره إلا بخير، وانس إساءته يهده الله أو يريحك منه.
وبياناً لحقيقة الكرم قال الإمام رضى الله عنه: ليس الكرم أن تخرج للناس طعامك وشرابك، وإنما الكرم أن تقدم لهم الحكمة التى تنفع، ومن هذا نستطيع القول أن حياة الإمام مثلث الكرم بعينه فى جميع مجالاتها، وحقيقة الإنفاق بينها الإمام عندما فسر الآية : (ومما رزقناهم ينفقون) [32] فقال فى كتاب (أسرار القرآن) : والإنفاق هو العمل المالى الذى تقوم به الحجة على أن المؤمن آثر ما عند الله تعالى على ما عند نفسه مما به تطيب حياته فى الدنيا، وهو الحجة على كمال إيمانه بالغيب لأن يوم القيامة من الغيب، وبذل المال لنيل السعادة فيه كمال التصديق بها.
وعندى أن قول: (ومما رزقناهم ينفقون) يدل بصراحة على أن المؤمن واجب عليه أن ينفق من كل نوع من الأنواع التى تفضل الله تعالى بها عليه من العافية والعلم والجاه والعصبة والمنصب والحكمة والصناعات والفنون، فإن كل ذلك رزق من رزق الله للعبد، ومن حصرها فى المال لاحظ كل ما ينفق خرج من ملك المنفق، والعلم ينمو بالنفقة، فتسمية ماعدا المال بالنفقة تسامح، ورداً على هذا نقول أن الله وعد المنفق من الحلال الطيب فى الحلال الطيب بعشرأمثال ما ينفق، وبسبعمائة، وبأضعاف ذلك، والله ذو الفضل العظيم.
وبين الإمام أيضاً حقيقة الإنفاق والبروالكرم عند تفسيره لقوله تعالى : (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم) [33] فقال: معلوم أن المال عند أكثر الناس أعز من الروح، فإنا نرى الناس يقتلون دون أموالهم، وقد يعادى الإنسان والديه وأولاده حرصاً على المال وقد ينسى الإنسان أن المال وسيلة إلى نيل الضروريات والكماليات فيجعله مقصوداً لذاته يضحى فى سبيل جمعه ونموه بكل رخيص وغال من صحة وقرابة ودين، لذلك كان البرهان على كمال الإيمان بالله وحسن التوكل عليه: بذله فى وجوه الخير، فحصر الله البر فى منح المؤمن بعض ما يحبه منه لأقاربه وأهل الحاجة إيثاراً لهم على نفسه كما قال الله سبحانه: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [34]. وإن تأولنا قوله تعالى: (حتى تنفقوا مما تحبون ) على وجه الإطلاق يكون الذى ينفقه المؤمن مما يحب عاماً من علم ومال وحياة وشرف وترف وعفو عن المسىء وصلة للقاطع وإعطاء لمن حرمه وإيثاراً للمؤمن على نفسه، وبذلك يكون قد جمع أنواع البر حتى ينال بر الله تعالى له فيؤثره الله تعالى بتفريده لذاته لقوله تعالى: (تالله لقد آثرك الله علينا) [35] ويكون البر جماع الخير كله.
تواضعــــــــه
كان الإمام رضى الله عنه متواضعاً، وكان يعلم تلاميذه خلق التواضع بعد أن يضرب بنفسه المثل أولاً.
* فعندما توجه إلى الفيوم فى أول زيارة له، ذهب إلى مسجد سيدى الروبى ليصلى الجمعة، وعلم إمام المسجد وهو الشيخ سعد العقاد شيخ الطريقة الشاذلية العقادية بحضور الإمام فطلب منه أن يخطب الجمعة، ولكن الإمام اعتذر فى تواضع، فلما أصر إمام المسجد طلب منه الإمام أن يحضر ديواناً ليخطب منه، وقف الإمام ليخطب والديوان بيده ولكن الله فتح عليه أبواب المعرفة والبيان فتكلم بغير ما هو مكتوب مما أدهش الحاضرين وجذب القلوب إليه، فقال له الشيخ سعد العقاد بعد الخطبة: أقسم أنك كنت تقرأ من الغيب وليس من هذا الكتاب.
وكان أسلوب الإمام رضى الله عنه متميزاً، وكذلك كانت له آداب خاصة إذا أراد أن يفسر القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو أى متن من متون الفقه، فقد كان رضى الله عنه جميل الهيئة حسن الهندام يلبس زى العلماء ويجلس على كرسى خاص توقيراً للعلم، فإذا أراد أن يبدأ الدرس أمسك بالمصحف الشريف أو المتن الذى يريد القراءة منه أو يمسك بأى كراسة حتى وإن لم تكن هى المتن الذي يقرأ منه، تقييداً بالسبب ومحافظة على مرتبة الأدب مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هذا هو حال أهل العلم بالله تواضعا معه صلى الله عليه و سلم .
*و لما سافر الإمام إلى عزبة البرج لأول مرة و كان معه عدد من الإخوان، وجد فيها رجلا متمصوفاً يحتكر الوعظ و الأرشاد لأهله على غير علم، و له أربعة أولاد أعطى لكل منهم خلافة علقها تحت إبطه في علبة من الصفيح و علماً كبيرا. توجه الإمام و قبل يد هذا الرجل و قال له أنا ضيفك، ففرح بالإمام جداً و قال له اجلس واسمع مني يا أبا العزايم، و أنصت له الإمام والحاضرون، و تبين له رضي الله عنه أن الرجل يتكلم بغير علم حتى أنه قال أن سيدنا أبا بكر الصديق كان مالكي المذهب، و بعد أن انتهى قال للإمام: سمحت لك يا أبا العزايم أن تتكلم . وهنا ألقى الإمام درسًا مبينا للحاضرين ما هم بحاجة اليه بأسلوب حكيم، حتى اذا فرغ من درسه خلع الأولاد خلافتهم و أعطوها لأبيهم و خرجوا معه رضوان الله عليه ينشدون علمه ويتلقون عنه الحكمة .
*و من تواضعه أنه و هو في أوج المعرفة و قمة العلم كان اذا وجه اليه سؤال فقهي و معه علماء لا يبدأ بالرد بل يستأنس بآرائهم تكرمة لهم و تواضعاً منه .
*و قد ربى الإمام تلاميذه على التواضع، و ها هو الشيخ محمد الطوبجي من كبار تجار القطن بالمنيا و في مصر يحس أنه صغير جدا أمام إخوانه و يخدمهم . و في إحدى ليالي ذكرى المولد النبوي الشريف، زار النبيل عباس باشا حليم الإمام رضوان الله عليه، فقد كان من أحبابه، جلس الأمير مع الإمام . و أقيمت حلقة الذكر و طلب الإمام من الشيخ محمد الطوبجي أن ينشد عليه الذكر من مواجيده، فأنشد بجمال صوته و شدة حاله الذي أثر في الأمير، فأضمر النية أن يمنحه مبلغاً من المال و طلب من الإمام مقابلته . و قبل انصراف المجلس سأل الإمام عن المنشد فلم يجده . و لما حضر دخل على الإمام معتذراً فقال له الإمام: أين كنت ؟ أفي ليلة جدك رسول الله تغيب ؟ فقال سامحني يا سيدي فقد شغلت رغم إرادتي، فقد كان اليوم موعد تسليم القطن، فذهبت لأبدأ العمل و تركته لغيري لأكون بجوارك، ثم سأله الإمام: و كم مقدار هذا الذي شغلك اليوم ؟ فرد على سماحته قائلاً: آلاف مؤلفة يا سيدي، فانتبه النبيل عباس باشا حليم و قال: لا ينبغي أن يقول هذا إلا محمد الطوبجي، و قال الإمام: هذا هو محمد الطوبجي الذي أثر فيك أثناء الإنشاد، وما جاء في هذا اليوم رغم مشاغله إلا حبا في رسول الله، دع مالَََك في جيبك يا نبيل، إن الذي ينشد أناشيد مولد رسول الله و يحيي مولده هو من أغنى أغنياء مصر، و ما جاء إلا في حب رسول الله.
زهـــــــده
إن الإمام لو أراد الدنيا كلها لأتته من أقرب الأسباب، لكنه رضي الله عنه تعفف عن طلبها لعلمه بحقيقتها وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة بل إنه كان حريصا على أن يكشف لأتباعه ومريديه حقارة الدنيا لتسمو هممهم من الأقتصار على طلبها وبذل الهمم لنوالها .
*و ذات مرة ضرب مثلاً عمليا على مائدة طعام كان قد أقامها له الشيخ العقاد، فاجتمعت القطط حولها، فأخد الإمام قطعة من اللحم و ألقاها للقطط، فتضاربت وعض بعضها بعضاً و ارتفعت أصواتها، فقال الإمام: كانت هذه القطط تعيش في صفاء و حب، إن هذه الكبيرة هي أم لهذه الصغيرة، و الصغيرة هذه أخت لهذه، تلك أسرة واحدة كانت تعيش في هدوء قبل أن تدخل الدنيا بينها ممثلة في قطعة اللحم، فلما دخلت الدنيا تقاتلوا.. وهكذا الدنيا .
*كان الإمام يدرس في الكعبة و الإخوان حوله، فجاءت أميرة هندية و مرت على المجلس فلاحظت أن الجالس للدرس ليس عالما عاديا، فأرسلت فأحضروا لها أكياسا مملوءة بالنقود الفضية . ألقت الأميرة أولا أكياسا أمام الإمام ثم لإخوانه الجالسين، فلم يرفع الإمام رأسه و لا الإخوان . نادى الإمام و قال ائتوني بشيخ المسجد، فلما جاءه قال: اجمع هذا المال ووزعه على العمال بالمسجد فإننا ضيوف رب العالمين.
*كان توفيق باشا جلال من كبار أغنياء الصعيد، و قد وجه الدعوة للإمام، و أقام عنده مدة الضيافة ثم بعد ذلك استأذن للعودة، و كان معه إبنه السيد عبدالله محمد ماضي أبوالعزائم في سن الثانية عشرة . و قد أوصل الباشا اللإمام إلى القطار، و بعد أن مشى القطار قليلاً قال السيد عبدالله لوالده و هو في حالة من السرور: إن الله قد أكرمنا و كتب لك الباشا هذه الحجة مئة فدان بإسمك و استحيى أن يعطيها لك و طلب ذلك مني، و قدم اليه الحُجة . غضب الإمام غضبًا شديدا و قال: أنا أدله على الله وهو يدلني على الدنيا ! و قال لإبنه لمَ لمْ تخبرني قبل ركوب القطار ؟ وأمره أن ينزل في المحطة القادمة لرد هذه الحُجة للباشا، فقال الإخوان يا سيدي إذا نزل فسوف يدخل عليه المغرب و يبيت في الطريق فقال: يبيت في الطريق و يُرجع الورقة لصاحبها. فنزل السيد عبدالله و هو بصحبته بعض الإخوان و أعاد الورقة.
*و في أول رحلة حج للإمام [36] عام 1340هـ (1922م) ، و كان معه نجله السيد محمد الحسن و عدد من خاصة تلاميذه، و أثناء نزوله في منزل أحد الإخوان بجدة، جاءه مندوب من طرف الشريف حسين أمير مكة يحمل له برقية يذكر فيها: (الإمام السيد محمد ماضي أبو العزائم بجده. الأقطار الحجازية تتشرف بقدومكم في خدمتكم رئيس البلدية بجدة حتى تشرفوا مكة. حسين بن علي ) فتوجه الإمام إلى رئيس بلدية جدة و معه البرقية، فقال له : إن الأراضي المقدسة ترحب بقدومكم، فرد الإمام قائلاً :
(نسأل الله أن يعيد للإسلام مجده) ، ثم قرأ رئيس البلدية البرقية التي وصلته من أمير مكة وهذا نصها : (كونوا في خدمة الإمام السيد محمد ماضي أبو العزائم و مريديه حتى يشرفنا بمكة . إمضاء حسين بن علي) ثم قال مخاطبا الإمام: لقد أعددنا لفضيلتكم و جميع المريدين وسائل الراحة و الإنتقال حتى تشريفكم مكة و ذلك تلبية لرغبة سيدنا و سيد الجميع. و هنا ابتسم الإمام و قال له : ( أمَا إنه سيدك يا بني فلك أن تسيد من شئت على نفسك، و أمّا إنه سيد الجميع فمن يقول بذلك غيرك ؟ إن سيد الجميع هو الواحد الأحد). ثم استطرد الإمام موجهاً الحديث لرئيس البلدية:( أنا يا بني لا أستحق هذه العناية من الشريف، وهذا ردائي كما تراه بسيطاً، و قد سبق وأن عمل إخواني لراحة إخوانهم فترة وجودنا بجدة )، ثم كرر الرجاء لرئيس البلدية، و كرر الشكر و الإعتذار و انصرف. و ما كاد الإمام يصل الى بحرة (قرية بين جدة و مكة يستريح بها الحجاج ) حتى كان في انتظاره مندوب من قِبل أمير مكة، و معه بعيرين أحدهما يحمل ماء زمزم و ماء عين زبيدة، و الآخر يحمل أقفاص الفاكهة المتنوعة، و قدمهما هدية من الشريف حسين بن علي للإمام، و علل ذلك بأن ماء الشرب في بحرة غير صحي إذ هو ماء الأمطار المخزون في حفَر تحت الأرض، و ثمن الشربة منها خمسة قروش.. فإستدعى الإمام شيخ قرية بحرة وقدم له ما وصله من أمير مكة مخبراً إياه أن أهالي بحرة أولى بهذه الهدية منه .
و لما وصل الإمام مكة زاره وزيران للشريف حسين أحدهما اسمه الغزاوي وهو وزير البريد والبرق يدعوان الإمام لزيارة الشريف في داره، لكن الإمام أخبرهما أن أمير مكة قد أغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتله إخوانه الأتراك المسلمين، و التشنيع بجثثهم بأسلحة الكفار الإنجليز، و لا أستطيع أن أمد يدي في يد رجل هذا شأنه، فاشتد تأثرهما من هذا الفعل.
و في اليوم التالي و بعد طواف القدوم و نزول الإمام في منزل بأجياد(بمكة) حضر وزير خارجية الشريف حسين و اسمه فؤاد الخطيب و هو سوري الجنسية و كان يعمل قبل ذلك مدرسًا للغة العربية بالخرطوم و كان على علاقة طيبة بالإمام . وعندما سلم على الإمام سأله: أين أنت يا فؤاد ؟ فقال مشغولون، فقال الإمام متعجباً: في انتظاري أنا ؟ أنا متعب من السفر، فأخبره أن الحاضرين معه مبروك باشا قائد المحمل و الأمير شوكت علي و الأمير محمد علي – من الهند – و هم أحبابك، فاعتذر الإمام كثيراً عن عدم الذهاب ثم قال: أنت تعرفني منذ زمن، إنني أبعد الناس عن زيارة الملوك و الأمراء، و لقد أحرمنا من بيوتنا و تجردنا لزيارة رب البيت لا لزيارة الملوك، فإن كان و لا بد، سأرسل معك بعض أولادي، أما أنا فلا يمكن. وأرسل معه نجله السيد محمد الحسن و الشيخ أحمد السبكي و السيد عبدالحليم خفاجى و بعض الإخوان، و لما قابلوا شريف مكة أخبره السيد محمد الحسن أنهم حضروا نيابة عن الإمام أبي العزائم، و أنه لا يستطيع الحضور لعدم استطاعته و ضع يده في يد قاتل الأتراك المسلمين الذين لاذوا بأستار الكعبة، فقال له حسين بن علي: والله لولا أنك شاب وسيم و مسلم و من العلماء و أتيت لحج بيت الله ماعلمت أين تمضي من مجلسنا، و لما عادوا و أخبروا الإمام قال:( كذب و الله ) و كررها ثلاثاً ثم قال:(إنه لا يملك أن يفعل شيئا فالله معنا وحافظنا).
و في اليوم التالي جاء الغزاوي وزير البرق و البريد و أبلغ الشيخ أحمد السبكي أن شريف مكة سيرسل مرة أخرى مندوباً من قِبله لدعوة الإمام أبي العزائم و بدار أخيه في اليوم الذي يلي الدعوة، و أمام حب الغزاوي للإمام أكد على عدم تلبية الإمام لهذه الدعوة السابق معرفته أن الشريف قد دبر هذه المكيدة للفتك بالإمام وبمن معه، وفعلاً جاء مندوبه بعد ذلك بساعات و أخبر الإمام بالدعوة و حدد موعد اللقاء ووصف المكان . توجه الإمام و أصحابه إلى المكان المحدد في الوقت المحدد رغماً عن نصيحة الإخوان بعدم الذهاب، و لكن الإمام أخبر أنه كلمه ثقة بالله وبالحفظ والرعاية . و وصل الإمام و من معه إلى المكان المحدد فلم يجدوا إلا العبيد الذين أوصدوا عليهم الأبواب بعد دخولهم، فما كان من الإمام إلا أن توجه بالدعاء إلى ربه قائلاً: (اللهم إن هذا الطاغية قتل إخواننا المسلمين بأسلحة الكفار و أنت الفاعل المختار، فانتقم يا منتقم، اللهم طهر الحرم الشريف من أمثاله) علا بكاء الإخوان ومعهم هؤلاء العبيد الذين كانوا يؤَمِّنون على الدعاء، و اعتذروا للإمام عن سوء استقبالهم و ما كانوا ينوون فعله من قتل كما أمرهم الشريف حسين بن علي أمير مكة و توجه الإمام بعد ذلك إلى منى و جلس بين محبيه يلقي درساً و أثناء ذلك دخل عليه أحد مرافقيه منزعجاً باكياً مخبراً إياه أن سارقاً اقتحم خيمة الإمام و سرق منها جميع النقود- و كان الإخوان قد استودعوا أموالهم وأماناتهم عنده للإنفاق منها- فاستبشر الإمام و سجد لله شكرا، و اطمئن أصحابه أن الله لن يضيعهم، و أنشأ رضي الله عنه يملي هذه القصيدة:
بِخِيفِ مِني عَرِّجْ بلغت اللأمانيا ومرِّغ علي تُرب البقيع خدوديا
و ناد ربوعاً نوَّرَ البدر أفقها ألا رحمةً أرجوا كشف ما بيا
وفي طيبة طب بالوصال بطيبة تطيب و فيه نور قدس بدى ليا
إذا وصل العشاق بالروح للعلا و تنظر هذا البدر للقوم ساقيا
إذا جنَّ ليلي صرت والبدر قدوتي علا نوره حتى أنال مراديا
فيا أيها العشاق هيا و شمروا إلى منزل فيه الهداة المواليا
* وعندمت كان الإمام يعمل بالتدريس فى مدينة أم درمان بالسودان، كان تلاميذه يتنافسون فى محبته وخدمته نظراً لشدة تأثرهم به ومحبتهم له. وكانت إدارة الكلية قد نشرت لتوها كشفاً بترقيات المعلمين بها، فوجد أحد تلاميذه أن للإمام زيادة فى راتبه الشهرى تستحق التهنئة، فأسرع ليبشر أستاذه، وكان رضى الله عنه ممتطياً دابته وعلى وشك الخروج من باب الكلية، فاستوقفه قائلاً: يا مولانا السيد أبشرك، فقال الإمام: أتبشرنى يا بنى؟ بشرك الله بالخير (قالها ثلاث مرات) ، ثم قال: بماذا تبشرنى يا بنى؟ فقال له: لقد رُقِّيتَ إلى درجة وظيفة أعلى، وهناك زيادة فى الراتب الشهرى. فما كان من الإمام إلا أن قال: أتبشرنى بالدنيا يا بنى، ثم أردف قائلاً: ما آتانى الله خيراً مما آتاكم، قالها ثلاثاً. ثم أدخل الإمام يده فى جيبه وأخرج ريالاً مجيدياً وأعطاه لتلميذه ومضى إلى وجهته.
* كان الإمام فى بداية عمله ببلدة الإبراهيمية يحب الجلوس تحت الأشجار ويأنس بالخلوات بعيداً عن دنيا الناس. وفى يوم، مر عليه علمى بك وهو ممتطياً فرسه- وكان من الأعيان وذوى الجاه العريض ومن الأتراك ذوى النفوذ- وقال له: السلام عليك يا ماضى، السلام عليك يا أبا العزائم. ولما رد الإمام عليه السلام نظر إليه فوجد حب الدنيا والعظمة قد تمكنا من قلبه، فأراد أن ينزل ذلك منه وذلك بفضل سابقة الحسنى الأولية له. قال الإمام له: يا علمى بك إنك الذى تمتطيه من ركائب الذهب هو التراب الذى يسير عليه أبو العزائم. ضع هذه الركائب على الأرض وقل بسم الله الرحمن الرحيم ثم أنظر إليها، ففعل فإذا بها تراب، ثم قال له خذها وقل بسم الله الرحمن الرحيم، ففعل فعادت إلى ما كانت عليه. ذهل علمى بك ثم تفكر فيما حدث له وهو فى مواجهة الإمام. ومن يومها خلع ما كان عليه من حلل الدنيا وأرتدى ملابس الزهد وسار خلف الإمام خادماً له طوال حياته، وفتح له بيته وكان سبباً مباشراً فى انتشار الدعوة فى الإبراهيمية حيث جمع عليه أهل البلد فى بيته. وعلمى بك وأمثاله ممن عشقوا فهاموا عددهم كثير.. قال فيه الإمام:
ولا فخر..ملوك العشق خضعوا على بابى.. وقد طلبوا وصالى
أنا الساقى مداما سلسـبيلا لأهـل معيتى أهل الكمـال
وأبدالـى هـم الأقطـاب حقا وأفرادى مفاتيـح لحـالى
والإمام يعلم علم اليقين حقيقة الدنيا وما ورد عنها فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك يقول فى بعض حكمه معلماً ومذكراً:
* لم تخلق الدنيا لتنظر إليها، وإنما خلقت لتنظر بها إلى الآخرة.
* من عرف الدنيا زهد فيها، ومن عرف الآخرة رغب فيها ومن عرف الله آثر رضاه، ومن لم يعرف نفسه فهو من دينه فى غرور.
* الدار الدنيا فان نعيمها، فى عناء سليمها، وفى شقاء سقيمها، وكدر غنيها، وفى كرب فقيرها، لا يصفوا عيشها لذى بال ولا يصفوا صفوها من شوب الوبال.
* إذ اشتغل الإنسان بالدنيا نسى الآخرة وإذا اشتغل بهما نسى الله تعالى.
* من قنع من الدنيا باليسير هانا عليه كل عسير .
* الدنيا خمر الشيطان من شربها لم يفق إلا بين عساكر الموت نادماً بين الخاسرين، قد ترك لغيره منها ما جمع، وتعلق بحبل غرورها فانقطع، وقدِم على من يحاسبها على النقير والفتيل والقطمير.
وعن حقيقة الزهد وفضل الزاهدين يقول رضى الله عنه فى كتاب (أصول الوصول لمعية الرسول) :
معرفة الزهد متوقفه على معرفة الدنيا أىُّ شىء هى، فقد قال الناس فى الزهد أشياء كثيرة، ونحن غير محتاجين إلى ذكر أقوالهم بما بين الله تعالى وأغنى بكتابه الذى جعل فيه الشفاء والغنى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الحبل المتين والصراط المستقيم، من طلب الهدى فى غيره أضله الله) [37]، وقال سبحانه: (وما أختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله ) [38]، وقال عز وجل: (فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه)[39] فقد ذكر الله جل اسمه فى كتابه :
(1) أن الدنيا سبعة أشياء وهو قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث) ثم قال تعالى فى آخرها: (ذلك متاع الحياة الدنيا) [40]. فحصل من تدبر الخطاب أن هذه السبعة جملة الدنيا، وأن هذه الدنيا هى الأوصاف السبعة وما تفرع من الشهوات رد إلى أصل من هذه الجمل، فمن أحب جميعها فقد أحب جملة الدنيا نهاية الحب، ومن أحب أصلاً منها أو فرع من أصل فقد احب بعض الدنيا، فعلمنا بنص الكلام أن الشهوة دنيا، وفهمنا من دليله أن الحاجات ليست بدنيا لأنها تقع ضرورات، فإذا لم تكن الحاجة دنيا دل أنها لا تسمى شهوة، وإن كانت قد تشتهى لأن الشهوة دنيا.
وأستند ذلك لخبر عن الله تعالى فى الأسرائليات (أن إبراهيم عليه السلام أصابته حاجة، فذهب إلى صديق يستقرض منه شيئاً فلم يقرضه، فرجع مغموماً، فأوحى الله إليه: لو سألت خليلك لأعطاك، فقال: يارب عرفت مقتك للدنيا فخشيت أن أسألك منها فتمقتنى، فأوحى الله تعالى إليه: ليس الحاجة من الدنيا) .
-
- ورد سبحانه وتعالى فى آية أخرى السبعة أوصاف المتقدمة إلى خمسة بقوله جل وعلا: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر) [41]، فهذه الخمسة هى وصف من أحب تلك السبعة.
- ثم اختصر سبحانه الخمسة فى معنيين هما جامعان للسبعة. (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) [42].
- وقد رد الجميع على وصف واحد بقوله: (ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى) [43] فصارت الدنيا طاعة النفس للهوى بدليل قوله تعالى: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى) [44]، فلما كانت الجنة ضد الجحيم كان الهوى هو الدنيا، لأن النهى عند ضد الإيثار له. فمن نهى نفسه عن الهوى فإنه لم يؤثر الدنيا، فإنه لم يؤثر الدنيا، وإذا لم يؤثر الدنيا فهو زاهد وكانت له الجنة إلى ضد الجحيم، فصارت الدنيا هى طاعة الهوى وإيثاره فى كل شىء.
فينبغى أن يكون الزهد مخالفة الهوى فى كل شىء، فمن زهد فى الحياة الفانية وفى ماله المجموع بالجهاد للنفس والإنفاق فى سبيل الله فقد زهد فى الدنيا، ومن زهد فى الدنيا أحبه الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك صار الجهاد أفضل الأعمال لأنه حقيقة الزهد فى الدنيا ولأن الله تعالى يحب من زهد فى الدنيا. ثم كانت مخالفة الهوى من أفضل الجهاد لأنه هو حقيقة الرغبة فى الدنيا، وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزهد فى الدنيا فقال: (ازهد فى الدنيا يحبك الله تعالى) [45].
فالزاهد فى الدنيا حبيب ربه تعالى، والراغب فى حب البقاء لنفسه منافق فى دين ربه تعالى، ومنه الخبر الذى جاء: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق) [46]، وبه كشف الله تعالى الكاذبين ووصفهم بمرض القلوب فقال سبحانه وتعالى: (فإذا أنزلت سورة محمكة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض) يعنى نفاقاً (ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم) تهديد ووعيد أى وليهم العذاب وقرب منه، ثم قال: (طاعة وقول معروف) أى يظهر منه طاعة وقول معروف (فإذا عزم الأمر) وحققت الحقائق كذبوا ونكثوا (فلو صدقوا الله) فى الوفاء (لكان خيراً لهم) [47]
ولما حقق الله الزهد بغنى النفس وإخراج المال فى ذكر المبيع والمشترى فى قوله: (يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون) [48]، وكان الزهد هو ترك طاعة الهوى وبيع النفس بنهيها عنه من المولى، وكان العوض من ذلك الجنة.. كان الزاهد هو الخائف مقام ربه البائع نفسه طمعاً قبل أن يخرج نفسه إليه كرهاً، وكان الله تبارك وتعالى هو المحبوب له القريب منه، فصار العبد محباً له فجعله من المقربين عنده تعالى. فإذا كانت الدنيا هى طاعة الهوى وحب الحياة الدنيئة لمتعة النفس الشهوانية ، كان الراغب فى ذلك آمناً لمكر الله تعالى، مشترياً للحياة الدنا، بائعاً بذلك الحياة العليا فلم يكمن محباً له وكان من المبعدين عنه بسوء اختياره ، وحُقّ عليه الخسران والجحيم فى الآخرة لأنه ضد الزاهد المقرب الظافر بدار القرب فى جوار الحبيب القريب.
تفضيل حقيقة الزهد:
(1) إذا كان الشىء موجوداً عندك وأنت ممسكه لنفسه ثم توهمت أنك زاهد فيه لخواطر الإرادة أو إرادة الزهد فقد كذبت على نفسك بتسمية إياها زاهداً وكذبت نفسك بوجوده جهلاً منها بالعلم بتسميتها لك زهداً ، أو كذبك وجدك على العلم جهلاً منك بربك عز وجل، أو موهت على نفس غيرك ممن لا يعرف الزهد، وهذا زهد منك فى الزهد، ورغبة منك ايضاً فى الدنيا حتى يخرج الشىء الذى تظن أنك زهدت فيه وتعتاض منه محبة إليه تعالى وطلب مرضاته تبارك وتعالى أو ما عنده من ثوابه، فحينئذ يصح زهدك فيه على العلم وعند العلماء فتكون صادقاً فهناك وصفك الزاهد بالزهد وسماك الزاهدون زاهداً.
- أما إذا لم يكن الشىء موجوداً لك، فإن زهدك فيما لا تملك لا يصح. والزهد فى معلوم باطل من قبل أن تصرفك لا يصح فيما لاتملك، فكذلك لا يصح زهدك فيه، ولعله لو كان موجوداً تغير قلبك به وتقلب فيه إذ ليس الخبر كالمعاينة، لأن الخبر قد يشتبه ويوهم، والمعاينة تكشف الحقيقة وتحكم على الخلقة، ولأن النفس ذات بدوات لِما طبعت عليه من حب المتعه بالرفاهية، فكذلك لا يجعل ظناً معدوماً كيقين موجود، إذ لوكان- كيف يكون الأمر؟
ولكن قد يكون لك مقام من المعدود فى المعلوم بقيامك بشرطه وهو أن لا تحب وجود الشىء ولا تأس على فقده، أو تكون مغتبطاً بعدمك مسروراً بفقرك، يعلم الله ذلك من غيبك ويطلع على سرك انك لا تفرح بوجوده لو وجدته وتخرجه إن دخل عليك، وأن قلبك قانع بالله سبحانه، راضٍ عن الله سبحانه وتعالى بحالك التى هى العدم من الدنيا، غير محب للاستبدال بها من الغنى بصدق يقينك بفضيلة الزهد.. فإذا كنت بهذا الوصف حسب لك جميع ذلك زهداً وكان لك بأحد هذه المعانى ثواب الزاهدين وإن لم تكن للدنيا واجداً.
وصف الزاهد وفضله:
قوة الزهد الذى لابد منه وبه تظهر صفة الزاهد- وينفصل به عن الراغب هو:
- أن لا يفرح بعاجل موجود من حظ النفس.
- لا يحزن على مفقود من ذلك.
- أن يأخذ الحاجة من كل شىء عند الحاجة إلى الشىء.
- لا يتناول عند الحاجة إلا سد الفاقة.
- لا يطلب الشىء قبل الحاجة.
أول الزهد
دخول غم الآخرة فى القلب، ثم وجود حلاوة المعاملة لله تعالى. ولا يدخل غم الآخرة إلا بعد خروج هم الدنيا، ولا تدخل حلاوة المعاملة حتى تخرج حلاوة الهوى. وكل من تاب من ذنب ولم يجد حلاوة الطاعة لم يؤمن عليه الرجوع فيه، ومن ترك الدنيا ولم يذق حلاوة الزهد رجع فى الدنيا، ولا يذوق حلاوة المعاملة حتى يخرج حلاوة الهوى.
خالص الزهد
هو إخراج الموجود من القلب. ثم إخراج ما خرج من القلب عن اليد، وهو عدم الموجود على الاستصغار له، والاحتقار والتقالل لهوان الدنيا عنده وصغرها فى عينه، فبهذا يتم الزهد. ثم ينسى زهده فى ذهده، فيكون حينئذ زاهداً فى زهده لرغبته فى مزهده، وبهذا يكمل الزهد.
لبه وحقيقته
وهو أعز الأحوال فى مقامات اليقين، وهو الزهد فى النفس لا الزهد لأجل النفس،ولا للرغبة فى الزهد للزهد، وهذه مشاهدة الصديقين وزهدالمقربين عن وجد عين اليقين. ودون هذا مقامات إخراج المرغوب فيه عن اليد مع نظرته إليه، وعلى مجاهدة النفس فيه وهو زهد المؤمنين، وذلك العمل بالزهد عقد وعمل إذا كان الزهد عن الإيمان، والإيمان قول وعمل، وكذلك الزهد عقد وعمل، فالعقد خروج حب الدنيا من القلب بدخول حب الآخرة فى القلب، والفعل بالزهد إخراج المحبوب من اليد فى سبيل الله معتاضاً منه ما عنده سبحانه وتعالى من وجهه الكريم جل وتعالى أو قرب جواره فى داره. وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطى الدين إلا من يحب) [49]، والذى يحبه الله تعالى ممن أعطاه الدنيا لا يخالف حبيبه إلى هواه، ولا يؤثر نفسه على محبة مولاه تبارك وتعالى، إذ قد تولاه فيما أعطاه.
وتحدث رضى الله عنه مبيناً رؤية أهل الله للدنيا، وأنها لا تُذمّ لذاتها، وأنها محمودة عند الأبرار، وهى الموطن الثانى للأخيار، لا يلههم آثارها عن أنوار تجليات الحق سبحانه فيها.. فقال:
هى الوطن المحبوب للأبرار وقبل ( ألست ) موطن الأخيار
إليه حنين العارفين وشوقـهم ولم يحجبن عنهم بذى الآثار
و(كن) مطلب الزهاد جـدوا لنيلها و( كان ) مراد الفرد للمخـتار
وكون الفنا للغافليـن تهيمـوا بزهرته حتى رُموا فى النـار
رأوه لهم وطنًا فجدوا لنيلهـا فحجبـوا عن الآيات والأنوار
وأهل الصفاء القدسُ لهم مطية فسـاروا به لحقيقة الأسـرار
أبَوا أن يرَوة منزلاً فتجردوا عن الحظ فى طلب العلى البارى
إلى الله ساروا والكيان مطية وقد واصلوا الآصال بالأسحار
رأوا زينة الدنيا وبهجة أهلها سرابا ً ، وليست عندهم بقرار
أقاموا بها غرباء والحق آنسهم على الشرع بين الفكر والأذكار
بأرواحهم فى حضرة القدس مُتعوا وأبدانهم فى الكـون والآثـار
تكشـفت الدنيـا لهـم عن مآلها فلجأوا إلى التـواب والغفـار
رأوهـا غروراً زائـلاً فتجنبوا معاملـة الجهــلاء والفجـار
نعم عاملوا مولاهموا بقلوبـهم وسلكـوا سبـل مناهج الأخيار
فصافاهموا مولاهموا واصطفاهموا لحضرتـه وحباهموا بفخـار
به أنسوا فى كل ما هو ظاهر من الآى والآثار والأطـوار
فهم معه فى كل حال وهم به شموس هدى فى أفقه للسارى
وهم أنجم من وراث طه تلألأت بهم وُجَهُ التشـريع كالأقمـار
ومن يده شربوا طهوراً شرابه مواجة فضـلاً بلا أستـار
عليه صلاة الله فى كل لحظة صلاة بها نحظى بكل فخار
وآل وأصحـاب كـرام أئمـة ومن ورثـوا الأحـوال بالأنوار
ثم يخاطب رضى الله عنه الدنيا فيقول:
آه يا دار الفنا فيكِ البقا ورضـا الله وفـوز باللقا
فيكِ نـور الله مُحكـمُ آيهِ وصـراط مستقيـم للتقـى
فيكِ منهاج الحبيب المصطفى سُلم للوصل سهل المرتقى
أنت روض للشهود مجمل قد يراه بالصفا من يُنتقى
فيك أنوار التجلى أشرقت والطهور بحانه من استقى
فيك آيات وأسـرار بهـا حظوة الزلفى نعيم لا شقا
[1] الطبرانى والهيثمى فى مجمع الزوائد
[2] السيدة شفيقة أبنة السيدة زينب.
[3] روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم، قيل كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: بصلتهم أرحامهم ) رواه الطبرانى فى الكبير.
[4] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخارى.
[5] سورة المائده ايه 45.
[6] سورة النساء آية 36.
[7] سورة الأنعام آية 151.
[8] سورة الإسراء آية 23.
[9] سورة لقمان آية 31.
[10] متفق عليه
[11] مسلم وأحمد فى مسنده.
[12] البخارى ومسلم وأبو داود وأحمد فى مسنده.
[13] الترمذى والمنذرى فى الترغيب والترهيب
[14] الترمذى وابن ماجه وأحمد فى مسنده.
[15] ابن عساكر عن بن عباس والسيوطى فى الجامع الصغير.
[16] الطبرانى فى الأصغر والمنذرى فى الترغيب والترهيب بلفظ : (يراح ريح الجنة فى مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها منان بعمله ولا عاق ولا مدمن خمر) وذكره الإمام أحمد والبخارى ومسلم بلفظ : (لا يدخل الجنة قاطع) أى قاطع رحم.
[17] سورة لقمان آية 15.
[18] رواه أبو داواد والترمذى فى رياض الصالحين
[19] سورة النساء آية 36.
[20] سورة محمد آية22.
[21] البخارى ومسلم وأبو داود.
[22] مجلة المدينة المنورة السنة9 العدد 20 ص12 (25 شوال 1355هـ الموافق8يناير 1937م) .
[23] سورة آل عمران آية 159.
[24] سورة التوبة آية 128.
[25] الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والسيوطى فى الجامع الصغير.
[26] أخبرنا بها الشيخ نصر أحمد العقاد سماعاً من والده.
[27] وكان الإمام متدرباً على الفروسيه حتى لقد شهد له الكل بفروسيته الماهرة عندما يهم بركوب الحصان فى حركة واحدة رغماًعن ملابسه العادية، وكان الإمام متدرباًايضاًعلى المبارزة والسباحة والرماية عملاًبسنة النبى .
[28] قال نفس هذه العبارة من قبل سيدنا عمر ابن عبد العزيز رضى الله عنه بعد أن حدثت له حادثه، فقد كان سائراً فى الطريق فخرجت عليه حيه بيضاء ناصعة البياض ثم مالت إى جانب الطريق وسكنت وماتت، فأخذ قميصاً من قمصانه فكفنها ودفنها لشىء لا يعرف سره ولكنه إندفع إليه، ولما عاد لمنزله، قص القصة على أحد رواة احاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إنك لسيد التابعين!! ولقد اخبر عنك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: (تخرج فلانه من الجن المؤمنة المصدقة برسول الله على قارعة الطريق فتموت فيكفنها سيد التابعين بقميصه) فقل سيدنا عمر ابن عبد العزيز: لا تخبر عنى إلا بعد ان أموت.. موجود فى كتاب: الإصابة فى ترتيب الصحابة- كتاب كرامة الأولياء- تاريخ الصحابة لمحمد غياث الباكستانى، وهذا دليل كمال الولاية لأن هؤلاء فى غنى عن أن يمدحهم الناس اويثنى عليهم الخلق.
[29] من التسجيلات الصوتية لدروس الشيخ طاهر محمد مخاريطة.
[30] من التسجيلات الصوتية لدروس الشيخ طاهر محمد مخاريطة.
[31] أخبرنا بها الشيخ نصر أحمد سعد العقاد سماعاً من والده.
[32] سورة البقرة آية 3.
[33] سورة النساء آية 92.
[34] سورة الحشر آية 9 .
[35] سورة يوسف آية 91.
[36] بعد بلوغه سن الحلم لأنه سبق أن حج قبل ذلك مع والده و عمره 12 عاماً .
[37] ذكرة السيوطى فى الجامع الكبير.
[38] سورة الشورى آية 10.
[39] سورة البقرة آية 213.
[40] سورة آل عمران آية 14.
[41] سورة الحديد آية 20.
[42] سورة محمد آية 36.
[43] سورة النازعات آية 40،41.
[44] سورة النازعات آية 37-39.
[45] أخرجه ابن ماجه من حديث سهل ابن سعد.
[46] رواه مسلم وأبو داود والنسائى عن أبى هريرة
[47] سورة محمد آية 20، 21.
[48] سورة التوبة آية 111.
[49] رواه الحاكم والبيهقى من حديث ابن مسعود.