النفس تمرض كما يمرض البدن، وكما جعل الله للأبدان أطباء تسارع إليها عند المرض محافظة على صحتها الجسمانية، جعل للنفوس أطباء وهم العلماء العاملون والآئمة المجددون فى كل زمان لكيلا تبطل حجج الله وبيناته.
والإمام أبو العزائم يبين أن الوصول إلى الله تعالى مبنى على أصلين عظيمين وهما:
- صفاء جوهر النفس.
- استقامة الطريق.
ولما كان صفاء جوهر النفس لا يتحقق إلا بمعرفة النفس وأمراضها وكيفية علاجها، تحدث الإمام رضى الله عنه فى عدة مؤلفات منها (دستور السالكين طريق رب العالمين) فوضع فى هذا الكتاب رسالة الشفاء من بعض أمراض النفوس، وكتاب (مذكرة المرشدين والمسترشدين) الذى تناول فيه طرق تزكية النفس فبين أمراض النفوس وعلاجها وعلامات هذه الأمراض وأنواعها، كما دعا إلى حفظ الصحة على النفس وبين أسباب مفسدات النفس، وفى كتاب (معارج المقربين) تناول الحديث عن النفس من حيث تعريفها ومعنى صفاء جوهرها وفضائل النفس ورزائلها، كما أشار رضى الله عنه إلى لذة النفوس الطاهرة وأقسام تزكية النفس وأنواع النفوس، وفى كتاب (شراب الأرواح) تحدث عن مدارة النفوس والمشاهدات والمنح الربانية التى تفاض على السالك.
تعريف النفس:
عرف رضى الله عنه النفس بتعاريف متعددة منها:
-
- النفس جوهرة روحانية، حية علامة، فعالة بإذن الله.
- النفس هى اللطيفة النورانية، بل هى الجوهرة الربانية، بل هى الحقيقة التى هى أمانة الله المشرقة أنوارها فى هيكل الإنسان.
- النفس ليست عرضاً ولا جوهراً، لأنها لو كانت كذلك لحيزها المكان، ولأدركها الصبيان، ولم يختلف فيها اثنان.
- والنفوس المعروفة سبعة أنواع: جمادية فنباتية فحيوانية فإبليسية فملكوتية فقدسية فانفس الملكية.
ومما قاله رضى الله عنه نظماً فى بيان حقيقة النفس [1] :
نفسى هى الكنز فيها سر معناه بغير كيف وفيها نـور مجـلاه
جهلى بها الحجب عن علمى بمبدعها وعلمها كشف حجبى فهم معناه
نفسى مثال تراءى لى به وضحت آياتـه وبـه أعطـيت جـداوه
نفسى له صورة تنبى مشاهـدها إذا تحقـق أن المبـدع اللـه
جهلى بها اللبس والتشكيك أجمعه وعلمها الكشف عن عيب وأخفاه
جهلى بها التيه بل والبعد عن نسب بهـا يلـوح جمـال الوجه أجلاه
لو أنهـا أشـرقت نفسـاً لعالمها فكت طلاسمـه ورقـى لعليـاه
يا نفس ما أنت؟ نور أنت أم عرض؟ أم كوكب مشرق بضياء مبنـاه
وهل بك الجسم قد قامت معالمه؟ أو قمت فيـه فهذا السـر أهواه
حيرت أفكار أهل العقل لم يصلوا إلى يقين وفيـك ضـل أهـداه
العقـل يعقـل محسوسـاً ونسبتـه لا يدركن رتبتى والمنعـم الله
سـرى خفى عن الألبـاب يحجبها عنـه نظائره فيــه وأشبـاه
من أمر ربى ومن يطلبه يعرفنى فيعرف الله رب العـرش مولاه
ونفخة منـه تجلـى للمـراد لـه فتشهـد الوجـه بالتنزيـه عينـاه
من كان يعرفنى بالفضل يعرفـه أنا المثال له أفـق لمـرآه
الإمام وأمراض العصر:
لم ينفصل الإمام رضى الله عنه الحياة فى المجتمع الذى يعيش فيه، بل كان العصر وما يزخر به من أمراض النفوس المختلفة هو شغله الشاغل الذى جعله لا يعرف للراحة سبيلاً. نظر رضى الله عنه إلى أهل عصره وما اعتراهم من ضعف ووهن واستكانه وخذلان ومن سيطرة للمستعمر على كل المقدرات وانتشار للزائل وتقلص أثر الفضل وتفشى الخنا واللهو والمخدرات والفجور بين الناس، تكلم رضى الله عنه عن أمراض العلماء والأمراء، والزراع، والتجار، والدعاة إلى الحق، وأمراض العامة.. فحدد الداء ووصف الدواء.
وقبل أن يتناول رضى الله عنه الحديث عن أمراض النفوس يقول فى إحدى مقالاته:
إذا عرف الإنسان ما جبلت عليه النفس ومعانى ما هى مفطورة عليه، ظهر جلياً أنها لا تقبل مواجيد أهل اليقين إلا بالجهاد الأكبر، ويكون المجاهد عالماً بما يكون من جهاده فى ذات الله تعالى أو فى سبيله، وبذلك تزكو نفسه ويتحلى بأحوال أهل المقامات وبمواجيد العارفين.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن النقصان يبدو من الغفلة، والغفلة تنشأ عن آفات النفس، والنفس مجبولة على الحركة وقد أمرت بالسكون وهو اجتلاؤها لتفتقر إلى مولاها وتبرأ من حولها وقوتها- ومثل ذلك قوله تعالى: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [2] لتفزعوا إليه وتقولوا: (ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين) [3] وكما قال: (وكان الإنسان عجولا) [4](خلق الإنسان من عجل) ثم قال: (سأريكم آياتى فلا تستعجلون) [5] وقال: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) [6]، فأخبر عن وصفه بالعجلة ثم امر بتركها للبلوى، فإن نزلت السكينة وهى مزيد الإيمان سكنت النفس عن الهوى بإذن منفسها، وإن حجب القلب بالغفلة وهى علامة على الإفتقار والتضرع تحركت النفس بطبعها فإن سكنت عن حركتها فبالمنة والفضل وإن تحركت بوصفها فللإبتلاء والعدل، فأول الإبتلاء وأوول اختلافها، ومقدمته الهمة، وبابه السمع وهوالطريق إلى الكلام، والنظر والقول طريق إلى الشهوة، والشهوة مفتاح الخطيئة، والخطيئة مقام إلى النار حتى يزحزح غيها الجبار بالتوبة فى الدنيا والعفو فى العقبى.
وقد تكون المخالفة على المحب العارف أشد من النار كما حدثت عن بعضهم قال: لإن أبتلى بدخول النار أحب إلى من أن أبتلى بمعصية. قيل: ولم؟ قال: لأن فى المعصية خلاف ربى وسخطه، وفى النار إظهار قدرته وانتقامه لنفسه. قال: فسخطه أعز إلى وأعظم من تعذيب نفسى. وكذلك حدثونا فى معناه عن بعض المؤمنين من العمال أنه قال: وركعتان تتقبل منى أحب إلى من دخول الجنة. قيل: وكيف؟ قال: لأن الركعتين رضا ربى عز وجل ومحبته، وفى الجنة رضاى وشهونى، فرضا ربى عز وجل أحب إلى من محبتى. وقد قال مهيب بن الورد المكى فى لبن سئل أن يشربه فلم يفعل لأنه سأل
عن أصله فلم يستطبه فقالت له أمه: اشربه فإنى أرجو إن شربته أن يغفر الله لك فقال: ما أحب أنى شربته وأن الله غفر لى. قالت: ولم؟ قال: لا احب أن أنال مغفرته بمعصية.
وصف النفس:
لوصف النفس معنيان: الطيش والشره، فالطيش عن الجهل، والشره عن الحرص، وهما فطرة النفس، فمثلها فى الطيش كمثل كرة أو جوزة فى مكان أملس منحدرة فإن أثرت إليها أو حركتها أدنى حركة تحركت بوضعها، وهى فى صفتها وصورتها فى الشره متولدة من الحرص أنها على صورة الفراشة التى تقع فى النار جاهلة شرهه تطلب بجهلها الضوء وفيه هلاكها، فإذا وصلت إلى شىء منه لم تقتنع بيسيره لشرهها فتحرص على الغاية منه وتطلب عين الضوء وجملته وهو نفس المصباح فتحترق، ولو قنعت بقليل الضوءعن بعد سلمت.. فكذلك النفس فى طيشها الذى يتولد من العجلة، وفى شرهها الذى ينتج من الحرص والطمع هما اللذان كانا سبب خراج آدم عليه السلام من الجنة لأنه طمع فى الخلود فحرص على الأكل. وقد مثل بعضهم النفس فى شرهها بمثل ذباب مر على رغيف عليه عسل فوقع فيه يطلب الكلية فعلق بجناحه فقتله، وآخر مر به فدنا من بعضه فنال حاجته فرجع إلى ورائه سالماً. وقد مثل بعض الحكماء ابن آدم مثل دود القز لا يزال ينسج على نفسه لجهله حتى يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير القز لغيره وربما قتلوه إذا فرغ من نسجه لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فلا يجده وربما غمزوه بالأيدى حتى يموت لئلا يقطع القز ليخرج القز صحيحاً، فهذه صورة المكتسب الجاهل الذى أهلكه أهله وماله فتنعم ورثته بما شقى به، فإذا أطاعوا الله به كان أجره لهم وحسابه عليه وإن عصوا به كان شريكهم فى المعصية لأنه أكسبهم إياها فلا تدرى أى الحسرتين عليه أعظم: إذهابه عمره لغيره، أو نظره إلى ماله فى ميزان غيره.
جبلات النفس:
جبلات النفس الأربعة هى أصول ما تفرع من هواها، وهى مقتضى ما فطرها عليه مولاها:
- الضعف وهو مقتضى فطرة التراب.
- ثم البخل وهو مقتضى جبلة الطين.
- ثم الشهوة وموجبها الحمإ المسنون.
- ثم الجهل ومقتضاه الصلصال.
وهذه الصفات هى معانى تلك الجبلات للابتلاء بالأمشاج، ففيه بدأ الأمن. قال تعالى: (ذلك تقدير العزيز العليم) [7].
ابتلاءات النفس الأربعة:
ثم أن النفس مبتلاه بأوصاف أربعة متفاوته:
أولها: معانى صفات الربوبية نحو الكبر والجبروت وحب المدح والعز والغنى.
ثانياً: بأخلاق الشياطين مثل الخداع والحيلة والحسد والظنة.
ثالثاً: بطبائع البهائم وهو حب الأكل والشرب والنكاح.
رابعاً: وهى مع ذلك كله مطالبة بأوصاف العبودية مثل: الخوف والتواضع والذلة بمعنى ما قلناه قبل أنها خلقت متحركة وأمرت بالسكون وأنى لها ذلك إن لم يتداركها المالك، وكيف تسكن للأمر إن لم يسكنها محركها بالخير، فلا يكون العبد عبداً مخلصاً حتى يكون للمعانى الثلاث محصلاً، فإذا تحقق بأوصاف العبودية كان خالصاً من المعانى التى هى بلاؤه من صفات الربوبية، فإخلاص العبودية للوحدانية عند العلماء الموحدين أشد من الإخلاص فى المعاملة عند العالمين، وبذلك رفعوا إلى مقامات القرب، وذلك أنه لا يكون عندهم عبداً حتى يكون مما سوى الله عز وجل حراً، فكيف يكون عبد رب وهو عبد عبد؟ لأن ما قاده إليه هو إلهه، وما ترتب عليه فهو ربه، وهذا شرك فى الإلهية عند المتألهين ومزج بالربوبية عند الربانيين ومهلك منقوص منكوس بدعاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (تعس عبد الدنيا تعس عبد الدرهم تعس عبد الزوجة تعس عبد الحلة ) [8]، فهؤلاء عبيد العدو الذين قال مولاهم: (إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عدا) [9] أصحاب النفوس الأمارة بالسوء المسئولة الموافقة للهوى المخالفة للمولى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) [10] إلى آخر وصفهم، أولو النفس المرحومة المطمئنة المرضية هم عباد الرحمن أهل العلم والحكمة، علمهم من لدنه واختارهم لنفسه. ولا يكون المريد دلاً حتى يبدل بمعانى صفات الربوبية صفات العبودية، وبأخلاق الشياطين أوصاف المؤمنين، وبطبائع البهائم أوصاف الروحانيين من الأذكار والعلوم.. فعندما يكون بدلاً مقرباً. والطريق إلى هذا بأن يملك نفسه فيملكها فتسخر له فيسلط عليها، فإذا أردت أن تملك نفسك فلا تملكها وضيق عليها ولا توسع لها، فإن ملكتها ملكتك وإن لم تضيق عليها اتسعت عليك، فإن أردت الظفر بها فلا تعرضها لهواها واحتبسها عن معتاد بلاها، فإن لم تمسكها انطلقت بك، وإن أردت أن تقوى عليها فأضعفها بقطع أسباب هواها وحبس مواد شهواتها وإلا قويت عليك فصرعتك، فأل الملكة لها أن تحاسبها فى كل ساعة وتراقب حسبتها فى كل وقت وتقف عند همة من خواطرها فإن كانت الهمة لله عز وجل سابقت الموت فى إمضائها [11] .
مجاهدة النفس بالرفق والتدرج [12] :
ولعلم أنه يجب أن تكون المجاهدة والرياضة بالتنقل والتدرج والرفق بالنفس شيئاً فشيئاً، ولا يهجم عليها بما يشق عليها من الأعمال فتنفر منه نفوراً شديداً يخشى منه الترك والخروج بالكلية، فيستحب الرفق بها إلى أن تتعود ذلك، وهذا هو الذى نبه عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) [13]، فإذا أراد المجاهدة نقل نفسه عن عوائدها المذمومة إلى المحمودة، فليمنعها من الفعل المذوم، وليذكرها ما ورد فيه الوعيد على فعل المذموم والوعد على فعل المحمود، فإن ثقل عليه ذلك قطع عنها لذاتها الناجزة وداوى نفسه بترك الشهوات العاجلة، ومن عزم على تحصيل مقام السخاء مثلاً فطريقه إلزام نفسه القيام بإخراج الواجب من الزكاة والنذور والكفارات ونفقة الأب والأولاد الصغار والزوجة وغيرهم من العيال، فإذا قام بذلك بسهولة عود نفسه الإنفاق فى المندوب، وإذا وصل إلى ذلك آثر على نفسه ذوى الحاجات، ثم ينتقل إلى الزهد فى حظوظ نفسه فى الترفه والراحات، فهذه طريق المجاهدة والرياضة يدرج العبد نفسه فى سلوك الطريق إلى مولاه مع الرفق بنفسه.
والانقطاع إلى الأعمال دفعة وإخراج ما فى اليد دفعة واحدة منهى عنه، فإن قيل إن الصديق رضى الله عنه أتى بجميع ماله إلى النبى صلى الله عليه وسلم ليخرجه فى سبيل الله قلنا: ذلك لأن الحاجة كانت إليه متأكدة إذ كان ذلك وقت فاقة وضرورة وبالمسلمين حاجة إليه،
وأيضاً فإن الصديق كان عنده من الوثوق والصبر واليقين بالله تعالى ماليس عند غيره. ولا باس أيضاً أن يرقع المجاهدة لنفسه بالعبادة بشىء من المباحات ليقوى بذلك على الطاعات وينتفى عنه الملل ويزول عنه السأم، قال سيدنا على رضى الله عنه (روحوا النفوس فإنها إذا كرهت عميت) ، والشريعة جاءت بمداواة النفوس المريضة وتطيب القلوب المعلولة.
ويستعرض الإمام أمراض النفس البشرية وعلاماتها وأنواعها وما يفسد مزاجها، وكيف لمريد الحق أن يحتاط ليحافظ على صحته النفسية وذلك فى كتاب (مذكرة المرشدين والمسترشدين) فيقول رضى الله عنه:
كل مريد سلك الطريق لابد وأن يكون على علم من الأخلاق الجميلة والأخلاق السيئة ما لايعلمه غيره ممن لم يسلك الطريق. ومن آمن بيوم القيامة الإيمان الكامل كان أهم شىء أمامه: فوزه بنعيم الآخرة ونجاته من عذاب النار.
ولذلك فإنك ترى الريد المخلص أشغل الناس بعيوب نفسه، وأحرص الناس على المحافظة عليها من الوقوع فى الأمراض أشد من حرص أهل الدنيا على صحة ابدانهم وعلى حفظ أموالهم وحريمهم، بحيث أن المريد الصادق لو سقط سقطة أو زل زلة أو هفا هفوة أو غضب أو احتد أو بخل بما لا يبقى أو أسرف فيما ينفع أو تهاون فى واجب أو تساهل فى عمل فضيلة.. تحقق أنه كاد أن يهلك، فأخذ يداوى نفسه إن علم الدواء بندم واستغفار أو توبة وإنابة وعمل قربات وخروج من مال للفقراء، حتى يتحقق أنه عالج نفسه مما ألم بها من مرض المعاصى والرذائل.
وإن كان حصل منه أمر دعاه إليه مرض فى النفس من امل أو طمع أو حرص أو حب علو فى الأرض أو تكاثر فى الدنيا، أو لسبب من أسباب المعاصى كمجاورة من يفسد عليه حاله أو نيل رزقه على يد قوم يسببون له أمراض النفس.. أسرع إلى الطبيب الحاذق بأمراض النفس، وهو المرشد الحقيقى، فرفع إليه الأمر بدون أن يستحى أو يخجل كما يكشف الرجل والمرأة العورة على الطبيب ليعرف المرض ويعالجه، ويفهم المرشد أنه يريد النجاة بأى دواء، فإذا كاشفه حقيقة الأمر وظهر له أسباب المرض أمره بالعلاج النافع والدواء الناجع، فقبله منه فرحاً لأنه وجد لمرضه دواء، وأسرع إلى استعمال الدواء مبادراً بدون تأن ولا تأويل، هذا هو الواجب على المريد.
ومن كان هكذا فى بدايته فاز بأمرين عظيمين:
الأمر الأول: أن يكون طبيباً حاذقاً.
الأمر الثانى: أن يكون وارثاً من ورثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، متصفاً بصفات التوابين المتطهرين، منعماً عليه بمحبة الله تعالى.
علامات أمراض النفس:
أما المريد الذى تمرض نفسه فيستر مرضه ويخفيه، حتى إذا ظهرت علاماته وكلمه فيه صديق له أو محب، نفر منه وعاداه وأنكر عليه ذلك واشتغل بعيوب غيره، فذلك ليس بمريد، إنما ذلك جاهل بنفسه عدو لها، سالك بها سبل الهلاك.
قلت: ظهرت علامات أمراض النفس.. هل لأمراض النفس علامات؟ نعم.. لها علامات كما أن لأمراض الجسم علامات، فإنك ترى الجسم إذا مرض فإنه قد يتغير عقل المريض، ولا تكون آراؤه صحيحة، وقد يعتريه النسيان والذهول وإنكار نفسه وأقاربه وأهله، وتلك من مرض الجسم. وكذلك إذا مرضت النفس بعشق شهوانى أو بعمل معاص شهوانية، أو بغل وحسد، أو مرضت النفس بمرض الغضب والحماقة أو بالحزن، أو بغير ذلك.. فإن الجسم يصفر ويرتعد ويضعف، وتنقص قوته وتقل شهواته، كما قدمنا من ان قوة العقل والفكر تضعف بضعف البدن، كذلك يضعف الجسم بمرض النفس، وأمراض النفس لا تخفى على المتوسمين.
أسباب أمراض النفس وأنواعها:
تمرض النفس لأمرين عظيمين:
- اختلاف تركيب الجسم أو فساد المزاج.
- سوء الاعتقاد والعياذ بالله تعالى.
أولاً: أنواع الأمراض الناتجة عن اختلاف التركيب وسوء المزاج
- فساد الرأى.
- البله.
- الحيرة فى الأمر البسيط.
- ضعف الذاكرة.
- عدم الفكر فى غد.
- التهيج مما لا يتهيج منه.
- الغلو فى كل شىء حباً أو بغضاً، مدحاً أو ذماً.
- الشره.
- فساد التخيل، وهى أهمها.
ثانياً: أنواع أمراض النفس من جهة فساد العقيدة:
- الجدل.
- إنكار غير المحسوس.
- الشك فى يوم القيامة.
- حصر الملاذ فى تلك الحياة الدنيا.
- الحرص على الدنيا.
- حب المرء ذاته حباً يجعله يعق والديه، يقطع الرحم، يسىء إلى المحسن، يتمنى زوال نعمة غيره ونوالها لنفسه.
- البخل بالمال حتى على النفس.
- بذل الفضائل لاكتساب شهواتها.
- التجرد من الحياء.
- التهكم بالعلماء العاملن والعباد الزاهدين.
- تقبيح مجاهة النفس وحبسها عن الشهوات والرذائل.
- غلوه فى الحب لذاته غلواً يجعله يرى كل ما هو عليه فضائل وكمالات وإن كانت من أرذل الرذائل.
- التلذذ بفعل الفواحش والمنكرات.
- الفرح بالانتقام والأبية.
- الجبن لخوفه على نفسه من الموت لاعتقاده أنه يموت ويفارق الملاذ والكرامات.
- اليأس عند أقل مؤلم.
- القنوط عند فقد الأسباب لجهله بالله تعالى.
- التملق والتذلل عند الاحتياج، والغرور والطيش والكبر عند عدم الاحتياج لجهله بالمستقبل.
- الكذب تخلصاً من المؤلم أو انتقاماً من عدو جهلاً بيوم الحساب.
- الغيبة والنميمة للإفساد بين الناس لينال خيراً لنفسه.
- التجمل للخلق، والغفلة عن تجمل السريرة للحق، لأنه لم يؤمن بيوم القيامة.
- الذل والتملق لمن يظن أنه ينفعه أو يضره فى دنيا، والمسارعة إلى رضاه
ولو فى معصية الله لسوء ظنه بالرزاق المقدر، حتى قد يبلغ به أن يستعمله من له عليه نعمة أو رياسة فى عمل أكبر الكبائر: كأذية الخلق، أو شهادة الزور، أو التجسس والتحسس، أو الاشتراك معه فى عمل الفواحش وارتكاب الرذائل. ويفرح بذلك المسكين ويرى نفسه أنه وثق برزقه وضمن سعادته وأذل عدوه ونفع حبيبه،وينسى أنه سقط إلى مكان سحيق وانحط عن الرتبة الإنسانية إلى أقل من رتبة الحيوانات الداجنة، واستحق مقت الله وغضبه وأليم العذاب يوم القيامة.
أولاً: علاج أمراض النفس الناتجة عن اختلاف التركيب
فأهم علاج لختلاف التركيب أن يعتنى بالطفل من صغيره بما يلى:
-
- يعلم ما يستطيع تعلمه من الحرف النافعة لمعاشه التى تستغرق وقته نهاراً فى شغل.
- يلقن أركان الإيمان وأركان الإسلام، ثم تفصل له- من أركان الإيمان- الآخرة بمثل تنقش فى نفسه من صغره تجعله يشتاق إلى النعيم فيعمل لنواله ويخاف من العذاب فيتباعد عما يوقعه فيه.
- يلاحظ أن يمرت على الأعمال الواجبة شرعاً من الصلاة وغيرها من أول ما تندب عليه.
- يحافظ عليه من صحبة الأشرار والفجار ليكون أبعد عن موجبات أمراض نفسه المفطور عليها.
ومثل هذا لا دواء له إلا الرضا منه بما أهل له وعدم مطالبته بما لا طاقة له عليه من اعمال الفكر والتدبيرة التبحر فى العلم، وخير له أن يعيش بين نظرائه فى العلم والفكر بشرط أن يكونوا أتقياء، وأن يكلف بكثرة الأذكار والأعمال البدنية ليشتغل بها عما يوقعه فى المرض، كما يتحفظ على الأطفال والصبيان من الوقوع فيما يضر أبدانهم.
علاج أمراض النفس الناتجة عن انحراف المزاج:
تقدم بعض أنواع تلك الأمراض، وأهم علاج لها العناية باعتدال الأمزجة ورد الصحة على الجسم، وهذا منوط بفن الطب الجسمانى.
ثانياً: علاج أمراض النفس الناتجة عن فساد الاعتقاد
اختلف العلماء فى هذا الموضوع فمنهم:
- من رأى أن الإنسان يتخذ له صاحباً يسأله عن علوم نفسه، وليست هذه بالطريقة المهيئة للشفاء.
- استحسن بعضهم أن يعلم عيوبه من عدوه، وإنى أرى هذا الدواء لا ينفع إلا للأخيار، لأنه لا ينتفع من عدوه إلا الرجل التقى الورع. وأرى أكثر الناس يتغالى كل واحد فى إذلال عدوه ونسبة عيوب له ليست فيه لمهانته وعداوة الناس له، ولذلك فليس هو الدواء الوحيد إلا للكامل العالم الذى إذا سمع عدوه ينسب إليه عيباً من العيوب بادر بمحوه واستبداله بفضيلة ومكرمة، كما إذا رأى فى عينيه قذى أو على وجهه أوساخاً بنظره فى المرآة بادر إلى نظافة وجهه. وإنى إذا تكلمت فى هذا الموضوع فإنما أتكلم عن تجربة فى نفسى، ومعرفة بآداب أهل التقوى والصلاح من السلف وممن عاصرتهم، وعن خبرة ومزاولة لأمراض النفوس وأخذ فى علاجها.
لما علم الطب الجسمانى يراد منه أمران: أ- حفظ الصحة. ب- ردها إذا فقدت.. وكان حفظ الصحة على الجسم يقتضى التوسط فيما لابد منه للجسم والمحافظة عليه مما لا يتحمله، والعناية بمواد الأغذية من جهة النظافة والجودة والسهولة والمقدار، ومراعاة الوقت المناسب، والبعد عن المؤثرات الشديدة، كل تلك الأزمنة لحفظ الصحة الجسمانية، فكذلك ينبغى لصحيح النفس أن يجتهد فى حفظ صحتها عليها باستعمال ما أوجبه عليه الشرع بنسبه ومقاديره فى أوقاته ومن عبادات وأخلاق واعتقادات ومعاملات، بحيث لا يتهاون فيسبب مرض النفاق والقطيعة والبعد، ولا يتغالى فيقع فى الفتن والضلال (وكان بين ذلك قواما) [14]، وأن يتباعد بكل ما فى وسعه عن المبتلين بالأمراض النفسانية، كأهل الجدل والإنكار والفساد وغيرها، وعن أهل الشغف بالملاذ الحيوانية وعن مطالعة سيرهم وأخبارهم، ويتباعد عن أهل الخبث المفسدين وأهل الشر المضلين، فإنه قد يقع فى أمراضهم من حيث لا يشعر بمجرد مجالستهم، وذلك لأنه لصحة نفسه أول ما يقع نظره عليهم يرى فيهم علامات الأمراض والسقم، كما يحس الإنسان من الآخر بمرض الجسم بعلامات المرض، فكذلك صحيح النفس إذا جلس مع مريضها أنكر عليه، ومريض النفس يرى أن الصحيح الحقيقى مريض، فيحصل الإنكار من كل على الآخر، فيكون بمجرد جلوسه معه مرض بمرضه. فعلى صحيح النفس أن يتباعد عن مرضى النفوس إلا إذا جاءه مريض النفس فشكى إليه مرضه وطلب منه دواءه.
العناية بحفظ الصحة على النفس:
من العجب أن الرجل صحيح النفس يهمل صحته حتى يقع فى الأمراض، لأن امراض الأجسام يشعر صاحبها بألم يدعوه إلى الطبيب، وأما أمراض النفوس فقد يحصل منها اللذة للنفس والأنس لها، لأن غالب أمراض النفوس مما يلائم النفوس، فينسى الرجل قبائحه ويغفل عن دواء نفسه، وإذا ذكره أخوه بعيوب نفسه قذفه وعاداه وهو يظن – المسكين- أنه على أكمل الفضائل وأجمل الأخلاق، ناسياً أمراض نفسه لحبه لنفسه، فتجب العناية بحفظ الصحة على النفس خشية الوقوع فى المرض.
العلاج عند حصول المرض:
فإذا حصل للنفس مرض من الأمراض السابقة، فعلاج ذلك محصور فى أمرين أساسهما العلم:
الأمر الأول:
- أن يبادر من حصلت منه مخالفة للمرشد- إن كان مسترشداً- فيعرض عليه أمره، ثم يعمل ما يكلفه به مما هو شفاء لنفسه وتوبة من ذنبه، غير خجل ولا مستتر، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان الرجل منهم إذا نسى أو أخطأ رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام فنجز ما يكلفه به، فمنهم من يقول زنيت يا رسول الله، وغير ذلك مما قل أو كثر. فإذا خجل المخالف أو رأى أن رفع الأمر للمرشد فضيحة، تهاون بيوم القيامة وجهل الفضيحة فيه، ودعاه التساهل بصغير المخالفة إلى الوقوع فى كبيرها، حتى قد تبلغ به الحالة إلى أن يترك عمل الواجبات.
- أما إذا كان ليس له مرشد بأن كان من العلماء أو كان من القائمين بالدعوة إلى الله، فالواجب عليه إذا رأى نفسه أوقعته فى الحماقة والغضب والعداوة بين الناس أن يبادر بأن يتعرض إلى سفيه أحمق يسبه أمام الناس ويتحمل ذلك ويفرح، ليعالج نفسه ويرد عليها صحتها، أو يبادر بأن يذل نفسه لمن كان يعظمه ويقبل يده ويخدمه، ويتوب مجاهداً نفسه بترك تلك الصفة القبيحة، وإن شعر منها بحب الشهرة والسمعة بادر بأن يعرض عليها مبدأها ونهايتها وحقارة الدنيا وزوالها
الأمر الثانى:
وأكمل دواء للنفس المبادرة بتلقى علوم الدين من أهل اليقين، الذين يعلمون الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ويدعونهم إلى الله على بصيرة، ويجعلون أساس دعوتهم كشف عناية الله بهم وإظهار آياته فى الآفاق وفى أنفسهم بطريق مقنع، ويبينون أسرار الصورة الإنسانية وما احتوت عليه من غرائب الحكمة وعجائب القدرة، وكيف كان مبدؤها من آيات القرآن بقوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) [15]، ويتباعد فى الدعوة من غير ذلك بذكر عناية الله تعالى وابداعه للعالم كله، وهو الأمر الجامع، حتى إذا اطمأنت القلوب وانشرحت، دعاهم بعد ذلك إلى التصديق بالآخرة ويبين لهم حقارة الدنيا وزوالها، ودعاهم لمعرفة أنفسهم وما به تكميلها وسعادتها.. وهذه هى طريق القرآن فى الدعوة، وسبل رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم فى الدلالة والبيان.
القرآن الكريم:
فاقرأ أيها الأخ البار كتاب الله متدبراً، وتأمل قصصه متفكراً، واعتبر بتكرار أخبار الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأساليب البيان، وحكم التبيان الجلية لكل ذى بصيرة فى كل مكررالقرآن، يظهر لنور سرك ساطع حجج القرآن الكريم، وجلى نور براهينه،وما حث فكرك عليه وما نبه قلبك إليه، وما دعاك إلى تدبره والنظر فيه من الآيات الدالة على كمال عنايته، والحجج المؤيدة أنه هو المبدع الخلاق.
فإذا زكت نفسك أيها الأخ المؤمن، وتناولت من سلسبيل القرآن الشريف، ومن كافور كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سكنت نفسك واطمئن قلبك وانشرح صدرك، ودعاك سرك دعوة الحق إلى الحق، وانكشف لك سيما الناس، فعلمت بسيماهم مقادير استعدادهم وفطر نفوسهم، فدعوت عباد الله إلى الله بالحكمة والموعظة على قدر النفوس ومناسبات العقول، ناهجاً على الطريق المستقيم، لا تميز بين المسلم وغيره ما دمت تجعل أساس دعوتك طريق القرآن العظيم.
واحذر يا أخى- أيدنى الله وإياك بما أيد به الصديقين والشهداء من عبادة الصالحين- أن تتجاوز هذا الطريق فى الدعوة والإرشاد بأن تسلك مسالك النظار بعقولهم فتفتح أبواب الجدل والشكوك والريب، فتكون من الفتانين التائهين فى بيداء الغفلة، وتحقق أن كل من أراد أن يجادل أو يعارض فهو عدو لأخوة المؤمنين، محروم من التصديق واليقين، والأولى الإعراض عنه وعدم العناية به، فإنك إن أعرضت عنه هلك وحده، وإن جاريته فى الجدل والمعارضة ربما هلك وأهلك معه كثيرين.. والله اسأل أن يهدينا
بالقرآن، ويعصمنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم آمين.
أسباب مفسدات النفس:
اعلم أيها الأخ – روحنى الله وإياك بروح العناية والولاية وريحان الإحسان والرضوان – إن أمهات الخطايا التى لعن بها إبليس وأخرج أبونا آدم من الجنة وقتل قابيل أخاه هابيل ترجع إلى أصول الكبائر وهى:
- الكبر: الذى أوقع إبليس فى القطيعة واللعنة.
- الطمع: الذى هو سبب المعصية لأبينا آدم وأهبط بسببه من الجنة لأنه طمع فى الخلود فيها.
- الحسد: الذى دعا قابيل أن يقتل هابيل حسداً له على النعمة عليه بأخت قابيل.
وما من رذيلة من الرذائل إلا وهى ترجع إلى أصل من تلك الأصول، فإذا حفظ الله العبد من تلك البليات الثلاث وفروعها، كان وهو فى الدنيا من أهل الآخرة. وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المعانى بكلمة هى الحصن الحقيقى للسلامة بقوله صلى الله عليه وسلم : (حب الدنيا رأس كل خطيئة) [16].
قد افلح من تزكى:
فإذا جاهدت نفسك حتى تزكت فقد أفلحت، فامش فى الناس عاملاً عمل أهل الدنيا غير خائف فإنك فى الآخرة، دليل ذلك كتاب الله تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس كمن مثلة فى الظلمات ليس بخارج منها) [17]. فالميت من زكى نفسه حتى صار فى الملكوت الأعلى، فجعل الله له نوراً من اليقين والعلم والفقه يمشى به فى الناس آمناً لانكشاف الحق له وبيانه، فلا يضره مشيه فى الناس وعمله معهم لأنه ينفعهم النفع الحقيقى وينفع نفسه [18] .
الشفاء من أسقام النفس:
وقد أسهب الإمام فى ذكر وبيان أمراض كل قسم وكذا طرق العلاج، مما لا تتسع الأوراق هنا لذكره، ولكننا نشير إلى اهتمامه الأكبر بأمراض العلماء وأمراض الدعاه إلى الله الحق.. فقال:
العلماء الذين أعنيهم فى كلامى هذا هم الذين منحهم الله تعالى الفقه فى دينه ووهب لهم سبحانه وتعالى علم الرعاية فى أحكامه حتى علموا حكمته فى كل حكم فسارعوا إلى المراد له جل جلاله فيما حكم لا الحكم كما يفعل أهل التقليد الذين لا هم لهم إلا تأدية المأمور به حركات وسكنات وألفاظ مجردة عن الرعاية التى بملاحظتها يصير العالم كأنه يرى الله أو تحصل له الخشية من رعاية أن الله يراه فيكون إما فى مقام الإحسان لاستغراقه فى شهود آيات الله وحكمته معاينة آثار وأنوار عجائب قدرته فيكوم روحانياً وهو جسمانى، وملكوتياً وهو إنسان حيوانى، جامع بين الضدين، غلبت عليه أنوار الروح فأخفت ظلال جسمه ففارق لوازم البشرية استحضاراً أو مقتضيات الآدمية حضوراً فقام عاملاً مخلصاً لله بالله كأنه يرى الله أمامه أو مخلصاً لله محجوباً عن شهود أنه بالله فيكون موقناً أن الله يراه فى عمله، وهؤلاء هم العلماء الذين أعنيهم بكلامى.
ثم ذكر أمراضهم فقال:
-
- وأمراضهم خفية عن العقول غامضة عن النفوس، لأنهم مع كمال الإخلاص يشوب توحيدهم شوب بواعث الهمة على العمل، فيحجبون عن خالص مشاهد التوحيد إما للعلة الباعثة أو لعدم تصفية مشهد التوحيد من شوب نسبة العمل لأنفسهم بشهود المجاهدالت منهم، وهو أمراض الأخفى التى تظهر أنها قربات إلى الله وشوق إليه وحب فيه. وقد يقوى هذا المرض حتى يدعو إلى شهود الإلهية فى العامل من حيث لا يشعر فيأنس بالعمل ويطمئن بالعرفان. والأنس بالعمل والطمائنينة بالعرفان شرك أخفى فى طريقنا هذا، ومن شغله العرفان عن المعروف والعمل عمن هو مولى وجهه شطره واحتجب بنسبة العمل لنفسه.. فهو مشرك فى طريقنا وإن كان من أهل الفردوس الأعلى.
- ومرض الإلهية أعظم مرض عضال يصاب به الربانيون. وقد جعل الله من أنواع العلاجات أمرها ومن العقاقير أحدها. قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [19]. ومن دواء هذا المرض قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) [20]، وقوله: (ولقد علمتم النشأة الأولى) [21]، وقوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً* إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) [22]. وأهل العلم يعلمون أن الغواية غير الضلال، فإن المؤمن قد يغوى ولا يضل لأن الضلال هو الكفر بالله تعالى ، وأما الغواية فهى معصية الله تعالى شهوداً أو ذوقاً أو وجداً أو علماً أو بالجوارح. وإن من حجبه العلم والعمل والمعرفة والتقوى عن كمال التوحيد الذى هو الجوهر المقصود بالذات لله تعالى غوى. والغواية قد تحصل من الإنسان بالتأويل أو لقصد نيل الخير الذى يظنه- قال تعالى: وعصى آدم ربه فغوى) [23].
- الفرح بإقبال الناس سكوناً إليهم من غير ملاحظة، وقد جعل الله سبحانه لهذا المرض علاجاً للمؤمنين- قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقتطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث) [24]. وقد خاطب الله رسول صلى الله عليه وسلم وأراد بخطابه المؤمنين، وهم من أعلم الناس مراقبة لله وخشية منه، فقال تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) [25]. تناول من هذا الطهور واسكن بكلك إلى ربك وافرح بفضل الله وبرحمته وسبحه واستغفره عند إقبال الخلق، ولا تفرح بحالك وعملك لأن العصمة من الزلل لله تعالى.
- وهنا مرض آخر فوق هذه الأمراض كلها ينتج عن الشوق إلى المفارق فيخفى على العالم واجب وقته فى مرتبة الوجود الذى أقامه الله فيها فيأنس بالمفارق فيخفى على العالم واجب وقته فى مرتبة الوجود الذى أقامه الله فيها فيأنس بالمفارق أنساً بنسبة لازم رتبته الكونية فيحصل له الشوق الشديد الذى يخرجه عن الوسط فيفارق مكانته الإنسانية التكلف بما لاح له من أنوار الملكوت فى نفسه وفى الآفاق وفى السموات وفى الأرض فقد يقع فى الفتنة المضلة أو الضراء المضرة، ودواء هذا المرض قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على لناس) [26]، وقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم إنى اسألك الشوق إليك بغير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) [27].
- وهناك مرض فوق هذا كله: وهو أن ينكشف له نور قوله تعالى: (وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعاً منه)[28] فتسخر له الكائنات كلها طوعاً لأمه ومسارعة إلى هواه لأنه بجواذب العواطف الإلهية يتفضل الله عليه فيصير عند ربه ويمن عليه بأن يجعل له ما يشاء من سر قوله تعالى: (لهم ما يشاءون عند ربهم) [29]، فيلتفت لفته تدعو إليها الرحمة التى جمله الله بها لعباد الله تعالى فيتجاوز حدها إلى حال الغيرة التى لا يكون إلا عند الله تعالى عند انتهاك حرماته تنفيذاً على تعدى حدوده بسيف أو بسوط الشريعة لا بنار الحال وشرار الابتهال فيسرع بعامل الغيرة للغضب وليس بيده سوط ولا سيف الشريعة فيكون نظر بعين التقييد فيما يلائمه فيكون انحط عن الرتبة العلية. وقد داوى الله هذا المرض بقوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين) [30].
ومن أمراض الدعاة إلى الحق:
- النظر إلى أهل المعصية بعين ملؤها المقت والغضب: وقد جعل الله لهذا المرض دواء قوله تعالى: (ومن أحسن قولا ًممن دعا إلى الله وعمل صالحاً) [31]، وقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [32]وقوله تعالى: (رحماء بينهم) [33].
- الأنس بما يشاهدونه وإن خالف ما عليه الجماعة: وقد جعل الله لهذا الداء دواء وهو قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) [34]، وقوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم البعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) [35].
- استعجال النقمة لمن خالفهم والكرامة لمن وافقهم: جهلاً بسرالقدر، فقد يتوب المخالف فيكون من أكمل أولياء الله، وقد يكون الموافق لهم عدواً لله وحفظنا الله من المعاصى. وقد شفى الله هذا المرض بقوله: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم) [36]، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم) [37]وكم سارع إلى الكفر رجال أظهروا الإيمان ولم يحصل لهم الأنس بالإيمان ولم ينالوا مآربهم فارتدوا على أعقابهم- قال تعالى: (ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر) [38]. وسر القدر غيب على النفوس الزكية.
- الغضب على من لم يقم بالواجب عليه لهم: وذلك مما يدسه عليهم عدوهم من أن المقصر فى حقهم مقصر فى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحقيقة غير ذلك فإن ذلك مرض خفى لأن المريد قد يقوم بالواجب عليه لله ولرسوله غير الملاحظ الواجب عليه للعالم لأنه إنما حجبه ليسارع إلى مرضاة الله ومرضاة رسوله باتباعه، وشفاء تلك الأمراض قوله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [39].
- الغرور بما يهب الله لهم من الفقه والفهم: حتى قد ينظروا إلى من سبقهم بعين المساواة، أو يظنون فيهم التسامح والتساهل أو عدم الضبط، وقد يرمونهم بما لا يليق أن يكون بين المؤمنين. ودواء المرض قوله تعالى: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) [40]. أقول قولى هذا وأعتقد أنه لا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذى عصمه الله بقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى) [41]وعصمه من الناس بقوله: (والله يعصمك من الناس) [42]. وأعتقد أن الحكمة الإلهية يهبها الله لمن يشاء وأن خبر من سلفنا قد يكون بعصمة من الله وإلهام منه وكمال إخلاص من العالم لله تعالى بالله ويكون فهمنا عن عجلة وحفظ خفى علينا وشهوة دعا إليها أمل أو طمع.. والله يغفر لمن يشاء وهو الغفور الرحيم.
- ميل نفوسهم إلى مجالسة الأمراء وزيارتهم لدسيسة خفية عليهم: هى أن يكونوا أعواناً للحق فيعظم الداء، ومن جالس جانس، وقد عد الله لهذا المرض أنفع الأدوية وهى قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) [43]. وهذه إن لم تكن كل الأمراض فهى أصولها التى تتفرع منها كل الأمراض، وقد يكون مرض واحد يتفرع منه عدة أمراض فيجهل الطبيب أصل المرض فيعالج الفروع ويترك الأصل فيزداد المرض، ولو أن الطبيب اعتنى بالمرض الأصلى لزالت كل الأمراض الأخرى وشفاه الله.
- ومن أمراضهم: أن الرجل منهم إذا اخطأ فى حكم وفشى بين الناس وعورض فيه كره أن يخضع للحق وقام مجادلاً بالباطل ينصر نفسه على الحق غير مبال بسخط الله وغضبه إذا أقام الحجة على خصمه أنه محق ورضى الخلق عنه فيكون أبطل الحق وأحق الباطل خوفاً على نفسه الفضيحة بين الناس، ولو أنه عالم كما يدعى لأعلن خطأه وغلطه بين العالم ليرضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غير مبال بالخلق، فإن الإنسان محل النسيان. ومن كبرت نفسه أن يرجع للحق بعد الخطأ أقام الحجة أنه من أهل جهنم، أعاذنا الله من سوء الأدب مع الله تعالى ومن تعظيم الخلق فى جانب الحق حتى يكره ان يحتقر أمامهم فيتمادى على الباطل، وقد داوى الله هذا المرض بقوله تعالى: ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله) [44]. ومعلوم أننا مكلفون باتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وقال تعالى مداوياً هذا المرض العضال: (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى الإسلام) [45]، وقال تعالى فى أنفع دواء لهذا الداء: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) [46]، وقال تعالى مثنياً على أهل مقام الخوف: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [47]، فالعالم الذى يخطىء فى الحكم ثم يذكر بالحق فيأبى أن يخشع للحق خوفاً من أن يشاع عنه الخطأ بين الناس فيستحقر كان من الذين شنع الله عليهم بقوله تعالى: (يستخفون من الناس ولا يستخفون
من الله وهو معهم) [48]. ومثل هذا عند العلماء بالله تعالى أدنى من الجهلاء لأن هذا من أكبر أمراض المنافقين. ولو أن مدعى العلم صدق الله تعالى فيما أخبرنا به عن يوم القيامة ومن الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى وأن الإنسان إما إلى جنة وإما إلى نار لذاب قلبه خشية من الله تعالى أن يرضى الناس ويغضبه وأن يخشى الناس ولا يخشاه، وأن يحب المنزلة عند الناس بسقوطه من عين الله تعالى.. أعوذ بالله من الذنوب التى توجب النقم، واعوذ بالله من الذنوب التى تغير النعم، ومن الذنوب التى تهتك الحرم، ومن الذنوب التى تديل الأعداء، ومن الذنوب التى تحبس غيث السماء.
- تأويل الأحكام بما يناسب هوى الخلق والعمل بالرخص لجلب الأموال وميل القلوب إليهم خصوصاً فيما يتعلق بالطلاق والميراث والمعاملات، فترى الرجل منهم يفتى بغير ما أنزل الله تعالى اجتراء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليكسب مالاً أو شهرة أو منزله فى قلوب الأمراء. وقد ضرب مالك بن أنس وأهين ليفتى أن طلاق المكره يقع عليه فأبى، وضرب أبو حنيفة رحمة الله تعالى لتولى القضاء فأبى، وكان الرجل يسأل أحد الصحابة عن المسالة المعلومة لأقل صحابى فيرده لى غيره حتى يرجع إلى المسئول الأول لأنهم رضى الله عنهم يعلمون الناس بقول: لا أدرى حتى يقتدى بهم من بعدهم، وكان إذا سئل أحدهم عن الفتيا يرد السائل إلى الأمير ليكون خاملاً بين الناس. وإنما يتعلم العلم ليعمل الإنسان به فى نفسه حتى يكمل نفسه بالعلم والعمل، وهذا المرض داواه الله تعالى بقوله: (يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به) [49]، وهؤلاء هم الذين يكذبون على الله تعالى وعلى رسوله متعمدين الكذب- قال صلى الله عليه وسلم: (من كذب علىّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار) [50]. ومن أفتى بحكم عالماً أنه برأيه وحظه ليس مأخذ من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الهداة المهتدين فهو من المتعمدين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- إهمال الغاية بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وبأئمة الهدى وضياع الأنفاس النفيسة والأعمار الطويلة فى خدمة كتب أهل الجدل والمناظرة والفرق المختلفة من المتكلمين مما يثير ثائرة الأخلاق ويفسد العقائد ويمزق الجماعة ويكتر الخلاف بين المسلمين، وهذا الداء عضال جداً لأنه أذهب نور الإيمان من القلوب ومحى لين الأعضاء لعبادة الله، فتراهم وتلاميذهم يمضون سواد الليل وبياض النهار فى فهم الأقيسة والنفى والإثبات والسلب و الإيجاد، وجعلوا المواضيع التى يمرنون عليها نفوسهم صفات الله تعالى كما يتمرن المتعلمون بحفظ أراجيز الجاهلية وقصائدهم ليطبقوا عليها القواعد النحوية والصرفية تقوية لاستقامة ألسنتهم حتى صارت العقائد الدينية كالمسائل الحسابية والهندسية التى تعطى للتلاميذ ليشحذوا بها قواهم الفكرية ضبطاً للقواعد، أدى هذا المرض والعياذ بالله تعالى إلى سوء الأدب، فصار من السهل عندهم أن يوردوا الاعتراضات على الصفات الإلهية وعلى الكلام الإلهى وعلى عمل القدرة الإلهية، ولا يصدر هذا الاعتراض والانتقاد من قلب فيه خشية لله تعالى، وتراهم مع هذا كله يجعلون هذا الجهل علماً وتلك البدع المضلة عملاً ويقررونه فى المجتمعات أمام النشء من طلبة العلم حتى يملأ قلوبهم استهانة بكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكاراً على آيات الله تعالى التى أجراها على أيدى رسله وأوليائه حتى بلغ منهم سوء الأدب أن أحدهم إذا قال له خصمه: قال الله أو قال رسول الله أو قال فلان الفلانى.. قال له تكلم معى بالعقل. ومن أراد أن يظهر التقوى خوفاً على نفسه من تشنيع العامة أول الآية أو الحديث إلى ما يلائم حظه وهواه غير هياب من الله تعالى ولا وجل من لقاء الله، وقد انتشر هذا المرض حتى عم أكثر طلبة العلم إلا من عصمهم الله، وقليل ما هم، وصارت تلك البدع المضلة هى السنة عندهم، وإن اختبار العلماء لرفعة شأنهم بين الأمة لا يكون إلا بإتقان تلك حتى كأن السنن الماضية للإسلام والمآخذ الحقة لأحكامه نسخت بأفكارهم والله تعالى يقول: (وخاتم النبيين) [51]، ومعنى ذلك أن شريعته لاتنسخ أبداً، فمن ابتدع بدعة سيئة فى دين الله كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وقد داوى الله هذا المرض العضال بقوله تعالى: (وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا) [52]، وقوله تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً* وجعلنا على قلوبهم اكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقراً وإذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً)[53]
- كل مؤمن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ولو كان فى القرن العشرين أو أكثر، لأن المراد من الرسول الكتاب والسنة، ومن استظهر على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلك الآيات تجره بذيلها إليها، فإن من خالف رسول الله فى حياته المحمدية ومن خالفه بعد عشرين قرناً سواء عند الله تعالى، وإنما هى نفوس شريرة أعدت للضلال والإضلال، أعاذنا الله من هذا الشر، وقد شنع الله بقوله: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)[54] .
ومن أمراضهم الأخرى:
الأولى بالمؤمن أن يجتهد فى عمارة قلبه باليقين الحق، ومجاهدة نفسه فى ذات الله مخلصاً فى عمله فانياً عن إثبات عمله لنفسه كذا فانياً عن العمل بعد إتقانه. هذا المرض جعل الله لنا منه وقاية وهى قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس) [55]، وقوله سبحانه وتعالى: ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج) [56]وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) [57]. لعل بعض من يجهل حكمة الأحكام يظن أنى أحب التساهل فى الأعمال البدنية، لا، ولكنى احب أن تكون العناية العظمى بالقلوب، فإن الأعمال البدنية سهله ميسرة ليس هناك ما يعارض فيها أو يعرض عنها، بخلاف أعمال القلوب فإن القلوب ميدان الجيش الحق والباطل وليس القلب تحت سلطان الإنسان ولكن الجوارح تحت سلطانه بكل ما فى وسعه خوفاً من أن يتسلط عليه العدو من الحظ والشهوة والطمع والأمل والشيطان الرجيم فيفسده على العامل، وهؤلاء العلماء إما أن يكونوا جهلوا حكمة الأحكام أو علموا بغير علم.
ولا يخفاك فى ذلك من النقص، فإن كانوا جهلوا الحكمة فالواجب أن يسارعوا إلى البحث عن العارفين بالله فيتلقوا علوم اليقين وطرق تزكية النفوس وعلاجها من أمراضها الأخلاقية، ومتى أسعدهم الله بعارف بالله وسلموا له أنفسهم عمر قلوبهم باليقين وأشهدهم آيات الله الظاهرة فى الآفاق وفى أنفسهم، فاشتغلوا بالله تعالى مقبلين عليه بالكلية متشبهين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فداه روحى وأبى وأمى.
ولعل من ألم به هذا المرض يعتقد أنه أكمل النساك لاعتماده على التشديد على نفسه، والحقيقة أنه ظلم نفسه وتعنى فى العبادة، والعبادة ليست تعنياً ولا تمنياً وإنما هى قيام لله بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقدر استطاعة العامل ابتغاء مرضاة الله مع رعاية مشاهد التوحيد فى أن الموفق المعين الهادى هو الله، وعلاج هذا المرض االأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاستظهار عليه صلى الله عليه وسلم حتى لا يعمل إلا بعد أن يتبين له أنه على ما يحبه الله ورسوله، فإن المراد القبول من الله تعالى، ولا يتحقق إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن أقبل على الله تعالى مستظهراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعيناً كانه هو والمتساهل المتمنى سواء، وكيف يقبل العبد المؤمن على الله تعالى بمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم بالقول أو بالعمل، وما جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جاءنا به من عند الله تعالى، وقد فرض الله تعالى علينا طاعته صلى الله عليه وسلم وجعل التولى عن طاعته كفراً- قال تعالى: (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) [58]. فإذا كانت طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هى طاعة الله تعالى فمخالفته صلى الله عليه وسلم هى مخالفة الله تعالى، وهذا العامل لو أشرقت عليه أنوار حكمة الأحكام لذاق حلاوة الإيمان ولذة التقوى ولكنه وقف عند نفسه فأفسد عليه الشيطان عمله، والأولى له أن يتوب إلى الله تعالى من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بتدعه فى العبادة، وإنما نعبد الله تعالى بما أمرنا به وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والعمل والحال حتى نفوز بمحبة الله لنا لقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) [59]، وكيف يقبل الله عملاً يخالف العامل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كره صلى الله عليه وسلم لأصحابه التعنى فيما هو خير من مواصلة الصيام ومواصلة قيام الليل والزهد فى بعض المباح، كما كره للإمام الجليل سيدنا عبد الله بن عمر بقوله له: (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) . وكما كره لغيره من المستظهرين عليه مما عزموا أن يتركوا الكلام مع الناس فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحياهم فلم يردوا عليه فقال صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتى فليس منى) [60]أما معاملات القلوب والأحوال التى تنتج عنها فإن كان يحبه صلى الله عليه وسلم وكان من أصحابه رضى الله عنهم ونفعنا الله بهم على أكمل الأحوال النبوية وأجمل المعاملات فكان الرجل منهم يبذل ماله لأخيه ويبذل دمه ويؤثر على نفسه مع الخصاصة وينافس فيما يرضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مما عجز العقل عن تصويره وتقف الأفكار أن تحوم حواليه لأنه فوق الطاقة البشرية وبه أثنى الله تعالى عليهم وبه نشر الدين فى أنحاء الأرض، وبتلك الأحوال بعينها صارت كلمة الله تعالى هى العليا وجاء الحق وزهق الباطل، ولكن هذا العامل يشدد على نفسه فى الطهارة جسماً وبدناً ومحلاً ويترك قلبه ميداناً للوساوس والمفاسد، ولو اعتنى بقلبه لشهد جمال ربه.
* ومن امراضهم الدعوة إلى الحق بالفظاظة والغلظة والجفوة، مع أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة مع رعاية قوله تعالى: (رحماء بينهم) [61]حتى يقهر المؤمن الشيطان فينجيه الله منه. وقد قص الله علينا أخبار الرسل صلوات الله على نبينا وعليهم فى الكتاب العزيز لتستبين لنا أحوالهم من الصبر والرضا والعفو والرأفة والرحمة والحب فى الله والغض فى الله وتحمل الأذى فى الله ومعاداة الوالدين والأولاد فى الله تعالى، والتبرئة من الخليل والرفيق والصاحب والصاحبة والولد لله تعالى حتى يكون البعيد البغيض أحب إليهم من الوالدين والأقربين إذا آمن بالله ورسوله، ويكون الشقيق الرفيق أبغض إليهم من النار إذا كفر بالله تعالى أو عصاه سبحانه وتعالى، شرح الله لنا ما كان عليه رسله صلوات الله وسلامه عليهم، وكرر أخبارهم وقصصهم فى القرآن لتستبين المحجة وتتضح الحجة فتكون الحجة البالغة لله، ولم يكن تكرار أخبار رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم عبثاً، فإن كل قصة كررت مزيد بيان لحال أو مقام أو خلق جميل أو صبر من الله تعالى أو شكر منه جل جلاله أو كشف خفى لطفه بعباده، كيف صبر الله تعالى على من خالفوا رسله وأمدهم بالمال والبنين حتى طغوا وضلوا واضلوا، ومن لم يتلق بالأسرار الحكمة من العقيدة والأخلاق والمعاملة والأحوالوالمقامات من أخبار رسل الله تعالى غوى.. أسأل الله تعالى أن يحصنى وإخوانى بحفظه من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم من البدع المضلة والأهواء المضرة إنه مجيب الدعاء.
- ومن أمراضهم النظر إلى أنفسهم بأنهم لا يخطئون، ودليل ذلك أن الرجل منهم إذا قيل له أخطأت فى رأى أو قول أو عمل، كبرت عليه نفسه أن يرى مخطئا فيثور ثورة الليث مشنعاً على من نبهه لخطئه متعصباً لنفسه مفارقاً للحق، ويبلغ فيه العنا وأن يكتب فيه الرسائل ويشيع القبيح فيمن نبهه للحق، أنا لا أنزه العلماء من الحدة والإنفعال النفسانى عند الصولة لله، ولكن هذه الصولة تكون من العالم غيرة لله عاى من تعدوا حدوده أو خالفوا صريح البيان أو الإجماع، ولا تلبث تلك الصولة إلا ريثما يظهر للعالم الحق إما برجوع المخالف وتوبته، وإما ببيان الحجة أنه على الحق فيرجع إلى الله إما مستغفراً لذنبه وإما شاكراً له على حسن عنايته بأخيه المؤمن ومثنياً على أخيه المؤمن التى من أعظمها الرجوع إلى الحق. أما الصولة على من لاحظ عليك وأنكر عليك والثناء على من تملق لك ووالاك فهما الأمران المنكران وذلك أن أبليس لعنة الله عليه علم أن الباب الذى يدخل منه على قلوب العلماء هو باب الحسد، فإنه لعنة الله عليه يدخل على النساء من طريق الكيد، وعلى التجار من طريق الخيانة، وعلى قلوب الحكام عن طريق الظلم، وعلى قلوب الشبان عن طريق النساء، حفظنا الله من مكروه وكيده إنه مجيب الدعاء.
وشفاء هذا المرض أن يعتقد فى نفسه العصمة لرسول الله، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أنزل نفسه منزلة الرسل – صلاة الله وسلامه عليهم- فاعتقد أنه لا يخطىء فقد أقام الحجة على أنه مخطىء وظالم لنفسه، وإنما هو رأى يراه الإنسان فإن كان حقاً فمن الله بحسن توفيقه وعنايته وإن كان باطلاً فمن الإنسان العجول قال تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً) [62]وقال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [63]، وقال تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) [64]. وكل مؤمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ضالته المنشودة الذكرى، فإن المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن لا يرى عينيه اللتين يكشف بهما الأشياء إلا بمرآة، فكيف لا يقبل من أخيه المؤمن ما بينه له من عيوب نفسه التى لا يراها بنفسه اللهم إلا إذا تمكن الشيطان من قلبه فأنساه ذكر ربه. هذا أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضى الله عنه وفداخ أبى وأمى- أمر الكاتب أن يكتب لرجل من الولاة فى شأن من الشئون بينه له فكتب الكاتب، هذا ما أراه الله أمير المؤمنين، فلما أسمعه الكتاب غضب غضباً شديداً وقال: من أعلمك أن هذا ما أرانيه الله تعالى؟ هذا رأى عمر إن كان حقاً فمن الله تعالى وإن كان باطلاً فمنى بعجلتى وأسأل الله أن يغفر لى. وهو من امرنا صلى الله عليه وسلم أن نقتدى به [65] رضى الله عنه من المحدثين بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن كان منكم لمحدثون فعمر) [66]وسماه صلى الله عليه وسلم الفاروق. ومع تلك المقامات العلية تراه كما أخبرك أدباً مع الله ورسوله ومجاهدة لنفسه، فكيف يدعى غيره العصمة لنفسه ويغضب إذا نبه للخير ويرى أنه أكبر من الحق.
الشفاء من هذا المرض: ذق حلاوة قوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فى شىء) [67]وقوله سبحانه: (أفرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه) [68]وقوله سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) [69]وقوله سبحانه: ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) [70]وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يكفيه قليل الحكمة) [71]. إذا ذاق المؤمن حلاوة تلك الايات والأحاديث الشريفة علم حق العلم أنه ذو قلب يتقلب وذو جوارح مجترحه وذو نفس تنزع إلى مقتضيات فطرها ولوام طبعها وأنها فى حاجة إلى التزكية والتهذيب وأنها لا تصلح إلا بالتزكية كما قاله سبحانه: (قد أفلح من زكاها)[72]. وبعد أن يجاهد نفسه حق الجهاد، ولتزكيتها يجب أن يجاهدها مجاهدة أخرى ليفنى عن شهود تزكيته إياها حتى يتحقق بمشهد التوحيد بقوله تعالى: (ولكن الله يزكى من يشاء) [73]. وعالم يجهل تربية نفسه منفرداً، والمسارعة إلى علاجها عندما يلم بها نقص فى العقيدة، أو عيب فى الأخلاق، أو نزوع إلى حظ أو ميل إلى معصية، فيسارع إلى معالجتها بما بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما اخذ به أهل المعرفة بالله أنفسهم من فادح الرياضات وشديد المجاهدات حتى تلين للحق وتنقاد مسالمة فليس بعالم، لأن العلماء كما قال صلى الله عليه وسلم: (سرج الدنيا ومصابيح الآخرة) [74]والسراج يضىء نفسه وما حوله- فكيف يكون السراج مظلماً ويشهد غيره منه نوراً؟! فإن كان العالم مفسود الأخلاق كيف ينفع غيره بعلمه وعمله وخلقه؟ والعالم مسئول عن العمل بعلمه. وقد ورد: (أعوذ بالله من قلب لا يخشع ومن علن لا ينفع ومن عمل لا يرفع) . وأدعياء العلم الذين هم أضر على المسلمين من أعدائهم لأنهم ينظرون إلى الخلق بعيون الانتقاد فيحتقرون عباد الله تعالى، وينظرون إلى أنفسهم بعين الإعظام والإجلال فيغفلون عن نقائصهم وعيوبهم وأمراضهم، فترى الرجل منهم يبذل ما فى وسعه للتقرب من الأمير أو من المتكبرين فى الأرض بغير الحق لينال دنيا أو جاهاً ويتقرب إلى الأمير بما أحب مما حل أو حرم، وإذا رأى مسلماً سها عن مندوب قام فشنع عليه وسبه، وينسى عظائم الأنام من نفسه حتى كأنه عميت عينه عن تطعير نفسه أو كأنه لم يطالب بآداب الشريعة [75] .
[1] راجع كتاب ( مذكرة المرشدين والمسترشدين ) ص 122.
[2] سورة آل عمران آية 102.
[3] سورة الأعراف آية 126.
[4] سورة الإسراء آية 11.
[5] سورة الأنبياء آية 37.
[6] سورة النحل آية 1.
[7] سورة الأنعام آية 96.
[8] كشف الخفاء للعجلونى ج1 ص366.
[9] سورة مريم آية 19.
[10] سورة الفرقان آية 63.
[11] مجلة المدينة المنورة : السنى 10 العدد 19 ص9 ( 5 ذى القعدة 1356 الموافق 7 يناير 1938) .
[12] كتاب : ( النور المبين لعلوم اليقين ونيل السعادتين ) للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبى العزائم .
[13] البزار والبيهقى فى السنن .
[14] سورة الفرقان آية 67.
[15] سورة المؤمنون آية 12.
[16] البيهقى فى شعب الإيمان .
[17] سورة الأنعام آية 122.
[18] من كتاب (( مذكرة المرشدين والمسترشدين )) للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبى العزائم .
[19] سورة الإسراء آية 82.
[20] سورة المؤمنون آية 12.
[21] سورة الواقعة آية 62.
[22] سورة الإنسان آية 1 ، 2
[23] سورة طه آية 121.
[24] سورة آل عمران آية 14.
[25] سورة النصر آية 1.
[26] سورة البقرة آية 143 .
[27] النسائى والحاكم والسيوطى فى الجامع الصغير .
[28] سورة الجاثية آية 13.
[29] سورة الزمر ى آية 34.
[30] سورة الأعراف آية 199.
[31] سورة فصلت آية 33.
[32] سورة النحل آية 125.
[33] سورة الفتح آية 29.
[34] سورة النور آية 63.
[35] سورة الحجرات آية 2 .
[36] سورة البقرة آية 216.
[37] سورة الحجرات آية 11.
[38] سورة آل عمران 176.
[39] سورة الحشر آية 9.
[40] سورة الحشر آية 10
[41] سورة النجم آية 3.
[42] سورة المائدة آية 67.
[43] سورة هود آية 113.
[44] سورة الأحزاب آية 39.
[45] سورة الصف آية 7.
[46] سورة المائدة آية 95.
[47] سورة الرحمن آية 46.
[48] سورة النساء آية 108.
[49] سورة المائدة آية 13.
[50] البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجة والدرامى فى مسنده .
[51] سورة الأحزاب آية 40.
[52] سورة الفرقان آية 30.
[53] سورة الإسراء آية 45 ، 46.
[54] سورة المنافقون آية 4، 5 مجلة المدينة المنورة : السنة 9 العدد 41- 43 ( 9،16،23 ربيع الآخر 1356 هـ الموافق 14 ، 25 يونيو ، 2 يوليو 1937 ) .
[55] سورة الناس آية 1 .
[56] سورة الحج آية 78.
[57] البزار والبيهقى فى شعب الإيمان .
[58] سورة آل عمران آية 32.
[59] سورة آل عمران آية 31.
[60] البخارى ومسلم ومالك فى الموطأ .
[61] سورة الفتح آية 29.
[62] سورة طه آية 115.
[63] سورة الأعراف آية 201.
[64] سورة الذاريات آية 55.
[65] أحمد وابن ماجة والحاكم والطبرانى .
[66] البخارى ومسلم وأحمد والنسائى والترمذى .
[67] سورة الأنعام آية 159.
[68] سورة الجاثية آية 23.
[69] سورة الأنفال آية 2.
[70] سورة المائدة آية 83.
[71] الترمذى فى كتاب العلم وابن ماجة فى الزهد بلفظ : [ الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ] .
[72] سورة الشمس آية 9.
[73] سورة النور آية 21.
[74] كشف الخفاء للعجلونى حديث 1751 بلفظ : [ العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء وورثتى وورثة الأنبياء ] ورواه ابن عدى عن الإمام على وهو حديث صحيح كما قال المناوى ، وهو موجود فى جامع الأحاديث للسيوطى بنفس نص كشف الخفاء .
[75] مجلة المدينة المنورة : السنة 10 العدد 2 ، 3 ( 20،27 جماد الآخر 1356 هـ الموافق 27 أغسطس ، 3 سبتمبر 1937م ) .