تميز العصر الذى نشأ فيه الإمام بانتكاسة لعلم التصوف ، حيث تعرض كسائر العلوم الأخرى إلى ظهور أفكار منحرفة وظواهر غربية كالدجل والشعوذة والتواكل وترك التسبب ، وتصدر للمشيخة من ليس لها أهلا من علم وتقوى وعرفان ، الأمر الذى دعا الإمام أبا العزائم إلى الغيرة والتنبيه على هذه الأخطاء والانحرافات .
ويمكن تلخيص ذلك فيما يلى :
1- غياب دور المرشد أو القدوة .
2- ندرة معاهد التربية الصوفية الصحيحة . فلم تعد الطرق الصوفية إلا مأوى للعاطلين أو الشاطحين .
3- اقتصار الطرق الصوفية على الاهتمام بالأزياء ( المرقعات ) والرايات والغلو والتقديس المفرط للمشايخ .
4- التفريط فى التكاليف الشرعية باسم التصوف ، والتحلل من الأخلاق باسم الصوفية ، حتى أصبح علم التصوف عند الناس منكراَ واسم الصوفية مرذولاَ .
5- ندرة الكتاب الصوفى النقى والمحقق على أساس من الكتاب والسنة وعقيدة السلف والجماعة ومذاهبهم الفقهية ، فنجد الكتب إما مملوءة بالمغالاة أوالإفراط أو الشطح أو الألغاز التى لا يرتاح لها مطلع فضلاَ عن فقيه .
6- ميل الكثير ممن كتبوا عن التصوف أن يجعلوه فى حيز ضيق تحت مسمى ( علم الخاصة) مع أن موضوعاته وبحوثه لا غنى عنهما لكل مسلم ، بل هى مطلوبة من كل إنسان لارتباطها به ارتباطاَ قوياَ كتزكية النفس وعلم أمراضها وعلاجها ، والعناية بصحة القلب ، وتصريف النية وأحوال العباد وغيرها ، وكلها أمور تكليفية فى حق كل مسلم .
7- إن أكثر القائمين على هذا العلم والمتصدرين للمشيخة فيه أصبحت تصوراتهم قاصرة ، ومفاهيمهم ضيقة ، ويعيشون بعيداَ عن عصرهم ، وعن بديهيات إسلامية لا يصح أن تغيب عن أصغر مسلم ، منها إبقاء المريدين فى الزوايا والخلوات وحبسهم عن العمل العام والمشاركة الاجتماعية ، ومنها إغفال الجهاد الذى كان هو السمة المميزة للتصوف فى عصوره الأولى أمثال : أبى الحسن الشاذلي وأحمد البدوي والعز ابن عبد السلام ، وثورة سعيد الكردي النقشبندى فى تركستان وجهاد المجددى فى الهند .
كانت هذه العوامل مجتمعة كافية لتهيئة مناخ للعمل ودافعاَ قوياَ استنهض الإمام أبا العزائم إلى دخول هذا الميدان الذي يجمع الغالبية العظمى من طبقات المجتمع ليصحح المفاهيم ويأخذ بيد الحيارى ويرشد الراغبين ويقيم الحجة على المنكرين عملاَ بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق ، لا يغرهم من ناوأهم إلى قيام الساعة )[1].
بذل الإمام أقصى ما يستطيع لنشر الثقافة بين الجماهير ، وذلك لعلمه أنها خير أداة لتربية الشخصية الإنسانية على نمط إسلامي حق ، وحمايتها من الانحراف عن صراط الله القويم بالوعي المدرك وبالكمال المستدرك . ومن خلال هذه التجربة الطويلة والنشطة استبان له رضي الله عنه أن تنقية الجو الروحي من نوازع الهوى وشوائب ومطامع النفس وضراوة الأنانية ، فكان جنوح الإمام إلى إضافة التصوف فى منهاجه التربوي ، الذى غطى كل مجالات المعرفة واستوعب كل مناهج التربية تحت علم (( جماعة آل العزائم )) التى أسسها عام 1311هـ 1893م ، فلم تترك مجالاَ إلا وتكلمت فيه .
وقام رضى الله عنه يربى تلاميذه على منهج كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واهتم بتربية المريدين من كافة الجوانب ، وخصوصاَ تزكية النفس التي حرص عليها الإمام أشد الحرص وخطط لها أساليبها التطبيقية من أقصر طريق موصل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أخذ عنه أئمة الصوفية رضى الله عنهم وأرضاهم كان قواماَ على تزكية النفس والجسم معاَ وإحاطة النفس علماَ بما أودعه الله فيها من أسرار غامضة وحكم عجيبة تحيرت فيها العقول .
بين الإمام رسالة التصوف الروحية والأخلاقية ، وبين أن التصوف أخلاق نبيلة ، وتخل وتحل وتجل ، وكما أنه تفوق فى العبادة فإنه أيضا تفوق فى العمل ، وهو جهاد إلى أن يصل الإنسان إلى طور المعاد ، وأن واجب رجال الطرق الصوفية أن يكونوا قدوة ليهدى الله بهم بالحق لأنفسهم والناس كافة ، فتصح العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق ، ويكونون من أهل المزيد فيتبعون من القول أحسنه .
الضعف تسرى إليه حتى وصل إلى ما هو عليه كما أسلفنا فى عصر الإمام ، أما الناس فقد انقسموا بالنسبة إلى التصوف والصوفية إلى عدة أقسام يمكن اختصارها فيما يلي :
1- طائفة تنكر على التصوف والصوفية : وهؤلاء ؛
أ- إما أن يكونوا على غير تجربة صوفية أو اطلاع على علوم القوم ومشاربهم وأذواقهم ، فهم ينكرون العم وأهله ، ولا يتكلفون مؤنة النظر والبحث قبل رفض الأصل جملة واحدة .
ب- وإما أن يكون لهم سابق اطلاع على كتب القوم التى لم تسلم إما من الشطح والتفريط ، أو المغالاة والتحريف .
ج- وإما أن يكونوا قد نظروا إلى حال معاصريهم وماهم عليه من منكرات فأنكروا ، وهم معذورون فى حكمهم .
2-طائفة بين المؤيدين والمعارضين للتصوف :
وهؤلاء هم الذين نظروا إلى التصوف كعلم فوجدوه لا غنى عنه للإنسان لما يحتويه من مباحث وأصول قائمة على الكتاب والسنة ، ونظروا إلى أهله والمنتسبين له والمتزيين بزيه فوجدوهم على غير ما طالعوه فى كتب أشياخهم ، فهم لا يجدون سبيلاَ أو دافعاَ للإنكار على التصوف من حيث كونه علم لازم وضرورى ، ويعترضون على الصوفية لخروجهم عن حد الالتزام بما قيدهم به التصوف المحرر على ضوء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
3-المتمصوفة ( أدعياء التصوف ) :
وهؤلاء هم الذين اتخذوا التصوف حرفة ، والصوفية ستاراَ يجمعون من ورائه الدنيا ويسعون لنيل حظوظهم وأهوائهم وشهواتهم ، فجعلوها تقاليد وطقوس ، وجعلوها كرامات ، وكم تاجروا وارتزقوا باسم التصوف المظلوم والصوفية البريئة ، وهؤلاء هم أس الداء والبلاء ، جعلوا التصوف من حياة كلها جهاد وعمل إلى حياة كلها تواكل وعزلة وبطالة وتكفف ومسألة ، ومن حياة التجريد إلى حياة الثريد ، ومن حياة العلم والمعرفة إلى الجهالة والخرافة ، ومن حياة النور إلى الظلمة .. مما جعل التصوف يزدرى ويحتقر ، والصوفية منكرة مرذولة عزف الناس عنها .
4-الصوفية المقلدين :
وهؤلاء قد يكونون أحسن حالاَ إن كان التقليد فى الأعمال الصالحة رغبة فى التشبه بالصالحين والسير على دربهم :
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالرجال فلاح
هذا إن كانت القدوة كاملة فى الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما أن يكون التقليد ناتجاَ عن حب التمسك بما كان عليه شيخه بتسليم كامل ليس مع نظر ثاقب وبغير علم ولا حجة ولا تحقق من موافقة العمل لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا ضروره على أهل الطريق أكثر من نفعه ، وضروره على نفسه أقوى من ذلك . أو يكون مقلداَ لشيخ جاهل الشريعة على غير دراية بالأحكام جاهل بطرق تسليك المريدين ، فهذا أكثر ضروراَ لنفسه ، وهذا يعيش طول عمره ساكناَ لا يتحرك من مكانه قدماَ واحداَ وهو يظن لجهله أنه مع المقربين .
5- صوفية الأذواق :
وهؤلاء هم المغمورون فى الخلق ، وهم أهل الله الذين انجذبت أرواحهم إلى معرفة ربهم ، سلكوا الطريق الصحيح فزكت نفوسهم ، وهوت إليه أفئدتهم ، فهم بمناجاة ربهم يتلذذون ، ومن رحيق شرابه يتناولون ، بحسب مقاماتهم تعرف أذواقهم ، يحفظ الله بهم سننه وآدابه ، وهؤلاء كالكبريت الأحمر عزيز وجوده ، وإن وجدوا لا يلتفت إليهم أو يهتم بهم وبشأنهم .
بدأ رضى الله عنه بتعريف التصوف بطريقة سهلة تتناسب مع كل مقام حتى ينكشف لأهل الطريق أنه لا يفارق السالك فى سيره وسلوكه إلى الله تعالى ، فقال :
التصوف[2]:
- الأخذ بالأصول ، والترك للفضول ، والتشمر للوصول .
- ذكر مع اجتماع ، ووجد مع استماع ، وعمل مع اتباع .
- جمل النفس على الشدائد .. للرى من أشرف الموارد .
- مفارقة الأشرار ، ومصادقة الأخيار ، ومتابعة الآثار والأخبار .
- أوله علم ، وأوسطه عمل ، وآخره موهبة . فالعلم يكشف المراد ، والعمل يعين على المطلوب ، والموهبة تبلغ غاية الأمل .
الصوفى :
ثم يعرف رضى الله عنه الصوفى الذى نهج نهج التصوف علماَ ومسلكاَ فيقول : ((الصوفى عمل بكتاب الله مجاهداَ ، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهداَ ، الصوفى جاهد نفسه فى الله حتى أطاعته ، وانسلخ من مقتضيات نقائصه كما ينسلخ الليل من النهار[3]. ويقول رضى الله عنه الصوفى من جاهد نفسه فى ذات الله بتوفيق حتى صفا قلبه ووقته وحاله ، فصافاه الله ، فسمى صوفياَ ، وهو فعل ماض مبنى للمجهول ، بشرى له ، وهى كلمة ينشرح لها صدر الموصوف بها لما دلت عليه. وهو مذهب قديم ومنهج سابق وفق الله له المقربين ، وقد تجمل بهذا المذهب كثيرون من الصحابة فى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أهل الصفة من أئمة الصحابة كأبى ذر الغفارى وصهيب وسلمان وسعيد بن خديمة والعبادلة وبلال وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم أجمعين .
ولولا أن اللفظ مضبوط بالرواية لقلت إن صفى نسبة إلى أهل الصفة الذين أقبلوا بكليتهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مجاهدين أنفسهم فى ذات الله ))[4].
الصوفية :
عرف الإمام الصوفية فقال : (( هم الذين صفت قلوبهم من شوائب الكون ، وتطهرت نفوسهم من رجس الشهوات ، وتعلقت هممهم بالله تعالى ، ففنوا عما سواه ، ووجهوا وجوههم شطره ، لم تحجبهم الكائنات عن شهود مبدعها ، ولم تشغلهم الآيات الجلية عن فهم إشاراتها وذوق معانيها ، هم عبيد الله السائرون على منهج نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين تلقوا أسرار التوحيد وأنوار الحكمة بقلوب واعية ونفوس صافية عن العلماء العارفين بالله ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسموا صوفية إما : لأن أئمتهم أهل الصفة ، أو لأن كل واحد منهم ((صوفى )) فعل ماض مبنى للمجهول أى صافاه الله ، أو لأنهم كانوا يلبسون الخشن من الصوف تزهداَ )).
سئل الإمام يوماَ أثناء درس من دروسه عن الصوفية مبدءاَ وقصوداَ ، فأجاب رضوان الله عليه على البديهة والكتبة يكتبون :
إن هذا اللفظ لا دليل لغوياَ يدل على أنه مشتق من الاستصفاء ولا من الاصطفاء ولا من الصف ولا من الصفة نسبة لأهل الصفة ولا من الصوف ، والظاهر أن مدلوله فعل ماض مبنى للمجهول خبراَ عن صفاء قلب من سمى به .
والصوفية إمامهم الأول بعد أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه سيدنا أبو ذر الغفارى وسيدنا سلمان الفارسى رضى الله عنهما.
معلوم أن الأشياء كلها لها ظاهر ، وباطن وهو لبها ، فكذلك الدنيا والآخرة . وللدنيا أبناء ، وللأخرة أبناء :
- فأبناء الدنيا شغلوا بما تقضيه حظوظهم وشهواتهم وأهواؤهم وما يدعوهم إليه الحس والجسم ، فرضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ( وما الحياة الدنيا فى الآخرة إلا متاع)[5].
فاستخدموا جوهر النفس النورانى ونور العقل الروحانى لتحصيل كمالات الجسد الفانى جهلاَ بالآخرة أو تجاهلآ .
- والصوفى عرف قدر الدنيا بالتعليم ، وتحقق زوالها بالتفكير ، أيقن أن بعدها دار هى الدار حقاَ لا يسعد فيها إلا من تخلى عن دنس الأجسام ، وخبث الشياطين ، ودناءة البهائم ، وبلادة النباتات ، وثقل الجمادات ، حتى يتشبه بعالم الملكوت الأعلى
الصوفى علم قدر الدنيا والآخرة فقدم ما يبقى على ما يفنى ، وباع ما يزول بما يدوم ، ورأى فى نفسه عوائق تعوقه عن بلوغ كماله الحقيقى .. تلك العوائق راسخة فى فطرته ، راسبة فى حقيقته ، جواذبها إلى الرذائل قوية ، ودافعها عن نيل الخير شديدة ، ومقضياتها التى توبق فى الدرك الأسفل من النار ملازمة ، ولكنه سطعت على جوهر نفسه أنوار تلك الكمالات من جانب الروح وناداه الحق من قبله .. [ إنى أنا ربك .. خلقتك لذاتى وخلقت لك كل شئ ، ومنحتك الحرية والإرادة ، وبينت لك الشر ، وأعددت لك النظر إلى وجهى فى دار كرامتى وجوار الأطهار المقربين من اصطفيتهم من خلقى ]. فسمع ولبى ، وحن واشتاق ، ثم دعته فطرته الحيوانية فى دار البلية ، فنظر وفكر وتأمل وتدبر ، فرأى الدنيا قد آذنته بزوالها وأشهدته عملها فى أبنائها ، فرآهم بين راحل إلى القبور وبين غافل عن الآخرة مغرور ، فجاهد نفسه فى الله حتى أطاعته ، وانسلخ من مقتضيات نقائصه كما ينسلخ الليل من النهار ، صغرت والله الدنيا فى عينه حتى كره المقام فيها بين أهله لولا رحمته ببنى جنسه ليدعوهم إلى الخير ، واستوحش والله حتى من نفسه ، وتمنى أن يكون نفسه الثانى فى رمسه شوقاَ إلى جوار حبيبه المختار ، والأنس باصفوة الأطهار فى مقعد صدق عندمليك مقتدر ، رجع بكليته إلى الماضى مسارعاَ إلى ماكان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقيدة والعبادة والأحوال النبوية والأخلاق الربانية ومعاملتهم الله تعالى فى خلقه ، رجع إلى الماضى من السنة السمحاء والطريقة المستقيمة فكان غريباَ بين أهله لجهلهم بالسنة وتساهلهم بالملة ، ولو ظهر بينهم رجل من الصحابة لأنكروا حاله وجهلوا أعماله ، ولكن الصوفى قوى فى دين الله ، لا تأخذه لومة لائم فى الله ، شهد الحق حقاَ فاتبعه مسارعاَ ، والباطل باطلاَ فاجتنبه فازعاَ ، يغادر لله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عمل بكتاب الله مجاهداَ ، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهداَ ، فسبحت نفسه الطاهرة فى ملكوت الله بين صفوف ملائكة الله ، فرفعه الله قدراَ ، لأن الصوفى مجاهد والملائكة غير مجاهدين ، ينازع بالمجاهدة فطرته والملائكة على الخير مفطورون ، قال تعالى : ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراَ عظيماَ )[6].
لم تقف همة الصوفى على السياحة فى ملكوت الله الأعلى ، بل فرت إلى لوامع وميض أنوار قدس العزة والجبروت ، فألهت إلى الإشراف على القدس الأعلى ، فجذبتها العناية الأزلية واختطفتها يد الحسنى بالسابقية ، فأشرف على قدس العزة والجبروت ، فأشرقت عليه أنوار مشاهد التوحيد العلية ، فاتحد بالحق مفارقاَ للخلق وهو فى الخلق محفوظ الظاهر والباطن ، فألهمه الله تعالى نور البيان فى فهم القرآن ، ومنحه المنة بذوق السنة، فكان أمة وحده .
جعل الله نوراَ منه سبحانه حفظه به من دواعى الفطر ، ولوازم الطبع ، ومقتضيات رتبته من مراتب الوجود . وجعله نوراَ لأهل عصره ، يجمل بأعماله الأشباح ،وبعلومه الأرواح ، ويجذب القلوب إلى علام الغيوب ، ألقى الله عليه محبة منه فأحبه كل شئ إلاشياطين الإنس والجن الذين جعلهم الله قطاعاَ لطريقه.
الصوفية لا خلاف بينهم فى كل زمان ومكان ، وبدايتهم تزكية النفوس من أدرانها ، وتطهير الأجسام من نجاستها المعنوية ، والاتصال بالمرشد الكامل الذين يتلقون عنه العقيدة الحقة ، ويتشبهون به فى الأعمال السنية ، والأخلاق المرضية ، والمعاملات المقربة إلى الله تعالى . لأن المرشد وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث درهماَ ولا ديناراَ ولا أطياناَ وعقاراَ ولكنه صلى الله عليه وسلم ورث نوراَ وهدى وحكمة وبياناَ ، قال تعالى : ( كما أرسلنا فيكم رسولاَ منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعملون )[7] ، فهذه الخيرات هى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم التى ورثها الله بفضله من شاء من عباده.
الصوفية هم أنصار رسوله صلى الله عليه وسلم فى كل زمان ومكان ، سترهم الله عن أعين الجهلاء وأخفاهم عن أهل الظلم والطغيان ، ولكنهم هم النجدة عند الشدة والقوة عند الضعف والحصون عند الخوف . ذلوا ولانوا وخشعوا واختفوا وتستروا .. نعم ، ولكنهم إذا غضبوا لله غضب الله لهم ، وإذا دعاهم الحق لبوه رخيصة دماؤهم عليهم حنيناَ إلى الموت فى سبيله والقتل فى إعلاء كلمته ، متى تحركوا لله لا يسكنون حتى يظهر الحق أو يتصلوا بدار الحق ، كم لهم صولة لله بالله أزالوا بها باطلاَ تعسر زواله على الجيوش الجرارة ، فهم الأنوار التى تسطع فى حالك الظلمات فتمحوها .
وقد أثبت التاريخ ما أظهره الله تعالى بهم . منهم آل بدر أنصار الله المهاجرون استضعفوا فى أوطانهم ففروا إلى الله تعالى ، والفقراء من الأنصار الذين خرجوا ليقابلوا تجاراَ من الشام فقابلوا صناديد العرب وجمراتها ، فكان كل رجل منهم كأنه جيش جرار .. غضبوا لله تعالى غضبة محت الكفر وأهله ، وفى كل عصر وزمان قام فيه أهل الطغيان ليطفئوا نور الله بأفواههم ، أشرقت أنوار الصوفية فمحت الظلمات ، هم الذين نشروا تلك الأنوار فى سائر الأقطار بالقرآن والسنان شوقاَ إلى لقاء ربهم وحباَ فى إعلاء كلمة الحق .
وأهل الصفة رضى الله عنهم هم الذين بثوا تلك الروح العالية فى كل الحوادث . أقبل جيش الروم عندما قام الصحابة لفتح القسطنطينية ، وكانوا رضى الله عنهم قليلين وجيش الروم يناهز الستمائة ألف مقاتل ، فهجم رجل من التابعين على قلب الجيش منفرداَ فناداه آخر قائلاَ : ( ارجع فإن الله يقول : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )[8] ) ، فصاح سيدنا أبو أيوب الأنصارى – وهو من كبار أئمة الصوفية قائلاَ : ( ويحك .. لقد نزلت الآية فينا وأنا أعلم سبب نزولها ، ليست التهلكة الإقدام على هذا الجيش وإنما التهلكة الإحجام ، فإن المؤمن إذا أقبل فاستشهد لأحياه الله الحياة الحقة وإذا أحجم هلك ) .. ثم كبر رضى الله عنه وهجم على الجيش كله منفرداَ فاخترق صفوفه وأقبل المسلمون بعزيمة ماضية وراءه ، فهزم الله جيش الروم وكادت تفتح القسطنطينية لولا موت أمير المؤمنين معاوية ورجوع أمير الجيش وقواده لهذا الحادث العظيم ، فكان الصوفى فى وقت الغيرة لله يجعل من معه مشاهداَ فردوس الله ، ليس بينه وبينها إلا أن يطعن بسنان أو يضرب بسيف ، فهم رضى الله عنهم زهدوا فى الدنيا ورغبوا فى الآخرة ، ولكنهم عند المقتضيات يقومون لله رغبة لإعلاء كلمته سبحانه .
وهم الذين إذا أقدموا لم يحجموا ، يعلمون ولا يقولون ، كثرت أعمالهم وقلت أقوالهم ، خافوا مقام ربهم ونهوا النفس عن الهوى ، لهم جانب مع الله تعالى إذا سألوه استجاب لهم ، ولهم أعمال خالصة لذات الله إذا قاموا بها كان الله معهم ولهم .
لم تقم دولة من دول الإسلام إلا وهم مؤسسوها ، ولم تقم فتنة من أعداء المسلمين إلا وهم مطفئوها ، أول الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامهم ، ودام الأمر فيهم إلى سيدنا الحسن السبط عليه السلام ، ومدتهم عمر الخلافة حتى انتقلت إلى الملك العضود ، وهم الذين قلبوا دولة بنى أمية وأعادوا الدولة لبنى هاشم ، وهم الذين أيدوا دولة آل عثمان حتى شيدت المساجد فى بودابست وفى بولونيا ، ولم يبق إلا أن تصير أوربا إسلامية كما كان أولاَ ، والتفت الصوفية إلى خلواتهم وتجريدهم عندما رأوا أنه لا حاجة لهم لقوة سلطان المسلمين ، وهم الذين ردوا الصليبيين عن الثغور الإسلامية فى زمان صلاح الدين الأيوبى عندما غاروا لله غيرة سلبت عقول الإفرنج حتى أصبح الحليم سفيهاَ . ولا غرابة : فإن درويشاَ لم يبلغ خدمة المرشد غار لله هو ودراويشه غيره قهرت ملك الحبشة وجيوش الطليان وجنود فرنسا والجيش المصرى والإنجليزى ، حتى مات منصوراَ ظافراَ وجيشه على أبواب مصر ، ولكن غادرته المنية وقام بالأمر غير الدراويش فاختلفت القلوب وتغيرت .
وللصوفية أسرار فوق كل قوة لأنهم تابوا إلى الله فعملوا بالأسباب ، حتى إذا قاموا بقدر طاقاتهم رجعوا بالكلية إلى مسبب الأسباب فكان معهم ولهم .
وناهيك بقوم يعملون بما أمرهم الله ويجاهدون بأنفسهم أكبر المجاهدة فى ذات الله ثم يسارعون غيرة لله فى محو ما يكره وإظهار ما يجب ، فإذا لم تساعدهم الأسباب التجأوا إلى القوة التى هى فوق الأسباب وهى قوة الله تعالى [9] .
وهكذا نجده رضى الله عنه قد كشف النقاب عن الصوفى وحقيقة الصوفية بما يجعلك تفرق بين صوفية الأحوال والأعمال والجهاد والمجاهدة ، وصوفية الأقوال والأوراق والارتزاق بعين المنصف للحق المبين للحقيقة الرافع للوهم والخيال . وفى سبيل ذلك قام بما يلى :
1- قدم علم التصوف فى قالب خال من التعقيد والتراكيب الرمزية التى تجعل الأمر غيباَ عن المدارك والعقول .
2- جمع بين طريقى السابقين فى الوصول وهى :
- طريق الإشراف : أو ما يسمونه الجلاء والتصفية . لأنها مبنية على تصفية القلوب والسرائر بتخليتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل .. أو ما يقولون عنه : إذا زكت النفوس من الأغيار والأكدار أشرقت عليها شموس المعارف والأسرار ، وفى ذلك قال الإمام : جاهد تشاهد ، وقال : من حاسب نفسه عوفى من العقاب
- طريقة البرهان : التى اشترطت إصلاح الظاهر أولاَ وعلاجه قبل علاج الباطن لقوله صلى الله عليه وسلم :
- ( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة .. وهو إمام العمل والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء )[10].
والجمع بينهما يكون الكمال للسالك ، فيكون قد أتقن الشريعة والطريقة ، وسار على الحقيقة .
3- بين أن التصوف علم وذوق متلازمان ، وعلم مجرد لا ينتج ، وذوق بغير علم لا يكون .
4- نبه على عدم الدخول فى الجدول مع المنكرين ، وأكد ضرورة صرف أنفاس المريد فى مرضاة الله سبحانه وتعالى .
5- اهتم بتزكية النفس فهى الجهاد الأكبر ، وتصفية القلب فهو الطهارة الكبرى ، وكان دائماَ يقول : ( زك نفسك قبل السماع لتشرق عليك أنوار المعرفة ، فإن النفس كالبدن إن لم يكن صحيحاَ كلما غذيته ازداد مرضاَ ) ومن هنا ندرك أن الإمام رضى الله عنه اهتم بالوعاء الذى يوضع فيه العطاء الربانى ، ولإظهار هذا المعنى كان يقول :
لا تمنعن ماعون شراب الراح طهره يشهد حضرة الفتاح
لا تمنعنه ترى جميلاَ ظاهراَ قد لاح بالتنزيه للأرواح
6- عمل رضى الله عنه على إحياء ما اندرس من أحوال الأئمة السابقين ومقاماتهم وأذواقهم ، فكان متمماَ لما أرسوه من قواعد للتصوف ، مشيراَ إلى ما تطاولت إليه يد العابثين أو حرفته يد الغالين حتى أجلى صورة التصوف الحقى ، وقدم صورة كاملة للصوفى الكامل الذى يكون فى الأمة طبيباَ لأمراضهم حكيماَ فى مداواة أحوالهم .
وأمام الواقع الجاثم على صدر التصوف من البدع والانحرافات ، كان لابد للإمام من موقف صريح وصوت قوى يصحح هذه المسيرة ، وهذا ما نراه فيما يلى :
1- موقف الإمام فى خروج أدعياء التصوف عن الشرع[11]:
أساس طريقنا هذا محبة الله تعالى إعظاماَ وإجلالاَ ومحبة الله صلى الله عليه وسلم تسليماَ وانقياداَ ، وإيثار كل مسلم على نفسه بأن يجب له ما يحبه لها ويؤثره عليها فى الخير ، لأن الله تعالى أوجدنا وشرح صدورنا بنور رحمته وضياء المعرفة لنجدد ما خفى من معالم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم علماَ وعملاَ وحالاَ ، ولنحيى ما اندرس من أنوار كتاب الله تعالى علماَ وشهوداَ وتسليماَ ورضاء ، ونعيد الماضى بما كان عليه سلفنا الصالح نفعنا الله بهم ليكون الله تعالى معنا وعندنا ، ونكون مع الله تعالى هذا وإن كان كل أخ من أحبابى فى الله يجب عليه أولاَ أن يحصل ما لابد له منه من علوم الشريعة ، ليصل بما أمره الله ، وليكون قدوة حسنة فى أحبابه فى الله دالاَ على الحق بعمله أولاَ ، وبقوله ثانياَ ، وبحاله ثالثاَ ، فمن ترك العمل الذى يكون به عبداَ لله تعالى عابداَ حرم السعادتين ، ومن بين لغيره بياناَ يخالف بيان رسول الله صلى الله عليه سلم ، أو عمل عملاَ يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تحلى بحال ينكره العارفون بالله تعالى كان ضالاَ مضلاَ مظهراَ لإبليس عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ومن بين الحق بلسانه ولم يعمل بجوارحه ونفسه كان فتنة للمسلمين كالسراج الذى يحرق نفسه ويضئ لغيره لأن الناس أسرع تقليداَ للعمل منه للعلم .
وإنما أفسد العقائد وفرق المجتمع الإسلامى عالم اللسان جهول القلب يأمر الناس بالخير ولا يعلمه فيقتدى به الناس ولا ينتفعون بعلمه . وليس هؤلاء بأئمة المسلمين لأنهم أعوان الشياطين وعبيد الدنيا وخدمة الملوك ولو كانوا كفاراَ .
إخوانى .. إن كثيراَ من الناس من أعمالهم الحظ وأضلهم الهوى وقادهم الشيطان الرجيم ، فنسبوا أنفسهم إلى المعرفة مع جهلهم ، وإلى الكشف مع بعدهم ، فأضلوا كثيراَ من الإخوان بزخرف القول غروراَ فتركوا الصلاة والصيام ووقعوا فى شر من ذلك وهو القول بالحلول ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيراَ من الأحبار والرهبان ليأكلوا أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ) [12]، وقال تعالى : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون )[13] ، وقال تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد )[14]. وكلنا نعلم أن كل آية نزلت فى بنى إسرائيل جرت بذيلها أهل الغواية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( افترقت بنو إسرائيل على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى النار إلا ما أنا عليه وأصحابى )[15].
وتمسكوا يا أحبابى فى الله تعالى بالسنة وعضوا عليها بالنواجذ وفروا من كل متساهل . واعلموا حق اليقين أن الله ما أمرنا بعمل على لسان رسول ونهانا عنه على لسان ولى .. ومن تأول القرآن والسنة تأويلاَ يؤدى إلى مخالفة الشرع فهو شيطان مارد .فاحفظوه واتقوا الله حق تقاته بأن تطيعوه فلا تعصوه ، وتذكروه فلا تنسوه ، وتشكروه ولا تكفروه .
هو الشرع حصن الأمن سر وصولى
به كشف إجمالى به تفصيلى
صراط عليه المفـردون تفردوا
ومعراج اهل الحب والتأويل
هو الحبل حبل الله مـد لأهلـه
به يرتقى المحبوب للمأمول
من جاوز الشرع الشريف هوى به
إلى السفل من غاو وكل جهول
فشاهد بحصن الشرع أيا عليـة
تلوح لأهل الأنوار فى التنزيل
تحصن بحصن الشرع تشهد مشاهداَ
تنال بها الزلفى بخير وصول
ومن راحه الصافى الطهور تناولن
يواليك وهاب بنور سبيـل
تلوح لك الأسـرار فيها تنزلاَ
تحاط بوجه ظـاهر وجميل
ويخاطب رضى الله عنه مريديه وطلاب الحقيقة فيقول :
وادخل حصون الشرع قلباَ وقالباَ
تحيا سعيداَ فى شهود المتقين
تلك النفوس قويـة فى فعلهـا
قد تحجب الأفراد كم أردت سجين
الشرع عصمة سالك يهدى إلى
دار الصفا رضوان رب العالمين
2- موقف الإمام من دعاة الاتحاد والحلول :
يرى الإمام رضوان الله عليه أن دعاة القول بالاتحاد أو الحلول أو المجسمة هم الذين تلقوا الحكمة من شيوخهم وكانت نفس الواحد منهم خبيثة ، ففهمها على قدر نفسه وتعصب لفهمه ، فقال بالجسمية والحلول . ولذا فإن الإمام أطلق على أصحاب هذه النظرية بأنهم مجوس هذه الأمة ، كما حذر أتباعه من مصاحبتهم أو الاقتداء بهم [16].
ويتكلم الإمام شارحاَ بعض مقامات السير والسلوك إلى ملك الملوك فيقول[17]:
فناء الصادقين وفناء الكاذبين :
لا تزول البشرية – وزوالها حصول البلية لأن بها الجهاد فى سبيل الله – ولولاها لما امتاز الإنسان عن عوالم الروحانيين ، قال الله تعالى : ( لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاَ وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراَ عظيماَ )[18] .
فناء الكاذبين مخالفة أمر الحاكم سبحانه مع قيام البشرية مقتضى ولازماَ ، وإمامهم فى هذا إبليس فنى كاذباَ فترك الأمر جانباَ ، أما فناء الصادقين فالقيام بالأمر مسارعة إلى السمع والطاعة والفناء عنه بنسبته إلى الموفق المعين الموجد الممد سبحانه حتى لا تشهد المنة من العامل فيستكثر عمله ، قال الله تعالى : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم )[19] ، فأفناهم عن شهود نسبة العمل إليهم بعد أن تفضل سبحانه عليهم بالإحسان بالقيام به ، فهم العاملون كما أمر عن نسبته إليهم كما أحب منهم وطلب ، وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله صلوات الله وسلامه عليه ليستر عنه العمل بعد قيامه به ليفنى عنه صلى الله عليه وسلم لكمال تحققه بحقيقة التوحيد ، قال تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) [20]، وهو الفناء عن نسبة العمل إلى العامل بعد القيام بالعمل كما أمر سبحانه.
ومن ترك الأمور وظن أنه فان بترك الأمر وشعر بألم الجوع والعطش فهو شيطان الإنس اقتدى بشيطان الجن ، وأهل الفناء هم أهل الكهف الذين مكثوا بضعاَ وثلاثمائة سنة فانين عن البشرية ولوازمها مستغرقين فى شهود التوحيد بالتوحيد .
ومن ادعى الفناء فترك الأمر والنهى كان ممن شنع الله عليهم بقوله سبحانه وتعالى : (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون )[21] ، رزقنا الله السمع والطاعة لأمره جل جلاله والفناء عن نسبة الأعمال لنا بعد القيام بها مخلصين له الدين يارب العالمين . ونعيم الفناء طريق المخلصين من أولياء الله الموقنين ، ولكنه ترك ليس للسالك أن ينزل فيه إلا بعد معرفة طريقين : الخبرة به ، والسير فيه .. والله الموفق للصواب .
ثم ميز الإمام رضوان الله عليه بين الفناء والبقاء ، والغيبة والحضور ، والغيبة والصحو ، والجمع والفرق فقال :
الغيبة والحضور :
اغمض عينيك عن نفسك وعن كل غير الله تعالى ، فإنك فى هذا المقام تحترق صفات آدميتك بنار القرب من الله ، وهذا هو مقام حال الغيبة الذى أخرجك به الله من ظهر آدم: ( وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى )[22] ، وأهّلك لسماع خطابه المقدس ، وخصك بلباس التوحيد وحلة المشاهدة ، وكلما كنت عائباَ عن نفسك كنت حاضراَ مع ربك وجهاَ لوجه ، لكن إذا حضرت مع صفاتك كنت غائباَ عن معية الله تعالى . وحيث كان ذلك كذلك فحضورك هلاكك ، وهذا المعنى من قوله تعالى : ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة )[23].
والمتمكن يرى أن الغيبة والحضور اصطلاح لمقامين ، وإن اختلفا لفظاَ إلا أنهما اتحدا معنى من كل الوجوه ، فالحضور هو حضور القلب ليكون علامة على اليقين حتى يكون ما هو غيب محض عنه فى قوة ما هو مشاهد له . والغيبة هى غيبة القلب عن كل ما سوى الله تعالى حتى يكون غائباَ عن نفسه وغائباَ عن غيبته ، وبذلك لا يعتبر نفسه ، وعلامة ذلك حال صادق لا يخرجه عن حكم الرسوم ، فهى فطرته ، وهى كالعصمة للأنبياء من كل ما يخالف الشرع. لذلك كانت غيبة الإنسان عن نفسه حضوراَ مع الله والعكس بالعكس ، والله تعالى هو المسيطر على قلوب بنى آدم ، فإذا قهرت الجذبة الإلهية قلب طالب كانت غيبة قلبه متساوية بالحضور مع الله تعالى ، وانمحت الشركة والقسمة وانتهى النسب الذى يدلى لنفسه .
الغيبة والصحو :
إذا جذبتك به العناية حتى أجلستك على مستوى الوراثة أو زجت بك فى أفق البيان بعامل الانتقال فبين فى الغيبة جلى البيان ، فإذا صحوت فاحذر أن تبين إلا ما يناسب المسامع والقلوب ، فإنك فى حال غيبتك عنك محمول على رفارف العناية ، وإنما تمد موائد الكرامة لأهل العناية ، فإذا بسط بساط الإيناس فأطلق عنان الأنفاس ، فإنك فى ذا المقام مأذون وعلى ما تبديه مأمون ، وليس هذا الشأن عادة وإنما هى صولة الحق على من يتجمل بالحب لنفع الخلق .
الجمع والفرق :
حقيقة سر الجمع هى معرفة إرادة الله ، أما الفرق فهو إثبات ما أمر به أو نهى عنه ، مثال ذلك : أُمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل عليه السلام ولكنه أراد ألا يفعل ذلك ، وأمر إبليس أن يسجد لآدم وأراد غير ذلك ، وأمر آدم ألا يأكل من الشجرة وأراد أن يأكل منها . فالجمع : هو ما اتصل بصفاته ، والفرق : هو ما فرقه بأحكامه ، وكل ذلك يحتوى سر الإرادة الإلهية وإثبات المشيئة الإلهية حتى تفنى المقاصد الشخصية . والجمع بلا فرق زندقة ، وكل فرق بلا جمع تعطيل ، والجمع تجريد التوحيد والفرق تجريد الاكتساب عن العبد ، وفلان عين الجمع يعنى استولت مراقبة الحق على باطنه فإذا عاد يرجع إلى أن الجمع من العلم بالله وأن الفرق من العلم بأمر الله ، ولابد منهما جميعاَ . فالجمع حكم الروح ، والفرق حكم القلب ، فما دام هذا التركيب باقياَ فلابد من الجمع والفرق ، فإذا نظرت إلى نفسك فرقت ، وإذا نظرت إلى ربك جمعت.
- موقف الإمام من فساد القدوة فى الطريق :
لاحظ الإمام أن بعض الناس – مما لا علم لهم – اقتدوا ببعض أدعياء الطريق ، فأدخلوا فى قلوبهم أن التسليم للشيخ مهما كان وعلى أى حال كان ، فيه خير لهم ، ولا يصل السالك إلى الله إلا بالتسليم للشيخ ، ثم يعملون أمام المريدين صريح الحرام ، أو يقولون صريح الكفر ، أو يأمرون بترك الفرض والسنة ، أو ينهون عن الأعمال الشرعية ، فيسلم لهم أهل الجهالة تسليم الأعمى لاعتقاد أنهم أهل الحقيقة وأنهم ارتقوا عن الشريعة ، ولعل فساد القدوة فى الطريق الآن من الدوافع الأساسية التى زادت من انتشار البدع وتهاون المريدين والأتباع فى أداء الفروض والشرائع ، ومما يؤسف له أن هناك العديد من رجال الطرق الصوفية لا يؤدون الصلاة ولا يأمرون بالمعروف أو ينهون عن المنكر ، وذلك لجهلهم بالدين وجهل شيوخهم أيضاَ[24].
ولذلك أوصى الإمام بما يلى [25] :
أوصيكم يا إخوانى أن تكونوا على بصيرة من أمركم ، فإنكم إنما صحبتمونى فى الله لنجدد السنن ونسارع إلى محاب الله ومراضيه ، والعهد بينى وبينكم . وأنى عبد لست معصوماَ ، فإذا خالفت السنة وجب عليكم قهرى على العمل بها شفقة على ورحمة بى ، فإن أبيت أن أرجع إلى الحق وجب عليكم معاداتى ومحاربتى ، ومخالفتكم لى نجاة لأنفسكم من الاقتداء بمضل .
وإنى أسألكم الدعاء لى عقب أعمالكم الصالحات ، وإكرام إخوانكم فى الله بنصيحتهم ومساعدتهم وخصوصاَ من طالت صحبتهم لى من أهل الخشية من الله والأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تعينوا أولادى على الخير ما استقاموا وتذكروهم بالحق فإن أكثر الناس يقتدون بهم ولو كانوا على غير السنة ظناَ منهم أن هذا إكرام لى والحقيقة غير ذلك ، وإنما إكرامى حقيقته مساعدتهم إذا استقاموا ، وتكليفهم بالاستقامة إذا تساهلوا ن وقهرهم على تحصيل العلوم النافعة والعمل الرافع الذى كان عليه سلفنا الصالح . وهذا هو إكرامى حقاَ لأنه يسرنى أن يكونوا دعاة إلى الحق وأن يكونوا نجاة للعالم أجمع ، والله وليى عليكم ووليكم على .
- موقف الإمام من قضية الوراثة فى الطريق :
لاحظ الإمام أنه جرى العرف عند وفاة شيخ الطريقة تعيين أحد أولاده أو أقاربه خلفاَ لذلك الشيخ ، ويرى الإمام أن هذا أمر حسن لو أن من سلموا له يكون على شئ من العلم والعمل والحال واجتهد فى تحصيل ما به كمال نفسه ونفع غيره وحافظ على الاقتداء بالمرشد محافظة حقيقية فى القول والعمل والحال .
ثم يقول رضى الله عنه : أما إذا سلموا لابن المرشد أو لأحد أقاربه وكان صبياَ لم يبلغ الحلم ، أو كبيراَ على غير استقامة بعيداَ عن معرفة الطريق وأهله ، فإنهم بذلك يكونون عرضوا من اقتدوا به للهلاك ، ولا يزيده الإقبال عليه إلا غروراَ وبعداَ عن الله ، وكأنهم بذلك أساءوا إلى مرشدهم لأنه جملهم بالعلم والعمل والحال وهم لم يحسنوا إليه فى أولاده وأهله[26].
ويقول الإمام رضوان الله عليه فى ذلك [27] : واعلموا يا أبنائى أن النسب نسبان : نسب روحانى ، ونسب طينى ، فاحذروا أن تكرمونى فى أقاربى بالتسليم والتعصب والانقياد إلا إذا كانوا عاملين بما كان عليه سلفنا الصالح للسنة عاملين بها . ولكنى أحب أن تكرمونى فيهم بالنصيحة والموعظة ليكونوا أنجماَ مشرقة لبيان السنن والعمل بها . واعتبروا بخبر الله عن خليله فى قوله سبحانه : ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) [28] ، وبخبر الله عن نوح عليه السلام : ( قال رب إنى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين )[29] ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بنى فلان ليسوا لى بأولياء – يعنى جماعة من بنى هاشم – إنما وليى الله ورسوله وصالح المؤمنين ولكن لهم نسب أبله ببلاله ..) [30]. وإنى أبرأ إلى الله من كل قريب وصاحب ورفيق يخالف السنة والكتاب ويعين على مخالفتهما ، وقد حذرنا الله تعالى بقوله لنا : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيل فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين )[31]. فاحذروا أهل الفتنة الجاهلين الشاطحين ولو استدرجهم الله تعالى فأظهر على يدهم العجائب ، واحذروا علماء الدنيا المفتونين بحب المال والجاه والرياسة ، وقد ورد فى الخبر : ( إذا رأيتم العالم على أبواب السلاطين فاحذروه فإنه لص )[32].
5- موقف الإمام من الذكر عند الصوفية :
الذكر من الواجبات على كل مؤمن ومؤمنة لأمر الله عز وجل به ، وتكرار ذلك فى كتابه المجيد . قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراَ كثيراَ )[33] ، وقال تعالى:
( واذكرواه كما هداكم )[34] ، وقال تعالى : ( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراَ)[35] ، وقال سبحانه : ( فاذكرونى أذكركم )[36] ، وقال جلت قدرته : ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماَ وقعوداَ وعلى جنوبكم )[37] ، وقال عز وجل :
( والذاكرين الله كثيراَ والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراَ عظيماَ )[38] ، وفى الحديث القدسى : [ أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى ، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه ] [39]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراَ والذاكرات )[40] ، وفى رواية الترمذى قالوا يا رسول الله وما المفردون ؟ قال : ( المستهترون ، بذكر الله يضع الذكر عنهم أوزارهم فيأتون يوم القيامة خافاَ ).
وقد أنكر البعض على الصوفية الذكر جملة واحدة ، والبعض الاخر أقرهم على الذكر ولكن أنكر الهيئة التى يذكرون بها ، ويمكن باختصار تقسيم المنكرين على الصوفية إلى نوعين :
- نوع يرى من الصوفية ما يخالف الشريعة عنده بحسب إدراكه ، ولم ير صحة ما يفعلونه ، وإذا رأى دليل صحة على ما يفعلونه يزول إنكاره .
- ونوع ينكرهم وينكر أفعالهم ، وإن رأى دليل صحة ما يفعلونه لا يزول إنكاره ، لأن الحسد أعمى عين قلبه وطمس على بصيرته ، وخبائه باطنه أصمت أذن فؤاده ، فيزداد مرضاَ على مرضه ويصير مقارناَ لمن قال الله فى حقه :
ت - ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)[41]
ولما نظر الإمام رضى الله عنه إلى حال الصوفية فى عصره ، والمنتسبين إلى التصوف والمنكرين على الصوفية والتصوف وجعلهم من الذكر قضية لا يسأمون الحديث عنها ولا يملون الكتابة فيها بين التأييد من جانب والإنكار والاعتراض من جانب آخر .. أدلى رضى الله عنه بدلوه فى هذا المضمار مبيناَ وجه الحق والصواب وما يجب أن يعرفه كل مسلم عن الذكر منصفاَ لكل ما هو معروف منكر ، داحضاَ بالحجة كل ما ليس له سند شرعى ، فقال :
أنواع الذكر :
الذكر إما أن يكون بالقلب أو اللسان أو بالقلب فقط أو باللسان فقط . فالذكر بالقلب واللسان هو أن يشرق على القلب نور معنى من معانى الحق يتحقق بها القلب بحال من أحوال الحضور مع الرغبة أو الرهبة أو الفرح أو البهجة أو الخوف والقبض أو البسط والجمال أو الطمع والرجاء . وقد يقوى الحال حتى يستغرق القلب فى أسرار تلك المعانى المجلوة له حتى يترجم بلسانه عن حقيقة وجده ، فإذا نطق بلسانه باللفظ الدال على نور المعنى المشرق فى القلب كان ذاكراَ بقلبه ولسانه . وفى هذا المقام ينبغى للذاكر ولمن معه أن يكونوا فى خلوة خاصة ، ويجب عليهم أن يخفوا أسرار هذا المجلس ويطووا بساطه حتى كأنه لم يكن ، خصوصاَ إذا علا الذاكر الوجد حتى انحلت عقدة اللسان فأباح بمكنون وجده عن مشاهد سريرته ، فإن السامع له إذا نقل عبارته أفسد وخان أمانة أخيه كما قال صلى الله عليه وسلم : ( المجالس بالأمانات )[42] ، فإن للبصيرة عيوناَ تشهد إذا صفا القلب مالا تشهده الأبصار .
ومن الآداب فى ذكر القلب أن المريد يلزمه أن يقف عند ما أمر به ، وأن يحافظ على الاقتداء بإمامه بحيث لو لاح له مشهد من المشاهد التى تخالف ما ورد فى السنة أو ما عليه المرشد ، فيلزمه أن يخالف كشفه وشهوده ويسئ الظن بنفسه لأن ذلك ربما كان من رعوناتها أو من وسوسة الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس .
وليعلم المريد أن ذكر القلب هو الذكر حقيقة ، لأنه تفكر فى آيات الله واعتبار بما فى الآثار من أسرار الحكمة وعجائب القدرة حتى يبلغ به الفكر والاعتبار والتدبر إلى حال يكون فيها كأنه حاضر مع ربه ، ويبلغ به الحضور إلى حال لا يقع نظره على شئ إلا إلا يلحظ معانى القدس كأنها جلية أمام سره .
ومن وصايا الإمام فى الذكر :
إخوانى : منحنى الله وإياكم حسن الاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم وحقيقة الاتباع له صلى الله عليه وسلم حتى نفوز بمحبة الله تعالى لنا ، اعلموا منحنى الله وإياكم العلم والفقه والعمل أن مجالس الذكر فى الأماكن العامة كالمساجد والزوايا وفى الأماكن المشهورة إنما قررها العارفون لغرضين رئيسيين :
الغرض الأول : صرف الوقت فى ذكر الله تعالى ابتغاء فضله سبحانه ورضوانه بإخلاص .
الغرض الثانى : أن يلاحظ الإخوان – ودنى الله وإياهم – أن الناظرين لهم والسامعين لذكرهم :
- إما أن يميلوا بقلوبهم ويقبلوا على الله لما رأوه من الخشوع والآداب وحسن الحال والزى ، وما سمعوه من صحة اللفظ وتوسط الصوت ، فيكون الذكر فى الأماكن العامة إعلاناَ بما عليه أهل الطريق من اتباع الشرع الشريف ، ومن التجمل بصفات العلماء التى هى الخشية والخوف ودوام الذكر والخشوع والتواضع والانكسار والألفة فى الله والتعاون على طاعة الله والاجتماع للخير ، فيكونون بذكرهم جمعوا الخلق على الله ، وكأنهم بذكرهم دعاة إلى الخير .
- إما أن يكون السامعون لهم والناظرون إليهم ألسن تقبيح وذم وأيدى أذية وشر :
- إذا رأوا ما لا يألفونه من حركات الأجسام .
- وما ينكرونه من المزاحمة بين الإخوان .
3-وما ينكرونه من تحريف الأسماء الحسنى والنطق بها على غير ضوابطها الشرعية وما تكرهه أسماعهم .
4- وما يكرره بعض الذاكرين من عبارات المدح لشيخهم أو من الإشارات القدسية العالية التى لا يفهمونها .
فيسبب ذلك نفورهم وتنفير غيرهم وفتح باب المعارضة على الطريق وأهله ويكونون بذكرهم قد خالفوا الطريق وفتحوا على أنفسهم باب شر وفتحوا على المسلمين باب فتنة .
إخوانى :جملنى الله وإياكم بجميل الأخلاق والأحوال . أوصيكم :
1- بأن تجعلوا مجالس الذكر العامة قاصرة على من لايغلبهم الحال.
2- أن تكون العبارات التى يقولها القوّال قاصرة على فضائل الذكر والصلاة والصيام والحج وعلى التشويق إلى الجنة والتخويف من النار وعلى الاستعداد للموت وترك الظلم والحث على التوبة .. فإذا خلوتم فى مجالسكم الخاصة يطيب لكم الحضور ويحسن الذكر والحال وسماع أسرار الحكمة .
إخوانى : ليس كل من اتصل بكم وذكر معكم يؤمن على مجالس الخلوة ولا يقبل فى الخلوة ، بل يلازم الرواتب والأذكار العامة ومجالس المذاكرات فى الأحكام الشرعية حتى تتهذب نفسه وتطهر أخلاقه ويؤمن على أسرار الشريعة وأنوار علومها ، ولديها يتخذ أخاَ فصاحباَ فرفيقاَ فصديقاَ فبدلاَ.
هيئة الذكر :
إخوانى : معلوم أنه ورد كثيراَ كلمة حلق الذكر وصفوف الصلاة ، فيظهر أن الأكمل أن يكون الذاكرون حلقاَ ، ومعلوم أنه ورد أن الأولى للمصلين أن يتقاربوا حتى يتماسوا ، وورد أن ذلك أصفى لقلوبهم وأبعد لعدوهم الشيطان ، من ذلك رأى بعض أئمة الصوفية أن يكون الذاكرون حلقة ، وأن يضع الذاكر يده فى يد أخيه واضعاَ أصابعه بين أصابعه برفق إظهاراَ لصفاء القلوب ، وتحصناَ من وسوسة الشيطان الرجيم ، وقد روى أبو طالب المكى فى كتابه (( قوت القلوب )) أن سيدنا عبد الله بن عمر بعد أن صلى صلاة العيد فى مصلاة جلس يذكر الله هو ومن معه من الصحابة ، فجاء مصعب بن الزبير فقال : يا عبد الله خالفت كلام الله ، يقول الله تعالى : ( فاذكروا الله قياماَ وقعوداَ وعلى جنوبكم ) [43]وأنت تذكر قاعداَ ، فقام عبد الله بن عمر هو ومن معه فذكروا قياماَ بعد أن ذكروا قعوداَ .. هذا ما ورد عن الصحابة فى الذكر قياماَ وقعوداَ فى مصلى العيد خارج المدينة ، وقد صح أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجلسون فى المسجد حلقاَ : حلقة يذكرون الله ، وحلقة يتدارسون القرآن ، وحلقة يتعلمون . وكان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فيراهم فيتوجه إلى حلقة العلم ويجلس معهم ويقول : ( إنما بعثت معلماَ )[44] ، ويقر الذاكرين .
أما حركات الجسم فى الذكر ، معلوم أن الركوع والرفع من الركوع ركنان فى الصلاة ، ولذلك فإن بعض أئمة الصوفية استحسنوا أن تكون حركات الجسم فى الذكر من قيام وقعود كركوع ورفع ، والأولى المحافظة عليها ما لم يقو وجد الذاكر ، فإنه يباح له ما لايباح لغيره .
أعمال الأخ الذى يتقدم مجلس الذكر :
من المقرر أنه لابد أن يكون لكل جماعة فى بلد أو قرية أو مدينة أخ مقدم عليهم ، ويلاحظ أن يكون :
1- عالماَ بالسنة حتى يردهم إذا سهوا أو خالفوا .
2- عالماَ بأحوال وأقوال أئمة الصوفية ليبين لهم : مقامات السير والسلوك ، وطرق تزكية النفوس وحقيقة الآداب ، وهما الأصلان العظيمان اللذان بهما يقدم الأخ السالك طريق الله .
وأعمال هذا الأخ هى : المحافظة على الرواتب المأثورة من الصلوات والأدعية والأذكار ، ويفتتح مجالس الذكر أولاَ بقراءة بعض سور القرآن الكريم مما يحفظه الجماعة ولو الفاتحة والصمدية والمعوذتين ، ثم يقرأ قوله تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله )[45].ملاحظاَ النطق بها حسب رواية القرآن الشريف حتى يكون تالياَ للقرآن ذاكراَ الله تعالى ، ويشرح لهم معنى لا إله إلا الله إجمالاَ ، بأن يفهمهم أن الإله هو الغنى عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه ، وأن الإله الحق المتصف بتلك الصفات هو الله سبحانه وتعالى الذى لا شريك له ، وأنه هو المعبود بحق غيره ، ثم إذا علم أن القلوب أشرقت عليها أنوار التوحيد وأنسب بالواحد وتركت الأغيار يرفع صوته بالتهليل ويقرأ : ( قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون )[46] مستحضراَ الأمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ووجوب الاقتداء به صلوات الله عليه ، ويكون قد ذكر الإخوان بتلك المعانى ، ويقول الله بالتفخيم ويقول معه الجماعة ، ويلاحظ ما يرد على قلبه من أنوار الأسماء الحسنى فقد يقولون بألسنتهم الله ولقلوبهم مشاهد تتم بها الجملة ، فالقلوب تشهد بعد نطق الله : ربى – شافى – معافى – وليى – بديع – عزيز – رءوف – غفار – تواب ... مما يرد من الغيوب على القلوب .
وقد يقوى الوجد على الذاكر حتى ربما غلبه ، فيجب على المسئول عن الذكر فى هذا الحال أن يروحه بذكر اسم من أسماء التفصيل ، فإن اسم الذات حيطة الأسماء كلها ، فالأولى أن يرفع صوته بالاسم الشريف وينبههم للإصغاء ثم يقرأ : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو )[47] وينطق بالاسم (( هو (( مضموم الهاء ساكن الواو ملاحظاَ فى قلبه عظمة الهوية مستحضراَ أن يتم الجملة بمعنى اسم من الأسماء مثل (( هو )) باللسان .. وبالقلب (( الأول أو الآخر أو الحى أو القيوم )).
فإذا حصل الوجد وغلب الحال نقلهم إلى اسم آخر مثل (( الحق )) بأن يقرأ قوله تعالى: (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) [48] ويذكر الاسم أو يذكر (حى قيوم ) بشرط أن يلاحظ معنى هذين الاسمين ويستحضر بقلبه الاسم الشريف ، بأن يكون قلبه يذكر ( الله ) ولسانه يذكر ( حى قيوم ) لتتم الجملة إلا إذا استغرق القلب فى معنى الاسم المفرد وأشرق على السر نور معناه ، ففى هذا الحال يكون اللسان ناطقاَ بلفظ الاسم المقدس والقلب ذاكراَ معناه والسر آنساَ بوميض الأنوار ، وهذا حال تطيب فيه النفس بعد تزكيتها وتصفو فتصافى بقبس الأنوار القدسية ، فلا يكون هذا الحال إلا لأهل خاصة الخاصة فى خلوتهم .
فإذا ختم الذكر فينبغى أن تلاحظ تلك الآداب :
أولاَ : يتحفظ الإخوان بملابسهم تحصناَ من الهواء ، لأنه إذا مر بأجسامهم وثيابهم مبلولة بماء العرق ربما حصل منه ضرر .
ثانياَ : يترك الإخوان شرب الماء البارد عقب الذكر مباشرة حتى تستريح أبدانهم ، فإنه مضر عقب الذكر .
ثالثاَ : يغمض الإخوان عيونهم توجهاَ إلى الله تعالى لترد على قلوبهم منح الملكوت وأنوار الذكر .
رابعاَ : يقرأ أحدهم ما تيسر من القرآن الكريم ، والأفضل أن يقرأ الآيات الدالة على التوحيد أو الذكر أو الفكر أو البشائر ليتدبر الإخوان معانيها وتنشرح صدورهم .
خامساَ : إن شرح الله صدره لشئ من المذاكرة ذاكر ، أو عرض على الإخوان إن أحب أحدهم أن يتكلم بوارد له أو فهم فهمه أو حكمة نقلها أو سيرة من سير السلف رواها فليتفضل بإلقائها ، وإن أحب أن يروحهم بسماع الحكمة المنظومة من أخ حسن الصوت أمر بذلك بشرط أن يقول ما يناسب الأكثرية من الحكم والعلوم ، ثم ذكر التهليل ثلاثاَ أو خمساَ أو سبعاَ ورفع يده ، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترضى عن الصحابة وعن جميع إخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ودعا بالمغفرة للذين سبقونا بالإيمان ، وسأل الله لإخواننا المعاصرين الحاضرين والغائبين ، ثم يأذن بالانصراف.
6- موقف الإمام من تعدد الطرق الصوفية :
روى أن الإمام دعا يوماَ مشايخ الطرق الصوفية على مائدة الغذاء ، وكان الإمام قد عقد العزم من هذه الدعوة على أن يكلمهم عن اتحاد هذه الطرق الصوفية كلها فى طريق واحد ( وأن هذا صراطى مستقيماَ فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [49]، وقد قال الإمام عن الطريق المستقيم[50]: إن الطريق المستقيم يا إخوانى واحد لا يتعدد وإن تعددت أنواع السير عليه ، سرعة وبطئاَ ، وتأنياَ وإقبالاَ ، والسالكون عليه وإن تفاوتت هممهم وتنوعت عزائمهم إلا أنهم لا خلاف بينهم ، لأنهم كلهم على اعتقاد واحد ورأى واحد ومذهب واحد ، سارعوا إلى وجهة واحدة ، وتعاونوا على مقصد واحد ، وتنافسوا فى مراد واحد . إنما الخلاف بينهم أن هذا على الطريق الحق إلا أنه توسط وعمل بالقلب والجسم بحالة وسط ، وأخوه معه على الطريق الحق إلا أنه عمل بالواجب البدنى ووقف عنده وزاد فى عمل القلوب على الواجب القلبى ، والآخر على الطريق الحق إلا أنه جاهد نفسه ليتخلى وأخوه معه إلا أنه ينافس ليتحلى ، والكل فى حيطة واحدة وهى المدينة التى أشار إليها صلى الله عليه وسلم بقوله : ( المدينة خير لهم لو كانوا يعملون )[51].
وبعد تناول الغذاء على مائدة الإمام والترحيب بهم ، بدأ الإمام الحديث بقوله :
يا إخوانى : ليس الطرق لنكون فرقاَ مختلفين وعصباَ متنافرين وشيعاَ متباغضين ، قلوب على الحظ والهوى عقدت ، وبالدنيا وما فيها اطمأنت ، وللشهرة والسمعة طلبت ، حتى أصبح المسلمون وهم كثيرون قليلاَ ، قال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاَ ولا تفرقوا[52].
ثم أفاض رضى الله عنه فى شرح آية الاعتصام وعدم التفرقة . وبعد ذلك طلب منهم أن يختاروا واحداَ منهم ينصبونه إماماَ للطريق ويسلم له الجميع ويساعده على أداء رسالته ، وقال لهم : الرجل الذى تختارونه أنا أول من يحمل حذائه ، وحتى لا تظنوا أنى جمعتكم فى بيتى لتختارونى ، فسأترككم لمدة ساعتين تختارون من بينكم من شئتم .
تركهم الإمام وصعد إلى خلوته . ولما عاد إليهم عرف أنهم اتفقوا على أن يظلوا على ما هم فيه !! . وجلس الإمام وضرب على فخذه قائلاَ : الله بالمد الطويل ، فأخرج الكتبة الحاضرون أقلامهم وأوراقهم ليكتبوا ، قال الإمام رضوان الله عليه :
ما اختلاف الطريق والقصد واحد
والصراط السـوى للمتواجد
ذا لأن النفـوس مختلفـات
كل نفس لها سبيـل وشـاهد
والرجال الأفراد فوق صراط
بدؤه الكشـف للمـراد الواجـد
من ألست شربوا طهوراَ مداراَ
أسكرتهم لـم يلفتنهـم معانـد
أفـردوا الله باليقيـن وفـروا
من سـواه إليـه والفضل وارد
من لدى البدء ووجهوا بجمال
يجذب الروح للـولى الماجـد
واختلاف الطريق فى السير ينبى
باختلاف النفوس بـل والموارد
والمراد المحبوب أفرد بالقصد
علياَ وهـو الإلـه الواحـد
والنفوس المرضى تسير الهوينا
للأيـادى أو للعطـا والموائـد
أو لأجر تسعى ونيل حظـوظ
فى جنان النعيم بين الولائـد
بين باك من خوف نار وراج
جنة الخلد فى عنـاء يجـاهد
بين زهد فيما يـزول لقصـد
فوزه بالقبـول تجـده عابـد
ذاك سر التفريق والوجه قصدى
من ألست وطالب الغير جاحد
أفرد المجتبـون وجهـاَ عليـاَ
باليقين القـوى محـو العوائـد
شاهدوا باليقين فى الكون نوراَ
كان بدءاَ يراه كـل مشـاهد
لم تعقـهم عناصر وحـدود
كـل فرد لله بـالله عائـد
ظللتهم أنوار شمـس التجـلى
سترتـهم عنهم فبشرى لصاعد
ناولتـهم يد العنايـة راحـاَ
أسعدتـهم بنيـل كـل المقاصـد
قصدهـم واحد إليـه أنابـوا
بل لـه أسلمـوا بقلـب واجـد
7- رد الإمام على من يفرق بين الشريعة والطريقة[53]:
سبق لى فى غير هذا الموضوع أنى بينت أن مدلول ( شريعة – طريقة – منهاج – صراط – سبيل ) واحد ، وكلها ألفاظ مترادفة دالة على المسافة التى يلزم العبد أن يتجاوزها من الدنيا إلى الآخرة ومن الآخرة إلى المكون سبحانه ، وهى المسافة التى لا نجاة لعبد إلا بتجاوزها على الصراط المستقيم . وتلك المسافة شاسعة طويلة الشقة صعبة المشقة إلا على من يسر الله لهم السلوك وسهل عليهم مراحلها ، وأنعم عليهم بالمرشد الكامل الذى يبين لهم سبل الله ويبين لهم حكمة أحكام الله ويشهدهم فى أنفسهم وفى الآفاق آيات الله ، ويعالج أمراض نفوسهم وأسقام قلوبهم بما أمر الله به من قوله سبحانه :
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن )[54]:
- فالحكمة : لأهل الاستعداد الذين سبقت لهم الحسنى وحصلت منهم الرغبة فى الحق والشوق إلى ما عنده سبحانه ، وهى بيان أسراره وكشف غوامض آياته وشرح مكنون حكمه سبحانه وتعالى .
- والموعظة : للمؤهل الذى سبقت له الحسنى ولكنه ملتفت ببصره إلى غير ما يجب أن يواجهه ، والموعظة هى التلبية إلى ما يجب على العبد ، وهى الذكرى ، لأن من شهد شيئاَ وتصوره والتفت عنه يذكره ، ولذلك فإن الله تعالى قال: ( والموعظة الحسنة ) ولم يقل بالحكمة الحسنى ، لأن الحكمة حسنة والموعظة تذكير من شهد مشهداَ وشغله غيره ليلتفت إلى مشهده الأول .
- وأما المجادلة : لمن لم يكن فيه أهلية ولا استعداد ، فتقام عليه الحجة بالتى هى أحسن حتى لا يحصل له النفور . وأشار الله تعالى بقوله : ( بالتى هى أحسن ) لتكون الحجة قائمة عليه ، فإن وفقه الله تعالى أقبل مطمئناَ ، وإن لم يقدر له توفيقه أدبر وقد قامت عليه حجة الله تعالى ، قال تعالى : ( فلله الحجة البالغة )[55]. فمن أسعده الله تعالى بمرشد عالم بطريق الوصول ورزقه الله التسليم له كان ذلك أكبر دليل على سعادته فى الدنيا والآخرة .
ولما كانت تلك الألفاظ كلها مترادفة ، كان قولنا شريعة وطريقة بمعنى واحد ، ولكن اصطلح السلف الصالح على أن يضعوا لفظ ( طريقة ) علماَ على تلاميذهم الذين تفرغوا لتلقى العلوم والعمل بها وأقبلوا بكليتهم على مجاهدة أنفسهم ليتجاوزوا تلك المسافات الشاسعة ، وصار لفظ ( الطريق ) علماَ على طائفة مخصوصة من تلاميذ العلماء الربانيين الذين يتلقون عنهم أسرارهم وويتشبهون بهم فى أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم وأحوالهم ويسارعون فى العمل بما يعلمونه منهم . ومن انتسب إلى الطريق ولم يكن مسترشداَ على يد مرشد عالم ربانى عامل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس من أهل الطريق ولكنه دعى . فالطريق إذن عمل بالعزائم فى الشريعة يجمع الرخص والعزائم .
ولفظ ( الطريق ) صار خاصاَ بأهل العزائم ، وهذا شئ معلوم من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كثيراَ من أصحابه صلى الله عليه وسلم عكفوا فى مسجده صلى الله عليه وسلم آخذين بالعزائم متفرغين لتلقى الأسرار المحمدية والأنوار القرآنية ، وبهم رضى الله تبارك وتعالى عنهم اقتدى الخلف بعد السلف ، فهم أئمة أهل الطريق وقادتهم .
ودام الأمر على هذا حتى كان الرجل إذا رغب فيما عند الله خرج سائحاَ على وجهه يفتش على المرشد ، فلا يقر له قراره إلا بعد أن يصل إليه ، فإذا وصل إليه عكف عليه .ومن أحب أن يعلم سيرتهم فليقرأ تراجمهم رضى الله عنهم ، فإنهم هجروا الأوطان وفارقوا الأهل والأولاد سعياَ فى طلب الرجل الدال على الله بقوله وعمله وحاله . ولا يخلو زمان من الرجال المجددين لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم القائمين بحجة الله .
ولا خلاف بين الشريعة والطريقة لأن أهل الطريق اهتموا بعمل القلوب ، لأن أساس الخير كله عمل القلوب .
ولعلك تعلم أن النفاق قد يخفى على كثير من العلماء ، فقد يكون الرجل منافقاَ وهو يحسب نفسه من أكمل الموقنين وذلك لعدم عنايته بعمل القلوب واهتمامه بظاهره .وجلى أن القلب محل نظر الرب جل جلاله ، ولذلك سارع رجال الطريق إلى صفاء قلوبهم وتخليتها من النجاسات لتخلص لهم الإرادة ويكمل لهم القصد وتصح العزيمة حتى يبلغوا درجة فقه القلب . وكم من فقيه اللسان جهول القلب ، وإنما هى مراقبة الله جل جلاله بالقلوب تكسبها خشية وخوفاَ ورهبة وحباَ وثقة به جل جلاله وصبراَ على مر قضائه وقدره أو رضا عنه فى كل شئونه سبحانه.
لعلك تسألنى قائلاَ : إنك تقول لا خلاف بين الشريعة والطريقة مع أنا نرى الخلاف بين كثير من الناس ، فترى أهل الطريق ينكرون على غيرهم ، وغير أهل الطريق ينكرون على أهل الطريق إنكاراَ مراَ حتى يرمونهم بالبدعة والضلالة والخروج عن الشرع .. فأقول لا يلزم من حصول الإنكار وجود ما ينكر عليه أو الاختلاف بين الشريعة والطريقة ، ولكن ما نراه من الخلاف بين الناس فى مثل هذا فهو الجهل بأصول الطريق ومآخذها ، أما الإنكار من أهل الطريق على غيرهم فلم يكن ذلك من علمائهم ولكنه من بعض من يؤذيهم إنكار المنكرين ، وإن كان ثم إنكار فهو على الشخص المنسوب للطريق الذى يخالف أحكام الشريعة مدعياَ أن ذلك من الطريق وهو كاذب ، لأن الطريق هو روح الشريعة والأخذ بعزائمها ، وليس من أهل الطريق من خالف صريح السنة . ولجهل الناس صاروا ينكرون على الطريق إذا شاهدوا رجلاَ من أهلها يعمل ما يخالف الشريعة ، وكذلك إنكار أهل الطريق على العلماء لأنهم رأوا من يدعى العلم يعمل بغير علمه فالإنكار على عمل الأشخاص لا على الطريق .
والطريقة منهاج المخلصين ، والحقيقة أن الشريعة اسم جامع للعزائم والرخص – قال تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)[56] وقال تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله )[57] . فمن اعتدى على من اعتدى عليه عمل بالشريعة ، ومن عفا وأصلح عمل بالشريعة – ولكن من عفا وأصلح تميز عن غيره لأخذه بالعزائم .
8- رد الإمام على الإدعاء بأن أهل الطريق يحكمون الذوق والحال والوجد ولو خالفوا فى ذلك الشريعة[58]:
جهل بعض الناس ممن لا علم لهم بالطريق فظنوا أن أهل الطريق يحكمون الذوق والحال والوجد ولو خالفوا فى ذلك الشريعة ، ومن يعتقد ذلك فى أهل الطريق فقد جهل مبادئهم ، ومن جهل شيئاَ عاداه ، فإن الذوق : قبس من نور اليقين الذى فوق العلم ، والحال : ظهور أنوار اليقين على السالك المخلص حتى يكون متجملاَ بجمال أهل الخشية والخوف من الله تعالى والرغبة فيما عنده سبحانه ، والوجد : حضور بالقلب والسر مع الرب جل جلاله .
ولا يمن الله المعانى على من خالفوا حكمه سبحانه ، ومن حكم الذوق والحال والوجد وخضع لحكمها فقد عبد غير الله ، وما عند الله لا ينال بمعصيته ، فإذا انقاد أهل الطريق للحكم بذوقهم وحالهم ووجدهم فليس ذلك انقياداَ لها وإنما هو انقياد لواجب الوقت الذى أوجبه الله على السالك مسارعة إلى تنفيذ حكم الله تعالى الذى تلقاه عن الله إما صريحاَ من كتابه العزيز ، أو من عمل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ، أو استنباطاَ من الكتاب والسنة ، فإذا اضطر إلى الحكم على أمر ولم يستبن له رفعه إلى أعلم منه ، فإن خفى عليه نظر بعين المخالفة من الله وفكر فيه بقلب ملؤه الخشية من الله ، فإن ظهر فيه مصلحة وخير ، حكم بإباحته ، وإن ظهر له فيه مفسدة ومضرة ، حكم بكراهته ، فإن روح الشريعة تقضى أن كل ما هو خير مباح ، فهم فى ذوقهم وحالهم ووجدهم مقهورون بحكم الله تعالى ، وكل ذوق أو وجد أو حال يخالف حكم الله تعالى يفرون منه ويتبرأون منه .
ولعلك تنكر قولى : (( واجب الوقت )) .. فأبين لك هذا الأمر : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر إلى الغروب فى غزوة من الغزوات وقال :
( حبسونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم ناراَ)[59]. وجلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى المسجد يذكر الصحابة بأمر فأخر صلاة العصر ، فقال المؤذن : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال : نحن فى صلاة . فقد يقتضى واجب الوقت طهارة القلب فيسارعون إلى طهارة القلب ، فإن كل عمل لم يكن صادراَ عن قلب .. مردود. وإن الله سبحانه قد أكرم أهل الطريق بما هو كمعجزات أنبياء الله السابقين على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ، وكيف يستجيب الله تعالى لمن لم يستجب له ؟ أو يكرم بآياته من خالف حكمه ؟ فأساس طريقهم رضى الله عنهم العمل بحكم الله تعالى ومخالفة كل من خالفه ، حتى أنهم يخالفون كشفهم الصريح ويرجعون إلى حكم الله تعالى ، وأئمتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان الرجل منهم رضى الله عنهم إذا حكم بحكم وظهر له حكم الله تعالى قال أخطأت ويرجع إلى الحق ، وإنما أهل الطريق أتباع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتدون بهديهم رضى الله عنهم جميعاَ . وكيف يتخيل متخيل أن قوماَ أقبلوا على الله بالكلية يعتقدون أنهم غير معصومين يحكمون ذوقهم وحالهم ووجدهم ويتركون حكم الله تعالى ؟ والحق فوق الخلق عند غيرهم .. فكيف عندهم ؟ فهم مع الحق وإن شهدهم من جهل حالهم مخالفين ، ولذلك فإنك تراهم يطيعون فقيراَ مسكيناَ وتذل له نفوسهم الكبيرة وتخشاه قلوبهم ، ويبذلون له نفوسهم ونفائسهم ، يعادون لأجله الملوك والجبابرة ما ذلك إلا لأنهم أحبوا أهل الحق ولو كانوا أذلاء فقراء مهانين مرذولين فى أعين الناس ، ولو أنهم لم يكن الحق مقصدهم الأول لما ذلوا أنفسهم العزيزة لفقير مسكين سمعوا منه الحكمة وفقهوا عنه العظة وعلموا منه الخشية من الله . وكم من سيد فى قومه عزيز فى سربه ذل لفقير مسكين اتخذه سيداَ وإماماَ يخدم نعليه ويذل بين يديه ويسمع له ويطيع ، مع أن الملوك تسترضيه فلا يرضى عنهم ، ما ذلك إلا للحق سبحانه ، فأهل الطريق رضى الله عنهم صغر فى أعينهم ملوك الأرض ما داموا على غير الحق وعظم فى أعينهم الفقير الذليل ما دام على الحق .
ولو قرأت تراجم من سادوا فى عصورهم لرأيت أغلبهم من العبيد أو من الأذلاء والموالى أو من أهل المهن الدنيئة ، بم عزوا وبم سادوا ؟ بما اظهره الله على ألسنتهم من الحكمة ، وبما وهبه لهم من الحب له وفيه سبحانه ، وكيف لا ؟ وقد ألقى الله عليهم محبة منه سبحانه بما وفقهم له من العمل بما علموا فصاروا عظماء حتى فى قلوب العصاة والفسقة لما أظهره الله عليهم من أنوار محبته ، فترى الفاسق الفاجر الجبار العنيد إذا رآهم يخشع قلبه ويتذلل أمامهم ويسألهم الدعاء له وهم فى شظف العيش ورداءة الثياب وخشونة الظاهر ، ولا ترى أحداَ يعاديهم إلا عليم اللسان جهول القلب أو معاند للحق خب لئيم لا يؤمن بيوم الحساب . وكفاه شرفاَ أن الله تعالى ألقى عليهم محبة منه سبحانه فأحبهم الأميون والعامة والصبيان والنساء ، وهى سنة الله فى أوليائه ، ولعلك قرأت قوله تعالى مشنعاَ على أعدائه : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى ) [60]، ولعلك قرأت حديث البخارى فى باب الهجرة عندما أخرج كفار قريش سيدنا أبا بكر رضى الله عنه وجاء ابن الدغنة ليمنعهم من إخراجه فقالوا : إنا نخشى على نسائنا وصبياننا منه ، واشترطوا عليه أن يمنعه عن قراءة القرآن بصوته خارج بيته لأن النساء كن يجتمعن عليه ويبكين ببكائه ويجتمع عليه الصبيان والبسطاء ويبكون معه عندما يرتل القرآن باكياَ ، ذلك لسلامة قلوب العامة وصفائهم من درن الحظوظ والأهواء وحب الدنيا .
9- رد الإمام على من يقولون إن الشريعة والحقيقة ليست طريقاَ واحداَ :
أدعياء الطريق وتأويلاتهم :
إن الأصول الشرعية يجب على السالك فى طريق الله أن يرعاها حق رعايتها فلا يحيد عنها قيد شعرة ، والسلوك إلى الله تعالى لا يمكن أن يكون من غير الطريق الشرعى . ولما كانت هذه النقطة من أدق النقاط وأصعبها فهماَ على عقول العامة – خصوصاَ فى هذا الزمان المظلم الذى تفشت فيه البدع واشتدت وطأة المضلين والجاهلين – فقد رأينا أن نعرض الكلام فيها ونفضل ما خفى منها حتى تستبين الحجة فيها وتتضح المحجة ، وينجلى ذلك الستار الموهوم الذى أسدله أدعياء المتصوفة وقاطعوا طريق الله تعالى على أنفسهم لتضليل البسطاء وإغواء الأبراء والتحايل على العيش من وراء هذا الافتراء والبهتان .
يحاول أولئك القوم أن يفهموا السذج من الناس أن الشريعة والحقيقة مختلفان متناقضتان فى لفظهما وجوهرهما ، وأنهما طريقان متباينان لكل طريق منهما أصول وقوانين ، وأن كلاَ منهما انفردت بأهلها ومعتنقيها عن الأخرى ، ولذلك يحتمون على كل من سار فى طريق الحقيقة أن يترك كل ما يتعلق بالشريعة لأنه يسير بزعمهم فى طريق أعلى وأسمى من تلك الطريق ، ولا يجمل بمن رقى أن يتنزل ، ولا بمن تغلغل فى بطن الدار وجالس أهلها أن يعود للوقوف على بابها .
الرد على هذه التأويلات :
وجهل أولئك المغرورن أن الشريعة والحقيقة طريق واحد بدايته الأولى ونهايته الثانية ، وأن الحقيقة من الشريعة كالقصر المشيد العالى من الأساس المتمكن فى أعماق الأرض ، فلو لم يبق هذا الأساس ويحكم بناؤه لما قام ذلك القصر ولما دام بقاؤه . وإنه وإن كانت الحقيقة بيتاَ والشريعة بابه ، فإن البيوت لا تؤتى من غير أبوابها ، وإن الذى يدخل البيت من غير الباب إنما هو لص مريب لا ينظر إليه بعين الثقة ولا الاحترام .
ولقد بين العلماء العارفون بالله وهن تلك الدعاوى الباطلة التى يضلل بها أولئك الأدعياء عقول الناس ، يقذفون بهم فى هوة مخالفة الشريعة والخروج على أوامرها ، حتى إذا ما انقضت تلك الحياة الدنيا – وسرعان ما تنقضى – وجاء يوم الحساب والعقاب : ( إذ تبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبَعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)[61].
مكائد أدعياء التصوف وحيلهم :
وإليك بعضاَ من مكائدهم وحيلهم التى ينصبون شراكها لإيقاع البسطاء :
أول ما يبدو لك من أحوالهم : جرأة على الشريعة ، وسوء أدب مع الله تعالى وأمن واستهتار ينبئك بأن نفوسهم لقسة لم تتطهر من رجس الشهوات ولم يوجد فيها القابل الذى يقبل الحقائق ويرضخ لها ، وإذا ما أنكر عليهم منكر بعض أمورهم المخالفة للشرع الشريف قالوا كذباَ إن حرمة ذلك فى العلم الظاهر ، وإنا أصحاب العلم الباطن وهو فى علمنا حلال ، وإن الناس يأخذون من الكتاب والسنة ، أما نحن فنتلقى من صاحبهما محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أشكل علينا ما نتلقاه منه رجعنا إلى الله تعالى بالذات وإنا بالخلوة ، وهمة شيخنا تصل إلى الله فتكشف لنا العلوم فلا نحتاج إلى كتاب وسنة ، إن الوصول إلى الله تعالى لا يكون إلا برفض العلم الظاهر والشرعى ، وإنا لو كنا على الباطل ما حصلت لنا تلك الكرامات العلية والأحوال السنية من مشاهدة الأنوار وكشف الأسرار .
الرد على هذه المكائد والحيل:
كل ذلك ونحوه أكاذيب وترهات بل هو إلحاد وضلال ، إذ فيه إزدراء بالشريعة السمحاء وإبطال لحكمة تشريعها ، وإن الشيطان لم ينل من المسلمين ما ناله الفساق من المدعين التصوف بالباطل ، فإن الله تعالى يقول : (واتقوا الله ويعلمكم الله ) [62]، والتقوى هى العمل بعلم الشريعة لأن الأخذ بالعزيمة من شأن الأتقياء ، ومن خالف الشريعة صار غوياَ لا تقياَ ، ومثله يعلمه الشيطان الطمع فى الأموال وإباحة الأعراض والكيد لمخالفيه والمنكرين عليه .
الذين يحصلون علم الشريعة ولا يعلمون به :
كما أن الذين يحصلون علم الشريعة ولا يعلمون به هم شر الخلق ، لأن العالم إذا استعان بعلمه على نيل الدنيا من الملوك والأمراء – بل ومن المتسلطين من غير المسلمين – بأن يواليهم ويودهم ويتردد عليهم ، سلب الله منه بركة العلم وكان العلم حجة عليه يوم القيامة ، روى الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر الأندلسى بسنده فى كتابه ( جامع بيان العلم ) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة : رجل استشهد فى سبيل الله فأتى به ربه فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما فعلت فيها ؟ قال : تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن ، قال : كذبت ولكن ليقال هو قارئ وقد قيل ، ثم أمر به فحسب على وجهه حتى ألقى فى النار . ورجل أوسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما فعلت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن أنفق فيه إلا أنفقت فيه ، قال : كذبت ولكن ليقال هو جواد فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار )[63]. هذا الحديث فيمن لم يرد بعلمه ولا عمله وجه الله ، وقد قيل فى الرياء أنه الشرك الأصغر.[64]
الشريعة والحقيقة:
يقول الإمام رضى الله عنه : (( لا خلاف بين الشريعة والحقيقة ، فإن الشريعة حقيقة والحقيقة شريعة . ولكن الشريعة فى الاصطلاح أمر بالقيام بواجب العبودية ، والحقيقة شهود معانى الربوبية . ولا يكون المسلم مسلماَ كاملاَ إلا إذا وفقه الله فالتزم بالعبودية وتفضيل الله عليه فأشهده معانى الربوبية فشاهد فى الشريعة أسرار حكيم وفى الحقيقة أنوار قادر . ومن أحاط بالشريعة علماَ والتزم بالعبودية ولم يشاهد معانى صفات الربوبية فغير مقبول ، وكل من شاهد معانى صفات الربوبية ولم يتقيد بالشريعة لم يفز بمحصول .
فالشريعة أنزلها الله تعالى للقيام بما أمر .. والحقيقة لشهود ما قضى وقدر وهى سر تصريف الحق لما أراد ودبر وأخفى وأظهر ، والشريعة أن نعبده سبحانه .. والحقيقة أن تصريف الحق لما أراد ودبر وأخفى وأظهر ، والشريعة أن نعبده سبحانه .. والحقيقة أن نشهده جل جلاله ، وفى ( إياك نعبد ) حفظ للشريعة وقوله : ( و إياك نستعين ) إقرار بالحقيقة .
قلت لك الشريعة حقيقة والحقيقة شريعة ، لأن الشريعة وجبت بأمره سبحانه فهى حقيقة ، والحقيقة أيضاَ شريعة من حيث أن العلم به سبحانه وجب بأمره . ولم تكن السياحة فى السلف الصالح إلا لطلب العارفين بالله من أهل الحقيقة ، لأن ما من بلد من بلاد المسلمين إلا وفيها علماء للشريعة لا يحتاج طالب الأحكام إلى غيرهم ، وكان السائحون من كمل العلماء بالشريعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الشريعة أقوالى والطريقة أعمالى والحقيقة أحوالى )[65]. وإنما بينت لك تلك الألفاظ الثلاث ليتضح لك اصطلاح القوم فيها ولتعلم أنه لابد للسالك من العلم بالشريعة أولاَ والعمل بما علم ، ولديها يكون من السالكين على الطريق المستقيم . ثم يجتهد أن يطلب العارف الربانى حتى يبذل ما فى وسعه ، فإن فاز به فهى السعادة وإلا جاهد نفسه على العمل بما علم حتى يورثه الله علم ما لم يعلم وهى الحقيقة التى تنبلج بها آيات الحق جلية فى نفسه وفى الآفاق ويشهده الله جل جلاله أنواره المضيئة فى الكائنات التى قام بها كا شئ ، وبذلك يكون مؤمناَ كاملاَ فى مزيد من فضل الله ، يتجدد له الخير بتجدد أنفاسه .
وما من سالك أقامه الله فى مقام مشاهدة معانى صفات الربوبية إلا وخرق العادة من نفسه أو خرقت له العادة ، وهم أنواع :
(1) منهم ورثة الأنبياء وهم أصحاب الأحوال العالية والكرامات الظاهرة .
(2) منهم وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سر من أسرار صلوات الله وسلامه عليه إذ لا يمكن لأى مخلوق أن يرث المقام المحمدى إلا بقدر ما .
(3) وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم خفى عن الخلق مجهول عندهم لا يعرفه إلا الأفراد المحبوبون لله لأنه يقهر حاله ووجده وذوقه ، وهو الإمام المقتدى به ، صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صغرت فى عينه الكرامات واضمحلت الآيات ، وهو الختم المجمل بجمال الخلة المتحقق بميراث : ( إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفاَ وما أنا من المشركين )[66] ، وقوله سبحانه : ( فإنهم عدو لى إلا رب العالمين ) [67]، فهو العبد المتكمل بحلل العبودة الخالصة ، وأما غيره ممن ورثوا أسرار الأنبياء السابقين صلوات الله على نبينا وعليهم ، فهم أصحاب الأحوال ، وبينهم وبين وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين الشمس ضحوة وبين كوكب من الكواكب ، وأن الله تعالى يجدد لهذه الأمة أمر دينها على لسان ويدى وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل زمان عند المقتضى .
وقد تغلب مشاهد صفات الربوبية السالك فتخرجه عن الاعتدال فيستغرق فى شهود قادر ويحتجب عن شهود حكيم فهى صولة لا تدوم إلا ريثما تتجلى الآيات ويتداركه الله تعالى بمرشد كامل عناية به من الله تعالى أو يسلب منه القوة التى بها التكليف فيكون هائماَ على وجهه روحانياَ لا يشعر بلوازم بشريته ، وهؤلاء ليسوا أئمة للمتقين ، ومن فضل الله تعالى عليهم أن يضع لهم فى قلوب عباده عاطفة ورحمة ، وهؤلاء لهم العذر ، فإن ما به التكليف فقد منهم ، وهم الذين ينزل الله بهم الأمطار ويوسع بهم الأرزاق لأنهم الفقراء إلى الله ، والإحسان إليهم يدفع الله به البلايا عن عباده ويهب به الخير لأنهم مستغرقون فى شهود صفات الربوبية فانون عن مقتضيات البشرية ، قال بعضهم:
تركت للناس دنياهم ودينهم شغلاَ بذكرك يا دينى ودنيائى
وفى الأثر : بفقرائكم ترزقون وترحمون .
ظهر لك الفرق بين الشريعة والحقيقة فى اصطلاحنا ، والأمر سهل عليك ، وما عليك إلا أن تسارع إلى تحصيل ما لابد لك منه من العلم بأحكام الله وأيام الله ، ثم تسارع إلى العمل به ، ولديها يورثك الله تعالى علم ما لم تعلم على لسان من يشاء من أحبابه ، أو بنور يجعله الله فى قلبك من قبس مشكاة الأنوار )).
10 - أخذ العهد أو البيعة :
قال الله تعالى : ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )[68] وقال تعالى : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )[69] وقال تعالى : ( إن العهد كان مسئولاَ )[70] وقال تعالى : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراَ عظيماَ )[71] وقال صلى الله عليه وسلم : ( بايعونى على ألا تشركوا بالله شيئاَ ... الحديث )[72] وقال تعالى : ( لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة )[73].
فالعهد أولاَ أخذه الله تعالى على رسله الكرام بأن يكونوا أمة لحبيبه ومصطفاه إن أدرك زمانه أحدهم ، وأخذت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم العهد لله على أممهم ، وقام العلماء الربانيون ورثة الأنبياء بأخذ العهد لله تعالى بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل عصرهم فى كل زمان بأن يبينوا لهم ما أوجبه الله تعالى عليهم وما رغبهم فيه وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى ، ثم يأخذون عليهم العهد أن يأتمروا بما أمرهم الله ورسوله وينتهوا عما نهى الله ورسوله عنه ، قال الله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )[74] . وكما أن الله أخذ عليهم العهد أن يقوموا بالعمل بوصاياه سبحانه ، فقد ضمن لهم فضلاَ منه وكرماَ أن يدخلهم الجنة ويبشرهم بأن يفى لهم بعهده سبحانه ، قال تعالى : ( وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم )[75].
وفى تلك الآية الشريفة سر غامض تلوح أنواره لمن انتشل من أوحال التوحيد إلى فضاء التنزيه والتفريد بعد التزكية والتجريد ، وأشرقت أنوار حضرة الرب العلى الكبير على حضرة العبد الذى واجه الرب جل جلاله فأشهده معانى ربوبيته فتحقق بالتمكين بالقيام بحقوق العبودية ، فكان الرب جل جلاله مع العبد والعبد المضطر مع الرب معية جعلت العبد متحداَ مع ربه جل جلاله فيما يريد بمحو مراد العبد فى مراد الرب وهم العبد فى استجلاب رضاء الرب جل جلاله ، وبذلك تقوى الرهبة والرغبة من عظمة العظيم وفى الفضل العظيم من الله تعالى . ويشتد الخوف من مقام الرب جل جلاله والطمع فى عفوه ومغفرته ، فتكون نعانى الربوبية معالم بين عينى العبد فلا يرى شيئاَ إلا ويرى أنوار الربوبية قلبه وفيه وبعده ، وبذلك يكون ربانياَ يفقه عن الله ويتلقى بسره عن رسول الله ، ويكون له وجود عينى بالله تعالى ثابت بإثبات الله له ظاهر بإظهار الله له عامل فى محاب الله ومراضيه بتوفيق الله وهدايته ، فيكون له من الله الفضل العظيم وعليه الواجب المقدس الذى هو حكمة إيجاده له سبحانه وتعالى وسر إمداده منه سبحانه وتعالى ، ولذلك فإنه سبحانه بعد أن قال : ( وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم ) قال : (وإياى فارهبون ) ، لأن هذا الخطاب المقدس ربما أشهد السالك فى مقام فرقه بعد الجمع مشهداَ يجعل رغبته ورجاءه وطمعه وأنسه وشهوده سوابغ النعماء وجميل الآلاء وتسخير كل شئ هو فى الملك والملكوت يقوى فيستر عنه مشاهد المنة وبوارق العظمة والعزة والكبرياء ، فربما يأنس بمشهد دون مشهد ، فأشار سبحانه بقوله :
( وإياى فارهبون ) إلا أن مقام العبودة أرقى من مقامات العبادة والعبودية . وإنما الأحوال نتائج الشهود ، والشهود نتائج المقامات.. فمن غلب عليه مقامه قهر حاله ، ومقام الرهبة أعلى المقامات لأنه من علم آيات عظيم كبير متعال على قادر منان . وكم من سالك وقف عند مشاهد الرغبة والرجاء والطمع ولم يتجاوزها إلى مقامات التمكين وحق اليقين ، فتاه شاطحاَ ، فيتداركه الرب جل جلاله بنعمة منه والله أرحم بالسالكين من أنفسهم بأنفسهم ورسوله صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم . ولتلك الآية الشريفة من غوامض الأسرار مما تكاشف به النفوس الطاهرة قبس من مشكاة الأنوار تواجه به السرائر من أنوار الكوكب الدرى ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
كيفية أخذ العهد :
لما كان العلماء الربانيون ورثة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وكان لابد من تجديد عرى الإيمان لأن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب وتخفى معالمه ولكن الله سبحانه وتعالى يجدده على ألسنة العارفين به ، ولما كان المرشد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيان شعب الإيمان وتفضيل ما أجمل من السنن وتوضيح ما أبهم منها وبيان سبل الله وكان عليه بعد أن يعلم تلاميذه ما يجب عليهم أن يعاهدهم بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويواثقهم له صلوات الله وسلامه عليه مبيناَ لهم أن يده التى يضعها على أيديهم هى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون صورة كاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. فاصطلح أهل الطريق رضى الله عنهم أن يبتدئوا مع المريد بتعليم العلم الواجب على المريد فى الوقت من علوم المعرفة والأخلاق والعبادات والمعاملات وآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يواثقونه بعد ذلك على أن يعمل بما علم بقدر استطاعته ، وينتهى عما نهى عنه الله جملة واحدة إلا ما أكره عليه كما يبينونه له ، فيبايعونه البيعة الكاملة على أن لا يشرك بالله شئياَ وأن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت إن استطاع إليه سبيلاَ ، وأن يجتنب الكبائر والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجاهد نفسه وهواه فى ذات الله ، ويبينون له أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ... الآية ، هذا سر العهد عندهم.
ولا ينبغى أن يعاهد المريد إلا عارفاَ ربانياَ يصح أن يكون صورة كاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب زمانه لا بحسب المعانى المحمدية الكاملة[76].
وكانت البيعة أيام الإمام رضوان الله عليه تجرى فى خلوة لا يكون فيها غريب مستنداَ فى ذلك إلى ما روى عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت رضى الله عنهما وهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بغلق الباب وقال : الحمد لله ، اللهم إنك بعثتنى بهذه الكلمة وأمرتنى بها ووعدتنى عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد ، ثم قال : (أبشروا فإن الله قد غفر لكم )[77] . وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأذمعى رضى الله عنه قال : كنا عند رسول الله تسعة أو ثمانية فقال ألا تبايعون رسول الله – وكنا حديثى عهد ببيعته – فقلنا قد بايعناك يا رسول الله ، فبسطنا أيدينا وقلنا نبايعك يا رسول الله ، قال :(أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاَ وتقيموا الصلوات الخمس وتطيعوا الله ورسوله ولا تسألوا الناس إلحافاَ)[78].
11- الأخذ عليهم بكثرة الإشارات فى كلامهم :
مأخذ ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1- أما كتاب الله تعالى : فما ورد من الآيات المتشابهات كأوائل السور التى هى كلمات مركبة من حروف
( حمعسق )(كهيعص ) وغيرها . وفى كل كلمة من تلك الكلمات الكريمة علوم يشير إليها كل حرف من حروف الآية الكريمة يسجد العقل على أعتاب فنائها .
2- أما مأخذه من السنة : فما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماَ لأبى بكر : أتدرى يوم يوم ؟ فقال أبو بكر : نعم يا رسول الله ، لقد سألتنى عن يوم المقادير . وقال له يوماَ : يا أبا بكر أتدرى ما أريد ؟ فقال أيو بكر : نعم يا رسول الله هو ذاك ذاك[79].
ولذلك حكمتان : لفظية ومعنوية :
- أما الحكمة اللفظية : فلأن الألفاظ وضعت على محسوسات أو معقولات ، وسر الربوبية غيب عن الأرواح فضلاَ عن العقول والحس ، ولم توضع ألفاظ تدل عليه ، فضاقت الألفاظ عنه ، ولابد من ضبط تلك العلوم الإلهية لأهلها ، فاصطلح كل واجد على إشارات خاصة يكشف غامضها لتلاميذه المخلصين .
- أما الحكمة المعنوية : فلأن الحكمة العلية المشيرة إلى سر الربوبية أعز من أن تكون شريعة لكل وارد ، وإنما يتلقاها الفرد عن الفرد ، فإذا كتب أهل المقامات العلية والمواجيد الصادقة عن عين اليقين لنظرائهم وخواص تلاميذهم حجبوا الحكمة بالرموز كما تحجب النفائس المدفونة فى الأرض بالرموز فلا يعلم محلها إلا من فك رمزها .
وإفشاء سر الربوبية كفر ، جاء فى الأثر :
( إن الله يكره أن تبينوا كل البيان ) . ومن قرأ كلام أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام لكميل عندما وصف الرجال وذكر قلتهم واشتاق إليهم يعلم أن أهل هذه الأسرار قليلون ، وأن من بلغ مقامات المشاهدة لمعانى الربوبية وبينها كل البيان يخشى عليه من غيرة الله على سره فإن الله غيور . وللقوم فى إخفاء أسرارهم بالرمز رحمة بمن لم يفقه أسرارهم ، فإن سر الحكمة على عن مدرك العقل لأنه من عالم الأمر لا من عالم الخلق ، ليس للعقل وإن كمل أن يدرك نفسه التى هى بين جنبيه ، فكيف يكون له الإشراف على عوالم الملكوت الأعلى وحظائر القدس الأعلى .؟ فلو بينوا تلك الأسرار بالعبارة الجلية وأنكرها أهل العقول ، يكونون أنكروا على الحق .
التصوف عند الإمام أبى العزائم فى ميزان البحوث العلمية[80]:
وفى رسالة للماجستير اهتمت بدراسة دور الإمام فى التصوف الإسلامى ، قال الباحث فى ختام رسالته :
يمكننا القول فى ضوء ما سبق : إن الإمام أبا العزائم حاول إعادة الدور الذى قام به بعض أسلافه من أئمة الصوفية فى المجال الاجتماعى بالإضافة إلى المجال الدينى الذى يتمثل فى الدعوة إلى الله تعالى . وهو بذلك يخرج عن الإطار الذى ألفه الناس عن كثير من شيوخ الطرق الصوفية ، فقد عرف عن شيوخ الطرق الصوفية فى القرون الأخيرة عزلتهم عن المجتمع وقضاياه ، والنظر إلى التصوف على أنه خرقة بالية يتدثر بها الشيخ أو المريد ليعرف عنه الزهد والورع ، أو الإقامة الدائمة فى المساجد أو الخروج إلى الصحراء دون الاهتمام بطلب الرزق أو المشاركة فى أحداث المجتمع .
نتائج البحث :
1- تناول البحث موقف الإمام أبى العزائم من عصره ، وقد انتهى إلى وجود دور فعال مؤثر قام به المجالين السياسى والاجتماعى .
2- كشف البحث عن وجود دور علمى ونظرى للإمام أبى العزائم تجاه التصوف والطرق الصوفية . ويكمن الدور النظرى فى رصده لأهم البدع والانحرافات التى أخذها أدعياء التصوف والطرق الصوفية ، ويتمثل الدور العلمى فى وضعه منهجاَ علمياَ تربوياَ استطاع من خلاله تربية جيل من الأتباع والمريدين على الأصول الصحيحة للتصوف .
3- دل البحث على وجود تجربة صوفية صادقة لدى الإمام أبى العزائم بعيدة كل البعد عن المغالاة فى القول والعمل ، وتأخذ بما يرشد إليه الشرع الشريف .
4- توصل الحث إلى تمتع الإمام أبى العزائم بثقافة دينية وعلمية واسعة كانت من وراء نجاح دعوته إلى الله تعالى وتكوين أتباع ومريدين كانوا بعد ذلك الأسس والقواعد التى قامت عليها طريقته الصوفية الجديدة .
توصيات البحث :
وفى ضوء ما توصل إليه البحث من نتائج دلت على قيمة الدور الذى قام به الإمام أبو العزائم فى التصوف ، فإنه يجدر ذكر بعض التوصيات التى لاحظها البحث ويرى أنها جديرة بالذكر والإشارة ، ومنها :
1- يوصى البحث شيوخ الطرق الصوفية وأتباعهم الأخذ بآراء الإمام أبى العزائم النقدية . ليتسنى لهم تصحيح مسار التصوف المعاصر وتنقيته من البدع والانحرافات .
2- كما يوصى البحث بالأخذ بمنهج الإمام أبى العزائم فى الإصلاح عن طريق الاهتمام بشيوخ الطرق ، ومراعاة الشروط التى عليها لائحة الطرق الصوفية فى شيخ الطريقة العزمية ، حتى يمكن تربية الأتباع والمريدين على أيدى أمينة .
3- حث الإمام أبو العزائم أتباعه على طلب العلم وعدم اعتراضهم على علم من العلوم . وهذا ما يجب الأخذ به بين الطرق الصوفية اليوم لترتفع نسبة التعليم بين أبناء الطرق وشيوخها .
4- وجه الإمام أبو العزائم إخوانه إلى العمل بآداب الأخوة الإسلامية والحرص على بقاء القلوب وصفائها حتى يظل الحب والإخلاص فيما بينهم ، وهذا ما يفتقده كثير من أبناء الطرق الصوفية الآن ، ولذا يجب الأخذ بآداب الأخوة التى بينها الإمام أبو العزائم لإخوانه .
5- يوصى البحث المشيخة العامة للطرق الصوفية بمصر أن تنظر إلى المنهج الذى وضعه الإمام أبو العزائم لإصلاح أبناء الطرق الصوفية وشيوخها ، وأن تحاول تطبيقه وممارسته .
[1] رواه مسلم والترمذى وأحمد بألفاظ مختلفة والمعنى واحد .
[2] كتاب ( جوامع الكلم ) للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبى العزاء ص98.
[3] كتاب (( جوامع الكلم )) للإمام أبى العزائم ص 97.
[4] كتاب (( أصول الوصول )) للإمام أبى العزائم ص 88.
[5] سورة الرعد آية 26.
[6] سورة النساء آية 95.
[7] سورة البقرة آية 151.
[8] سورة البقرة آية 195.
[9] مجلة السعادة الأبدية : السنة 7 العدد 6 ص 152 ( 15 ربيع الآخر 1338).
[10] المنذرى فى الترغيب وابن عبد البر فى مسنده .
[11] مجلة السعادة الأبدية : السنة 9 العدد 10 ص255 ( غرة شوال 1340هـ ) .
[12] سورة التوبة آية 34.
[13] سورة المنافقون آية 4.
[14] سورة البقرة آية 204-206.
[15] الترمذى والسيوطى فى الجامع الصغير .
[16] من رسالة ماجستر بعنوان : (( الإمام محمد ماضى أبو العزائم وأثره فى التصوف الإسلامى )) للأستاذ / محمد السيد المليجى . كلية دار العلوم جامعة القاهرة .
[17] كتا ب (( قبس من المضنون )) للإمام أبى العزائم تحت الطبع .
[18] سورة النساء آية 95.
[19] سورة الأنفال آية 17.
[20] سورة فاطر آية 10.
[21] سورة الأعراف آية 28.
[22] سورة الأعراف آية 172.
[23] سورة الأنعام آية 94.
[24] كتاب (( بحوث ورسائل علمية عن الإمام المجدد أبى العزائم ، ص338،339.
[25] مجلة السعادة الأبدية : السنة 9 العدد 10 ص258 ( غرة شوال 1340 هـ ) .
[26] (( بحوث ورسائل علمية عن الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبى العزائم )) ص339 ، 340.
[27] مجلة السعادة الأبدية : السنة 9 العدد 10 ص 257 ( غرة شوال 1340هـ ) .
[28] سورة التوبة آية 114.
[29] سورة هود آية 47.
[30] البخارى ومسلم .
[31] سورة التوبة آية 24.
[32] الديلمى فى مسند الفردوس .
[33] سورة الأحزاب آية 41.
[34] سورة البقرة آية 198.
[35] سورة البقرة آية 200.
[36] سورة البقرة آية 152.
[37] سورة النساء آية 103.
[38] سورة الأحزاب آية 35.
[39] أخرجه البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه .
[40] اخرجه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه .
[41] سورة الأعراف آية 179.
[42] سبق تخريجه ص 332.
[43] سورة النساء آية 103.
[44] سبق تخريجه ص 299.
[45] سورة محمد آية 19.
[46] سورة الأنعام آية 91.
[47] سورة البقرة آية 163.
[48] سورة فصلت آية 53.
[49] سورة الأنعام آية 153.
[50] كتاب (( مذكرة المرشدين والمسترشدين )) للإمام أبى العزائم ص58-59.
[51] متفق عليه من حديث سفيان بن أبى زهير وقد أورده الغزالى فى الإحياء ج1 ص17.
[52] سورة آل عمران آية 103.
[53] مجلة المدينة المنورة : السنة 10 العدد 7 ص 9 ( 25 رجب 1356 هـ الموافق أول أكتوبر 1937).
[54] سورة النحل آية 125.
[55] سورة الأنعام آية 149.
[56] سورة البقرة آية 194.
[57] سورة الشورى آية 40.
[58] مجلة المدينة المنورة : السنة 10 العدد 8 ص 9 ( 2 شعبان 1356 هـ الموافق 8 أكتوبر 1937 م) .
[59] الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن جرير وابن كثير فى تفسيره .
[60] سورة هود آية 27.
[61] سورة البقرة آية 166 ، 167
[62] سورة البقرة آية 282.
[63] رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة .
[64] كتاب (( الطريق إلى الله )) للإمام أبى العزائم .
[65] قال العجلونى فى كشف الخفاء : [ الشريعة أقوالى والطريقة أفعالى والحقيقة حالى والمعرفة رأس مالى ] لم أر من ذكره ، فضلاَ عن بيان حاله ، وذكر بعضهم أنه رآه فى كتب بعض الصوفية فليراجع . (( كشف الخفاء حديث 1532)) .
[66] سورة الأنعام آية 79.
[67] سورة الشعراء آية 77.
[68] سورة المؤمنون آية8.
[69] سورة البقرة آية 177.
[70] سورة الإسراء آية 34.
[71] سورة الفتح آية 10.
[72] رواه البخارى .
[73] سورة الفتح آية 18.
[74] سورة التوبة آية 111.
[75] سورة البقرة آية 40.
[76] مجلة المدينة المنورة : السنه 10 العدد 10 ( 24 شعبان 1356 هـ الموافق 29 أكتوبر 1937م ).
[77] الإمام أحمد فى مسنده والطبرانى .
[78] رواه مسلم .
[79] رواه الترمذى .
[80] كتاب ( بحوث وسائل علمية عن الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبى العزائم ) .