التشدد في تحري السند للحديث النبوي

27/06/2021
شارك المقالة:

ـ العلماء منهم من شدَّد في تحري السند قياماً بالواجب عليه فلم تصح عنده أحاديث كثيرة ، ومنهم من سهَّل .

والذي أراهُ التوسط ، فما كان من أخبار رسول الله ﷺ متعلقاً بحكم من أحكام الشريعة في عقيدة أو في عباده واجبة ، أو في معاملة مفروضة ، أو في أخلاق فاضلة أوجبها الله تعالى ، فالواجب الأخذ بالأحوط منها وقبول ما ورد بالمراتب الثلاثة فقط ، كمرتبة المتواتر والمشهور والصحيح بمراتبه كالحسن والعزيز وباقي الأقسام متعلق بنوافل البر وفضائل الأعمال .

وما يحث على الأخذ بالعزائم ، فذلك ما ٱستحسن العلماء والربانيون فيه الأخذ به من غير تشديد بسنده تَوسعةً في الرواية ، عملاً بقوله ﷺ [ حدِّثواْ عنِّي بكُلِّ خير ، وإن لم أكُن قُلته فإنِّي أقولُ كل خيرٍ ] رواه عن شيوخه أبو طالب المكي في كتاب (قوت القلوب) .

أما التشديد والتجريح الذي توسَّع فيه علماء الحديث في مثل هذه الأحاديث الشريفة التي تحث على فضائل الأعمال ، ونوافل البر ، والإقبال على عمل الخير ، فذلك ما يُوقِف عزائم الناس عن المسارعة إلى نيل رضوان الله الأكبر ، كما ورد في الحديث الصحيح بسند الإمام البخاري رضي الله عنه يقول : قال ﷺ : [مَن آذىٰ لي وَليَّاً فقد آذَنتُهُ بالحرب . وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ من أداء ما ٱفترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقَرَّب إليَّ بالنَّوافِل حتَّى أحبه] .

من هذا الحديث يظهر لنا جلياً أنَّ التقرب إلى الله بالنوافِل ، بعد تأدية الفرائض من مُوجبات محبة الله ، وهو الشرف الذي ليس فوقه شرف . وأنَّ القيام بالمأمورات والبُعد عن المَنهيات قيام بالواجب الذي لا يستحق عليه فاعله نوال محبة الله تعالى .

تلك الأحاديث التي تضمَّنت الحث على تلك الأعمال الفاضلة والقربات المُوصلة في الغالب لأفراد خصوصيين أو في بعض رجال من أهل الخاصة .

أمَّا الأحاديث التي تتعلق بالأحكام الشرعية ، والحكم العمرية والزمنية ، فإنَّ رسول الله ﷺ كان يُلقيها على المجتمعات التي تضم الوُفود وغيرهم ، وكان مُقتضىٰ الحكمة المحمدية أن يخاطبهم على قدر عقولهم . وقد كان رسول الله ﷺ يخص (علياً) عليه السلام ، وأبا بكر رضي الله عنه ، بل وجميع أهل الصُّفة بأسرار وعُلوم لم يكن يُبيِّنها لغيرهم ، حتى كان الصحابة بعد رسول الله ﷺ يُنكرون على أبي هريرة فيقولون : أكثَرَ أبو هريرة الكلام عن رسول الله . وكان يتألم لهذا ويقول : مالَهم؟ إنهم شَغَلَتهم أموالهم وزراعتهم وتجارتهم وأنا كنتُ مع رسول الله ﷺ بملء بطني ، ووالله لولا آية من كتاب الله ما سَمِعوا مني كلمة عن رسول الله ﷺ وهي قوله تعالى ﴿إنَّ الذينَ يَكتُمُونَ ما أنْزَلنا مِنَ البَيِّناتِ والهُدىٰ من بَعدِ ما بَيَّناهُ للناسِ في الكِتابِ أُولـٰئكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ ويَلعَنهُمُ الَّلاعِنونَ﴾ (البقرة: 159) ، مما تقدم يتضح لنا جلياً أنَّ المسارعين إلى القيام بالبر والتقوى ، المُقتفين لآثار السلف الصالح ، يُنكر عليهم غيرهم ممن سمعوا من علماء الدنيا ، وتربوا على أيديهم وأهَّلواْ أنفسهم ليكونواْ عُمالاً للسلاطين ، وشتَّان بين من أقبل بقلبه وجسمه على ربه ، وبين من حصَّل العلم لينتفع به في دنياه .

قال تعالى ﴿وٱصبِر نَفسَكَ معَ الذينَ يَدعُونَ رَبَّهمْ بالغَداةِ والعَشيِّ يُريدُونَ وَجْههُ﴾ (الكهف: 28) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب_مشارق_البيان

للإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم

لماذا الطريقة العزمية (23)

لما كان السالك في طريق الله تعالى لابد وأن يكون ملمًّا بما هو ضروري له في سيره وسلوكه؛ بيَّن الإمام المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم في كتابه: "دستور آداب السلوك إلى ملك الملوك" مفهوم السنة والإجماع والرأي وأسهم الإسلام، مما سنذكر بعضه، حتى تصح للمريد إرادته وتحسن بدايته، ويسير على الطريق المستقيم، سابحاً بفكره في بحار علوم الشريعة، ممتعة رُوحه بما يقوم به من عبادة وعمل، ساكنة نفسه بما يتحقق به كمال الإيمان وحق اليقين، قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) "النحل:44"...