ـ العلماء منهم من شدَّد في تحري السند قياماً بالواجب عليه فلم تصح عنده أحاديث كثيرة ، ومنهم من سهَّل .
• والذي أراهُ التوسط ، فما كان من أخبار رسول الله ﷺ متعلقاً بحكم من أحكام الشريعة في عقيدة أو في عباده واجبة ، أو في معاملة مفروضة ، أو في أخلاق فاضلة أوجبها الله تعالى ، فالواجب الأخذ بالأحوط منها وقبول ما ورد بالمراتب الثلاثة فقط ، كمرتبة المتواتر والمشهور والصحيح بمراتبه كالحسن والعزيز وباقي الأقسام متعلق بنوافل البر وفضائل الأعمال .
• وما يحث على الأخذ بالعزائم ، فذلك ما ٱستحسن العلماء والربانيون فيه الأخذ به من غير تشديد بسنده تَوسعةً في الرواية ، عملاً بقوله ﷺ [ حدِّثواْ عنِّي بكُلِّ خير ، وإن لم أكُن قُلته فإنِّي أقولُ كل خيرٍ ] رواه عن شيوخه أبو طالب المكي في كتاب (قوت القلوب) .
• أما التشديد والتجريح الذي توسَّع فيه علماء الحديث في مثل هذه الأحاديث الشريفة التي تحث على فضائل الأعمال ، ونوافل البر ، والإقبال على عمل الخير ، فذلك ما يُوقِف عزائم الناس عن المسارعة إلى نيل رضوان الله الأكبر ، كما ورد في الحديث الصحيح بسند الإمام البخاري رضي الله عنه يقول : قال ﷺ : [مَن آذىٰ لي وَليَّاً فقد آذَنتُهُ بالحرب . وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ من أداء ما ٱفترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقَرَّب إليَّ بالنَّوافِل حتَّى أحبه] .
من هذا الحديث يظهر لنا جلياً أنَّ التقرب إلى الله بالنوافِل ، بعد تأدية الفرائض من مُوجبات محبة الله ، وهو الشرف الذي ليس فوقه شرف . وأنَّ القيام بالمأمورات والبُعد عن المَنهيات قيام بالواجب الذي لا يستحق عليه فاعله نوال محبة الله تعالى .
تلك الأحاديث التي تضمَّنت الحث على تلك الأعمال الفاضلة والقربات المُوصلة في الغالب لأفراد خصوصيين أو في بعض رجال من أهل الخاصة .
️أمَّا الأحاديث التي تتعلق بالأحكام الشرعية ، والحكم العمرية والزمنية ، فإنَّ رسول الله ﷺ كان يُلقيها على المجتمعات التي تضم الوُفود وغيرهم ، وكان مُقتضىٰ الحكمة المحمدية أن يخاطبهم على قدر عقولهم . وقد كان رسول الله ﷺ يخص (علياً) عليه السلام ، وأبا بكر رضي الله عنه ، بل وجميع أهل الصُّفة بأسرار وعُلوم لم يكن يُبيِّنها لغيرهم ، حتى كان الصحابة بعد رسول الله ﷺ يُنكرون على أبي هريرة فيقولون : أكثَرَ أبو هريرة الكلام عن رسول الله . وكان يتألم لهذا ويقول : مالَهم؟ إنهم شَغَلَتهم أموالهم وزراعتهم وتجارتهم وأنا كنتُ مع رسول الله ﷺ بملء بطني ، ووالله لولا آية من كتاب الله ما سَمِعوا مني كلمة عن رسول الله ﷺ وهي قوله تعالى ﴿إنَّ الذينَ يَكتُمُونَ ما أنْزَلنا مِنَ البَيِّناتِ والهُدىٰ من بَعدِ ما بَيَّناهُ للناسِ في الكِتابِ أُولـٰئكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ ويَلعَنهُمُ الَّلاعِنونَ﴾ (البقرة: 159) ، مما تقدم يتضح لنا جلياً أنَّ المسارعين إلى القيام بالبر والتقوى ، المُقتفين لآثار السلف الصالح ، يُنكر عليهم غيرهم ممن سمعوا من علماء الدنيا ، وتربوا على أيديهم وأهَّلواْ أنفسهم ليكونواْ عُمالاً للسلاطين ، وشتَّان بين من أقبل بقلبه وجسمه على ربه ، وبين من حصَّل العلم لينتفع به في دنياه .
قال تعالى ﴿وٱصبِر نَفسَكَ معَ الذينَ يَدعُونَ رَبَّهمْ بالغَداةِ والعَشيِّ يُريدُونَ وَجْههُ﴾ (الكهف: 28) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم