فى الوقت التى أثبتت فيه النصوص القرآنية أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا ينفصل عن الأمة ولا يغيب عنها كقوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[التوبة : 105] والتى تثبت أن حضرة النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - يرى أعمالنا ، وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)[الأحزاب: 45] والشاهد مطالب بحقيقة ما يشهد به ، وفيها إثبات بشهود سيدنا رسول الله أعمال العباد ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[سورة النساء :64] وفيها إثبات إلى ضرورة اللجوء إلى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند العثرات لنجد الله توابا رحيما . والتى أثبتها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – بقوله : (حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم ووفاتى خير لكم تعرض على أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) ثم يخرج علينا الوهابية لينكروا كل ذلك مشككين فى صحة الحديث السابق .
وقبل البدأ فى إثبات صحة الحديث نسألهم : ماذا ستفعلون مع النصوص القرآنية السابقة ؟ أهى آيات موضوعة فى كتاب الله ؟!!! حاشا ... ولكن ما أستطيع أن أقوله : قاتل الله الجهل ، فلو أنهم قرأوا ما جاء فى تفسير قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ.....الآية) لعلموا أن الأمة تحتاج إلى استغفار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأكتفى بما ذكره ابن كثير والقرطبى .
- فى تفسير القرآن العظيم لابن كثير : (قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[سورة النساء :64] يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده ، ويسألوه أن يستغفر لهم ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ، ولهذا قال : لوجدوا الله توابا رحيما ، وقد ذكر جماعة منهم : الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه " الشامل " الحكاية المشهورة عن العتبي ، قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :يا خير من دفنت بالقاع أعظمه صلى الله عليه وآله وسلم - فطاب من طيبهن القاع والأكم صلى الله عليه وآله وسلم - نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه صلى الله عليه وآله وسلم - فيه العفاف وفيه الجود والكرم ، ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال : يا عتبي ، الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له).
- وفى الجامع لأحكام القرآن للقرطبى : (قوله تعالى : وما أرسلنا من رسول " من " زائدة للتوكيد . إلا ليطاع فيما أمر به ونهى عنه . بإذن الله " بعلم الله . وقيل : بتوفيق الله . ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك روى أبو صادق عن علي قال : قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه ؛ فقال : قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عليك ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي . فنودي من القبر إنه قد غفر لك . ومعنى لوجدوا الله توابا رحيما أي : قابلا لتوبتهم).
أما حديث : (حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم ووفاتى خير لكم تعرض على أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) فقد رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ، وذكره الكثير من العلماء مؤكدين على صحة الرواية ، وهم كما يلى :
- الهيثمي فى "مجمع الزوائد" كتاب علامات النبوة - باب ما يحصل لأمته -صلى الله عليه وآله وسلم- من إستغفاره بعد وفاته .
- ابن كثير- البداية والنهايه - سنة إحدى عشرة من الهجرة - ذكر ما أصاب المسلمين من المصيبة العظيمة بوفاته .
- ابن كثير - السيرة النبوية - الجزء : ( 4).
- ابن حجر العسقلاني - المطالب العالية - كتاب المناقب . برواية أخرى وفيها : (قال : الحارث : ، ثنا : الحسن بن قتيبة ، ثنا : جسر بن فرقد ، عن بكر بن عبد الله المزني ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : حياتي خير لكم ، تحدثون ونحدث لكم ، وموتي خير لكم ، تعرض علي أعمالكم ، فما كان من حسنة حمدت الله عليها ، وما كان من سيئة إستغفرت الله لكم ، حديث خالد بن الوليد في شعر ناصية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ، في مناقب خالد بن الوليد ).
- مسند البزار - البحر الزخار .
- مسند الحارث - كتاب علامات النبوة - باب في حياته ووفاته برواية أخرى وفيها : (حدثنا : الحسن بن قتيبة ، ثنا : جسر بن فرقد ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ، فما كان من حسن حمدت الله عليه ، وما كان من سيئ استغفرت الله لكم) .
- محمد بن سعد - الطبقات الكبرى - الجزء : ( 2 ) .
- إسماعيل بن إسحاق - فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.
- السيوطي فى الجامع الصغير- الجزء [1] .
- المتقي الهندي فى كنز العمال الجزء [11] .
- العجلوني فى كشف الخفاء الجزء [1]
- حسن بن علي السقاف فى إرغام المبتدع الغبي .
- محمود سعيد ممدوح فى رفع المنارة .
- الصالحي الشامي فى سبل الهدى والرشاد الجزء : ( 12) .
- الجهضمي فى فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- .
- الحارث بن أبي أسامه فى بغية الباحث .
وبعد كل ما ذكر نتوجه بقلوبنا إلى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مستجيرن به أن ينظر إلى الأمة نظرة تحيا بها ، وأن يستغفر لنا ما بدر منا ، فقد فاض الكيل وضاق الصدر ، كثرت الخيانة ، وتهدمت المبادىء ، ونسيت الأخلاق ، حتى صار المجتمع الإسلامى لا ينم عن الهوية الحقيقية للإسلام السمح الذى من شأنه يرتقى بالبشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور .