(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) بيَّن سبحانه وتعالى أنهم لا قدرة لهم على معارضة القرآن الكريم، ليكون ذلك أحرى في إغرائهم على العمل إن قدروا، وفي قوله سبحانه: (وَلَن تَفْعَلُواْ) إخبار عن الغيب الذي وقع بعد، وهو من معجزات القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى أخبرنا أنهم عاجزون عن الإتيان بمثل سورة من القرآن، فكان كما أخبرنا القرآن، و:لَن؛ لنفى المستقبل تفيد تأبيد النفي، وصدق الله العظيم.
(فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) نار الآخرة هي حقيقة المكان، وليست كنار الدنيا التي يلزم أن تتقد في القابل ويوضع فيها ما يراد الانتفاع بالنار فيه؛ كوضع الحديد ليلين، والخبز لينضج، ولكن نار الآخرة وقودها الناس والحجارة، كأنها مسعرة بغير الحقائق التي تزيد عليها، وكأن الناس المعهودين هم الكفار كما قال تعالى: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) وأتى هنا بذكر الحجارة ليفيد أن الحجارة تلتهب من شدة سعير النار، فإذا كانت الحجارة تلتهب فكيف بجسم الإنسان؟.
ومعنى قوله تعالى: (فَاتَّقُواْ النَّارَ) أي: تباعدوا عما يوقع فيها، من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أهل الكبائر سترت عنهم حقائق أتى بها القرآن:
ليس المراد بأنه لا يدخل النار إلا من كفر بالله فقط، بل إن أهل الكبائر الذين لم تخرجهم الكبائر إلى الكفر بالله يدخلونها للتمحيص زمنًا، فمرتكب الزنا، وشارب الخمر، والقاتل، والسارق، وآكل مال اليتيم، وآكل الربا؛ كل هؤلاء يدخلون النار إذا لم يتوبوا لأن هذا كفر، لكنه ليس كفرا بالله سبحانه، بمعنى أن هؤلاء سترت عنهم حقائق أتى بها القرآن، منها قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)"الحديد:4".
والكفر في اللغة: هو الستر، فجاحد ربه أو المتخذ نظائر لله أو المعتقد الألوهية لغير الله: هؤلاء كفار بالله، وأما المسلم الذي لا يراعي آيات القرآن في عبادته وعمله وفي المنهي عنه؛ فهو كافر لغة، مستحق للتطهير في النار لتنكشف له تلك الحقائق جلية، فلا يدخل النار مؤمن كامل، ولا يدخل الجنة قليل الإيمان إلا بالتوبة منه في الدنيا، أو بعفو وشفاعة يوم القيامة.
المؤمن بين الرجاء والخوف:
وليس لنا أن نحكم على الله تعالى، ولكن الواجب علينا أن نراعي آداب الشريعة، وآداب الشريعة تقتضي أن يكون المؤمن بين الرجاء والخوف، فلا ييأس من روح الله، ولا يأمن جانب الله، وهذا أكمل حال المؤمن، فينطبع على المحافظة على اتباع الشريعة ويخاف من مخالفتها.
ومن كمال عدل الله سبحانه أن يجازي المطيع بالثواب، ويعاقب المخالف بالعذاب، والحكمة تقتضى أن يكون الثواب في دار النعيم، والعقاب في دار الجحيم -أعاذنا الله منها- وذلك يقتضي أن تكون هناك قيامة بعد الموت، وهو الحشر والنشر والحساب، وفي هذا السياق أشار الإمام إلى كتابه: "النشأة الثانية" الذي فصَّل فيه موضوع البعث بعد الموت، فليطالعه من أحب.